
قراءة في كتاب: الدبلوماسية الدينية… مكافحة التطرف والإرهاب ودعم الأقليات المسلمة – الحلقة الثالثة
الدبلوماسية الدينية والخيرية ودورها في تحقيق التعايش والتسامح في المجتمعات
- إن التطرف والإرهاب من أسوأ المشكلات العالمية والمسلمون قد اكتووا بنارهما سواء من جهة ظهور حركات متطرفة إرهابية تستغل الإسلام والشريعة أم بتوظيف هذه الظاهرة للمبالغة في اتهام الإسلام والمسلمين والتحريض ضدهم
- إن اهتمام الدبلوماسية الدينية الإسلامية بشأن الأقليات والجاليات يدخل في صلب الأخوة الإيمانية ومعاني التكافل والتعاون التي يغرسها هذا الدين في نفوس أتباعه مهما تباعدت بينهم الديار
- الدبلوماسية الدينية تستطيع أن تؤدي دورا مهما من خلال الجهود التعليمية والتثقيفية والإعلامية والتربوية وهذه الجهود تصب في النهاية في صالح المجتمعات البشرية ونشر الدعوة عموما
- التعاون العام في أبواب الخير مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية يدخل في عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
إعداد: وائل سلامة - قاطع راشد
التطرف فكر غال يتجاوز حد الاعتدال، ويدعو إلى العنف والعدوان، والإرهاب عمل إجرامي لا يراعي قواعد الحرب ولا أخلاقها، بل يستغل نقاط الضعف في الكيان الإنساني، ويستحل الغدر والخيانة واستهداف المدنيين لنشر القتل والإجرام والدمار والخراب، وإن من مقاصد الإسلام الظاهرة، مكافحة الغلو والتطرف، ومنع الإرهاب والبغي والعدوان، وهذا المحور مكمل للمحورين السابقين: التعارف بين الناس على أساس المساواة المنافية للعنصرية، والترسيخ للسلام العالمي وجعل الحرب حال طارئة من أجل دفع العدوان، وضبطه بأخلاق الحرب وقواعده التي تمنع البغي والعدوان والفساد في الأرض، قال -تعالى-: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص: ۷۷)، وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلُ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف: ٣٣).
من أسوأ المشكلات العالمية
إن التطرف والإرهاب من أسوأ المشكلات العالمية، والمسلمون قد اكتووا بنارهما، سواء من جهة ظهور حركات متطرفة إرهابية تعمل باستغلال اسم الإسلام والشريعة، أم بتوظيف الجهات المعادية للإسلام لهذه الظاهرة للمبالغة في اتهام الإسلام والمسلمين، وشن الحملات الإعلامية والتحريضية ضدهم؛ لهذا فإن للدبلوماسية الدينية الإسلامية دورا مهما في هذا المجال تستطيع أن تؤديها، ولها كلمة حق ينبغي أن تقولها، وقد قدمت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة في هذا المجال.دعم الأقليات والجاليات المسلمة
وجود الأقليات والجاليات في داخل الدولة الواحدة ظاهرة قديمة في التاريخ الإنساني، لكنها تطورت كثيرًا مع انتهاء عصر الدول الكبرى، وظهور عدد كبير من الدول القطرية، وبروز نشاط الأقليات والجاليات داخل الدول، مع احتفاظها بصلاتها بدولها الأصلية؛ نظرًا لسهولة وسائل السفر والاتصال بين الناس. إن اهتمام الدبلوماسية الدينية الإسلامية بشأن الأقليات والجاليات يدخل في صلب الأخوة الإيمانية ومعاني التكافل والتعاون التي يغرسها هذا الدين في نفوس أتباعه مهما تباعدت بينهم الديار، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ۱۰)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».ما يمكن أن تقدمه الدبلوماسية للأقليات
وفي هذا السبيل تستطيع هذه الدبلوماسية أن تقدم الكثير - وفق الأنظمة الدولية والأعراف الدبلوماسية - لتلك الأقليات والجاليات في مجالات كثيرة نشير إليها باختصار:- إعانتهم في المحافظة على هويتهم الدينية من خلال دعم بناء المساجد والمراكز الإسلامية، ومساندتهم في مجال حفظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، سواء في أماكنهم أم من خلال المنح الدراسية في الدولة المسلمة، والتنسيق معهم في إقامة الدورات والمؤتمرات، وإرسال الأئمة والدعاة إليهم، ولا سيما في شهر رمضان المبارك.
- المساهمة في معالجة المشكلات الدينية والاجتماعية، ولا سيما فيما يتعلق بظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب، وتدعيم جهود نشر المفاهيم الصحيحة للدين، وترسيخ منهج الوسطية والاعتدال.
- التنسيق في مجال أداء الحج والعمرة.
- مد يد العون إليهم عند النوازل والكوارث والأوبئة العامة.
تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة
في شريعتنا السمحة من أحكام الحق والعدل، ومقاصد الخير والإحسان، ما يوجب على أتباعها وحملتها أن يكونوا سباقين إلى تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة بين أتباع الأديان، تكثيرا للخير في الناس، وتقليلا للشر والفساد، ولا نقصد بهذا الخلط بين الأديان، ولا إقرار المسلم بصحة دين غير دين الإسلام، وإنما المقصود السعي لخير البشرية ونفعها بحسب الطاقة والإمكان، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728) -رحمه الله-: «والله -تعالى- بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا الخلق بغاية الإمكان، ونقل كل شخص إلى خير مما كان عليه بحسب الإمكان: {وَلِكُلِّ دَرَجَةٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} الأحقاف: 119».الرؤية النسبية والواقعية
بهذه الرؤية النسبية والواقعية يستطيع المسلمون المساهمة مع الآخرين في كل ما يعزز القيم الدينية والإنسانية المشتركة، مثل تكريم بني آدم، وحفظ حقوقهم، وتعظيم دمائهم، وإقامة العدل بينهم - ولو كان عدلا نسبيا -، وتعزيز مبدأ التسامح والتعايش بين الناس، وتدعيم الأخلاقيات العامة كالصدق والوفاء بالعهود والمواثيق وحفظ الأمن ومجانبة الغدر والخيانة، ومن أهم المجالات الداخلة في هذا الميدان: المحافظة على قيم الأسرة، ورد تطرف التيارات الإلحادية والإباحية والفوضوية المهدد لنسيج الأسرة وبنية المجتمع. إن الدبلوماسية الدينية تستطيع أن تؤدي دورا مهما في هذه المجالات من خلال الجهود التعليمية والتثقيفية والإعلامية والتربوية، وهذه الجهود تصب في النهاية في صالح المجتمعات البشرية، في أمنها واستقرارها وترابطها، وتقليل أسباب الفساد والتدابر والتفكك فيها.التعاون لتحقيق المصالح المشتركة للبشرية
إن تعزيز القيم الدينية والإنسانية المشتركة - الذي تناولناه في الفقرة السابقة - يمثل الجانب النظري في خدمة البشرية، اعتقاديا وفكريا وقيميا، ويؤسس للجانب العملي، وهو التعاون لتحقيق المصالح المشتركة للبشرية في جميع المجالات وفي مختلف الأحوال، وهذا التعاون العام في أبواب الخير مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، يدخل في عموم قوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: ٢)، وقوله -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهِ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (الأعراف: ٨٥)، وقوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (البقرة: ٢٠٤-٢٠٥)، قوله -تعالى-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِعُوا أَرْحَامَكُمْ} (محمد: ٢٢)، وقول النبي:» لا ضرر ولا ضرار «، وهكذا جميع الآيات والأحاديث الدالة على إقامة العدل والإنصاف في المعاملة وتكثير الخير وحفظ الحقوق وأداء الأمانات والوفاء بالعهود والمواثيق، وعلى النهي عن الظلم والبغي والفساد في الأرض، جميعها عامة، سواء فيما تعامل المسلمين فيما بينهم، أم في تعاملهم مع غيرهم. وقد جاء في كتب السيرة أن قبائل من قريش تداعت - في جاهليتها - إلى حِلْفٍ، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان التيمي، لشرفه وسنه، فكان حلفهم عنده بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتَيْمُ بن مرَّة. فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُردَّ عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن حضر ذلك الحلف وهو شاب -، فذكر ذلك بعد بعثته الشريفة، فقال: شهدت حلف المطَيَّبِينَ مع عُمُومتي وأنا غلام، فما أحبُّ أَنَّ لي حُمْرَ النعم واني أنكثه.الأنواع التي تدخل في هذا المجال
إن الصور التي تدخل في هذا المجال كثيرة جدا، تزداد وتتسع مع تطور الحياة البشرية، وتداخل العلاقات بين البشر، وتؤكد مصالحهم المشتركة، فمنها على سبيل المثال لا الحصر:- محاربة الفقر والجهل والمرض.
- التعاون في مواجهة الكوارث والأزمات كالزلازل والفيضانات والأوبئة العامة.
- التعاون لتأمين الأمن الغذائي للبشر، ومواجهة المجاعات ومشكلة شح المياه الصالحة للشرب.
- التعاون في مكافحة التطرف والعنف والإرهاب - كما تقدم.
- التعاون في مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة وجميع أنواع الفساد في الأرض.
- المساهمة في حل الخلافات السياسية والصراعات الدينية والمذهبية بالطرائق السلمية، من خلال التدخل المباشر في ميادين الحوار والمفاوضات والوساطات، كما يحصل في وقائع اختطاف الرهائن أو الطائرات من قبل المنظمات الإرهابية، فلا يستهان بجهود القيادات الدينية في تقريب وجهات النظر، وتخفيف حالة التعصب والانفعال، ودفع الأطراف إلى التفاوض والحل السلمي وحقن الدماء.
- التعاون في برامج حماية البيئة، ولا سيما أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بأحكام مباشرة في هذا المجال، مثل النهي عن الإسراف والتبذير، قال -تعالى-: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف: ۳۱)، وقال -تعالى-: {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة: ٦٠).
- الحفاظ على رابطة الأسرة وقيمها وأخلاقها التي تقوم على ركنيها: الذكر والأنثى.
- مواجهة الإلحاد وشبهاته، الذي يسعى في هدم الأخلاق والقيم.
- معالجة الأمراض النفسية الناتجة عن الخواء الروحي والإلحاد والعبثية.
لاتوجد تعليقات