رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 أكتوبر، 2024 0 تعليق

رعاية الإسلام لكبار السن

  • كبير السن يعيش في كنف المجتمع المسلم ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين وامتدت المعاملة لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين
  • كبير السن في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين ولم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم
 

لكبير السنّ مكانته المتميزة في المجتمع المسلم؛ فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام، يحدوه في ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا»، ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته - صلى الله عليه وسلم - مع المسنِّين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنِّين.

وتقوم رعاية كبار السن في الإسلام على أسس عدة، وأبرز هذه الأسس ما يلي:

(1)  الإنسان مخلوق مكرم ومكانته محترمة

          يقول الله -عز وجل-: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70)، لقد أسجد الله له ملائكته حين خلقه، قال -تعالى-: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين (7) فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون}(ص:71-73)، وهو سجود إكرام وإعظام واحترام، كما ذكر المفسرون، فالمسن له منزلته ومكانته في الإسلام عموما، أخذا من عموم الآيات، إلا أنه مع ذلك له منزلة خاصة كما سنرى.

(2) المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك

           قال -تعالى-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }(الفتح:29)، وقال -تعالى واصفا المؤمنين-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة}(البلد:17)، ويصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد، ففي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

(3)  جزاء الإحسان في الإسلام الإحسان

قال الله -تعالى-: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}(الرحمن:60)، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، ونفع عبيده، إلا أن يحسن خالقه إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير والعيش السليم. والأمور في هذه الدنيا تجري وفق سنن الله -تعالى- في كونه التي منها أن الجزاء من جنس العمل{جَزَاءً وِفَاقاً} (النبأ:26)، فإذا أحسن الشباب للشيوخ كان ذلك سببا لأن يقيّض الله لهؤلاء من يكرمهم عند كبرهم.

(4)  كبير السن المؤمن له مكانته عند الله

         تضافرت الأحاديث الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن المؤمن لا يزاد في عمره إلا يكون خيرا له، فلقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يتمنَّى أحدُكم الموتَ ولا يدعو به قبْلَ أنْ يأتيَه؛ إنَّه إذا مات انقطَع عملُه وإنه لا يزيدُ المؤمنَ عُمُرُه إلَّا خيرًا».

(5) توقير الكبير من سمات المجتمع المسلم

          يتصف المجتمع بصفات كريمة، منها: توقير الكبير في السن، وقد تواتر حثُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إكرام الكبير، وتوقيره، ومن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم....» الحديث.

رعاية الوالدين مظهر من مظاهر رعاية كبار السن

         لقد أوصى الله بالوالدين خيرًا، وأمر ببرِّهما وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته، قال -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}(الإسراء:23)، كما جعل شكره قرينا لشكر الوالدين، قال -تعالى-: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير}(لقمان:14)، وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها، وعكس ذلك فقد جعل الشرك قرين العقوق لهما، ففي الحديث أن الكبائر ذُكرت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: « الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين « ونهى الله -عزوجل- عن نهرهما بأدنى الكلمات، وهي: أف.

المرتبة الثانية بعد الصلاة

         ولقد أتى بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، في محبة الله، لما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قال ثم أي ؟ قال: «بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذا من الحديث: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنت ومالك لأبيك». ولا يقتصر بر الوالدين على الوالد المسلم أو الأم المسلمة، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرين، وليس هذا فحسب، بل وإن جاهداه ليشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك. روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص: أنه نزل فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثا حتى غشى عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله -عز وجل- الله هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}(العنكبوت:8)، وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}(لقمان:15).

خلق متوارث

        ولقد تطبّع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره انقيادا لتعاليم دينهم، واتباعًا لسنة رسولهم - صلى الله عليه وسلم -، فكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - من أشد الناس توقيرًا لإخوانه، ولمن هو أسن منه، فيروى عند المروزي أنه جاءه أبو همام راكبًا على حماره، فأخذ له الإمام أحمد بالركاب وقال المروزي: رأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ.

معاملة خاصة تتميز عن الآخرين

         إذاً فكبير السن في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين، ولم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين، فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف عمر - رضي الله عنه - مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير، فيذكر أبو يوسف في كتابه «الخراج»، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال: من أيّ أهل الكتب أنت؟ قال: يهودي. قال : فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.

أنواع من الرعاية العامة

        وإضافة لتلك الرعاية الخاصة يمكننا: أن نلمس أنواعا من الرعاية العامة لكبار السن، وذلك حينما تعجز الأسر عن تقديم الرعاية اللازمة للمسن، أو حينما لا يكون هناك ثمة راعٍ أو معين لذلك المسن، فلقد برز في المجتمع المسلم ما يسمى (بالأربطة) وهي أماكن تُهيَّأ وتُعد لسكنى المحتاجين، وأصبح بعضها ملاجئ مستديمة لكبار السن، فالأصل هو رعاية المسن في أسرته فهو قربة لله -عز وجل- ثمَّ الفرع وهو ظهور هذه المؤسسات الاجتماعية مثل: الأربطة، والأوقاف، والدور الاجتماعية، وهي في نبعها جهود شعبية من أفراد المجتمع المسلم، ثمَّ دخلت الدولة في تنظيمها والإشراف عليها.

رعاية كبار السن في الحروب

        لم يعرف العالم الحديث آداب الحرب إلا في القرن الماضي، في حين جاء بها الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، فها هي ذي سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنطلق يمنة ويسرة ناشرة الخير والنور، ولقد اشتملت وصاياه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده إلى الجيوش على عدد من التوجيهات والوصايا وشملت جوانب عدة منها: العناية بالشيوخ وكبار السن والاهتمام بهم، وكان الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيشاً أو سرية دعا صاحبهم، فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثمَّ قال :»اغزوا بسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا وتغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك