رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 28 مايو، 2025 0 تعليق

الشباب المسلم – 1264

الشباب واغتنام مرحلة العمر

إن أمتنا الإسلامية أمة عزيزة منيعة، وشبابها يعرف قدر هذه المرحلة من العمر، لذلك ينبغي عليهم أن يحرصوا على اغتنامها في مرضاة الله -سبحانه وتعالى-؛ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: جمعت القرآن فقرأته في ليلة، ولما علم رسول الله  قال له مشفقًا عليه: «إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تمّل، اقرأ به في كل شهر».

        ولكن عبد الله يدرك أنه في هذه الفترة من العمر يستطيع أكثر من ذلك، فقال: أي رسول الله دعني أستمتع من قوتي ومن شبابي، فلم ينكر عليه رسول الله هذا العرض وحرصه على اغتنام هذه المرحلة من العمر، مرحلة القوة والنشاط في طاعة الله -سبحانه وتعالى-، فأعطاه توجيهًا آخر رحمة به وشفقة عليه، قائلاً: «اقرأ به في عشرين»، وما زال الحوار مستمرا وعبدالله يجيب بذلك الجواب حتى حدد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعًا شفقة عليه، هذا أنموذج من حياة الشباب في صدر الإسلام الذين حرصوا على اغتنام أوقاتهم في طاعة الله -سبحانه وتعالى-.

         وهنا نوجه سؤالاً للشباب بهذه المناسبة: ما المدة الزمنية التي حددتها لنفسك لتختم فيها كتاب الله -سبحانه وتعالى-؟ هل تختم في كل عشرة أيام؟ هل تختم في كل عشرين؟ هل تختم في كل شهر؟ أرجو ألا يتجاوز الحد ذلك وأنت قوي نشيط في هذه المرحلة من عمرك، تستطيع أن تؤدي من الأعمال ما لا تستطيعه إذا كبرت سنك ووهن جسمك.

         وهذا أنموذج آخر من شباب الصحابة في صدر الإسلام، ذلكم هو عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، حينما قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل» فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا؛ بمجرد توجيه بسيط من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان بعد هذا التوجيه يقضي أكثر ليله في صلاة.

حثُّ الشباب على تدبر القرآن

        قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الـله-: إني أحثُّ الشباب خصوصا، وغيرهم أيضًا على فهم كتاب الله، لا على أن يقرؤوه تعبُّدًا بتلاوته فقط، فإن الله يقول في كتابه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29)، فلابد من التدبُّر، والتدبر هو تفهُّم المعنى، {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} أي يتعظون به.

الرجولة الحقيقية

        إنَّ شهود الصَّلاة مع الجماعة في بيوت الله ومساجد المسلمين، كما أمر بذلك ربُّ العالمين، وكما أمر بذلك رسوله الكَريم - صلى الله عليه وسلم -، شعيرةٌ عظيمَةٌ من شعائر الإسلام، ومَعلَمٌ عظيمٌ من معالم الرُّجولة الحقيقية، إنَّه مَعلَمٌ عظيم من معالم الرُّجولة بتبيان ربِّ العالمين؛ قال الله -تعالى-: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ < رِجَالٌ } هكذا قال رب العالمين {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} (النُّور:36-37) ، فأين هذه الرُّجولة ممَّن يتخلَّف عن الصَّلاة مع الجماعة أو يهون من شأنها ويقلِّل من مكانتها ؟!.

من حفظ الله في شبابه حفظه الله عند الكبر

        قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله-: متى نشأ العبد على شيء ففي الغالب يشيب عليه، ويموت عليه، سنة الله في عباده أنه -سبحانه- إذا وفق العبد في شبابه على الخير والاستقامة، فإن الله -سبحانه- يوفقه للثبات عليه، والوفاة عليه.

        وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: من حفظ الله في شبابه حفظه الله عند شيبه، وحفظ الله في الشباب يعني: النشأة على الخير والطاعة، فلا يسفه في شبابه، فإن الله -سبحانه وتعالى- يحفظه عند المشيب، ويحسن له الخاتمة، وهذا شيء مجرب؛ لأن الذين لازموا الطاعة وحفظوا دين الله -سبحانه وتعالى- فإن الله يحفظهم عند الكبر وعند الوفاة، ويحسن لهم الختام، ويحفظهم من عدوهم الشيطان، جزاءً لعملهم الصالح.

دعائم  قوية من الدين والأخلاق

         قال الشيخ العلامة محمد العثيمين -رحمه الله- يرِد على قلوب الشباب من المشكلات الفكرية والنفسية ما يجعلهم أحيانًا في قلق من الحياة، ويجدون أنفسهم في ضرورة إلى رفع ذلك القلق، وكشف تلك الغمة، ولن يتحقق ذلك إلا بالدين والأخلاق اللذين بهما قوام المجتمع، وصلاح الدنيا والآخرة، وبهما تحل الخيرات والبركات وتزول الشرور والآفات. الشباب اليوم هم رجال الغد، وهم الأصل الذي ينبي عليه مستقبل الأمة؛ ولذلك جاءت النصوص الشرعية بالحث على حسن رعايتهم وتوجيههم إلى ما فيه الخير والصلاح، فإذا صلح الشباب وهم أصل الأمة التي ينبني عليها مستقبلها وكان صلاحه مبنيًا على دعائم قويه من الدين والأخلاق، فسيكون للأمة مستقبل زاهر، ولشيوخنا خلفاء صالحون إن شاء الله.

كن من هؤلاء السبعة

         من وفقه الله -جل وعلا- لاغتنام شبابه في طاعة الله، فهو من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه..»، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وشاب نشأ في عبادة ربه»، أي نشأ مصاحبًا للعبادة، أو ملتصقًا بها.

الشباب وقتل الوقت!

         يتضايق بعض الشباب من الوقت، ويعمل على تضييعه فيما لا يفيد، ولهذا تجد بعض الغافلين منهم يعبر بكلمة «قتل الوقت» كأنه عدو!، والوقت غنيمة وما ذهب منه لا يعود، والعاقل هو من يغتنم أوقاته ويحاذر من قتلها وتضييعها!.

استغلال فترة الشباب في طلب العلم النافع

         عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: لما توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت لرجل مِن الأنصار: هَلُمَّ نسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؛ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! فترك ذلك، وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل، فأتوسد على ردائي على بابه، فتَسفي الريح عليَّ التراب، فيخرج، فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسألك، قال: فبقِي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس عليَّ، فقال: هذا الفتى أعقل مني، قال الحكيم الترمذي، -رحمه الله-: «صلاح الفتيان في العلم»، وقال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: لقد تأملت نفسي فضلا عن عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا لو حصل لي ندمت عليه، ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم، وقال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله-: الاشتغال بالعلم قراءة وإقراءً، ومطالعةً، وتدبراً، وحفظاً، وبحثاً، ولا سيما في أوقات الشباب ومقتبل العمر، ومعدن العاقبة، فاغتنم هذه الفرصة الغالية لتنال رتب العلم العالية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك