التلاعب بالطلاق
إن مما وقع فيه كثير من الناس التهاون بأمر الطلاق، جهلا بأحكامه، وتلاعبا به، وغفلة عن عواقبه، وإيقاعا له في غير محله واستخفافا وتهورا وطيشا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فاتقوا الله في أمر الطلاق، فإن الطلاق شريعة محكمة وليس أهواء متحكمة ولا انفعالات طائشة ولا كلمات فارغة.
إن التلاعب بالطلاق والتهاون بأمره تلاعب بكتاب الله يوجب سخطه وعقوبته، ففي الحديث أن النبي[ أخبر أن رجلا طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا؛ فقام[ وهو غضبان، ثم قال: «أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم» (أخرجه النسائي 3348) من طريق سليمان بن داود عن محمد بن عبدالله بن وهب، قال: أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت محمود بن لبيد وسنده صحيح، فقام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ رواه النسائي. فاتقوا لله أيها الأزواج واعرفوا لهذا الأمر حقه؛ فإن الله جل وعلا قد فرض فيه فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها.
إن من المؤسف المحزن أن كثيرا من سفهاء الأحلام تهاون في أمر الطلاق فترى الواحد من هؤلاء يجري الطلاق على لسانه عند أدنى استفزاز ولأوهى سبب، لا يراعي في ذلك لله أمرا ولا نهيا، ولا يقيم فيه لشرع الله وزنا، ومن هؤلاء الرجال من يطلق الطلقات الكثيرة في مناسبات عديدة دون أن يلتزم بمقتضى هذه الكلمات؛ فتجده يعاشر المرأة ويبقيها معه مع أنه طلقها مرارا وتكرارا وهي لا تحل له! زنى وسفاح فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن صور التهاون في أمر الطلاق ما يفعله بعض الجهلة وضعفاء العقول من الحلف بالطلاق، فما أكثر ما تسمع من أحدهم قوله: علي الطلاق، عند تأكيده لأمر أو نفيه له، أو حث عليه أو منع منه، وبعضهم يقول: علي الطلاق بالثلاث!! ولاشك أيها المؤمنون أن من جعل الطلاق يمينه على طرف لسانه يردده عند كل تأكيد أو نفي أو حث أو منع؛ أنه مستهين بهذا العقد متلاعب به، وأنه على خطر كبير.
إن من صور الاستهانة بالطلاق تهديد المرأة به عند كل عارض؛ فتجد الواحد من هؤلاء المستهترين يهدد زوجته بالطلاق بكرة وعشيا، ولاشك أن هذا ليس من العشرة بالمعروف وأنه ضرب من التهاون والتلاعب، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
فياأيها الأزواج اتقوا ربكم واستوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن عوان عندكم، وعظّموا حرمات الله وشعائره لعلكم تفلحون.
إن الله تعالى قد شرع الطلاق لحكمة بليغة؛ فإن هذه الكلمة بقدر ما تكون مؤلمة موجعة قاسية إذا كانت في غير محلها، تكون عذبة مفرحة مفرجة إذا كانت في محلها على الوجه الذي شرعه الله تعالى.
وإذا أراد أحدكم الطلاق في الحال التي يجوز فيها الطلاق؛ فليطلق مرة واحدة لا أكثر؛ فإن ما زاد على الطلقة الواحدة طلاق بدعي محرم، وإن من العجب أن بعض ضعفاء العقول يطلق ثلاث تطليقات جميعا ثم يندم بعد ذلك؛ فيشرق ويغرب بحثا عمن يفتيه بعدم الوقوع، سفها وحمقا وجهلا وطيشا.
وإن على من أراد الطلاق أن يطلق زوجته في طهر لم يجامعها فيه؛ فلا يحل له أن يطلقها وهي حائض، ولا في طهر جامعها فيه إلا إن كان قد تبين حملها؛ فإن الطلاق في الحمل جائز واقع لا حرج فيه.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا له فيه رجعة؛ فإن الواجب عليه ألا يخرج المرأة من البيت حتى تنتهي عدتها، فهي زوجته ما دامت في عدة الطلاق الرجعي؛ فاتقوا الله في أمر الطلاق وتأنوا فيه؛ فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.
لاتوجد تعليقات