
محاضرات منتدى تراث الرمضاني الخامس … أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة …. السيدة خديجة – رضي الله عنها – المحاضرة 4
- كانت خديجة رضي الله عنها أول من آمنت بالله ورسوله وصدَّقت بما جاء به فخفف الله بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
- ليس من الخطأ أن يسعى الإنسان لمعرفة رأي أهل الخبرة والعلم ويستعين بنصحهم ومشورتهم وهذا ما صنعته أمنا خديجة رضي الله عنها حين استعانت بابن عمها ورقة بن نوفل عند نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم
- انتقلت خديجة رضى الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار فلم يزدها ذلك إلا حبا في النبي صلى الله عليه وسلم وحبا في الدين
- كانت خديجة رضي الله عنها حكيمة في إدارة أعمالها وأموالها وسيرتها رضي الله عنها مليئة بالكثير من المواقف التي يستفيد منها القادة دروسا وعبرًا
- كانت حياتها رضي الله عنها كلها تضحية ووفاء فقد صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي فقوت ظهره وأعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر والمجون والشهوات
أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها-، وما أدراك من هي -رضي الله عنها-؟! لا نكاد نذكر اسم السيدة خديجة في أي مجتمع مسلم إلا ونجد هذا الاسم الطيب متكررا فيه كثيرا؛ لاشتهارها بالخير الكثير بين المسلمين، فمن خديجة -رضي الله عنها-؟ هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن حجر، يمتد نسبها إلى لؤي بن غالب الذي تنتسب إليه قريش، ويلتقي نسبها بنسب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجد الخامس قصي بن كلاب، وهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النسب.
لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة. ولدت بمكة قبل عام الفيل بخمسة عشر عاما تقريبًا، ونشأت في بيت من أعرق البيوت نسبا وحسبا وشرفا، وكان والدها زعيم بني أسد بن عبد العزى شقيق عبد مناف وخليفته، وإليه ينتهي الفضل والكرم والسيادة بين قومه وعشيرته، يطيعونه ويهابونه ويحترمون رأيه ويقدرونه، ولقد نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.أهم ما يميزها -رضي الله عنها-
إن أولَ ما يميز شخصية أمنا خديجة -رضي الله عنها- صفتا العفة والطهارة، هاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حلالا ولا حراما، في بيئة تفشت فيها الفاحشة، حتى كانت البغايا يضعن إشارات حمراء تنبئ بمكانهن، ومن هذه البيئة انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف ولقبت بالطاهرة، كما لقب - صلى الله عليه وسلم - أيضا في البيئة نفسها بالصادق الأمين، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.حالها في الجاهلية
في الجاهلية كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- امرأة ذات مال وتجارة رابحة؛ فكانت تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثهم بها إلى الشام، وصل إلى مسامعها ذكر محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - كريم الأخلاق الصادق الأمين، وكان قل ما تسمع في الجاهليه مثل هذه الصفات، وأرسلت إليه وعرضت عليه الخروج بمالها مهاجرا إلى الشام، وتعطيه أكبر ما كانت تعطي غيره من التجار الآخرين، فقبل ذلك منها - صلى الله عليه وسلم - وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، وهناك نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له: من هذا الرجل الذي تحت الشجرة؟ فقال ميسرة: هذا الرجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. ثم باع النبي - صلى الله عليه وسلم - سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد، وكان قد أضعف فيه الربح، فلما قدم مكة على السيدة خديجة -رضي الله عنها- بمالها بربح ضعف ما كان يربح من قبل أو أكثر، وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وصفاته المتميزة التي وجدها في أثناء الرحلة.زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم -
رغبت أمنا خديجة -رضي الله عنها- في الزواج من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت -رضي الله عنها- ذات مال وحسب وجمال ودين، ولأن سؤال المرأة الرجل الزواج منه منقصة، أرسلت إليه صديقتها نفيسة تذكرها عنده فوافق - صلى الله عليه وسلم - على ذلك وتم الزواج المبارك. تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن 25 سنة وأمنا خديجة -رضي الله عنها- آنذاك 40 سنة، وكان قد قدر لها -رضي الله عنها- أن تتزوج مرتين قبل أن تتشرف بزواجها برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان له منها - صلى الله عليه وسلم -: (القاسم وبه كان يكنى وعبدالله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة)، ولم يتزوج - صلى الله عليه وسلم - عليها امرأة أخرى إلى أن توفيت -رضي الله عنها-؛ فكانت وفاتها قبل الهجرة بثلاث سنوات.إسلام أمنا خديجة -رضي الله عنها-
كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- قد ألقى الله في قلبها صفاء الروح، ونور الإيمان، والاستعداد لتقبل الحق، فحين نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل -عليه السلام- في غار حراء بـ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، رجع إليها يرجف فؤاده وقال لها: «زملوني زملوني، فزملته حتى ذهب عنه الروع، فقال لها وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة الحكيمة: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق». ثم انطلقت -رضي الله عنها- بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عمها، وكان قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتبه في الإنجيل بالعبرانية إلى ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخا كبيرًا قد عمي، فقالت له يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رآه. فقال له ورقه: هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا! ليتني أكون حيا؛ إذ يخرجك قومك! فقال - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجي هم؟! فقال: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي». ومن ثم كانت خديجة -رضي الله عنها- أول من آمنت بالله ورسوله وصدَّقت بما جاء به، وخفف الله بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع شيئا يكرهه مِن ردٍّ عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرج الله بها عنه، فكان إذا رجع إليها ثبتته وخففت عنه وهونت عليه أمر الناس.ولنا من حياتها دروس وعبر
كانت حياتها الزوجية -رضي الله عنها- كلها تضحية ووفاء فقد صدقت معه قبل الوحي؛ فقوت ظهره وأعانته على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر والمجون والشهوات، وكانت له سندا ومعينا في حياة التجرد والتأمل والبعد عن الصخب وضوضاء الجاهلية، كانت تهيئ له الزاد كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء، فالله --سبحانه وتعالى-- حبب إليه - صلى الله عليه وسلم - أن يتحنك في هذا الشهر العظيم دون أن يعرف ما رمضان؟ وما مكانته؟ ولكن الله -سبحانه وتعالى- العليم الحليم القدير إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.رعاية بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -
كانت -رضي الله عنها- راعية لبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وولده دون تأفف ولا ضجر ولا بعده عن بيته الليالي ذوات العدد، ولا تشعره بضيق ولا ضجر بل كانت تعينه على ذلك حتى أتاه جبريل -عليه السلام-، كانت أمنا خديجة -رضي الله عنها- تحب ما يحبه نبينا - صلى الله عليه وسلم - وتضحي بكل ما تحب من أجل إسعاده، والله إنا نشعر بالفخر والاعتزاز بكونها أمنا -رضي الله عنها وأرضاها-، ولما أحست أنه - صلى الله عليه وسلم - يحب مولاها زيد بن حارثة -وكان مملوكا لها- وهبته إياه، زارتهم مرة أمه في الرضاع حلمية السعدية، واشتكت له من ضيق العيش، فلما رأتها -رضي الله عنها- أعطتها عن طيب نفس أربعين رأسا من الغنم وبعيرا تحمل عليه الماء إرضاء لزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم . حين كان علي - رضي الله عنه - ما بين الخامسة والسادسة من عمره، مرت بمكة سنون عسرة أثرت على أحوال أهل مكة ومن حولها، وكان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعمه العباس بن عبد المطلب، وعرض عليه أن يأخذ كلا منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه، فأخذ العباس جعفرا، وأخذ محمد - صلى الله عليه وسلم - عليا، واستقبلت أمنا خديجة -رضي الله عنها- عليا في بيتها وعاملته معاملة أبنائها بالإحسان والتربية.ريادتها في الاقتصاد وإدارة الأعمال
كانت -رضي الله عنها- رائدة في الاقتصاد، وكانت حكيمة في إدارة أعمالها، وفي سيرتها -رضي الله عنها- الكثير من المواقف التي يستفيد منها القادة الدروس والعبر، منها ما يلي:أولاً: استقطاب أفضل الكفاءات
من أهم عوامل القدرة التنافسية مع الجهات المتنافسة استقطاب الكفاءات، ويحتد السباق بين الدول والشركات في توفير أفضل الظروف لإقناع الكفاءات بالانتقال إليها والبقاء أطول مدة ممكنة معها، وهذه أمنا خديجة -رضي الله عنها- سمعت عن أمانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصدقه فسعت وحرصت على أن يكون هو المسؤول عن تجارتها؛ فكان نعم القرار والاختيار والدرس القيادي عبر القرون.ثانيا: المتابعة والتقييم
رغم نزاهة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمعته التي اشتهر بها في الصدق والأمانة أرسلت غلاما لها يدعى ميسرة لخدمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخالف له أمرا، وأن يرصد لها أحواله وهكذا، فالحوكمة والرقابة من الأمور الأساسية لكل منظومة تسعى للنجاح؛ لأن انعدام الأنظمة والشفافية تولد بيئة يسهل فيها الفساد والتجاوزات، ولا يمكن أن يدار مشروع كبير بنجاح دون متابعة ورقابة قوية.ثالثًا: تقدير الجهود
فمهما بلغ الولاء والاعتماد ومهما بلغ الشغف والطموح فلا شك أن التقدير والمكافأة محل اهتمام من الموظف والمدير بغض النظر عن مرتبته، فعندما رجع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشام وكانت العوائد والأرباح كبيرة قدرت أمنا خديجة -رضي الله عنها- هذا الرسول العظيم، وقررت أن تضاعف ما اتفقت عليه معه قبل بدء رحلته التجارية.رابعًا: الدعم والتمكين
فبعد زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من أم المؤمنين -رضي الله عنها- أصبحت هي الداعم والممكن لزوجها سواء قبل البعثة أم بعدها، ومن أهم المواقف حكمتها -رضي الله عنها- في احتواء خوف المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بعد لقائه الأول بجبريل -عليه السلام- في غار حراء وهلعه الشديد عندما رجع إليها فهدأته وطمأنته وهكذا، فحتى أعظم القادة تصيبهم لحظات ضعف وخوف في مثل هذه الحالات يكون دور الأتباع في الإسناد والدعم، وموقف أمنا خديجة وكلماتها غيرت تاريخ مكة والعرب والعالم من بعدها لقرون.خامسًا: الاستعانة بالخبراء
ليس من الخطأ أن يسعى الإنسان بمعرفة رأي أهل الخبرة والعلم، ويستعين بنصحهم ومشورتهم، وهذا ما صنعته أمنا خديجة -رضي الله عنها- حين استعانت بابن عمها ورقة بن نوفل، الذي أخبرها هي ورسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل -عليه السلام- وأنه سيكون نبيا مرسلا يبلغ رسالة الله كما صنع موسى -عليه السلام- والأنبياء -عليهم السلام- من قبلهم، هذه هي الأم العظيمة لجميع المسلمين فمن منا لا يعظم أمنا خديجة -رضي الله عنها؟ التي ما إن يذكر اسمها حتى تهتز القلوب توقيرًا وإجلالا لها.مناقبها -رضي الله عنها-
من مناقب أمنا خديجة -رضي الله عنها- التي انفردت بها دون سائر أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة الدنيا، فقد روى مسلم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «لم يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - على خديجة حتى ماتت»، قال الحافظ ابن حجر: «وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها؛ لأنها أغنته عن غيرها، واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد أن تزوجها 38 عاما، انفرد بخديجة منها بــ25 عاما وهي نحو الثلثين من المجموع؛ فصان الله قلبه بهذه المدة عن الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له هو ما يشوش عليه بذلك، في حين كان في أمس الحاجة إلى رعاية وعناية، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غيرها.كثرة ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لها
ومن مناقبها -رضي الله عنها- التي تدل على شرفها وجلالة قدرها عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكثر من ذكرها بعد موتها والثناء عليها والمدح لها وما يسرها في حياتها؛ حيث يصل من يودها، قالت عائشة -رضي الله عنها-: «ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، وما رأيتها»، ما التقت أمنا عائشة بأمنا خديجة، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها إلى صويحبات خديجة، فربما قلت له: « كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت وكانت وكانت وكان لي منها ولد»، وعن أم المؤمنين عائشة أيضا قالت:» كان النبي إذا ذكر خديجة فأثنى عليها وأحسن الثناء، قالت: فغرت يوما فقلت له: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق: أي كبيرة السن قد تساقطت أسنانها ولم يبق في فمها إلا اللثة الحمراء، قد أبدلك الله خيرا بها منها يعني: الشابة الصغيرة تعني نفسها، فقال - صلى الله عليه وسلم - «ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- ولده إذ حرمني أولاد النساء».مكانتها عند الله -تعالى-
ومما يدل على مكانتها وجلالة قدرها أن الله -سبحانه وتعالى- أرسل إليها السلام مع جبريل -عليه السلام- وأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب»، وروي أيضا بإسنادهما إلى إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما-: بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة؟ قال: نعم ببيت من قصب لا صحب فيه ولا نصب، وفي ذلك منقبتان عظيمتان لأم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-:- الأولى: إرسال الرب -جل وعلا- سلامه عليها مع جبريل وإبلاغ النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهذه خاصة لا تعرف لامرأة سواها.
- الثانية: البشرى لها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
أثرها في تربية بناتها
إن امرأة جليلة مثل أمنا خديجة -رضي الله عنها- لابد أن يكون لها أثر في بناتها، فقد نشأن رضي الله عنهن في بيت من خير بيوت البرية ، فقد حظين من أخلاق الجليلين بصفات جليلة من المبادرة إلى إجابة دعوة الحق والانتقال بهذه الإجابة في حياتهن كلها حيثما انتقلن -رضي الله عنهن- أجمعين.كيف يمكن الاقتداء بها -رضي الله عنها-؟
ويأتي السؤال الذي يفرض نفسه الآن كيف يمكن الاقتداء بها -رضي الله عنها- في عصرنا هذا؟المبادرة إلى الإيمان
كما علمنا أنها أول من آمنت برسول هذه الأمة؛ فهي إذًا قدوة لمن بعدها من المسلمات في المبادرة إلى الإيمان بالله -تعالى- واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن حجر: ومما اختصت به سبقها نساء هذه الأمة إلى الإيمان؛ فسنت كذلك لكل من آمنت بعدها فيكون لها مثل أجرهن؛ لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قال» من سن في الاسلام سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص من اوزارهم شيئا»، فعملها هذا يحثنا على أن نسارع إلى الخيرات ونبادر إلى الطاعات حتى نرضي رب البريات.مواساة الزوج بالمال
ولنا وقفة على ما أثنى به عليها الذي كان من ضمنه «وواستني بمالها إذ حرمني الناس»، فلم تبخل عليه - صلى الله عليه وسلم - بشيء عندها، وعلى هذا ينبغي ألا تبخل المرأة المسلمة بمالها في مشاركة زوجها بالإنفاق على بيتها وأولادها حتى لو لم تكن ملزمة بالصرف عليهم، ولا تنسوا الفضل بينكم، وهذا أدعى لزيادة المودة داخل البيت المسلم، الذي يحرص كثير من أعداء الإسلام في زمننا هذا على تفكيكه بنشر النسوية والذكورية والإلحاد وأشياء كثيرة تفكك الأسرة المسلمة وتفت في عضدها.إعانة الزوج وعدم خذلانه
ومن مناقبها -رضي الله عنها- أنها ما آذت زوجها -[- في كلمة ولا خذلته في موقف ولا نغصت عليه في حاجة، بل كانت العضد الذي يشتد به - صلى الله عليه وسلم - والمأوى الذي يأوي إليه حين تتكالب عليه الصعاب، وكذلك ينبغي أن تكون الزوجة المسلمة لزوجها معينة له في حياته حتى تنطلق الأسرة المسلمة قدما وترتقي في سلم الإيمان، فكلما زادت الأسر المسلمة إيمانا قوي المجتمع المسلم وسار قدما في طريق الخير، ينشر الدعوة إلى الله -تعالى- فإن لم يكن بالدعوة القولية فبالقدوة الفعلية.خديجة .. خير نساء هذه الأمة
ومن مناقبها -رضي الله عنها- ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أنها -رضي الله عنها- خير نساء هذه الأمة، قال علي - رضي الله عنه -: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة» وفي رواية «خير نسائها مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد» وفي هذا الحديث بيان فضيلة مريم بنت عمران وفضيلة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - أثبت الخيرية والأفضلية لكل منهما في زمانهما فقال خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة: أي خير النساء في زمان كل منهما، وقيل المراد منه إن مريم وخديجة -رضي الله عنهما- خير نساء جميع الأرض، ومن حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لفاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أبشرك أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: سيدات نساء أهل الجنة أربع: « مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله، وخديجة بنت خويلد، وآسيا».صبرها وثباتها في مواجهة التحديات
ضربت -رضي الله عنها- أروع الأمثلة في الصبر والثبات ولا سيما بعد زواجها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث انتقلت -رضي الله عنها- مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حياة الراحة والاستقرار إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار؛ فلم يزدها ذلك إلا إيماناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وثباتا على دينه وتحديا وإصرارا على الوقوف بجانبه وتحقيق أهدافه، فلما خرج - صلى الله عليه وسلم - مع بني هاشم وبني عبد المطلب إلى شعاب مكة في عام المقاطعة لم تتردد -رضي الله عنها- في الخروج معه - صلى الله عليه وسلم - لتشاركه على كبر سنها أعباء ما يحمل من أمر رسالته الإلهية التي يحملها، وأقامت في الشعب ثلاث سنين وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله -تعالى-، فكانت شريكة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تعينه على حمل هذه الرسالة في مهدها الأول؛ فواسته بنفسها ومالها في وقت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة.
لاتوجد تعليقات