
خواطر الكلمة الطيبة – محبة الله للعبد
- من علامات حب الله تعالى لعبده المؤمن شعوره بأنه يحب الله ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
- من علامات محبة الله عز وجل لعبده المؤمن أن يوفق إلى الرفق واللين وحسن الخلق وترك العنف
- إذا أردت أن يحبك الله عز وجل فعليك باتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسة الصالحين وزيارتهم
هناك محاضرة للشيخ أبو بكر الجزائري عنوانها: (هل الشأن أن تُحِبّ أو أن تُحَبّ؟)، فالشأن أن تُحِبّ الله -عز وجل-؛ لأنك أنت المحتاج له -سبحانه-، فالله هو الغني عن العالمين، ولكن أن تُحَبّ ويذكر ذلك في الملأ الأعلى أنَّ الله يحبك، فهذا والله من الرحمة العظيمة؛ لأن مثل هذا يعين العبد على الثبات على الأمر والاستمرار في الطاعة والتسابق إليها والسير في الطريق الموصل إلى رحمة الله -تعالى-.
ولذلك جاء في بعض الآثار أنَّ عبدالله بن الحسن قال: كانت لي جارية رومية وضيئة، فالتمستها في إحدى الليالي فلم أجدها، فقمت أطلبها فإذا هي ساجدة، وهي تقول: «بحبك لي إلا غفرت لي ذنوبي»، فقلت لها: لا تقولي: «بحبك لي»، ولكن قولي: «بحبي لك». فقالت: لا يا مولاي، بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظ عيني وكثير من خلقه نيام.كيف يعرف العبد أن الله يحبه؟
والسؤال المهم هو كيف يعرف العبد أن الله يحبه بعد ما يفعل الأسباب التي تنال بها محبة الله؟ فلا شك أن من علامات حب الله -تعالى- لعبده المؤمن شعوره بأنه يحب الله ورسوله، وأن يكونا أحب إليه مما سواهما، ومن نفسه التي بين جنبيه، وأن يكون مستقيمًا على فعل الطاعات واجتناب المنهيات، مواليا للمؤمنين ومحبًا لهم ومتواضعا معهم، مبغضًا للمعصية والكفر والبدعة وأهلها، فمن توفرت فيه هذه الصفات فهو من أولياء الله وأحبائه. فقد كانت هذه صفات أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال -تعالى-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود} (الفتح:29)، وقال -تعالى-: (فسَوْف يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة:54)، ومن صفات أحباب الله ورسوله ما رواه أحمد عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».الحماية من فتن الدنيا وشهواتها
ومن علامات حب الله -عز وجل- للعبد المؤمن أن يحميه من فتن الدنيا وشهواتها، فالسعيد من جُنّب الفتن، فقد روى محمود بن لَبِيدٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ»، وفي رواية الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ»، وهذا لا يعني أن من أحبه الله أفقره ومن أبغضه أغناه؛ لكن المقصود أن الله يعصمه من التعلق بشهوات الدنيا ويصرف قلبه عن حبها والانشغال بها؛ لئلا يركن إليها وينسى همَّ الآخرة.التوفيق إلى الرفق واللين
ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن، أن يوفق إلى الرفق واللين وترك العنف، فقد روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» رواه ابن أبي الدنيا، وفي حديث آخر قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ» رواه البخاري، فإذا رأيت الرجل ليناً لطيفاً رفيقاً مع الناس عامة، ومع زوجته وأهل بيته خاصة، فهذا من علامات حب الله له، وكم نسمع عن أناس يكثرون من إهانة زوجاتهم أمام أولادهم وأقاربهم! بل إن منهم من يتعمد إذلال زوجته ورفع صوته عليها أمام أهلها تحقيراً لها وتكديراً لخاطر أهلها الذين أكرموه وائتمنوه على فلذة كبدهم، وما هذا من أخلاق الرجال ولا من سنة سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم -، بل قد تكون علامة على عدم حب الله -تعالى- له.الابتلاء في الدين أو الدنيا
ومن علامات محبة الله -عز وجل- لعبده المؤمن أن يبتليه في دينه أو دنياه، فقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ»، فالله -عز وجل- يبتليك ليمتحنك، فقد يبتليك بالغنى أو الفقر، بالصحة أو المرض، بالفراغ أو الشغل، في المال أو النفس، فمن رضي وصبر محص الله ذنبه، ومن لم يرض خسر عظيم الثواب، ولن يستعيد ما فقده بعدم الرضا، قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وقال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.إعانة الناس وتفريج كربهم
من علامات محبة الله للعبد أن يوفق لخدمة الناس وإعانتهم وتفريج كربهم؛ حيث روى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن رجلا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا - يعني مسجد المدينة - ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام» رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا.التوفيق إلى حسن الخلق
ومن علامات حب الله للعبد أن يوفق إلى حسن الخلق، فعن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنما على رؤوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم؛ إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله -تعالى-؟ قال: «أحسنهم خلقا».ماذا أفعل ليرضى الله عني؟
إذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك باتباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقد قال الله -عز وجل- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل- فعليك بمجالسة الصالحين وزيارتهم، فقد قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: «وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ»، وروى أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - «أَنَّ رَجُلاً زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى؛ فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ لا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» رواه مسلم، وإذا أردت أن يحبك الله -عز وجل-، فالزم فرائض الله -تعالى- ولا تضيعها وبادر إلى الإكثار من النوافل بشتى أنواعها، من صلاة وصيام وصدقة وقراءة قرآن ونحو ذلك، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : قال الله -عز وجل-: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ..».
لاتوجد تعليقات