رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 22 أكتوبر، 2025 0 تعليق

مكارم الأخلاق .. العفة – العفاف

- في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى). ما المقصود بالعفاف؟ - هذا الدعاء من جوامع كلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، يدعو - صلى الله عليه وسلم - بالكلمات القليلة الدالة على معان كثيرة، ويروي الحديث أبو عبدالرحمن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه - أورده الإمام مسلم في صحيحه والترمذي، والعفاف كما في شرح النووي هو التنزه عما لا يباح والكف عنه، والغنى، هو الاستغناء عما عند الناس. صاحبي دقيق فى أسئلته، يفاجئني بالسؤال عن أدق التفاصيل، كثيرا ما أعجز أن أجد إجابة لأسئلته؛ فنبحث سويا عن الإجابات، وهي -بفضل الله- مهمة سهلة لما في أيدينا من وسائل للوصول إلى أمهات الكتب وأقوال العلماء. - وما الفرق بين (العفة) و(العفاف)؟ - دعنا نبحث في المعاجم، (العفة) مصدر (عف)، أي (كف وامتنع)، والاستعفاف، (طلب العفاف)، و(العفاف) يستخدم غالبا كالمصدر للفعل (عف)، واستخدامه أكثر من (العفة)، وقيل (العفاف) هو الكف عن كل ما لا يباح ومن خوارق المروءة، و(العفة) ترك الشهوات من كل شيء وغالبا في حفظ الفرج مما لا يحل. كنت وصاحبي في مكتبة المسجد كعادتنا كل ثلاثاء بين المغرب والعشاء!. -(والعفيف) هو كثير (العفة) و(المتعفف)، من يطلب (العفة) ويتكلفها، وفي الحديث من ثوبان، في بيان معنى (الغنى)، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تكفل لي ألا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة؟ فقلت (ثوبان): أنا يا رسول الله، فكان ثوبان بعد ذلك يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنيه، حتى ينزل هو فيأخذه»، (صحيح الترغيب). - يا سبحان الله! أمره عجيب! لنرجع إلى (العفة) و(العفاف)، هل حديث «من يستعفف يعفه الله» (صحيح؟). - دعني أبحث لك، هذا الحديث في صحيح الجامع، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله» وفي صحيح الترغيب، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -  أن أناسا من الأنصار سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى اذا نفد ما عنده قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن استعف أعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى الله أحدا عطاء هو خير له وأوسع من الصبر»، فهذه الأخلاق، (العفاف) (الغنى)، (الصبر)، يسعى العبد لينالها، ويدرب نفسه عليها، ويدعو الله ليرزقه الله إياها، وهي دون شك خير له من السؤال، والجزع، والوقوع فيما لا يحل. - اسمع ما وجدت في العفة، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «المروءة مروءتان: مروءة ظاهرة ومروءة باطنة: فالظاهرة: الرياش، والباطنة العفاف، قال أيوب السختياني: لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة عن أموال الناس، والتجاوز عنهم، وينسب هذا القول للأحنف بن قيس أيضا. وقال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: «نحن -معشر قريش- نعد الحلم والجود والسؤدد ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة». وقال محمد بن الحنفية: «وهو ابن علي بن أبي طالب نسب إلى أمه لأنه ليس ابن فاطمة -رضي الله عنها-: الكمال في ثلاثة: العفة في الدين والصبر على النوائب وحسن التدبير في المعيشة». وقال الجنيد: «أربع خصال ترفع العبد: العلم والأدب والعفة والأمانة». وقال الشافعي: «الفضائل أربع: الحكمة وقوامها الفكرة، والعفة وقوامها الشهوة، والقوة قوامها الغضب، والعدل وقوامه في اعتدال قوى النفس». - كلام جميل، أظن أن العبد ينبغي له أن يدرب نفسه على العفة دوما، ويرتقي بهذا الخلق، حتى يبلغ منتهى ما يستطيع، فيبدأ بغض البصر وكف البصر، عما في أيدي الناس، ويتعامل مع الله سرا وعلنا، ويستعين بالطاعات، ويستغفر عند الزلات. - دعنا نرى ما كتب الإمام ابن القيم في العفاف والعفة: «لما كف لذته، وحبس شهوته لله وفيها مسرة نفسه الأمارة بالسوء، أعاضه الله -سبحانه- مسرة ولذة أكمل منها، كما قال بعضهم والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب، ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها، أعقبها ذلك فرحا وسرورا ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى، بما لا نسبة بينهما، وهاهنا يمتاز العقل من الهوى» (روضة المحبين). ومن منافع النكاح: غض البصر وكف النفس والقدرة على العفة عن الحرام (زاد المعاد). وهو -سبحانه- إنما أباح نكاح الحرائر والإماء بشرط الإحصان وهو العفة؛ فقال: {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (النساء: 25) (زاد المعاد). «والفطر السليمة داعية إلى تحصيل المستحسن، ورفض المستقبح، سواء حمله عليه شارع أو لم يحمله، ثم الأخلاق الحميدة والخصال الرشيدة من العفة والجود والسخاء والنجدة» (مفتاح دار السعادة). «فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم؛ فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه، عاقبه بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة، والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش، لرأى أن الذي فاته من أضعاف أضعاف ما حصل له» (روضة المحبين). ويورد حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف» (صحيح الترغيب).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك