رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 21 سبتمبر، 2020 0 تعليق

درر من كلام العلماء – درر مــــن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

 

 

أعظم ما يكون العبد قدرا، وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه

 من كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله كان من أولياء الله المتقين أهل النعيم المقيم

السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله

العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارًا إليه وخضوعا له كان أقرب إليه وأعز له وأعظم لقدره

 

أكثر من سبعة قرون مرت على وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (ت728هـ)، وهو أحد القمم الشوامخ في سلسلة جبال العلم، وانصرمت مئات السنين ولا تزال أضواء علمه ساطعة، وأنوار معارفه مشرقة، وفي ذلك دلالة -والعلم عند الله-على القبول الذي هو ثمرة الإخلاص، وأيضاً الرصانة التي تحلت بها آثاره العلمية التي خلفها لأمة الإسلام، فقد أورث الأمة تراثاً علمياً مستنيراً بكتاب الله وسنة رسول الله -  صلى الله عليه وسلم -، وهذه بعض من درر كلامه -رحمه الله.

أهل العلم المأثور

     قال - رحمه الله-: وأهل العلم المأثور عن الرسول: أعظم الناس قياما بهذه الأصول، لا تأخذ أحدهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم، بـل يتكـلم أحدهم بالحق الذي عليه، ويتكلم في أحب الناس إليه، عملاً بقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 135)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: 8)، ولهم من التعديل والتجريح، والتضعيف والتصحيح، من السعى المشكور، والعمل المبرور: ما كان من أسباب حفظ الدين، وصيانته، عن إحداث المفترين، وهم في ذلك على درجات: منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية، ومنهم أهل المعرفة بالحديث والدراية، ومنهم أهل الفقه فيه والمعرفة بمعانيه (المجموع: 1/ 10).

الإخلاص في الأعمال

     قال -رحمه الله-: فمن كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله، كان من أولياء الله المتقين، أهل النعيم المقيم، كما قال -تعالى-: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (يونس: 62-64)، وقد فسر النبي -  صلى الله عليه وسلم - البشرى في الدنيا بنوعين:

- أحدهما: ثناء المثنين عليه.

- الثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح؛ أو تُرى له، فقيل يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟ قال: «تلك عاجل بشرى المؤمن»، وقال البراء بن عازب: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فقال: «هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح؛ أو تُرى له». (المجموع: 1/ 7).

الأمة المرحومة

     قال - رحمه الله-: وأما هذه الأمة المرحومة، وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلم منهم والدين من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المَيْن كما يظهر الصبح لذي عينين، عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول، وأمرهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59)، فإذا اجتمع أهل الفقه على القول بحكم لم يكن إلا حقا، وإذا اجتمع أهل الحديث على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقا، ولكل من الطائفتين من الاستدلال، على مطلوبهم بالجلا والخفى ما يعرف به من هو بهذا الأمر حفى، والله -تعالى- يلهمهم الصواب في هذه القضية، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، وكما عرف ذلك بالتجربة الوجودية، فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، لما صدقوا في موالاة الله ورسوله؛ ومعاداة من عدل عنه، قال -تعالى-: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة: 22). (المجموع: 1/ 9).

السرور بغير الله لا يدوم

     قال - رحمه الله -: ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ غير منعم له ولا ملتذ له، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده، ويضره ذلك.. (المجموع: 1/ 24).

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن بلغ حديثه

     قال - رحمه الله-: «نضر الله امرءًا سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم»، وفي هذا دعاء منه لمن بلغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلغ؛ لما أعطى المبلغون من النضرة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: لا تجد أحدًا من أهل الحديث إلا في وجهه نضرة؛ لدعوة النبي -  صلى الله عليه وسلم . (المجموع: 1/ 11).

أعظم الخلق أعظمهم عبودية لله

     قال - رحمه الله-: العبد كلما كان أذل لله وأعظم افتقارا إليه وخضوعا له، كان أقرب إليه، وأعز له، وأعظم لقدره، فأعظم الخلق أعظمهم عبودية لله، وأما المخلوق فكما قيل: احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، فأعظم ما يكون العبد قدرا، وحرمة عند الخلق إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه، فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم، كنت أعظم ما يكون عندهم، ومتى احتجت إليهم، ولو في شربة ماء، نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وهذا من حكمة الله ورحمته ليكون الدين كله لله ولا يشرك به، ولهذا قال حاتم الأصم: لما سئل: فيم السلامة من الناس؟ قال: أن يكون شيئك لهم مبذولا، وتكون من شيئهم آيسا.. (المجموع: 1/ 39).

السعادة في معاملة الخلق

     قال - رحمه الله-: السعادة في معاملة الخلق: أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفا من الله لا منهم، كما جاء في الأثر: ارج الله في الناس ولا ترج الناس في الله، وخف الله في الناس، ولا تخف الناس في الله، أي: لا تفعل شيئًا من أنواع العبادات والقرب لأجلهم، ولا رجاء مدحهم ولا خوفا من ذمهم، بل ارج الله ولا تخفهم في الله فيما تأتى وما تذر، بل افعل ما أمرت به وإن كرهوه، وفي الحديث: إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، أو تذمهم على ما لم يؤتك الله، فإن اليقين يتضمن اليقين في القيام بأمر الله وماوعد الله أهل طاعته، ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره، فإذا أرضيتهم بسخط الله لم تكن موقنًا: لا بوعده ولا برزقه، فإنه إنما يحصل الإنسان على ذلك، إما ميل إلى ما في أيديهم من الدنيا، فيترك القيام فيهم بأمر الله؛ لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديق بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم، فإرضاؤهم بسخطه إنما يكون خوفا منهم ورجاء لهم؛ وذلك من ضعف اليقين. (المجموع: 1/ 51).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك