
بعد إصرار روسيا والنظام السوري على إسقاط حلب- هل يتدخل التحالف الإسلامي عسكرياً لإنقاذ سوريا؟
المعارضة تعاني نقصًا شديدًا في إمدادات الأسلحة اللازمة لخوض معركة حيوية وضخمة تحت القصف الروسي الهائل والمتوحش
حجم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على المعارضة للمشاركة في جنيف أسهمت في تدني مصداقيتها في إدارة الصراع إلى أدنى مستوياتها
تمثل حلب ركنًا مهما من الاستراتيجية الروسية في سوريا؛ حيث تعد أهم المراكز الحضرية بعد العاصمة دمشق؛ مما يجعل السيطرة عليها خطوة للسيطرة على باقي المدن الرئيسة
إسقاط حلب سيؤدي إلى تحسين صورة الرئيس الروسي (بوتين) داخل بلاده، في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة المحلية، والتشكيك في جدوى الاستثمار في الحملة الروسية على سوريا
أجبرت الهجمات الروسية، وعمليات القصف في ريف حلب الشمالي آلاف السوريين على النزوح باتجاه معبر باب السلامة المغلق على الحدود السورية – التركية، وذكرت مصادر محلية أن نحو 50 ألف سوري نزحوا باتجاه المعبر، هروبًا من جحيم القصف الروسي المكثف، ومن هجوم الميليشيات الطائفية واللبنانية والعراقية، على بلدتي نبل والزهراء المواليتين لنظام الأسد بريف حلب الشمالي.
وقد تجمعت آلاف العائلات السورية نتيجة لهذا القصف عند معبر باب السلامة الحدودي؛ حيث طالب أفرادُها السلطاتِ التركية بالسماح لهم بالعبور إلى تركيا، إلا أن السلطات التركية لا تزال تغلق المعبر رغم مناشدات عدة من منظمات إنسانية تنادي بفتح المعابر وإدخال النازحين.
ظروف إنسانية مأساوية
تأتي موجة النزوح هذه مع انخفاض كبير في درجات الحرارة، ما يزيد من معاناة النازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية مأساوية؛ حيث اضطر الآلاف منهم إلى المبيت في العراء بمناطق مفتوحة في محيط مدينة (أعزاز) القريبة من الحدود التركية، وكان رئيس الوزراء التركي قد صرح بأن نحو 70 ألفًا من السوريين بصدد الفرار من مخيمات للنازحين شمالي حلب نحو بلاده، مضيفًا أن هناك 300 ألف سوري ينتظرون في حلب للعبور إلى تركيا، واتهم أوغلو نظام الأسد بالسعي إلى تجويع مدينة حلب عبر حصارها، على غرار ما فعل مع مدينة مضايا في ريف دمشق.
إيواء النازحين
من جانبه ذكر حاكم إقليم (كلس) التركي أنه تم إيواء النازحين في مخيمات على الجانب السوري، وأضاف أن تركيا قدمت وجبات ساخنة لعشرين ألفا منهم ومساعدات غذائية للآخرين، وأوضح أن السلطات تعمل على إعداد مخيمات جديدة في الأراضي التركية، وتوسعة الموجود منها استعدادًا لموجة لجوء كبيرة لهذا البلد في حال تردي الأوضاع الأمنية في المناطق التي يوجد بها النازحون حاليا، وأكد حاكم (كلس) أن تركيا لم تفتح معبر باب السلامة؛ لأن النازحين ليسوا في خطر يهدد حياتهم، وهم يتلقون كافة المساعدات.
يبيتون في العراء
ونشر ناشطون سوريون أشرطة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر النازحين في الحقول المحيطة بمدينة (أعزاز) التي تبعد 5 كيلومترات عن الحدود التركية، وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، (بافل كشيشيك)، لوكالة الصحافة الفرنسية: نخطط لرد إنساني في شمال حلب مع الهلال الأحمر السوري، إلا أن هناك صعوبة للوصول إلى هناك.
نقص كبير في المواد الغذائية
من جهته صرح مأمون الخطيب، مدير وكالة شهبا برس في حلب: أنه تم وضع نحو 500 خيمة على الجانب السوري، ورغم ذلك فإن أعداد الأسر التي افترشت العراء أكثر من تلك التي حصلت على خيمة تؤويها، وأشار الخطيب إلى «نقص كبير في المواد الغذائية والمحروقات وحليب الأطفال في المناطق الشمالية ترافق مع ارتفاع الأسعار».
عزل حلب
والجدير بالذكر أن النظام السوري قام خلال الأسابيع الماضية بتأمين طريقه إلى مدن سورية عدة شمال مدينة حلب، أبرزها مدينتي نبل والزهراء اللتين عجز النظام عن استردادهما على مدار أكثر من 3 أعوام وذلك بفضل الغارات الجوية الروسية المكثفة التي بلغ عددها أكثر من 270 غارة خلال يومين اثنين فقط، وباستيلاء النظام على هاتين المدينيتن فإنه يكون بذلك قد نجح في عزل حلب عن ريفها الشمالي، بعد أن نجح في وقت سابق في السيطرة على المداخل الجنوبية للمدينة ما تسبب في هروب آلاف السكان تجاه باب السلامة على الحدود مع تركيا.
وتكمن أهمية هذا التقدم أنه يأتي أيضا بعد أسابيع قليلة من نجاح قوات النظام مدعومة بالقصف الروسي في السيطرة على محافظة اللاذقية؛ حيث توجد قواعدها الرئيسة، بعد استعادة مدينة سلمى آخر معاقل المعارضة في المحافظة؛ حيث فضَّل النظام التوجه بعد ذلك إلى حلب بدلا من التقدم تقليديا في إدلب وحماة.
لماذا حلب؟
منذ الأسابيع الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا مطلع سبتمبر الماضي، كان نظام الأسد شديد الوضوح في إعلانه أن استعادة حلب هي هدفه الأول؛ حيث أعلن النظام مبكرا في أكتوبر الماضي أنه يستعد لشن حملة كبيرة لاستعادة السيطرة على المدينة التي يقتسم النظام والمعارضة السيطرة عليها منذ عام 2012؛ حيث كان النظام يسيطر على قرابة 40 في المائة من المدينة ويتركز وجوده في الجزء الغربي، في حين تسيطر المعارضة على النسبة الباقية من المدينة في المنطقة الشرقية.
أهمية استراتيجية
وعلى الرغم من أن المدينة قد تحولت بفعل القصف السوري منذ عام 2011 ثم القصف الروسي مؤخرًا إلى ما يشبه كومة من الأنقاض، إلا أنها تمثل ركنًا مهما من الاستراتيجية الروسية في سوريا، كما أنها تمثل أهم المراكز الحضرية في البلاد بعد العاصمة دمشق ما يجعل السيطرة عليها مهماً للنظام الذي يرغب في أن يحكم سيطرته على مدن البلاد الرئيسة.
ويشير تحليل ميداني نشره مركز (أتلانتيك كاونسل) إلى أن استراتيجية النظام في الوقت الحالي لا تعمد إلى السيطرة على الأراضي بنظام متصل بقدر ما تهدف إلى عزل المعارضة في جيوب صغيرة يسهل التعامل معها لاحقا، وقطع خطوط إمداداتها وعلى الأخص مع تركيا، وهو ما يفسر التركيز نحو حلب بدلا من إدلب وحماة، ويرجح المركز أنه بعد أن يطمئن النظام تماما إلى نجاحه في قطع خطوط الإمداد التركي عن المعارضة في حلب عبر معبر باب السلامة من خلال إحكام السيطرة على ممر (عزاز)، فإنه ربما يؤجل خطته في التقدم نحو المدينة ويقوم بنقل تركيزه إلى منطقة أخرى وسوف تكون إدلب، المنفذ الآخر للمعارضة مع تركيا هي المرشح القادم للعمليات.
مكاسب روسية سورية
ويرجح خبراء أن استيلاء النظام الوشيك على حلب قد يمنحه الفرصة لتحقيق انتصار رمزي ضد تنظيم الدولة الإسلامية على الأطراف الشرقية للمدينة، وهو ما قد يمنحه نقطة إضافية في تعزيز صورته أمام الغرب، وتكريس ثنائية الأسد أو الدولة الإسلامية التي تسعى سوريا إلى تعزيزها من خلال قصف سائر فصائل المعارضة، وليس الدولة الإسلامية كما تزعم.
من ناحية أخرى، فإن تحقيق الانتصار في حلب سيؤدي إلى تحسين صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل بلاده، في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع العملة المحلية، والتشكيك في جدوى الاستثمار في الحملة الروسية على سوريا.
نجدة حلب
أما على جانب المعارضة، فإنها تفطن جيداً إلى حجم الخطر الذي يمكن أن تمثله الهزيمة في حلب؛ لذا فقد سارعوا إلى إصدار بيانات تدعو إلى نجدة حلب بالمقاتلين ولاسيما في ظل خوض الحرب على جبهتين ضد النظام، وضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ووفقا لتقارير عدة فإن المعارضة تعاني في الوقت الحالي نقصا شديدا في إمدادات الأسلحة اللازمة لخوض معركة حيوية بهذا الحجم تحت القصف الروسي، ولاسيما بعد أن تعرضت المعارضة لتضييق شديد على إمداداتها تحت ضغط من الولايات المتحدة من إجبارها على حضور محادثات جنيف، كما أن سقوط حلب، فضلا عن نكسة استراتيجية، فإنه سوف يمثل انتكاسة معنوية كبيرة للمعارضة ولاسيما بعد الخسائر المتتالية خلال الأسابيع الماضية في اللاذقية ودرعا وحمص وريفها.
تداعيات على الجانب التركي
على الجانب التركي تبدو الأمور أكثر وضوحا، فمن ناحية فإن سقوط حلب سوف يضع النظام السوري وروسيا في مواجهة مباشرة مع تركيا، وهو يعني وصول الحرب فعليا إلى الأراضي التركية عبر تطويق حدودها بحزام علوي كردي، ولاسيما في ظل المحاولات التي تشير إلى سعي روسيا لاستقطاب حزب الاتحاد الديموقراطي السوري المعادي لتركيا؛ بما يعني أن ريف حلب الشمالي قريب من الوقوع في حصار كامل بين تنظيم الدولة الإسلامية، ووحدات (حماية الشعب) الكردية المتمركزة في بلدة عفرين شمال غربي حلب، وقوات النظام السوري.
تداعيات دولية
وفي السياق ذاته أكد عدد من الخبراء أن تداعيات سقوط حلب المحتمل لن تقتصر فقط على المنطقة، بل ستمتد إلى خارجها، ووفقا لصحيفة (الغارديان) البريطانية فإنه على الغرب أن يستعد لموجة جديد من اللجوء أعنف من سابقتها، كما أن عليه أن يكون مهيئا كي يعي أن استئناف الجهود الدبلوماسية سيصبح أمرًا أكثر تعقيدًا من ذي قبل في ظل وضوح النوايا الروسية.
على الجانب الأمريكي، فإن حجم الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على المعارضة للمشاركة في جنيف في الوقت الذي يواصل فيه النظام حملته على المدينة قد أسهمت في تدني مصداقيتها في إدارة الصراع إلى أدنى مستوياتها؛ ما يرجح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على ممارسة نفوذ كبير على المعارضة في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أن مسار المفاوضات سيتم تعليقه إلى أجل غير مسمى.
هل أصبح التدخل العسكري وشيكًا؟
لم يكن إعلان المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، العميد الركن (أحمد عسيري)، أن المملكة على استعداد للمشاركة في أي عملية برية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ضمن التحالف الدولي في سوريا، أمرا مفاجئا في ضوء التطورات الراهنة التي ربما تدفع السعودية إلى البحث عن موطئ قدم في سوريا.
الاستعداد السعودي لإمكانية التدخل في سوريا تم تأكيده من خلال تصريحات نقلتها شبكة (سي إن إن) نقلا عمن وصفتهم بأنهم مصادر سعودية مطلعة، ولكن مع غرض أكثر وضوحا، حيث أكدت مصادر الشبكة الأمريكية أن هناك أكثر من 150 ألف جندي معظمهم من السعوديين مع قوات مصرية وسودانية وأردنية داخل المملكة حاليا يجرون تدريبات عسكرية، وأنه قد تم قبل أسبوعين تعيين قيادة مشتركة للقوات التي ستدخل سوريا من الشمال عبر تركيا.
ليست المرة الأولى
ليست هذه هي المناسبة الأولى التي يتم خلالها الحديث عن تدخل عسكري سعودي تركي محتمل في سوريا خلال الأشهر الأخيرة؛ ففي أكتوبر الماضي أكد الكاتب الصحفي السعودي المقرب من السلطات جمال خاشقجي، في تصريحات متلفزة أن المملكة العربية السعودية لن تقبل بانتصار إيراني روسي في سوريا، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا لتأمين انتصار ساحق لبشار الأسد.
في حين أن التدخل التركي المحتمل في شمال سوريا حول حديث لوسائل الإعلام منذ أسابيع قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة في البلاد التي جرت مطلع نوفمبر الماضي؛ حيث أعلنت تركيا منذ الأشهر الأولى للثورة في سوريا عن رغبتها في إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية بعمق 32 كم إلى الداخل السوري لتعمل على وقف تدفق العناصر المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية من ناحية، والأهم بالنسبة إلى تركيا على الأقل، هو تأمين الحدود التركية من توغل محتمل لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني السوري ووحدات حماية الشعب الكردي المرتبطة به نحو الحدود التركية.
انهيار جنيف وخطة روسيا
وكان مبعوث الأمم المتحدة للشؤون السورية (ستيفان دي مستورا) قد أعلن عن تأجيل محادثات جنيف 3 إلى يوم 25 فبراير بعد انسحاب المعارضة من جديد، وقد تعرضت المعارضة السورية لضغوط كبيرة من أجل الاشتراك في المحادثات، وفقا لتقارير العديد من المراكز البحثية، فإن روسيا تواصل سعيها إلى تأمين ما توصف بأنها (سوريا مصغرة) يسيطر عليها الأسد في الجزء الغربي من البلاد مع تأمين منطقة عازلة حول هذه الدويلة الصغيرة؛ حيث تستهدف روسيا تأمين انتصار عسكري للأسد في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بمفاوضات وهمية. يأتي ذلك في الوقت الذي مارست فيه الولايات المتحدة ضغوطا كبرى على المعارضة وحلفائها؛ من أجل تقليص الدعم؛ لإجبار الفصائل المعارضة على الانخراط في المفاوضات.
خيارات سيئة
من هنا فإن الأمور تنحصر بين خيارات سيئة وأخرى أكثر سوءاً، وتتمثل هذه الخيارات في أمرين: إما الصمت، وترك مسار المفاوضات للتداعي، وهي تجربة أثبتت فشلها في ضوء نتائج الجولة الأخيرة سياسيا وميدانيا، أو التدخل لدعم المعارضة بحسم قد يبلغ مستوى التدخل العسكري المباشر، على أن يحظى هذا التدخل بمظلة دولية كمحاربة تنظيم الدولة، وهو أمر يعني أن الأسوأ فيما يخص الأزمة السورية المستمرة منذ 5 أعوام ربما لم يأت بعد.
لاتوجد تعليقات