رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. لؤي بن غالب الصمادي 20 فبراير، 2025 0 تعليق

تمكين المرأة بين المنطلقات المادية والمساواة المنشودة (1)

  • المصطلحات العصرية المتعلّقة بالمرأة إنما تصاغ في بيئة ثقافية واجتماعية غربية تضفي طابعها الخاص على المصطلحات ومضامينها
  • لا نجِدُ في القِيَم الغربيّةِ الدَّعوةَ إلى المُساواةِ بين الغني والفقير لأن تلك المساواة قيم السوق الرأسمالية وطبقيّته القاسية التي لا تعي الرحمة ولا العطف
  • لابد لمن يطالب بتمكين المرأة أن يجيب عن سؤال ما وجوه تهميش المرأة والتمييز الواقع ضدّها؟ حتى ندرك ما وجوه التمكين التي يُطالب بها من أجلها؟
  • مصطلح تمكين المرأة برَزَ بمفهومِه العَصريّ في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994م ثم في مؤتمر بكين عام 1995م وإن كانت مضامينه موجودة بكثرة في الفكر النسوي منذ نشأته
  • التصور المادّيَّ ينظر إلى القيم والمعاني العاطفية الأنثوية نظرةَ تهميش على حسابِ قِيمةِ العَمَل الوظيفي والإنتاج والمادّة واللَّذَة والاستهلاك
  د. لؤي بن غالب الصمادي   (رئيس مركز «تحصين» للدراسات والبحوث)  

تتناول هذه الورقة مفهوم (تمكين المرأة) من منظور نقدي، موضحةً أن هذا المصطلح يحمل دلالات فكرية وثقافية تتطلب الفحص والتمحيص، وتُظهر الورقة ارتباط هذا المفهوم بفكرة المساواة بين الجنسين، وأن المطالبة بتمكين المرأة إنما هي ردة فعل للشعور بتهميشها والتمييز ضدها، وتستعرض الورقة أيضًا وجود الفروق في الخصائص بين الجنسين، مشيرةً إلى الحكمة الإلهية في توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، كما تتناول الورقة تأثير الفكر المادي الغربي على تهميش القيم الإنسانية والأسرية التي تحملها الأنوثة، وتشير إلى تكرار النظرة الجاهلية التي تئد الأنثى في العصر الحديث، أخيرًا، تؤكد الورقة أهم الضوابط الشرعية التي تضمن الحفاظ على خصائص الجنسين والتفريق القائم على العدالة بينهما لا المساواة المطلقة.

(تمكين المرأة) ومشروعية السؤال

         من المصطلحات الشائعة في السياقات الفكرية والاجتماعية في عصرنا الحديث، مصطلح (تمكين المرأة)، وهو مصطلح حسنٌ ومقبول -إذا أخذ على ظاهره لأوّلِ وَهلَة- عند كلّ من يؤمن بالعدالة ويرعى حقوق المرأة، فالمرأة هي الأم والبنت والأخت والزوجة، وهي صنوُ الرَّجُل وشِقُّه الثَّاني، وكرامَتُها ومكانَتُها محفوظةٌ شَرعًا وفِطرةً وعُرفًا، فمن ذا يرفض تمكينَ المرأة؟ إلّا أن الباحثين في مجالِ الأفكار، والنّاظرين في المآلات والنَّتاجات الثقافية والاجتماعية، يُذعِنون لحقيقةٍ شهِدَ بها الواقِعُ المحسُوس، وهي أنّ هذا المصطلح يتضمّن حُمولةً فكريةً تحتاج إلى الفحص والنَّقد، للتحقّق من سلامَةِ مضامينها ودوافعها وغاياتِها، وموافقَتِها حقًّا للشرع والفطرة والعقل السديد.

المُطالَبات بتمكين المرأة

        والمُطالَبات بتمكين المرأة، تدلّ -ولابدّ- على وجود فكرةٍ مقابلة لها، ألا وهي «تهميش المرأة»، وأنّ هذا التهميشَ مُشكلةٌ سائِدةٌ أو شائِعةٌ في المُجتَمَعات، استدعَت تلكَ المطالبات بمعالجة المشكلة من خلال «تمكين المرأة»، وقد يعبر عن هذا التهميش بأنه التمييز ضد المرأة، كما في اسم المعاهدة الدولية (سيداو - CEDAW)؛ حيث إنها اختصار لـ (Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women) بمعنى: (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة)، ومن هنا يحضُرُ السُّؤال المهم: ما وجوه تهميش المرأة والتمييز الواقع ضدّها حتى ندرك ما وجوه التمكين التي يُطالب بها من أجلها؟

سؤال مشروعٌ ومطلوب

        ولا شكّ أن هذا السؤال مشروعٌ ومطلوب، لا سيّما مع ما نشهدُه اليوم من عبَثٍ بالقِيَم الفطرية والمحكمات الشرعية، التي وصلت ببعض المجتمعات إلى حدّ تغيير جنس الطفل تحت ستار (حرية التوجه الجنسي والهوية الجندرية)، وإلى حد تشريع الحرية الجنسية تحت شعار (ملكية المرأة لجَسدِها) أو (التمكين الاقتصادي)، وهذا ما يعرّفه خبراء الإعلام بالتأطير (Framing)، الذي يعدّ أداةً فعالة في توجيه الرأي العام وصياغة الأفكار والتصورات إيجابًا أو سلبًا، علمًا أنّ الشرّ والفسادَ لم يَظهَر يومًا بصورته الفجّة الصّريحة، وإنما يتم تمريره دائمًا بمصطلحات جذّابة، وأسماءٍ براقة، مما يتطلب من الناقدين عقلًا واعيًا، وعينًا فاحصة.

مفهوم تمكين المرأة

         (التمكين) كما يُفهم من معناه اللغوي: مأخوذ من المكانة، فهو يعني إعادة المكانة إلى المرأة، أو وضعها في مكانتها التي تستحقّها، وأما (المرأة) فمعناها أبينُ من أن يحتاج إلى تعريف، فهي -بداهةً- «أنثى الإنسان البالغة»، إلا أنّ هذا المعنى قد خضع في زماننا إلى التشكيك والتشغيب، فتراجع كثيرون عن الإقرار به تحت تأثير فكرة الجنس الاجتماعي (الجندر) التي بسطت سطوتها في كثير من المجتمعات الغربية، فهي فكرة تأبى إعطاء التوصيف الاجتماعي المسبق بناء على الجنس البيولوجي، ما لم يكن ذلك بقرار خاصٍّ من الفرد، فالأنثى البيولوجية قد تختار أن تسمّى رجلًا أو شيئًا آخر، وتعامل على هذا الأساس، والذكر البيولوجي قد يختار أن يكون امرأةً، وهذا من ضروب السيولة التي أفرزتها الحداثة، والبحث فيه له مجال آخر، وتكمن صعوبته في أنه بحثٌ في المسلّمات الفطرية، وكما قيل: توضيح الواضحات من أصعب المهمّات، على أن مصطلح (تمكين المرأة) هو نتاج ترجمة غير دقيقة للكلمة (Woman Empowerment)، التي ينبغي أن تترجم إلى (تقوية المرأة)، وأما ما يقابل التمكين في الإنجليزية فهو (Enabling)، كما أشارت الباحثة كاميليا حلمي.

بين التمكين والمساواة: المؤثرات في صياغة المفهوم

        كحال كثيرٍ من المفاهيم العصرية، خضع مفهوم (تمكين المرأة) لمؤثراتٍ كثيرة، وكانت هذه المؤثرات قد صنعت عقليةً تصوّرت مسبقًا وقوعَ التهميش للمرأة والتمييزِ ضدّها، فجاءت فكرة التمكين والتقوية ردةَ فعلٍ لذلك التهميش والتمييز، يضاف إلى ذلك أن المصطلحات العصرية المتعلّقة بالمرأة، إنما تصاغ في بيئة ثقافية واجتماعية غربية، تضفي طابعها الخاص على المصطلحات ومضامينها، فإذا عمّمت على المستوى الدولي ظهرت وجوه كثيرة من التعارض بين تلك القيم والأيديولوجيات والمضامين الغربية وبين البيئات الاجتماعية والثقافية الخاصة للبلدان. وقد برَزَ هذا المُصطلَح بمفهومِه العَصريّ في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994م، ثم في مؤتمر بكين عام 1995م، وإن كانت مضامينه موجودة بكثرة في الفكر النسوي منذ نشأته، ولا سيما في وثائق الأمم المتحدة، بدءًا بمؤتمر الأمم المتحدة للمرأة في (مكسيكو سيتي) عام 1975م، ثم لقاء مجموعة «التنمية البديلة بمشاركة المرأة من أجل عهدٍ جديد (DAWN)»، في مدينة (بنغالور) بالهند عام 1984م. ومما عُرّف به هذا المصطلح قول د. فايزة بن حديد بأنه: «وضع وتنفيذ سياسات وسن قوانين تفضي إلى التخلص من جميع أشكال التمييز ضد المرأة في كل مرحلة من مراحل حياتها والممارسات التي تكرسه سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو مؤسساتية». وظاهرٌ من مفهوم تمكين المرأة أنه تكون في ظل نظرةٍ صراعية مع الرجل، فالمطالَب بالتمكين هو الرجل، والهدَف من التمكين إلغاء التمييز ضد المرأة من الرجل، وإلغاء التمييز كما هو ظاهر يستهدف تحقيق المساواة، التي هي المساواة بين الجنسين، ومن ثم فهذا المصطلح هو فكرة متفرعة عن فكرة المساواة، وهي الغاية والباعث الأساس لفكرة تمكين المرأة.

المساواة بين الجنسين من منظور شرعي

         تشترك خِلقة الرجل والمرأة وتكوينهما الجسدي في غالب الأمور، فالأعضاء ووظائفها وطبيعة الجسد وحاجياته، وغيرها من الأمور متشابهة بين الجنسين إلى حدٍّ كبير، إلا أن بين الجنسين اختلافات معروفة لا تقتصر على تلك الأعضاء المتمايزة وحسب، بل تتعداها إلى حجم العظام وشكلها، وبناء البروتين في العضلات، ونسبة تخزين الدهون، ونمو الشعر على الجلد وغيرها، ولا تزال الدراسات تكتشف أنواعًا دقيقة من الاختلافات بينهما، وقد كشفت دراسة أجريت عام 2017م أن بين جينات النوعين أكثر من 6500 اختلافًا. ولأن الخالق -سبحانه- حكيم في تشريعه، وتظهر حكمته في وضع التشريع المناسب في المكان المناسب، المحقّق للغايات الحميدة، فقد جعل الأصل هو تماثل التشريعات بين النوعين، إلا أنّ اختلاف الخلقة فرضَ اختصاصاتٍ جسديةً واجتماعيةً ونفسيةً لكلٍّ من الجنسين ناسبت وجود اختلافات واختصاصات في التشريعات والأحكام، ويلخّص ذلك قول الله -تعالى- على لسان امرأة عمران: {وَلَيْسَ ‌الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} (آل عمران: 36).

القيم المعنوية في هوية الأنثى في الإسلام

         خصائص الجِنسَين ضمن النَّظرة الفِطرية والشَّرعيّة آيةٌ من آيات الله، كما قال -تعالى-: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ‌الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (النجم: 45)، فكلّ خصيصةٍ في الرجل هي جزءٌ يحتاجُ إلى ما يقابله ويكمّله، فإذا به تلك الخصيصة المقابلة في الأنثى، والعكس كذلك، فهذا التقابل بين الخصائص يوجِد حاجةً فطريةً لدى كلٍّ من الجنسين ليتكمل بالآخر؛ بحيث يبقى في كلٍّ منهما نوعُ قلق واضطراب لا يهدأ حتى يطمئنّ بالآخر، فهو مائلٌ إليه بجبلّته وفطرته، وهذا ما عبّر عنه خالق الزوجين -سبحانه- بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ‌لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21). ويشير إلى هذا المعنى الطاهر ابن عاشور بقوله: «هذه الآية كائنةٌ في خَلقِ جوهرِ الصِّنفَين من الإنسان: صنفِ الذَّكر، وصنفِ الأُنثى، وإيداعِ نظامِ الإقبال بينهما في جِبِلَّتِهما، وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين»، وعند النظر إلى الأنثى على وجه الخصوص، نجد أن خصائصها الجينيّة والخَلقيّة انعكست عليها من الناحية النفسيّة والاجتماعية، فاختصّت بمشاعرِ الرَّحمة والعاطِفة أكثرَ من الرَّجُل، وحتى في صِغَرِها هي أكثرُ لطفًا من الصبيّ، ولذلك سمّاها النبي - صلى الله عليه والسلام - بالمؤنسة الغالية، فقال: «‌لَا ‌تَكْرَهُوا ‌الْبَنَاتِ؛ ‌فَإِنَّهُنَّ ‌الْمُؤْنِسَاتُ ‌الْغَالِيَاتُ». وهي بعد بلوغها أحرى بمشاعر الأمومة وتحمل الصغار، وأولى بالاجتماع بهم واحتوائهم والقرار في البيت معهم، ولذلك أمرها الله -تعالى- بالقرار في البيت، فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (الأحزاب: 33)، وهذا الأمر وإن توجه ابتداءً لأمهات المؤمنين، إلا أنه يشمل سائر المؤمنات، وفي هذا يقول ابن كثير: «هذه آداب أمر الله -تعالى- بها نساء النبي - صلى الله عليه والسلام -، ونساء الأمّة تبع لهن في ذلك». وفي المقابل فإن الرجل الذي لا يحمل مثل تلك الخصائص، هو أقدر فسيولوجيًّا ونفسيًّا على مكابدة المهام الشاقة، ومواجهة معترك الحياة في الخارج، ليوفر للأسرة البيت الذي تحتاجه، ويحمل إليه ما يلزمه من الطعام والنفقات الحاجية الأخرى، ويوفر له الحماية والأمان من المخاطر المحتملة.

حكمة الله -تعالى- في خلقه

        والله -تعالى- في تقسيمه لهذه الأدوار عليمٌ حكيم، وقد وضع القيادة في يد الأقدر عليها من الناحية الجسدية والنفسية والعقلية، فكما جعل لطالوت السيادة على بني إسرائيل بما زاده من البسطة في العلم والجسم، فقال -تعالى-: {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 247)، فكذلك قد جعل السيادة في مؤسسة الأسرة المصغرة للرجل، وهذه السيادة المستندة إلى خصائصه الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية مركّبة من ثنائية: المسؤوليات والصلاحيّات، وهما أمران متلازمان في كل إدارةٍ أو قيادة لأي مؤسسة، فالذي يكلّف بالمهامّ يعطى ما يخوّله أداء ذلك من سيادة وصلاحية، ومن هنا قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34). وتوزيع الأدوار هذا إنّما تُفهَم عقلانيته وحكمته في ضوء فهم التركيب الرُّوحي والجَسَدي للإنسان، والذي يعطي القيمة والمعنى لحياته، ويُبرز قيم العفة والستر والطُّمأنينة والحنان والمودّة، والسَّكَن النَّفسي والرحمة والعاطفة واجتماع الأسرة، مع الإقرار بالاختلافات الخلقية بين الجنسين.

المادّية الغربية ووأد الأنثى

        مع ما سبق من بيان حكمة الإسلام في توزيع الأدوار، إلا أنّ التصور المادّيَّ ما-بعدَ- الحداثي للإنسان، الذي هو ثمرةٌ للّادينية الغربيّة، ينظر إلى تلك القيم والمعاني العاطفية الأنثوية نظرةَ تهميش على حسابِ قِيمةِ العَمَل الوظيفي والإنتاج والمادّة واللَّذَة والاستهلاك؛ ولذلك يرى في قرار المرأة في بيتها لاحتواء الأسرة والأبناء وتحقيق الستر والسكينة للبيت انتقاصًا من قدرها؛ لأنه يعدّ معايير السوق هي الأساس في تقدير قيمة الفرد في المجتمع على خلاف القيم الأنثوية، فالأيديولوجية المادية تحكم المشهد، وتصوغ موازينه الجائرة. ولذلك لا نجِدُ في القِيَم الغربيّةِ الدَّعوةَ إلى المُساواةِ بين الغني والفقير، ولا بين وظائف الأفراد في المؤسسات، بل ولا نجد مواساةَ الفقيرِ والضعيفِ من ضمن المعايير الإلزامية والحقوق المفروضة، لأن تلك المساواة أو حتى المواساة تنافيان قيم السوق الرأسمالية وطبقيّته القاسية، والتي لا تعي الرحمة ولا العطف في ظلّ ماديتها. وفي ضوء هذه المادية نفسها، تنظر هذه المؤسسة إلى تلك الأنُوثَة نظرةَ ازدراء، لأنّ كل تلك المعاني الإنسانية الفطرية التي تحملها الأنوثة، لا قيمة لها في الميزان المادّي، ومن هنا فحتى تنجح الأنثى وتكسب قيمةً، عليها أن تكون مثلَ الذكر في إنتاجيّته وجمعه للمال وقيادته للمناصب ومشاركته في الأعمال العامّة، وإلا فهي ناقصة، دونيّة الرتبة.

المادّية اللّاإنسانية

           والخلاصة أنّ المادّية اللّاإنسانية ترجّح كفة الخصائص الذكورية، وتزدري الخصائص الأنثوية، فتسعى في وأد الأنوثة ودفنها في نفس المرأة، ومن تأمل ثمراتها وجدها تصبّ في خدمة عالم الأعمال والإنتاج بوضوح، وبمنافسة المرأة للرجل، تكثر الأيدي العاملة، مما يقلّل كلفتها ويخفض أجورها، ويزداد الاستهلاك بخروج الجنسين إلى العمل، بل تصير المرأة نفسها سلعةً للتسويق والترويج، بتقديم مظهرها عنصرًا جاذبًا في الإعلانات أو الفندقة والضيافة وأقسام الاستقبال، وهذا كله على حساب القيم الشرعية والفطرية والأسرية. وهكذا تلجئ المادية الأنثى إلى الأفكار النسوية بجميع مفرداتها، وهكذا حال الإنسان عندما يولّي ربّه ظهره: يَفقد الإنسانَ قبل كلّ شيء، ليتحوّل إلى آلةٍ للإنتاج، وينسلخَ من روحه ليصير جسدًا بلا روح، ويبدأ يحتقر ذاته وخصائصه الإنسانية، ويقود حملةً على نفسه يستطيع بدهائه أن يلبسها لبوس المدافعة عن حقوقه، فتحارب الأنثى أنوثتها، تحت شعار حقوق الأنثى!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك