رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سامح محمد بسيوني 8 يوليو، 2024 0 تعليق

شبهات حول العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي

  • النهي عن الحلف لم يكن من أجل أنه حلف بل من أجل المحرمات التي قد تنتج عن هذا الحلف فإذا اجتُنبت هذه المحرمات رجع الحلف إلى الأصل وهو الجواز
  • إطلاق الأسماء لا ضرر منه مطلقًا سواء في الشرعيات أم المباحات والاسم ما دام لا يشتمل على باطل فليس ممنوعًا شرعًا
 

ما زال حديثنا مستمرا حول المفاهيم الإصلاحية؛ حيث ذكرنا أن الأعمال الإصلاحية الدعوية تنقسم -طبقا للواقع الحالي- إلى ثلاثة أنواع: عمل إصلاحي فردي، وعمل إصلاحي عبر المجموعات الوسيطة، وعمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان، وتحدثنا عن العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي، وأهميته من خلال الحديث عن الأسباب الشرعية، ثم ذكرنا بعض الشبهات التي أثيرت حول العمل المؤسسي التعاوني، ومنها: الاستدلال بظاهر النصوص التي تنهى عن الفُرقة لرفض هذا النوع من العمل، واليوم نستكمل الحديث عن هذه الشبهات.

  • الشبهة الثانية: استدلالهم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حلف في الاسلام»
من الشبهات التي استدل بها عدم المجيزين للعمل الجماعي استدلالهم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا حلف في الاسلام».

الرد على هذه الشبهة يجب أولا توضيح الحلف المقصود في الحديث؟

          المراد بالحلف في الحديث: هو ما كان يتحالف عليه أهل الجاهلية من إيصال الحقوق لأصحابها؛ حيث كان المتحالفون في الجاهلية تجمعهم الأخوة في الحلف، ويترتب على ذلك الحلف بعض الحقوق كالميراث والقرابة والزواج وبعض الالتزامات مما اختصتها شريعة الاسلام بأحوال خاصة بالقربى والنسب كما جاء بيان ذلك في شروحات الحديث المختلفة؛ فقد جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري في شرح الحديث: «والمعنى أنهم لا يتعاهدون في الإسلام على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية»، وقال أيضا -رحمه الله-: «وقد جاء الاسلام فمنع الميراث، ولم يُبق إلا النصر والرفادة والنصيحة والوصية بعد الميراث كما قال ابن عباس - رضي الله عنه » (فتح الباري 4/473). ويدل على ذلك ما رواه الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول قال: «قلت لأنس بن مالك: أَبَلَغَكَ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حلف في الإسلام؟» فقال: قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري». (البخاري 6063)، (مسلم 2529) واللفظ للبخاري. فقد فهم عاصم -رحمه الله- أن قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا حلف في الإسلام» بمعنى: أن كل حلف في الإسلام منهي عنه، فصحح له أنس بن مالك - رضي الله عنه - فهم القضية قائلا: «قد حالف النبي - صلى الله عليه وسلم - بين قريش والأنصار في داري».

حقيقة النهي عن الحِلْف

        وعلى هذا فالنهي عن الحلف لم يكن من أجل أنه حلف، بل من أجل المحرمات التي قد تنتج عن هذا الحلف، فإذا اجتُنبت هذه المحرمات رجع الحلف إلى الأصل وهو الجواز، ويدل عليه حديث جبير بن مطعم -رضى الله عنه-؛ حيث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» رواه مسلم في صحيحه (2530) فهذا الحديث ورد فيه نفى الحلف وإثباته، والجمع بينهم كما قال الإمام النووي -رحمه الله في بيان ذلك-: «والمنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع، وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله -تعالى- فهو أمر مرغب فيه»، وقال أيضا -رحمه الله-: « وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا حلف في الإسلام، فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه والله أعلم» (شرح مسلم للنووي 16/82). قال الإمام السيوطي في شرح الحديث: «لا حلف في الإسلام، أراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه» (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج 5/478)، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الأدب في ذلك باب بعنوان: (الإخاء والحلف)، فهذا هو فهم الصحابة والسلف للحديث؛ فأين هؤلاء الملقون لهذه الشبهة من فهم الصحابة والسلف الصالح لهذه النصوص؟!

الشبهة الثالثة: دعوى أنه لا يجوز التسمي بغير اسم الإسلام

بعضهم ينهى عن العمل الجماعي داخل الكيانات الإصلاحية بدعوى أنه لا يجوز التسمي باسم غير اسم الإسلام، وأن العمل في كيانات يستلزم التسمي والانتساب، واستدلوا بقول الله -تعالى-: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}.

الرد على هذه الشبهة

  • أولا: إطلاق الأسماء -ابتداءً على أي حقيقة أو كيان- لا ضرر منه مطلقًا، سواء في الشرعيات أم المباحات، والاسم ما دام لا يشتمل على باطل فليس ممنوعًا شرعًا، وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض المسلمين بالمهاجرين -من أجل الهجرة-، وسمى بعضهم الآخر بالأنصار -من أجل النصرة-، وسُمي من جاء بعدهم بالتابعين -لاتباعهم من سبقهم من المهاجرين والأنصار-بل خص النبي بعضهم بخطاب لهم وهو موجه لكل المسلمين فقال: «يا معشر المهاجرين..»، وما زال المسلمون يتخذون الأسماء والألقاب التي تميز منهجهم أو مذهبهم على مر العصور كالأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرها؛ فما الضير إذا تسمي أي كيان باسم مميز له ما دام الاسم لا يحتوى على مخالفة شرعية؟

التسمية ليس معناها التعصب

  • ثانيا: التسمية لأي كيان ليس معناها التعصب لاسم الكيان، أو أن تكون الموالاة والمعادة على مجرد الانضمام للكيان أو المفارقة له، بل الأصل أن كل مسلم يشهد الشهادتين، ويعمل بحسب استطاعته بمقتضاهما، يجب أن يحب ويعان على طاعته، ويوالى على حبه لله ورسوله، ولا ينصر من انتمى لكيان ما إن كان مبطلاً ولو كان عدوه كافرًا، ولا يوالى المنتمي لكيان ما في الظلم مهما كان، فالمولاة تكون لكل مسلم بحسب دينه واعتقاده وإيمانه وبحسب قربه وبعده مما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وليس على مجرد الاسم الذي ينتسب إليه.
ومع هذا فلابد أن نعي أن التعصب الذي قد يقع من بعضهم على الأسماء وارد جدا، وقد وقع ذلك بين الصحابة من التعصب لتلك الأسماء التي تنادوا بها (يا للمهاجرين.. يا للأنصار) حتى كادوا أن يقتتلوا عليه، ومع هذا لم ينههم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التسمي بتلك الأسماء، بل نهاهم عن التعصب لها فقط فقال: «ما بال دَعْوى الجاهلية؟! دَعُوها؛ فإنَّها مُنْتنةٌ» (البخاري 4905, مسلم 2584) وقد وقع أيضا من التعصب بين طلبة المدارس الفقهية لمذاهبهم عبر الزمان ما لا يكاد العقل أن يصدقه، فهل نهى أهل العلم عن التسمي بهذه الأسماء المذهبية؟ أم أن النهى كان واقعا على التعصب لها؟ والإجابة الواضحة أنه لم ينه أهل العلم قطعا عن التسمي بأسماء المدارس الفقهية، لكن النهي كان واقعا على التعصب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك