رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: منذر المشارقة 22 أكتوبر، 2019 0 تعليق

ثمرات وضوح الرؤية في العمل الدعوي


إن من أهم الصفات التي يتميز بها الداعية وضوح الرؤية؛ بحيث يعرف من أين يبدأ، وأين ينتهي، وما حدود المجال الذي سيعمل فيه؛ وقيمة كل دعوة في الهدف الذي يسعى الداعي إلى تحقيقه من وراء دعوته، وكلما كانت الرؤية واضحة والهدف محددًا كان السير صحيحًا، والعمل متزنًا، والثمرة يانعة، وغاية الدعوة رضا الله -تعالى-، وتحقيق عبودية الله في أرضه، وعمارة الكون عن طريق البلاغ، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18)؛ فيأمر -سبحانه وتعالى- المؤمنين أن تكون النهاية حاضرة في أذهانهم؛ لأن في استحضارها عاملا كبيرا في استقامتهم على الطريق المستقيم.

     وللرؤية الواضحة آثار على الدعوة وعلى نجاحها واستمرارها في ظل التحديات التي تواجهها؛ فهي تجعل الداعية إلى الله يسير وفق خطة مدروسة، وأهداف محددة، بعكس من يسير دون هدف؛ فحاله كما يقال مكانك راوح،  تتركه عشر سنين ثم تأتي إليه وتجده كما تركته.

وضوح رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

     فهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو القبائل في مواسم الحج للإيمان بالله -عز وجل- وتوحيده؛ فلما اشتد بأس قريش عليه وعلى أصحابه في السنة العاشرة من البعثة، أصبح صلى الله عليه وسلم يدعوهم لينصروه في دعوته، وهذا بعد أن أصبحت مكة لا تصلح للبقاء فيها، وهذا التوجه كان بداية السعي نحو الهجرة من مكة وإحداث تغيير جذري في واقع المسلمين.

     وعنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ  رضي الله عنه قالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟؛ فَقَال:  «قد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ  الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (رواه البخاري).

ثقته صلى الله عليه وسلم بنصر الله

     يبين لنا هذا الحديث وضوح رؤيته -عليه الصلاة والسلام- وهو في مكة مع التعذيب والتنكيل، كيف كانت ثقته بنصر الله، وأن النصر مع الصبر، وبين لخباب بن الأرت ما الذي سيؤول إليه الإسلام من نصر وتمكين، وأن الله سيتم هذا الأمر، ولكن يحتاج إلى صبر، وهذا كثير في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصخرة التي استعصت على الصحابة -رضي الله عنهم- في حفر الخندق، وصعوبة الظروف التي كان يمر بها المسلمون من تكالب الكفار عليهم؛ فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والروم، وقد كان لهذه الرؤية دور كبير في تحفيز الصحابة على الصبر والمجاهدة للوصول إلى هدفهم.

البصيرة في الدين

     كما أن وضوح الرؤية هو من باب البصيرة في الدين، كما قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف: (108)، ومن البصيرة أن يكون بصيرًا بأهدافِ دعوته الكلية والجزئية، القريبة والبعيدة؛ وأن يكون بصيرًا بالأساليب والوسائل المشروعة، والموصلة إلى الأهداف المرسومة، والنظرُ في واقع الأمور، وحساب العواقب، وتقدير الحال.

تقييم الأعمال والإنجازات

     ومن فوائد وضوح الرؤية في الدعوة إلى الله، أنها تجعل الداعية يقيم أعماله وإنجازاته، هل يسير على الطريق الصحيح أم لا؟، كما في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطًا مستقيمًا؛ فقال:  «هذا سبيل الله، ثم خط خطوطًا عن يمينه وشماله»، فقال: «هذه السبل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه ثم قرأ الآية {وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (الأنعام:153) الآية. وفي حديث آخر وضح صلى الله عليه وسلم المعيار الصحيح للدلالة على صحة السير، وهو قوله: «ما أنا عليه اليوم وأصحابي»؛ فحدد النبي صلى الله عليه وسلم هدف السير ووضع له معايير الصحة، وهذا من أهم أدوار القائد تجاه أتباعه.

أعظم خدمة

     إن أعظم خدمة تقدمها للإسلام هي الدعوة إليه بعمق وحكمة؛ فالصراع مع الباطل لا تصلح معه السطحية في التفكير، والارتجالية في العمل؛ لأن المعركة أصبحت فكرية وثقافية أكثر من كونها عسكرية؛ فيحتاج الدعاة إلى الله أن تتركز جهودهم على الأولويات وعلى الأهم فالمهم، والعمل على رفع الوعي عند الأمة في مختلف المجالات، ثم نكل النتائج على الله -سبحانه وتعالى-، وثقتنا بالله أن الله ناصر دينه ولو كره الكافرون.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك