رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 10 سبتمبر، 2024 0 تعليق

القواعد الأصولية والفقهية المنظِّمة للعمل الخيري – نوازل العمل الخيري

  • إبراء ذمم المُزَكِّين بوضع الزكاة المفروضة في أهلها فقط واجب وهو مقتضى الوكالة التي يجب على المؤسسة الخيرية أداؤها على الوجه الأكمل
 

تتضمّن هذه الحلقات تعريفًا مختصرًا بعلم القواعد الفقهية وعلاقته بغيره من علوم الفقه، وتنويهًا بأهميّته، كما يتضمّن تقرير أهميّة التأصيل الشرعيّ لمؤسسات العمل الخيري، في مجالاتها الإداريّة والعملية وأعمالها الميدانية، لا في أرضيّة العمل الخيريّ النظريّة العلميّة فقط، كما تتضمّن -فضلا عن ذلك- سردًا وشرحًا لأهمّ القواعد الفقهيّة التي يتّسع مجال تطبيقها، وتكثر الأنواع المندرجة تحتها في مجال الأعمال الخيرية.

 

1- الأصل في الأشياء الإباحة

  • التوضيح: هذه قاعدة استصحاب البراءة الأصلية في كلّ ما لم يرد دليلٌ على منعه، وأنّه حلالٌ مباح، وذلك على السّواء في الأعيان والتصرّفات، ويتفرّع عليها: مشروعيّة كلّ ما تتّخذه المؤسّسات الخيريّة من التنظيمات الإداريّة، والهيكليّات، وتقسيم المؤسّسة إلى دوائر واختصاصات وإدارات محليّة وإقليميّة، وكذلك جدولة الصّرف والإنفاق، وكذا الشروط التي تشترطها في عقود العمل والتوظيف، وعقود المشاريع من إنشاءات وتوريد وغيرها، كلّها إجراءاتٌ مشروعةٌ على الأصل، إلّا إذا اصطدمت بدليلٍ يدلّ على المنع منها، فيُرجع فيها إلى حكم الدّليل.

2- ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب

  • التوضيح: هذه قاعد أصوليّة، فكلُّ ما كان مُباحًا في ذاته، ولم يرد نصٌّ شرعيٌّ يدلُّ على وجوبه، وكان لا يُمكن التوصُّل إلى أداء واجب شرعيٍّ إلّا به، فالأخذ به واجبٌ، فنظام البحث الاجتماعيّ ومعاييرُه المدروسة في المؤسسات الخيرية وضعُها واجب، ومراجعتها المستمرّة واجبة، لأنّ إبراء ذمم المُزَكِّين بوضع الزكاة المفروضة في أهلها فقط واجب، وهو مقتضى الوكالة التي يجب على المؤسسة الخيرية أداؤها على الوجه الأكم، ومن ضمن النّشاط الخيريّ الواجب، إقامة مراكز الإغاثة الطبيّة، وتوفير الأطبّاء والأدوية اللّازمة فيها، لأنّ واجب الحفاظ على صحّة المتضرّرين من النوازل المختلفة لا يتمّ إلّا بذلك.

3- للوسائل أحكام المقاصد

  • التوضيح: المقاصد والأغراض، لا يُتوصّل إليها إلّا بوسائل وأسباب، فهذه الأسباب والوسائل تُسوّى في الحكم بالمقاصد والأغراض التي يُتوصّل إليها من طريقها، فتكون الوسيلة إلى الواجب واجبة، والوسيلة إلى الحرام محرّمة، والوسيلة إلى المستحبّ مستحبّة، وإلى المكروه مكروهة، وكذلك ما يُتوسّل به إلى المباح مباحٌ، وعلى هذا المعنى فالقاعدة السابقة تكون فرعاً من هذه القاعدة، وهذه أصلٌ عامٌّ يتعلّق بما لا يتمّ به المقصود والغرض عموماً، وليس الواجب فقط.
وممّا يتخرّج عليها: دفع المال لدفع الخطر عن الأموال الخيريّة والتبرّعات، ولتفادي إتلافها والاعتداء عليها ومصادرتها لبعض الجهات المتنفّذة في أماكن الاضطرابات وبقاع الانفلاتات الأمنيّة، مشروعٌ لأجل أنّه موصلٌ إلى غايةٍ مشروعة، ومحقّقٌ لمصلحةٍ راجحة، مع أنّ الأصل أنّ دفع المال لمثل تلك الجهات لا يُشرع، وليس قانونيًّا.

4- النفل أوسع من الفرض

  • التوضيح: الشارع يتسامح في النوافل والتطوّع أكثر ممّا يتسامح في الفُروض، في شروطها وأحكامها، مع كون الجميع يشهد بأنّ الدّين يُسرٌ، فالنافلة من عبادةٍ ما، يصحّ فيها بعضُ ما لا يصحّ في الفريضةِ التي من جنسها، فلا يجوز إعطاء الزكاة المفروضة إلّا في حدود مصارفها الثمانية، بينما يجوز صرف صدقة التطوُّع حيثما يراه العبد مناسبًا، حتى إنّ إعطاءها للكافر لا حرج فيه، بل تكون مقبولة يُؤجر عليها صاحبها. كما يجوز إدخال غير المسلمين من أهل الذمّة في الموقوف عليهم، فيشملهم رَيْع الوقف، بشرط أن لا يكون ذلك في عبادتهم، فتؤول الطّاعة إلى أن يكون سبيلها الإعانة على الشرك، فإنّ هذا لا يجوز بحال.

5- الترك فعلٌ

  • التوضيح: هذه القاعدة ذكرها العلّامة الزركشي -رحمه الله- بلفظ: «الترك فعلٌ إذا قُصد»، وهي قاعدة أصوليّة فقهية، فالتركُ، وإن كان -في الظاهر- حالةً عدميّةً وليس فعلاً قائمًا بالمكلّف، إلّا أنّه شرعًا يأخذ حكم الفعل الوجوديّ، ويُؤاخذ به المكلّف إن كان تركاً على خلاف الشّرع، كما يُؤاخَذ بالفعل، ويُؤجَر عليه إن كان موافقاً للشرّع، كما يُؤجَر على الفعل، فتركُ إطعام الجائع حتى يموت؛ أو ترك إنقاذ الغريق حتى يغرق، أو ترك الأسير في يد الكفّار مع القدرة على افتكاكه، كلُّ ذلك يأثم القادرون عليه إذا لم يفعلوه.
وممّا يتخرّج على هذه القاعدة: التلكُّؤ والتباطؤ -فضلاً عن الترك التامّ- في تنفيذ البرامج الإغاثيّة، حتى يفوت وقت الإمكان ويتحقّق الضّرر الذي كان من الممكن أن يُدفع بالتنفيذ، إثمٌ يؤاخذ به التاركون المكلّفون بالتنفيذ، إن كان تركهم من غير عذر مقبولٍ شرعاً.

6- ما حُرّم سدًّا للذّريعة أُبيح للمصلحة الرّاجحة

  • التوضيح: الذّريعة هي الوسيلة أو السبب إلى الشيء، وغلب عليها عند الفقهاء الاستعمال فيما أفضى إلى المحرّم خاصّة، وكان في نفسه جائزاً أو ظاهر الجواز، فالذريعة على هذا المعنى هي التي يدور الكلام حول سدّها بين الأصوليّين.
وعلى هذا يكون المعنى: التصرّفات التي ليست هي مفسدةً في ذاتها، ولا المفسدة غالبةٌ عليها، إذا تحقّق -أو غلب على الظنّ- أنّها تحقّق مصلحةً شرعيّةً غالبة، كأن تندفع بها ضرورة، أو تحصّل بها حاجة، فإنّ إيقاع تلك التصرّفات تحصيلاً لتلك المصلحة الراجحة مباحٌ، ولا تُمنع حسماً لما قد تفضي إليه من مفاسد في أحوالٍ أخرى. وممّا يتخرّج على ذلك: التعاملات الماليّة للمؤسّسات الخيريّة مع البنوك الرّبويّة، تحت عناوين شرعيّة صحيحة، كالحسابات المفتوحة لاستقبال التبرّعات في الأزمات، تجوز لما يترتّب عليها من مصالح عظيمة، ومنافع لا تقدّر بمقابل، مع كون الأصل أنّ الإيداع في البنوك الربويّة أو التحويل عن طريقها لا يخلو من استغلالها لتلك الأموال في معاملاتٍ ربويّة محرّمة.

7- كل اسم ليس له حدٌّ في اللّغة ولا في الشّرع  فالمرجع فيه إلى العرف

  • التوضيح: كلّ لفظٍ استُعمل في كلام الشّارع ليدلّ به على حُكمه ومراده في أمرٍ ما، فالأصل أن يُفهم معناه من كلام الشارع نفسه، فإن لم يكن له فيه حدٌّ فالمرجع فيه إلى لغة العرب، فإن خلا الشّرع واللّغة عن تحديدِ معنىً ثابتٍ لذلك الاسم، رُجع فيه إلى العُرف، والعُرف هو: «عادة جمهورِ قومٍ في قول أو فعل».
وممّا يتخرّج على هذه القاعدة: الولاية على الأموال، والنّيابة في التصرّفات عن المتبرّعين والموكّلين، فإنّه لا حدّ في الشّرع للولاية ولا للنّيابة، وإنّما يتغيّر حدّها بتغيّر الأعراف وتقلُّب الأزمان، وكذلك كفاية الفقير من أموال الزكاة والصدقات، بل إنّ أوصاف الفقر والمسكنة والحاجة والعوز في ذاتها، هي في الحقيقة خاضعة للعُرف.

8- الأصل براءة الذمّة

  • التوضيح: الذّمّة: وصفٌ يصير الشخص به أهلاً للإيجاب له وعليه، فيكون معنى القاعدة: الحكم المستمرّ الثابت المعمول به، أنّ ذمّة الإنسان خاليةٌ من وجوب الحقوق فيها، على السواء في ذلك حقوق الله تعالى وحقوق المخلوقين، ولا تُشغل بشيء من ذلك إلّا بدليل، فإنّ المرء يولد ويخرج إلى حيّز الوجود خالياً عن كلّ التزامٍ أو دَيْن أو مسؤوليّة.
وممّا يتخرّج على هذه القاعدة: أنّ ذمّة المؤسّسة الخيريّة بريئةٌ من ضمان أيّ شيءٍ لأيّ جهةٍ بناءً على ما يقع بينها وبين المتبرّعين من النّيابة والتوكيل، في حال حدوث أيّ خللٍ أو نقصٍ قدريٍّ في تنفيذ المشروعات الخيريّة وإيصال الأموال النقديّة أو المساعدات العينيّة إلى المستحقّين، إلّا في حال ثبوت التقصير والتفريط، وذلك لأنّ الأصل في يد المؤسّسات الخيريّة أنّه يد أمانةٍ لا ضمان عليها إلّا إذا ثبت التقصير.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك