رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 29 سبتمبر، 2014 0 تعليق

مــــاذا يجــــري فـــي باكستــــان..؟!

انطلقت يوم 14 أغسطس الماضي، احتجاجات المعارضة الباكستانية التي دعا لها حزبا (الحركة الشعبية الباكستانية) و(حركة العدالة الاجتماعية) بقيادة المعارضين طاهر القادري وعمران خان (لاعب الكريكت السابق)، وتعيش العاصمة الباكستانية إسلام آباد توترًا كبيرًا منذ ذلك اليوم بعد أن أخذت اعتصامات المعارضة فيها طريقًا دمويًا عنيفًا وسط انسحاب الحكومة من المشهد تاركةً الساحة للمتظاهرين وقوات الجيش التي تولت حماية المؤسسات الحكومية، وفي ظل هذه الأحداث لنا أن نتساءل ماذا يجري في باكستان؟

باكستان على خط النار

     أدت هذه الاحتجاجات إلى وقوع اشتباكات بين قوات الشرطة والمتظاهرين من حزبي حركة الإنصاف وحركة عوامي باكستان، اللذين يقودهما عمران خان وطاهر القادري؛ حيث حاول المتظاهرون التوجه لمقر رئيس الوزراء نواز شريف، وتتسارع التطورات في الدولة الإسلامية النووية وسط حرب كلامية مع جارتها الهندية خصمها التاريخي اللدود، فيما اقتحم المتظاهرون المعتصمون في العاصمة إسلام آباد مبنى التلفاز الحكومي قبل أن يسيطر الجيش الباكستاني على الموقف ويتدخل لحماية المؤسسات، بينما انسحبت الحكومة من الشارع وتركته للمتظاهرين وقوات الجيش.

     وبذلك تدخل باكستان على خط النار، مع أزمة جديدة ربما تضيف إسلام أباد على قائمة الدول التي تشهد توترات وأعمال عنف على غرار ما حدث في دول الثورات العربية، وربما بوتيرة أسرع تعجل بتفكيك الشرق الأوسط عبر إعصار جديد يهب عليه من أقاصي آسيا تضاف إلي موجات الترنح التي تضربه بلا هوادة في العمق الإفريقي.

جذور الأزمة

     وتعود جذور الأزمة السياسية التي تضرب باكستان حاليًا عندما أدت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو 2013 إلى تولي نواز شريف الحكم للمرة الثالثة في تاريخ البلاد، ليبرز أكبر خلاف بين الحزبين والحكومة، لقد فاز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الذي يرأسه (نواز شريف) بالأغلبية في تلك الانتخابات التي أقر المراقبون الدوليون أنها كانت نزيهة رغم بعض المخالفات في عدد من الدوائر الانتخابية، وينتقد حزب العدالة الذي يقوده عمران خان الذي حل في المرتبة الثالثة في ذلك الاقتراع، عمليات تزوير مكثفة قال: إنها حصلت خلال الانتخابات، فيما قاطع محمد طاهر القادري الكندي الباكستاني وحزبه الحركة الشعبية في باكستان الانتخابات بعد أن قاد اعتصامًا حاشدًا في قلب إسلام آباد مطالبًا بإصلاحات انتخابية.

     وقد انفرد الحزبان الحركة الشعبية وحركة الإنصاف، بهذا الموقف مخالفين باقي الأحزاب البرلمانية المؤيدة للحكومة ونتائج الانتخابات، التي أجمعت على أن هذه الاعتصامات سبب للتفرقة؛ ولهذا يرون أنه لا يجب على نواز شريف تقديم استقالته نتيجة لهذه الضغوط.

تجاهل غربي أمريكي

     ويبدو أن الديمقراطية التي رفعت الدول الغربية لواءها منذ عقود عدة، وبشرت بها العالم والدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص، ما هي إلا أكذوبة من أكاذيب الغرب، ووسيلة من وسائله الخبيثة لإخراج المسلمين عن نظام الحكم الإسلامي المتمثل (بالخلافة)، وعدم تمكينهم من تحقيق الديمقراطية في بلدانهم، فالمتابع لما يحدث في العالم العربي والإسلامي حاليا، يلحظ أن تحالف الغرب يتركز على الأحزاب الليبرالية أو العلمانية، وإن تحالف مع التيارات الإسلامية السنية، فإنه لا يتحالف غالبا إلا مع الصوفية التي لها تاريخ معروف في مهادنة العدو والمحتل، وكانت السبب في ترسيخ أفكار مغلوطة عن الإسلام، وتهيئة مناخ مناسب لتمدد الغرب وتجذره في المنطقة.

     فلم تعلق الدول الغربية على ما يحدث في باكستان من تحرك ضد حكومة نواز شريف الذي وصل إلى الحكم بانتخابات نزيهة وديمقراطية حسب وصف الكثير من المراقبين والمحللين والأجانب، التي وصلت إلى حد ممارسة العنف واقتحام المؤسسات الحكومية وعلى رأسها مبنى الإذاعة والتلفاز، الذي تم اقتحامه من قبل المتظاهرين، ليتم لاحقا إخلاؤه من قبل الجيش الباكستاني.

طاهر القادري وعمران خان

     تمثل شخصية كل من طاهر القادري وعمران خان إشكالات كبيرة، وتترك وراءها علامات استفهام أكبر، فطاهر القادري يستهزئ بالدين، ويقوم بإذاعة الإشاعات المختلفة عن النبي [ وادعاء زيارته له، وأنه أبلغه أن عمره سيكون مثل عمره؛ الأمر الذي جعل المحكمة العليا بلاهور تتهمه بالكذب والمكر؛ حيث جاء في الحكم المفصل الذي أجرته في عام 1990م أن هذا الرجل كاذب وغادر وماكر ناسي الإحسان وحريص على السمعة الرخيصة.

     كما أنه يقوم باستغلال بعض المنتسبين للصوفية لأغراضه السياسية، ويساعده في ذلك بعض القوى العالمية التي تمول الحلقات الصوفية لزعزعة الثوابت الإسلامية الأصيلة في باكستان، كما أن له علاقة وطيدة باتحاد مجلس وحدة المسلمين الشيعي الذي يحظى بتأييد الحكومة الإيرانية.

وأجمع مراقبون أن حياة طاهر القادري مليئة بالتناقضات في القول والعمل، وأنه يرى نفسه فوق الجميع بل يرى نفسه في مرتبة تفوق شيخ الإسلام والمجدد، ولا يماثله زعيم سياسي.

     أما الرجل الآخر عمران خان فمهووس بمجالس الغناء والرقص التي تعج بالاختلاط بين الرجال والنساء، ويشير مراقبون أن تحركه الأخير لإفشال حكومة نواز شريف جاء نتيجة عدم تقبله في الشارع الباكستاني بالرغم من نجاحه في الانتخابات الماضية، فضلاً عن دعمه الواضح لبعض الحركات الباطنية المشبوهة كالقاديانية والصهيونية.

الموقف الشعبي

     قوبلت الاعتصامات برفض شعبي واضح، وعَدَّ الشارع الباكستاني هؤلاء المعتصمين مرتزقة أو مختطفين سياسيًا، ويؤكدون أن طول فترة هذه الاضطرابات نتيجة لتهاون الحكومة في التعامل مع هؤلاء المعتصمين، وعدم استخدام القوة في مواجهتهم، والسبب وراء ذلك بعض القوى الخفية التي تريد أن تصل الأمور إلى سفك الدماء حتى يكون ذلك ذريعة لإزاحة نواز شريف، ولكن يشير المراقبون أن وقوف أغلب الأحزاب البرلمانية في صف نواز شريف شيفشل تلك التحركات المريبة من كلا الحزبين.

مصير مجهول

     وعلى الرغم من عدم وجود سيناريو محدد لمستقبل الأحداث التي تجري في باكستان، إلا أن كثيرًا من المحللين يؤكدون أن الحكومة بقيادة نواز شريف لا يراد لها أن تخرج من الأزمة بغير تنازلات للجيش أقلها السماح لقائدها السابق (برويز مشرف) الذي يحاكم حاليًا بتهمة الخيانة بمغادرة البلاد، ولا يعني ذلك إلغاء احتمالات قيام الجيش بانقلاب ناعم على الحكومة باسم المحافظة على الأمن واستقرار البلاد، أسوة بكثير من دول العالم وعلى رأسها حاليًا دول ما سمي زورًا (بالربيع العربي)، والعودة بباكستان إلى مربع الحكم العسكري الذي ساد فيها لفترة ليست بالقصيرة، فهل سيتحقق هذا الهدف، وتتكرر المأساة في باكستان وينفرط عقدها كما انفرط في اليمن وليبيا وسوريا وغيرها من بلدان الربيع العربي المشؤوم؟!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك