رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 5 سبتمبر، 2017 0 تعليق

باختصار- المسؤولية الفردية.. المرتكز الأساس للإصلاح

     تُعَدُّ المسؤوليّة الفردية واحدة من أهم القيم والمبادئ التي أكَّد عليها الإسلام؛ لذلك تكرر ذكرها في القرآن الكريم، والسنة النبوية في مواضع كثيرة ؛ مما يكشف عن أهميتها، وضرورة الاعتناء بها، قال -تعالى-: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}. الأنعام 164، وقال -تعالى -: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. الإسراء 15، وقال -تعالى-: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (مريم:95)، وقال -تعالى-: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم:39)، والأمثلة على ذلك كثيرة.

     وكذلك عزَّزت السُنَّة النبويَّة تلك المسؤولية، أقوالاً وأفعالاً وأخلاقًا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -  مؤكدًا الالتزام الفردي في سياق المشاركة الاجتماعية الوجدانية: «.. من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه»  رواه البخاري ومسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، رواه البخاري ومسلم.

     ولاشك أن اهتمام المنهج الإسلامي بهذا المبدأ ينبع من كونه منهجا واقعيا جادا يُؤَهِّل الفرد المسلم، ويعتني بتربيته؛ لكي يكون له دوْر فاعلٍ في نَهْضة أُمَّته، وفي تثبيت أركانِها؛ فالفرد جزءٌ لا يتجزَّأ من نسيج الأمة، ولبنة أساس من لبناتها، والمسؤولية بينهما مشتركة، ولم نجد مطلقًا في التشريع الإسلامي انفصالاً بين مسؤولية الفرد نحو المجتمع، ومسؤولية المجتمع نحو الفرد، ومن ذلك ما ضربه لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من مثال رائع في حديث السفينة؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري.

     ومن ذلك ما نجده في الشعائر التعبدية، فعلى الرغم من كونها تعكس مدى استجابة الإنسان لأمر ربه، بيد أنها تنطوي على مضامين فردية اجتماعية من شأنها تعزيز سبل ارتباط الفرد بروح الجماعة جميعا، فالصلاة عل سبيل المثال وإن كانت حالة يعيشها الإنسان بين يدي ربه، لكنها في كل الأحوال تربط هذا الإنسان بصف وجماعة يُصلّون ويتواصلون خمس مرات في اليوم الواحد، ومحال ألا ينبني هذا التواصل على أساس مسؤولية هؤلاء الأفراد تجاه بعضهم بعضا، وتعاهد مصالح بعضهم بعضًا؛ فالصلاة بوصفها عملا مشتركا تعكس نوعًا من المسؤولية الاجتماعية المشتركة، والالتزام المتبادل فيما بينهم، وهكذا باقي العبادات, ومسؤولية الفرد تتفاوت حسب موقعه، وأهميته وخبرته وعلمه؛ فالمسؤولية تعني تحمل التكاليف، وأداء الأمانة، وكسب الخير، وأداء المعروف، وهي - وإن كانت معاني فردية- فهي ترجع على الأمة جميعها بالخير والفضل.

     لذلك فإن استشعار المسؤولية الفردية وقيام الفرد بالواجبات المنوطة به تجاه نفسه ومجتمعه هي بداية الإصلاح الحقيقي للأمة؛ فالإصلاح يبدأ من الفرد، لا من غيره، قال -تعالى-:  {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «تَصَدَّقُوا! فَقَالَ رَجُلٌ:  يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ،  قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ».

فإذا كان هذا في باب الصدقة فما بالك في أمر الإصلاح؟!

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك