رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد البشير أحمد موسى 18 مارس، 2014 0 تعليق

مشروع مدونة الأحوال الشخصية.. التحدي الجديد للمسلمين في تشاد


 

من أهم القضايا التي تم التركيز عليها في المشروع، : «تحديد سن الزواج، تعدد الزوجات، الطلاق، القوامة، الميراث، الحجاب، حقوق المرأة السياسية، حق الترشح والترشيح للولاية العامة

 تأثيرات الوضع المضطرب في إقليم دارفور بدأت تظهر على الوضع الداخلي لتشاد ولاسيما الانفلات الأمني

   

منذ سقوط الخلافة الإسلامية، وتحديداً بعد ما يسمى بأحداث 23 جمادى الأولى 1421هـ 11/ سبتمبر 2001م، بدأ يطرح على الساحة الإسلامية وبقوة مفاهيم ومصطلحات جديدة لم تكن معهودة من قبل، يتبنّاها مجموعة من أبناء المسلمين انبهروا بالفكر الغربي العلماني، وبدؤوا ينادون بتلك الشعارات البرَّاقة الخلابة، وبدأت صيحات مثل: «يجب أن نأخذ كل ما يأتي من الغرب بحلوها ومرها»! تتردد بين الفينة والأخرى، وعلى ألسنة كثير من أفراخ الغرب، لقد سبق هذا التوجه تمهيد طويل، استغرق حيناً من الزمن، حتى وجد الغرب من يتبنى تصوراته وأفكاره من أبناء الأمة الإسلامية، فبدأ هؤلاء الأفراخ بطرح مشاريعه نيابة عنه.

     ولعل مشروع قانون الأسرة، أو مدونة الأحوال الشخصية، من بين أهم المشاريع التي تطرح الآن وفي بقاع متعددة من عالمنا الإسلامي، ففي المغرب والجزائر وتشاد يطرح المشروع الآن وبقوة، يدعمها أبناء من جلدتنا يتكلمون لغتنا. ويمكننا أن نتساءل لماذا يطرح هذا القانون في المستعمرات الفرنسية السابقة وبهذه القوة وفي وقت واحد تقريباً؟! سؤال جدير أن نقف عنده طويلاً!

     لا تختلف البنود الواردة في مدونة الأحوال الشخصية التي تطرح في المغرب أو الجزائر عما ورد في مشروع مدونة قانون الأسرة التشادي، مع بعض الاختلافات الطفيفة، ولكن الفكرة واحدة، فهي خلاصة توصيات وقرارات المؤتمرات الدولية الخاصة بالأسرة مثل مؤتمر (المرأة) في بكين، وكوبنهاجن، وأخيراً مؤتمر (القاهرة).

     ومن أهم القضايا التي تم التركيز عليها في مشروع مدونة الأحوال الشخصية التشادي قضايا، مثل: «تحديد سن الزواج، تعدد الزوجات، الطلاق، القوامة، الميراث، تأديب المرأة «كضرب المرأة، والهجر في المضاجع»، شهادة المرأة، الحجاب، حقوق المرأة السياسية «حق الترشح والترشيح للولاية العامة»، إزالة الفوارق الطبيعية بين المرأة والرجل. ومعظم هذه القضايا هي التي تطرح في غالب المشاريع التي تُقدم في البلاد الإسلامية عموما. ونستنتج من ذلك أن هذه المدونة:

1. تدعو إلى الإباحية وتفكيك الأسرة المسلمة في تشاد وفي غيرها.

2. تدعو إلى إلغاء أحكام الشريعة الإسلامية التي يتحاكم إليها المجتمع.

3. تدعو إلى السفور والقضاء على الحجاب الإسلامي، والقيم الإسلامية.

4. تدعو إلى إبعاد أو قطع كل ما يمتّ إلى الإسلام بصلة.

5. علمنة المجتمع التشادي المسلم كاملا.

6. تدعو إلى تكوين جيل لا يعرف سوى قضاء شهوته، فهي أكبر همه ومبلغ علمه، و يقضيها كيفما شاء دون وازع من دين.

7. اتخاذ المرأة وسيلة لهدم كيان الأمة، وذلك عبر إعطائها ما يسمى زوراً وبهتاناً بحقوقها الضائعة ولاسيما الحقوق السياسية والاجتماعية.

     لعل هذه هي أهم ملامح مشروع (قانون الأسرة التشادي) وقد سبق طرحه بهذه الطريقة تمهيد طويل، فقد طرح المشروع لأول مرة من قبل بعض العلمانيين والنصارى، وفي أحد أهم مراكز التنصير في العاصمة (انجمينا) (السيفود)، وفي جمع من المثقفين وأساتذة الجامعات، وعندما حاول بعض المسلمين طرح أفكار مغايرة لأطروحاتهم في ذلك الاجتماع، تقبلوها بالسخرية والاستهزاء والتهجم عليهم بصيغ التخلف والجمود والرجعية.

     وهكذا دائماً الخطوات الشيطانية يقف وراءها النصارى في البلاد الإسلامية، فكما كان النصراني مرقص فهمي صاحب كتاب (المرأة في الشرق) الذي دعا فيه إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين النساء المسلمات والنصارى، أحد الذين روّجوا لحركة تحرير المرأة في البلاد الإسلامية ولاسيما مصر، فكذلك كان لنصارى تشاد الدور ذاته بوضع تلك المسوّدة ودعوتهم إلى هذا اللقاء!

     وبعد هذا اللقاء الذي رُفِضَ فيه الاستماع إلى وجهة نظر المسلمين، اجتمع عدد من كوادر المسلمين فوضعوا مسودة لقانون الأحوال الشخصية مقتبس من الشريعة الإسلامية، وقدموا هذا القانون إلى البرلمان التشادي لإقراره، وقدم النصارى والعلمانيون القانون الآخر، ولحساسية الموقف تم إرجاء القانونين إلى وقت لاحق، وذلك في عام 2000 الميلادي.

وفي الأسابيع المنصرمة أي بعد خمسة أعوام من تأجيل النظر في المدونتين، ولاسيما في عيد ما يسمى (بيوم المرأة العالمي) طرح القانون العلماني على الساحة التشادية مرة أخرى، وبجدية أكثر من ذي قبل، يقف وراءه ويسانده شخصيات مسؤولة في الدولة!

     يطرح هذا القانون وتشاد تواجه تحدّيات جمَّة في النواحي الاقتصادية؛ حيث مقدرات البلد تستنزف من قبل أمريكا وشركائها. ومن الناحية السياسية؛ حيث التخبط الواضح، ولاسيما فيما يتعلق بإعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني، ومجيء عدد من المستثمرين الصهاينة إلى البلاد. فقد ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الصهيونية، عن وجود اتصالات رسمية تم إجراؤها بين حكومتي الكيان الصهيوني وتشاد بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية، التي انقطعت منذ السبعينيات من القرن الماضي.

     يضاف إلى هذه التحديات ازدياد حركة التنصير في المدن التي تعد من أكبر معاقل الدعوة الإسلامية في البلاد، وابتعاث بعض الكوادر في دورات يطلق عليها دورات (تدريبية) إلى أمريكا، وكذلك ابتعاث عدد من النساء الريفيات ولاسيما من محافظة البحيرات (لاك تشاد) إلى دورات تنظمها منظمة الأغذية العالمية (الفاو)؛ حيث ذهبت أكثر من ثلاثين امرأة في وفد كبير وفي شهر رمضان المبارك إلى روما! لأخذ دورة تدريبية في مجال الزراعة والرعي حسب زعمهم. وهي في الأصل دورات «لغسيل الأدمغة» ولنشر الثقافة الغربية النصرانية سواء أكانت الكاثوليكية أم البروتستنتية.

وفي خضم كل هذه التحدّيات يجد المسلمون في تشاد مرة أخرى أنفسهم أمام خيارات صعبة، فالعلاقات مع الكيان اليهودي تمضي على خطىً حثيثة، وإن زُخْرِفَ ذلك بغطاء عضوية الجامعة العربية!

     وأنَّ تأثيرات أزمة دارفور بدأت تظهر في الأفق التشادي جليًّا، فالنخبة الحاكمة ترى من أجل الحفاظ على مقاليد الحكم يجب التقارب مع أمريكا، وهذا التقارب لا بدّ أن تمرّ عبر بوابة الكيان الصهيوني، وعبر نشر الثقافة الأمريكية و«القيم» الأمريكية! لذا كان توقيت بدء العلاقات مع الكيان الصهيوني وإعادة طرح مشروع قانون الأسرة متزامنين، وكأن هناك وعوداً أمريكية بمساعدة الطبقة الحاكمة بتثبيت جذورها في الحكم وتوفير الحماية اللازمة لها، مقابل البترول والثروات التشادية الأخرى، وبتطبيق كل ما ورد في المؤتمرات الخاصة بالأسرة عبر ما يسمى بمدونة قانون الأسرة، وبإعادة العلاقات مع الكيان الصهيوني.

والواضح أن الحكومة ستمضي قدماً في هذا المشروع وفقاً للإملاءات الخارجية ولاسيما الأمريكية، وإن أدى ذلك إلى تكميم الأفواه بالسجن أو القتل أو بإعطاء الامتيازات لأصحاب التوجّه (الإسلام الأمريكي) في البلاد بتقريبهم وإبعاد كل من يعارض هذا القانون.

فعندما يقول (نيكسون):... إنّ مفتاح السياسة الأمريكية يكمن في التعاون الاستراتيجي مع المسلمين التقدّميين فقط»(1)، فقد ظهر جلياً ذلك التعاون الآن في تشاد، وأصبح أكثر بروزاً في قانون الأسرة.

     ويؤكد هذا الاتجاه أيضاً ما ورد في تقرير مؤسسة (راند) للأبحاث الأمريكية الأخير بتشجيع مجموعات إسلامية موالية في الفكر والطرح للغرب تحت رداء الإسلام؛ حيث يقول التقرير: «إن المسلمين الليبراليين والمعتدلين لا يملكون شبكات فعالة كالتي أنشأها المتطرفون، وعليه من الضروري إنشاء شبكة عالمية للمسلمين المعتدلين لنشر الرسائل المعتدلة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ولتوفير الحماية للجماعات المعتدلة، وقد تكون هنالك حاجة لقيام الولايات المتحدة بمساعدة المعتدلين الذين يفتقرون إلى الموارد اللازمة لإنشاء هذه الشبكات بأنفسهم»(2).

     ويظهر هذا في التوجّه الذي يقوده رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في تشاد، من موافقته على هذا المشروع، وتبنّيه خطاً بالإمكان أن نطلق عليه حسب التعبير الأمريكي «معتدلاً». فقد كان من أوائل الذين أيدّوا المشروع الجديد ذا التصور العلماني الغريب على المجتمع التشادي المسلم.

     مع أن (بريجنسكي) -مستشار الأمن القومي الأمريكي- يقول: «إن المجتمع المنغمس في الشهوات لا يستطيع أن يسن قانوناً أخلاقياً للعالم، وإن أي حضارة لا تستطيع أن تقدم قيادة أخلاقية سوف تتلاشى»، مع ذلك فإن هناك من يدعو إلى ما يسميه (القيم الأمريكية)! مع أن تشاد دولة إسلامية وقامت على أراضيها ممالك إسلامية مشهورة حكمت كثيراً من بقاع أفريقيا، واستمرت لسنين عديدة تنشر الإسلام وسط المجتمعات الوثنية، وما زال هذا الدور جلياً في كثير من الدول المجاورة، فهل يمكن أن تقبل «القيم» الأمريكية بهذه السهولة، وبهذه الإملاءات؟!

     ولمقاومة هذه التحديات يجب على المسلمين في تشاد وفي غيرها الاتحاد والاعتصام بحبل الله المتين، وعدم التفرق أو إعطاء الفرص للأعداء، والرجوع إلى الكتاب والسنة في كل الأمور، وتسليط الأضواء على كل ما يحاك في البلد من تدبير خبيث، وربط المجتمع بقيمه وتاريخه المجيد الذي كان سببه الانتماء لهذا الدين ولهذه الشريعة الغرّاء:

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} (البقرة: 120). 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك