الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (2) أثر علماء الدعوة السلفية على الأمة
لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان. وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.
كل خير في دعاة الأمة إنما هو أثر من آثار العلماء السابقين وبركة من بركاتهم وكل شر فيهم إنما هو بالبعد عن منهاجهم وشؤم مخالفة نصائحهم وأقوالهم
المصيبة تعظم عند تصدر من ليس بأهل للعلم والاجتهاد في قضايا الأمة العظيمة مع اعترافه أنه ليس من مجتهدي الأمة وأنه ليس من الراسخين في العلم، فضلوا وأضلوا
يجب أن يعلم أن حل المعضلة الأمنية من الناحية العسكرية فقط لايكفي، بل يجب أن تكون ضمن الحلول المطروحة: النواحي الإعلامية، والفكرية والمنهجية؛ لأن تلك العقائد والأفكار المنحرفة راسخة في عقول الكثير، والدعوة إليها لها زمان طويل، وغفلة الكثير من الناس عنها جعلها تستشري في الأمة، رغم توضيح العلماء السلفيين لها لكن هذا التوضيح للشباب كان من خلال الدروس العلمية في المساجد وبعض المؤلفات، والنصائح لولاة الأمر، والفتاوى، مع علمهم بأنه لا يجوز سكوتهم عن الحق وكتمانه ولاسيما إذا تعين البيان، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «إذا سكتَّ أنتَ وسكتُّ أنا، فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟!».
قال الإمام أحمد في خطبة كتابه في (الرد على الجهمية) في وصفهم: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بكتاب الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين».
فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وقد نصحوا للأمة كما نصح الأنبياء لأممهم، وهم أبصر الناس في الفتن، وعن عبد الرحمن بن عبد ربِّ الكعبة. قال: اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال: «إنه لم يكن نبيٌّ قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجيء الفتن فيرقِّق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة، فلتأتهِ منيتُهُ وهو يؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يُؤتى إليه، ...».
فما من بدعة تُحْدَث إلا هيأ الله لها من يقوم بقمعها، وورد عن ابن عباس قال: «والله ما أظن على ظهر الأرض اليوم أحداً أحب إلى الشيطان هلاكاً مني، والله إنه لتحدث البدعة في مشـرق أو مغرب فيحملها الرجلُ إليَّ فإذا انتهت إليَّ قمعتها بالسُّنَّةِ فترد عليه»، قال ابن القيم: «وكلما أظهر الشيطان بدعة من هذه البدع وغيرها، أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها، ويحذِّر المسلمين منها نصيحة لله»، ومن أراد أن يعرف صحة فضلهم وخيرهم من عدمه فلينظر إلى ثمارهم وآثارهم، ومآلات أقوالهم.
فكل خير في دعاة الأمة إنما هو أثر من آثارهم، وبركة من بركاتهم، وكل شر فيهم إنما هو بالبعد عن منهاجهم، وشؤم مخالفة نصائحهم وأقوالهم؛ فوجب على الناس شرعاً أن يصدروا عن أقوالهم، وألا يخرجوا عنهم وعليهم، وأن يعرفوا لهم فضلهم وخيرهم.
أدعياء العلم
قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (التوبة:67)، قوله عزَّ وجل: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}، يعني نسوا نعم الله عندهم، فأنساهم شكر النعم، وهؤلاء لا يستحقون نصر الله -تعالى- لهم لقوله: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40)،
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ««ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه»، حتى تختلف التجار في البحر، وحتى تخوض الخيل في سبيل الله ثم يظهر قوم «يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرؤونه» يقولون من أقرأ منا من أعلم منا من أفقه منا؟!»
ثم قال لأصحابه: «هل في أولئك من خير؟»، قالوا الله ورسوله أعلم.
قال: «أولئك منكم من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار»، «دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» متفق عليه، وعن أَبي ذَرٍّ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِى عَلَى أُمَّتِى» قَالَهَا ثَلاثًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا الذِى غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخوفُكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: «أَئِمَّةً مُضِلِّينَ»، قال الإمام أحمد واصفاً حال أدعياء العلم والهدى من المبتدعين بأنهم: «يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدَّعون جهال الناس بما يشبِّهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين».
وقال ابن القيم : «قد أقام الله -سبحانه- لكل عالم ورئيس وفاضل من يظهر مماثلته، ويرى الجهالُ وهم الأكثرون مساجلته ومشاكلته، وأنه يجري معه في الميدان، ولا سيما إذا طوَّل الأردان، وأرخى الذوائب الطويلة وراءه كذنب الأتان، وهدر باللسان، وخلا له الميدان.
فلو لبس الحمارُ ثيابَ خَزٍّ
لقال الناسُ: يا لك من حمارِ!
وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل، وبالمناصب لا بالأهلية، قد غرَّهم عكوف من لا علم عنده عليهم، ومسارعة أجهل منهم إليهم».
فالمصيبة تعظم عند تصدر من ليس بأهل للعلم والاجتهاد في قضايا الأمة العظيمة، مع اعترافه أنه ليس من مجتهدي الأمة، وأنه ليس من الراسخين في العلم، فضلوا وأضلوا.
قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «لا يزال الناس بخير «صَالِحِينَ مُتَمَاسِكِينَ» ما أتاهم «أخذوا» العلم من قِبَل «أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -» وأكابرهم، فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم وشرارهم هلكوا».
وهم أنواع أهل الرأي، وقصاص، وأشباه طلاب العلم، وأنصاف العلماء، ومثقفون، وحزبيون أهل بدع وضلالات.
الرويبضة (أشباه طلاب العلم، والقُصَّاص، والمثقَّفون)
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
قال شيخنا الألباني رحمه الله: «ونحوه قول عمر رضي الله عنه : «فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير، تابعه عليه الصغير» وما أكثر هؤلاء (الصغار) الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ»، وقريب منه قول ابن مسعود رضي الله عنه : «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ فَإِذَا حَاكَ فِي صَدْرِهِ شَيْءٌ أَتَى رَجُلًا عَالِمًا فَسَأَلَهُ فَشَفَاهُ مِنْهُ وَأَيْمُ اللَّهِ لَيوشِكَنَّ أَنْ لَا تَجِدُوهُ» ، فالقضايا العامة، وأمور الأمة العظام لا يدخل فيها إلا أهل الفقه والعلم، والحكمة والعقل، فلا يؤخذ الدين والعلم والتوجيه عن الأصاغر، (أهل البدع)، ولا يؤخذ من الصحفيين، ولا المثقفين ولا الحركيين ولا المفكرين، ولا يؤخذ من فاسق ولا منافق وإن كان فصيحاً، عليمَ اللسان، متفيهقاً، حافظاً لكلام أهل العلم، بل حافظاً للنصوص، وفي الحديث: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافَ عَلَيْكُمْ بَعْدِي كل منافق عليم اللسان»، قال ابن الجوزي واصفاً حال هؤلاء: «أخذ هؤلاء يتكلمون فِي تفسير القرآن، وتارة فِي الحديث وتارة فِي الفقه وغير ذلك، وَالله -سبحانه- لا يخلي الزمان من أقوام قوَّامين بشرعه، يردُّون عَلَى المتخرصين ويبيِّنون غلط الغالطين»، فهؤلاء أضافوا مع جهلهم الهوى، واتباع الظن.، والرأي، والتخرص: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَىٰ} (النجم/23)، وأكثر هؤلاء مضطربون، ومتخبطون ولا يعرفون بم يستدلون؟! وصدق ابْنُ عُيَيْنَةَ: «وَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَشَدُّ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَذْهَبَ أَهْلُ الْعِلْمِ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «المتكلمون يحتج كل منهم بما يقع له من حديث موضوع أو مجمل لا يفهم معناه، وكلما وجد أثراً فيه إجمال نَزَّله على رأيه»، ومعظم المتدينين منهم قُصَّاص، أو أشباه طلاب علم، أو طلاب علم جيدون لكن حملهم الهوى على أن يخوضوا فيما خاض فيه الناس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أيضاً: «القُصَاص والجُهَّال ليس في كلام أحدهم تصوير للصواب، ولا تحرير للجواب كأهل العلم أولي الألباب، ولا عنده خوض العلماء أهل الاستدلال والاجتهاد، ولا يحسن التقليد الذي يعرفه متوسطة الفقهاء لعدم معرفته بأقوال الأئمة ومآخذهم.
والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل والتدليس ما يُنَفَّق على أهل الضلال والبدع الذين لم يأخذوا علومهم من مشكاة النبوة، وإنما يتكلمون بحسب آرائهم وأهوائهم فيتكلمون بالكذب والتحريف فيدخلون في دين الإسلام ما ليس منه، وإن كانوا لضلالهم يظنون أنه منه». وللحديث بقية إن شاء الله
لاتوجد تعليقات