شباب الأمة بين رياح التحدي ودور الوالدين
الشباب مصدر طاقة الأمة وقوتها، وهم عماد الحاضر وسواعد البناء، وحَمَلة مشعل المستقبل، ومنجم أفكارها الخلاقة، وهم مرحلة العطاء المتدفق، والهمّة العالية، والطموح الذي لا يعرف الحدود، في عقولهم تُصنع الأفكار، وبأيديهم تُحقق الإنجازات.
- ولا شك أنهم في كل زمان تحيط بهم التحديات، وأحيانًا المخاطر الجسام، ومن ذلك في عصرنا هذا: الغزو الفكري والثقافي والفراغ الروحي في زمن الفضاء المفتوح؛ حيث يتعرض الشباب لتيارات مضللة تارة، وتحررية منفلتة تارة أخرى، وما لم تكن لديهم المناعة الإيمانية والفكرية، فإنهم قد يكونون فريسة سهلة للشبهات والإلحاد والفساد الأخلاقي عبر الشاشات، ويضاف إلى ذلك مخاطر التفكك القيمي.
- وقد يجرّ ذلك إلى إضعاف ارتباطهم بلغتهم ودينهم وتقاليدهم الأصيلة؛ ما يؤدي إلى انسلاخ تدريجي وصراع داخلي يهدد الهوية والانتماء.
- ولعل من أبرز مظاهر ذلك: الإدمان الرقمي والعزلة الاجتماعية؛ حيث حوّلت الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي الصغيرة كثيرين منهم إلى جزر معزولة، واعتراهم الضعف في مهارات التواصل الحقيقي، وإضاعة الوقت، بما يهدد بالوقوع في دوامة الاكتئاب والقلق، وصار الواقع الافتراضي عالمهم الذي يهربون إليه من مسؤوليات الحياة، ولا سيما مع انتشار البطالة والإحباط الاقتصادي في كثير من الدول؛ حيث يعاني كثير من الشباب عدم توفر فرص العمل الملائمة، أو صعوبة تأسيس ذواتهم اقتصاديا؛ ما يولد شعوراً بالإحباط والعجز، ويهدد طاقاتهم بالإهدار، وقد يدفع بعضهم للبحث عن مخارج غير مشروعة.
- ومع ضعف الهمة وغياب الوازع الديني، وغياب القدوات الحيّة أحياناً أخرى، تتسلل ظواهر خطيرة تتعلق بالوقوع في براثن العلاقات المحرّمة؛ ما يحرمهم فرصة تأسيس كيان أسري قائم على مرضاة الله..
وأمام هذه العواصف، يبرز واجب الآباء والأمهات ليس بوصفهم مراقبين فحسب؛ بل بوصفهم شركاء في الرحلة، لا قضاة؛ وينبغي هنا أن يكون الأبوان صديقين يسمعان قبل أن يعلّما، ويحاوران قبل أن يوجّها؛ فالعلاقة القائمة على الثقة والاحترام هي الجسر الوحيد المؤدي إلى قلوب الأبناء وعقولهم، ولا بد أن يكونوا قدوة عملية قبل أن يكونوا ناصحين؛ فالشباب يراقبون السلوك قبل أن يصغوا للكلام، وصلاح الوالدين، وتعاملهما الأخلاقي، والتزامهما الديني، واشتغالهما بالعلم والمصلحة العامة؛ فهذه كلها رسائل إيجابية مؤثرة، أبلغ من أي خطبة؛ من أجل بناء مناعة إيمانية وفكرية لبناء الشخصية الواثقة والقادرة على النقد والتمييز، وذلك عبر تعزيز العلم الشرعي بالمنهج الوسطي، وربطهم بالعلماء الربانيين والقدوات الصالحة.
وبذلك يكون الوالدان داعمين لأبنائهم من خلال تشجيعهم على الإبداع والمبادرة، وتمكينهم من اتخاذ القرارات المناسبة لأعمارهم، وتحمّل تبعاتها، في سبيل بناء الشخصية القيادية الواثقة.
- ولا بد أن يكون ذلك في بيت يمثل الملاذ الأسري الآمن، والحضن الدافئ؛ لتوفير الأمان النفسي والعاطفي وفق ما شرع الله -عز وجل-، ولا بد أن يجد الشاب في ذلك البيت القبول والدعم العاطفي غير المشروط، فيشعر بالقوة والأمان الكافي لمواجهة تحديات العالم الخارجي.
لاتوجد تعليقات