رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 18 مارس، 2014 0 تعليق

88 عامًا من الأسْر الإيراني- الأحواز العربية .. القضية المنسية عربيًا ودوليًا


استمرت محاولات إيران لمحو الهوية العربية وطمسها لسكان عربستان ومحاربة تعليم اللغة العربية من 1925م إلى وقتنا الراهن

قدم الأحوازيون مذكرات إلى الجامعة العربية في جميع مؤتمرات القمة العربية، كان جوابها الصمت، والصمت المطبق!

ما زال إخواننا في الأحواز يذوقون الويلات من تلك الدولة الحاقدة على تاريخنا وأجدادنا، فمتى ننصر هذا الشعب المستضعف؟

 

في عام (1925م) احتلت بلاد فارس (إيران) دولة عربستان المستقلة بمعاونة من الإنجليز الذين اختطفوا حاكم عربستان الشيخ خزعل بن جابر الكعبي وسلموه لإيران التي سارعت بإعدامه، وفي عام (1964) أدرجت قضية عربستان على جدول أعمال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة، واتخذت القمة قرارات تساند فيه حقوق عربستان مساندة كاملة، وأدرجت قضية تحرير عربستان في المناهج الدراسية العربية وبرامج الإعلام العربي، لكن تلك القرارات التي اتخذت لأهداف سياسية، صمتت لأهداف سياسية أخرى، وأبقت مأساة دولة الأحواز العربية (عربستان)منسية.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن جرت وتجري محاولات فارسية دؤوبة لمحو الطابع العربي عن عربستان كما تم تغيير الأسماء العربية واستبدال أسمائها فارسية بها مثل (خوزستان) و(خورمشهر) و(شاديقان)، ووزعت بلاد فارس (إيران) على سكان عربستان كتيبًا يتضمن أسماء عربية لا تجوز تسمية مواليدهم بها مثل عمر، عثمان، عائشة، أسماء، معاوية، سعد، أنس، جابر، وغيرها، واستمرت المحاولات الفارسية لمحو الهوية العربية وطمسها لسكان عربستان ومحاربة تعليم اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم إلى وقتنا الراهن، ولكن الشعب الأحوازي العربي في عربستان لم يستسلموا لتلك المحاولات فهم يعلمون اللغة العربية لأبنائهم سرًا، ويتخاطبون بها سرًا.

بداية المأساة

     بدأت مأساة الأحواز قبل أكثر من ثمانين عامًا.. يوم رأت بريطانيا أنْ لابد من أن تقف بوجه أطماع الاتحاد السوفييتي، تلك الإمبراطورية الناشئة للتو، ممثلة بروسيا القيصرية، التي كانت لها أطماع وأمان وآمال قديمة جدًا وهي أن تصل في يوم ما إلى ما يسمى بالمياه الدافئة في الخليج العربي، وحين تشكلت إمبراطوريتها في سنة 1917م، بدأت تهدد الوجود البريطاني في المنطقة آنذاك، فرأت بريطانيا أن تجعل بينها وبين روسيا سداً، وكان هذا السد هو إيران، ولكن لابد لهذا التزاوج غير الشرعي بين إيران وبريطانيا من مهر أو ثمن، وكان الثمن.

     ففي يوم 20 نيسان من سنة 1925م وقعت الجريمة النكراء، بمؤامرة حاك خيوطها الثنائي: بريطانيا – إيران، وكان أن استدرجوا أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي، تحت ذريعة إقامة حفل توديعي للقنصل البريطاني على اليخت الخزعلي؛ حيث تم اعتقاله، وذهبوا به هو وابنه إلى إيران، ليموت هناك بعد أكثر من عشر سنين، ثم يلحق به ابنه بعد سنتين من مماته، بينما كان الفرس يحاولون أن يستخلصوا منه اعترافًا بشرعية الاحتلال الإيراني للأحواز، أو اعترافًا بأنَّ الأحواز جزء من إيران، ولكن الشيخ خزعل أبى أشد الإباء، رغم معرفته بأن ذلك سيكلفه حياته، وهكذا كان، ومات ولم يكتب لهم ذلك الاعتراف.

     من تلك اللحظة، أو من تلك الليلة المشؤومة بدأت المأساة الأحوازية، وانتهى الحكم العربي في الأحواز التي كانت مستقلة بشتى الصور عن إيران، وقامت فيها إمارات عربية تستقل أحيانًا استقلالاً كاملاً عن إيران، وأحيانًا جزئيًا، وأحيانا تغزوها إيران ثم تخرج منها، إلى أن انتهى الحكم العربي في سنة 1925م لتبدأ المأساة.

المأساة في خطوطها العريضة

ونستطيع أن نلخص المأساة الأحوازية في خطوطها العريضة بنقاط عدة رئيسة:

- ضمت إيران الأحواز إليها، وأعلنت الحكم العسكري المباشر لها، وأقامت الثكنات العسكرية، وزجت بحامياتها في أرض الأحواز، وزودتها بالأسلحة الفتاكة للسيطرة على الشعب العربي هناك ومراقبته.

- ألغوا جميع مؤسسات الحكم العربي السياسية والإدارية والقضائية؛ وتأملوا اللمسة الإيرانية في هذا التصرف! وقارنوا بينها وبين ما حدث في العراق، إن إلغاء الأمريكان مؤسسات قيام الدولة حين دخلوا العراق، كان بوحي من إيران وإسرائيل عن طريق عميلهم أحمد الجلبي وأمثاله، وهكذا يعيد التاريخ نفسه!

- حرموا الشعب العربي من أبسط حقوقه المدنية وحرياته السياسية، إلى حد أنهم منعوا العرب من تسمية أبنائهم بالأسماء العربية ذات الدلالات الخاصة التي تزعج الإيراني، مثل: اسم عمر أو عثمان أو عائشة، فهذه الأسماء تزعج الفارسي؛ لأنها ترتبط في ذهنه بذكريات لا يريد أن يستعيدها؛ ولذلك تراهم يضطهدون كل من اسمه عمر أو عثمان، أو يقتلونه - وهذا ما يجري الآن في العراق- في أسبوع واحد قتلوا (86) شخصًا ممن يحمل اسم عمر، بل ربما غيروا اسم العربي كاملاً، أي يغيرون اسمه واسم أبيه، ويعطونه بدلاً منه اسمًا فارسيا حتى يلغوا هويته.

- منعوا العرب من ارتداء الزي أو العقال العربي، فإذا ذهب أحدهم إلى دائرة رسمية ضايقوه وأسمعوه عبارات التنقيص من العرب، وربما منعوه من دخولها، وإذا ذهب إلى السوق يضايق من خلال إلقاء النكت والكلمات الجارحة، وكذلك حين يمشي في الشارع.

- منعوا أبناء العشائر من التجمع في الدواوين والمضايف العربية.

- منعوا الدراسة والتحدث باللغة العربية، فالمناهج الدراسية كلها بالفارسية، وليس ثمة في الأحواز كلها مدرسة عربية واحدة!

- ألغوا الاعتراف بالقومية العربية والاعتراف باللغة العربية لغة للشعب العربي الذي يبلغ تعداده ثمانية ملايين؛ وقارنوا بين هذا وبين ما حصل في ما يسمى بـ(الجمعية الوطنية العراقية) حينما طالب بعض ذيول إيران ممن يتقمصون الهوية العراقية، باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية! تصوروا..! في العراق يطالبون باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية؛ لأن هناك مجموعة من الفرس فيها، وثمانية ملايين في الأحواز كلهم عرب لا يعترفون بلغتهم، ولا يسمحون لهم بأن يفتحوا مدرسة واحدة تتحدث العربية!

- غيروا الأسماء العربية للمدن والمواقع، وغيروا الملامح وكل ما يمكن أن يدل أو يشير إلى العرب في أرض العرب هناك.

- اقتطعوا أجزاء من الأحواز وضموها إلى المحافظات الفارسية.

- قاموا بأعمال تهجير للعرب وتوطين الفرس مكانهم.

- منعوا الترجمة في المحاكم من العربية وإليها، وألزموا صاحب القضية بعرض قضيته باللغة الفارسية فقط، فإن لم يكن يجيد التحدث باللغة الفارسية سقطت قضيته؛ ولا يسمحون للعربي أن يأتي بمترجم، أما إذا كان خصمك فارسيًا فاقرأ على قضيتك السلام، ومن أول لحظة!

- سيطر الفرس على جميع مجالات الخدمات والإنتاج، وحرموا عامة العرب من الوظائف الحكومية، مع فرض الضرائب عليهم، فضلا عن احتكار التجارة والنشاطات الاقتصادية الأخرى وحصرها بيد الفرس.

- حرموا العرب من امتلاك الأراضي الزراعية، وصادروا جميع الأراضي التي يمتلكها العرب وعقاراتهم، هذا فضلا عن انعدام الرعاية الصحية، هذا كله في كفة، وفي الكفة الأخرى استخدموا جميع أنواع التنكيل والإرهاب والمطاردة والقتل والاغتيال ضد أبناء الأحواز.

- أما وسائل الإفساد الخلقي ونشر المخدرات بين الشباب العربي في الأحواز من أجل إفسادهم وإنهائهم وإلهائهم.. فحدث ولا حرج.

المقاومة الأحوازية

لعل سائلا يسأل: كل هذا حصل؟ فماذا كانت ردة فعل العرب في الأحواز؟

لقد عمل إخواننا في الأحواز – وما زالوا يعملون - بما يستطيعون لمقاومة الاحتلال، فقد قاموا بانتفاضات، وفجروا ثورات، كما قدموا مذكرات إلى الجامعة العربية في جميع مؤتمرات القمة العربية، كان جوابها الصمت، والصمت المطبق! وكذلك رفعوا صوتهم عاليًا في كثير من المحافل الدولية، وتوجهوا بقضيتهم إلى المنظمات العالمية وناشدوها بمساندتهم، وأسسوا الأحزاب والمنظمات والروابط.

الانتفاضات والثورات

وإذا كان ولا بد أن نقف عند بعض صور المقاومة الأحوازية المسلحة، فنقف قليلاً عند بعض الانتفاضات والثورات:

- ثورة الغلمان: فأول ثورة قامت بعد أقل من ثلاثة أشهر على احتلال الأحواز، وسميت بـ(ثورة الغلمان)؛ وذلك في شهر تموز من عام 1925، بقيادة شلش وسلطان.

- ثورة الحويزة: وقامت ثورة أخرى في سنة 1928 سميت بـ(ثورة الحويزة) بقيادة محي الدين الزيبق، الذي تمكن من تشكيل حكومة دامت ستة أشهر.

- ثورة الشيخ حيدر الكعبي: عام 1940 في منطقة الميناو.

- ثورة الشيخ جاسب الخزعل: في منطقة الغجرية عام 1943.

- ثورة الشيخ عبدالله بن الشيخ خزعل: عام 1944، وقد استطاع أن يجتاح مدينة المحمرة، ليدخل قصر أبيه، والقبائل العربية قد تلقته وهي تهتف: (طب بدرج يا دار زهيله.. طب بدرج يادار زهيله).

- ثورة بني طرف: عام 1945م عندما أجبرت الحكومة الإيرانية العرب هناك على تغيير زيهم العربي وجردتهم من أسلحتهم، وكانت هوستهم: (يا عكال نسويلك هيبة).

- ثورة الشيخ مذخور الكعبي: عام 1946م وهذه بدأت حينما أسس في عبادان حزب أطلق عليه اسم (حزب السعادة)، كانت أهدافه تدور حول الحفاظ على الشخصية العربية، فلم تكن مطالبه تلك المطالب الخطيرة والكبيرة، كان يركز على بث الشعور بالانتماء العربي، ومنح العرب حقوقهم القومية، والسماح لهم بإصدار صحف، وتأسيس نواد خاصة بهم أسوة بالأقليات الأخرى في إيران، وكان يدعو إلى التزيي بالزي العربي، وإلى جعل المناهج الدراسية باللغة العربية.

     لكن بريطانيا وسلطة الاحتلال الفارسي لم يرق لهما ما يجري على أرض الأحواز مما يفعله هذا التنظيم؛ فتآمروا فيما بينهم، وأطلقوا العنان للمستوطنين الفرس وهم مدججون بالسلاح لقتل الشباب العربي، واغتيالهم ومطاردتهم، فارتكبوا مجازر بشعة، وحمامات دم وتصفيات كثيرة، وطاردوا شباب التنظيم ونكلوا بأعضاء هذا الحزب وكل العرب الأحوازيين.

الخديعة الكبرى

     لقد كان للشعب الأحوازي دور كبير في نجاح ثورة الخميني، الذي كان يعدهم بالوعود البراقة، ويمنيهم بالأحلام الخلابة، وكانوا يصدقون هذه الوعود؛ لأن الخميني كان يتستر بشعارات دينية، وهم وإياه من مذهب واحد، فالعرب في الأحواز كانوا كلهم شيعة عند مجيء الخميني، ولم يكن منهم إلا القليل من أهل السنة، على عكس ما هو عليه الحال اليوم، وجاء الخميني واستبشر به أهل الأحواز، وذهب إلى طهران وفد منهم يحملون مطالب مشروعة، وكلهم أمل في تحقيق هذه المطالب والتي كان أههما:

1- السماح لهم بالتحدث بلغة القرآن اللغة العربية إلى جانب اللغة الفارسية.

2- أن تكون لهم مدارس مناهجها الدراسية باللغة العربية، إلى جانب اللغة الفارسية.

3- وأن يسمحوا لهم بتأسيس جمعيات خاصة بهم.

4- وأن يسمح لهم بإصدار صحيفة عربية.

     تأملوا هذه المطالب.. التي هي مطالب جميع الذين تقدموا صفوف أهل الأحواز منذ الاحتلال وإلى اليوم! تأملوها لنستخلص من خلالها مدى الظلم الواقع على شعب الأحواز، كيف نقيس حجم الظلم وحجم العدل، فالشعوب كل الشعوب على مدار التاريخ في علاقتها مع الحكام لديها مطالب، وأهداف وتطلعات، وأحلام وغايات، من خلال نوع هذه المطالب نعرف أو نستخلص مقياس الظلم أو العدل.

يوم الأربعاء الأسود

ومع بساطة هذه المطالب ماذا كان رد الخميني؟

     لقد أوعز الخميني إلى الحاكم العسكري لعربستان المدعو أحمد مدني، الذي كان قائد القوة البحرية - أوعز إليه بإنزال العسكر في أرض الأحواز واستباحتها، فأنزل الجيش، وشن حملة قتل ومطاردات، فقتل في يوم واحد أكثر من مئة شاب أحوازي، واعتقل في ليلة واحدة أكثر من خمسمائة! هذا كان رد الخميني على هذه المطالب، وكانت مجزرة.. وكانت مأساة.. في يوم 29/5/1979، في يوم أربعاء أطلق عليه يوم الأربعاء الأسود.

ولا زال إخواننا في الأحواز يذوقون الويلات من تلك الدولة، ومن أولئك الذين يحقدون على تاريخنا، ويسبون أجدادنا، ويشوهون تاريخ رموزنا، فمتى ننصر هذا الشعب المستضعف؟ ومتى نمحو قضيته من ذاكرة النسيان، لتعود من جديد في أولى اهتماماتنا بوصفها قضية عادلة لا تقل شأنا عن قضية فلسطين، أو قضية العراق أو غيرها من القضايا المصيرية للأمة؟ 

كيف يمكن حل القضية؟

     من أهم الأسباب المؤدية إلى حل قضية الأحواز وعودتها إلى الحضن العربي والإسلامي، هو إبراز القضية على الصعيد العربي والدولي، وتسخير كافة الطاقات الإعلامية لتسليط الضوء على بشاعة المذابح والمجازر الوحشية التي قام بها هذا النظام، وقبل ذلك يجب أن نرسخ مفهوماً واقعياً وهو أن قضية الأحواز لا تقل أهمية عن قضية احتلال أي دولة عربية، وفضلا عن تدعيم دور الإعلام الغائب وتفعيله فإن من بعض العوامل المساعدة في عودة الأحواز حرة عربية هي دعم أهلها دعمًا معنويًا وماديًا، فالفقر قد أكل وشرب من أبناء الشعب الأحوازي المقهور، والخيرات تجري من تحت أقدامه وهم يعيشون الفقر المدقع، بل غالبيتهم يعيشون تحت خط الفقر.

وأخيرًا فإن هذا المطلب – تحرير الأحواز- ليس بالمطلب الصعب إذا ما توفرت النية الصادقة والأفعال الجادة والحازمة لذلك، وفق الله حكام المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، وجمع كلمتهم على الخير والصلاح. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك