
شباب تحت العشرين – 1232
من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، التخلّص من أمراض الكبر والاستعلاء، والتحلي بأخلاق التواضع ولين الجانب والرحمة بالخلق، ومنشأ ذلك العلم بأن ما آتى الله عبدا من قوّة وحكمة، وحسبٍ وجاه، ومكانة، وأموالٍ وخيراتٍ، إنما هو من تقدير الله -عزّوجل-، وأن العبدَ ما أوتي كلّ ذلك إلا ليُبتلى في هذه الحياة، أيشكر أم يكفر؟ كما لو شاء الله أن يبتليه بسلب تلك النعم لفعل، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}.
«حقيقة الإيمان بالقضاء والقدر»
من أصول العقيدة التي يجب على الشباب أن يعلموها ويؤمنوا بها: «الإيمان بالقضاء والقدر» فهو الأصل السادس من أصول الإيمان، والقدر هو أن الله -تعالى- علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد. فكل حدث صادر عن علمه، وقدرته، وإرادته، ولا تصل النفس إلى كمال الإيمان إلا حينما تؤمن بقضاء الله وقدره، والإيمان بالقدر يورث العبد اعتدالاً في مواجهة أقدار الله المختلفة، في السرّاء والضرّاء على حدٍّ سواء، فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له»، ومن ثمرات هذا الإيمان أن الشاب لا يُسلم نفسه لمشاعر اليأس والإحباط من مرارة الواقع وتتابع الفِتَن؛ ليقينه بموعود الله في نصرة هذا الدين وأنَّ العاقبة للمتقين، ومحاربة اليأس تقود إلى سكون القلب وطمأنينته حتى يُبصر المؤمن المنحة في جوف المحنة، ويُدرك أن بعد العسر يُسرًا، قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور:55).ستة مشاهد عظيمة عند وقوع البلاء
قال ابن القيم رحمه الله: «إذا جرى على العبد مقدور يكرهه، فله فيه ستة مشاهد:- الأول: مشهد التوحيد، وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
- الثاني: مشهد العدل، وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه.
- الثالث: مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه.
- الرابع: مشهد الحكمة، وأن حكمته -سبحانه- اقتضت ذلك، لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا.
- الخامس: مشهد الحمد، وأن له -سبحانه- الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه.
- السادس: مشهد العبودية، وأنه عبد محض من كل وجه، تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده، فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه».
الإسلام ليس تقييدًا للحريات
شبهات في الإيمان بالقضاء والقدر
من جملة الشبهات التي ترد على الشباب ويقف أمامها حيران: مسألة القدر، ومن الإشكالات التي ترد على قلوب الشباب أن الإنسان يُعذَّب على فعل المعاصي، فكيف يُعَذَّب عليها وهي مكتوبة عليه، ولا يمكن أن يتخلص من الأمر المكتوب عليه؟ والجواب عن ذلك: إذا قلت هذا فقل أيضًا: إن الإنسان يثاب على فعل الطاعات، فكيف يثاب عليها وهي مكتوبة عليه، ولا يمكن أن يتخلص من الأمر المكتوب عليه؟ وجواب ثان وهو: أن القدر سر مكتوم لا يعلمه إلا الله حتى يقع، فمن أين للعاصي العلم بأن الله كتب عليه المعصية حتى يقدم عليها؟ أفليس من الممكن أن يكون قد كتبت له الطاعة؟ فلماذا لا يجعل بدل إقدامه على المعصية أن يقدم على الطاعة؟ ويقول: إن الله قد كتب لي أن أطيع. وجواب ثالث، أن نقول: إن الله قد فَضَّل الإنسان بما أعطاه من عقل وفهم، وأنزل عليه الكتب، وأرسل إليه الرسل، وبَيَّنَ له النافع من الضار، وأعطاه إرادة وقدرة يستطيع بهما أن يسلك إحدى الطريقين، فلماذا يختار هذا العاصي الطريق الضارة على الطريق النافعة؟ أليس هذا العاصي لو أراد سفرًا إلى بلد وكان له طريقان، أحدهما سهل وآمن، والآخر صعب ومخوف، فإنه بالتأكيد سوف يسلك الطريق السهل الآمن، ولن يسلك الصعب المخوف، بحجة أن الله كتب عليه ذلك، بل لو سلكه واحتج بأن الله قد كتبه عليه لعَدَّ الناس ذلك سفها وجنونا، فهكذا أيضا طريق الخير وطريق الشر سواء بسواء، فليسلك الإنسان طريق الخير ولا يخدعن نفسه بسلوك طريق الشر، بحجة أن الله كتبه عليه ونحن نرى كل إنسان قادر على كسب المعيشة، نراه يضرب كل طريق لتحصيلها، ولا يجلس في بيته ويدع الكسب احتجاجا بالقدر، إذًا فما الفرق بين السعي للدنيا والسعي في طاعة الله ؟ لماذا تجعل القدر حجة لك على ترك الطاعة، ولا تجعله حجة لك على ترك العمل للدنيا؟!اتباع الهدى
لا يكون المرء متبعًا للهدى إلا بأمرين: تصديق خبر الله تصديقًا جازمًا من غير اعتراض شبهة تقدح في تصديقه، وامتثال أمره -تبارك وتعالى- من غير اعتراض شهوة تمنع من امتثال أمره، وعلى هذين الأصلين مدار الإسلام.الأمور التي يُستجلب بها التوفيق
أجمع العلماء الربانيون على أنَّ حقيقة التوفيق هو ألا يكِلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان: أن يوكل العبد إلى نفسه، ومما ينبغي أن يعتنى به في هذا المقام معرفة الأمور التي يُستجلب بها التوفيق وتتلخص فيما يلي:- النية الصالحة التي هي أساس العمل وقوامه وصلاحه.
- كثرة الدعاء والإلحاح على الله.
- صدق التوكل على الله -جل وعلا-؛ قال شعيب -عليه السلام-: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ}.
- إصلاح النفس بالعلم؛ فإن العلم نورٌ لصاحبه وضياء.
- مجاهدة النفس على العبادة والطاعة فرضها ونفلها.
- ملازمة أهل الصلاح والاستقامة، والبُعد عن أهل الشر والفساد.
من الأخطاء التي يقع فيها الشباب لبس حظَّاظة اليد
بعض الشباب يضع في يدِه حَلْقةً مصنوعة من الجلد أو غيره، تُسمَّى (الحظاظة)، ويعتقد أنها تجلِبُ الحظ، وهذا اعتقادٌ فاسد، ويجب على الشباب أن يعتقد اعتقادًا جازمًا أن الله -تعالى- هو الذي يتصرَّف في هذا الكون، ولا يحدث شيء فيه إلا بإرادته -سبحانه-، قال -تعالى-: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 51)، وقال الله -تعالى-: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كتب الله مقاديرَ الخلائق قبل أن يخلق السماواتِ والأرض بخمسينَ ألفَ سنةٍ».
لاتوجد تعليقات