أخي الطالب: كيف تقضي إِجَازَة صَّيْفِيَّة سعيدة وهادفة؟
نِعَمُ اللَّهِ -تعالى- على عباده كثيرة لا تُحْصَى، ولم يجرؤ أحد من البشرية على طول تاريخها أَنْ يحسب ويحصي تلك النِّعَمَ لكثرتها واستمرارها ويسرها، وتتابع إنعام الله بها، وصدق الله العظيم؛ إذ يقول: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا} (إبراهيم: 34)، وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه النعم في حديث واحد محذرًا من التفريط فيهما فقال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، والمغبون هو مَنْ يبيع السلعة بأقل من ثمنها أو يشتريها بأكثر من ثمنها، والمقصود أَنَّ غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محلهما، وتجتمع هاتان النعمتان- مع غيرهما من النعم- في الإجازة الصيفية للشباب؛ ولَمَّا كان سوء توظيفهما وضياعهما يعرض الشباب والأمة لخسران مبين، أردت أَنْ أرشدهم إلى كيفية استغلال هذه الإجازة بما يعود عليهم وعلى الأمة بالنفع في الدنيا والآخرة.
فأقول: لكي يستفيد المسلم من إجازته تمام الاستفادة - وفي الوقت نفسه يستمتع بها -عليه أمران:
- الأمر الأول: التخلي عن الرذائل التي تجتمع وتتكاثر في هذه الفترة، وسأتحدث عنها تحت عنوان: (المحذورات).
- الأمر الثاني: التحلي بالفضائل وسأتحدث عنها تحت عنوان: (المقترحات).
المحذورات
رفقاء السوء
للرفقة أبلغ الأثر في سلوك المرء؛ فالصاحب ساحب، والطبع سرَّاق؛ فَمَنْ جالس الأشرار وعاشرهم فلابد أَنْ يتأثر بهم، ويقتبس من أخلاقهم؛ فمجالستهم تسوق بصاحبها إلى الحضيض؛ فكلما همَّ بالنهوض والتحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن مساوئها أعاقوه؛ فعاد إلى غَيِّه، واستمر على جهله وسفهه؛ فعلى المسلم أَنْ يقلع عن صحبة السوء، وأَنْ يصحب أولي الهمم العالية من الصالحين، وعليه أَنْ يعلم أَنَّ العبد ليستمد من لحظ الصالحين قبل لفظهم؛ لأَنَّ رؤيتهم تذكره بالله -عز وجل- وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ».
الفراغ
يعد الفراغ و وفرة الوقت لدى الناس -والشباب خاصة- مشكلة من المشكلات الكبيرة التي يعانون منها؛ فكثير من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة كان الفراغ من أهم الأسباب الدافعة إليها؛ إذ إِنَّ وفرة الوقت دون عمل نافع- أيًا كان- يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية، والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة؛ فيبدي له من التصورات والأفكار الجديدة والكثيرة، ما لا يمكن أن يحصل أثناء الانشغال بعمل ما.
وتعود مشكلة الفراغ في حقيقتها إلى الفراغ الروحي، وخواء القلب من كمال الإيمان الذي يشعر بالأنس والاطمئنان، كما أَنَّ الفراغ يجعل الشاب ثقيل الظل في البيت، كثير المشكلات، كثير الأوامر والنواهي، إذا دخل فهِد وإذا خرج أسِد؛ لذلك قال الحكماء: الفراغ والجدة-أي الغنى واليسار- مفسدة للمرء أَيُّ مفسدة.
التسويف
التسويف بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم،وهو من جنود إبليس المقربين، وقد أجاد أحد السلف حينما سأله مَنْ حوله النصيحة؛ فقال لهم: «احذروا التسويف»، وعن الحسن البصري قال: «إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك»، وكتب أحدهم إلى أخيه: «إياك وتأمير التسويف على نفسك أو إمكانه من قلبك»، ويلاحظ أَنَّ بعض الشباب يستطول الإجازة، ومِنْ ثَمَّ يسوف لنفسه آجالاً ويقول: سأبدأ غَداً سأفعل غَداً، وتنقضي الإجازة يوما بعد يوم، وتنصرم الشهور ولم يفعل مِنْ ذلك شيئًا، ولا شك أَنَّ هذا من تلبيس إبليس.
الإعلام المدمر
لا يخفى على أحد أَنَّ كثيرا من وسائل الإعلام مُسَخَّرَةٌ اليوم لإشاعة الفاحشة، والإغواء بالجريمة، والسعي بالفساد في الأرض؛ فهي خطة للهدم استعملت فيها كل الوسائل لتدمير هذا الدين والقضاء عليه بطريق مباشرة أو غير مباشرة؛ فاحذر أَنْ تسول لك نفسك أو يسول لك الآخرون؛ فيخدعوك بأَنْ هذا ترويح عن النفس؛ فما هو بترويح، بل هو السم الزعاف، والعائدون إلى ربهم من هذا الطريق الموحش يعرفون ذلك ويقرون به بعد أَنْ خبروا أسراره وتجرعوا غصصه، ولا يعني هذا أَنْ تخاصم النافع والمفيد منها؛ فأنت تعرف جِيدًا عن أي نوع أتحدث، وأي نوع أقصد!!
المقترحات
ما سبق من المحذورات إذا تجنبها المسلم يكون قد قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق هدفه، وبقي الشوط الثاني وهو التحلي بالفضائل، وسأقترح الآن عليك منهجًا عمليًا تقوم فيه بترويض نفسك على طاعة الله من جهة، واكتساب مهارات تصقل الشخصية من جهة أخري، وذلك في النقاط التالية:
ابحث لك عن عمل
- أولاً: ابحث لك عن عمل ولا تنظر إلى العائد المادي منه، ولو متدربا في ورشة للصيانة والإصلاح، أو مرافقا لصاحب مهنة؛ فللعمل مزايا وفوائد لا تحصى منها: يعلم الصبر والمثابرة، والجدية في العمل، وكسر حاجز الخوف من التعامل مع الناس، وتنمية روح العمل في فريق، ومن خلاله يتخلص الإِنسان من عادات سيئة، كالكسل، والفوضى، والتسويف وسرعة الملل، وحدة الطبع، والفردية، كما أَنَّه يشبع حاجاته النفسية، كالحاجة إلى الاحترام والتقدير والإِحساس بالذات.
ألم تعلم أَنَّ داود كان حدادًا، وزكريا كان نجارًا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، بل ما من نبي إلا ورعى الغنم كما في الحديث الشريف، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم من كان يحمل على ظهره كي يحصل على مال يتصدق به، وليس هذا بعيب ولا منقص من قدرهم.
خدمة أهل بيتك
- ثانيًا: من أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ يَخْصِفُ النعل ويقم البيت-أي ينظفه- ويخيط الثوب، وقد سُئِلَتْ عَائِشَةُ: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ، وقالت أيضا: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ؛ فضع في برنامجك خدمة أهل بيتك وقضاء حوائجهم، ومن ذلك زيارة الأرحام والاطمئنان عليهم والتفاني في خدمتهم، ولاسيما إذا كانوا في حاجة لذلك.
داوم على الحفظ
- ثالثًا: احفظ كل يوم ولو عشر آيات وارتبط بمقرأة لتتعلم أحكام التلاوة، وإذا كنت أتقنتها فحافظ عليها- أي المقرأة- من أجل أن تكون من القوم الذين يجتمعون في بيت الله لتلاوة القرآن ومدارسته، تحفهم الملائكة، وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله فيمن عنده.
أذكار الصباح والمساء
- رابعًا: حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من الاستغفار، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، واقتن كتيب (حصن المسلم)، واحرص على ألا يفارق جيبك.
حياة الصحابة والعلماء
- خامسًا: تعرف على حياة الصحابة والعلماء والصالحين لتقتدي بهم؛ فهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى وهم الذين ورثوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هديه وسمته وخلقه؛ فالنظر في سيرهم والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي بهم والاهتداء بهديهم.
ومما يعينك على هذا الأمر:الوسائط الحديثة كالشريط الإسلامي والقرص المدمج والفلاشات وغيرها فتلك نعمة كبرى، فلا تفارقك في حلك وترحالك، فعش مع أنفاس العلماء والدعاة- تَعَلُّمًا وتثقيفا -، واستمع كل أسبوعيا إلى قصة حياة ثلاث شخصيات أو أكثر، وليتك تخصص دقائق –ولو قليلة - لتستخرج بنفسك العبر والعظات من حياة كل شخصية، واجتهد في تلخيص المهم منها.
صلاة الجماعة
- سادسًا: شارك في بناء الأمة واحرص على صلاة الجماعة في المسجد، ومنها صلاة الفجر، وخذ بكل الأسباب الممكنة لذلك (المنبه - الهاتف - أحد الأصدقاء)، وتذكر دعاء الحبيب: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ»؛ ومما يجب أَنْ تكون على يقين منه أَنَّ توفيق الله لا يؤتاه خامل، أو كسول متقاعس عن أداء فرض الله.
تعاون مع إخوانك
- سابعًا: تعاون مع إخوانك بمسجد الحي في إقامة الأنشطة المتنوعة - علمية واجتماعية وتربوية وأدبية - ولا تنس أَنْ تشارك في نشاط أو أكثر من هذه الأنشطة.
اللهو المباح
- ثامنًا: من الضروري في أغلب أيام الأسبوع أَنْ تخصص وقتا لممارسة شيء من اللهو المباح، الذي يروح به المسلم عن نفسه؛ ففي الأثر: «روحوا القلوب سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ؛ فإِنَّ القلوب إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ»، والترويح المباح كثير -ولله الحمد- ومتنوع ومتعدد في وسائله حتى يتمكن كل فرد أَنْ يجد ما يناسبه.
جاهد نفسك
- تاسعًا: وأخيرًا، الأمة في أمس الحاجة إلى قلبك وعينيك، فلا تفسدها بيديك وجاهد نفسك على غض بصرك؛ فكُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَؤهَا مِنَ النَّظَرِ، وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، وستجد لذلك ثمرة عجيبة -إِنْ شاء الله-؛ فالجزاء مِنْ جنس العمل، و ليتك تنسخ قول ابن القيم وتحتفظ به قريبا منك- بعد أَنْ تتأمله وتتدبره-: «وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، الْمُضِرَّةِ بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله، منها: وَحْشَةٌ يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها ولا تقارنها لَذَّةٌ أصلا، ولو اجتمعت له لَذَّاتُ الدنيا بِأَسْرِهَا لَمْ تَفِ بِتِلْكَ الْوَحْشَةِ، وهذا أمر لا يحس به إلا مَنْ في قلبه حياة، وما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامٌ، فلو لم تُتْرَكِ الذنوب إلا حذرا مِنْ وقوع تلك الْوَحْشَةِ، لكان العاقل حَرِيًّا بتركها، وليس على القلب أَمَرُّ مِنْ وَحْشَةِ الذنب على الذنب؛ فالله المستعان.
ومنها: الْوَحْشَةُ التي تحصل له بينه وبين الناس، ولاسيما أهل الخير منهم؛ فَإِنَّهُ يجد وحشة بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الْوَحْشَةُ بَعُدَ منهم ومن مجالستهم، وحرم بركة الانتفاع بهم، وَقَرُبَ مِنْ حزب الشيطان، بقدر ما بَعُدَ مِنْ حزب الرحمن، وتقوى هذه الْوَحْشَةُ حتى تستحكم؛ فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه؛ فتراه مستوحشا مِنْ نفسه». انتهى كلامه -رحمه الله.
لاتوجد تعليقات