
السنن الإلهية (36) سنّة الله في شكر النِّعم
- وكيف يمكنني أن أتتبع سنن الله -عز وجل- في القرآن الكريم؟ - إذا قرأت القرآن بتدبر تتبع الآيات التي يرد فيها (تأذن) أو (كتب) أو (حقا علينا)، وبالطبع عندما ترد كلمة (سنة الله) صراحة، أو ذكر مصير الأمم السابقة، مثل قوله -تعالى-: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر:43)، أو ذكر عذاب (الظالمين أو المجرمين أو المنافقين) في الدنيا، وهناك من كتب في هذا الجانب من العقيدة، مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وكتب التفسير، ومن المعاصرين، عبدالكريم زيدان والمنجد وغيرهم. كنت وصاحبي نتحدث عن الآيات التي قرأها إمامنا في صلاة العشاء، وكانت من سورة إبراهيم ولا سيما قوله -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم:7). - دعني أقرأ لك شيئا مما ورد في تفسير هذه الآية. كان مرجعي هاتفي، ومن تفسير ابن عاشور: - علق الله -سبحانه- على (الشكر) (الزيادة)، وعلى (الصبر) (الجزاء بغير حساب)، وأيضا فإنه أطلق (جزاء الشاكرين)، وقيد (جزاء الصابرين بالإحسان)؛ فقال -سبحانه-: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:96)، قال عطاء: تأذن ربكم، حكم ربكم، أعلمكم ربكم، وقال الشيخ ابن عطاء الله: «من لم يشكر النعم، فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها، فقد قيدها بعقالها». المسافة بين منازلنا والمسجد نقطعها في أقل من عشر دقائق مشيا معتدلا، فهي لا تزيد عن (ألف خطوة)! - وهل الشكر يكون لنعمة محدثة أم للنعم الدائمة، مثل نعمة العافية والسمع والبصر والمال والعائلة. - كل هذه تستوجب شكر الله، وإذا طرأت نعمة جديدة، سجد شكرا لله! ولو تدبرنا كتاب الله وتتبعنا الآيات التي ورد فيها (الشكر) بتصريفاته، لوجدنا أنها وردت خمسا وسبعين مرة وفي اللغة: (الشكر: الثناء على المحسن بذكر إحسانه). قال -تعالى-: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان)؛ في هذه الآية كأن الناس صنفان، شاكر أو كفور، وفي تفسير السعدي: «فانقسم الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه أنعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية فردها وكفر بربه، وسلك الطريق الموصولة للهلاك» وقال -تعالى-: عن غاية إبليس مع ابن آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف). وقال -سبحانه-: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (الأنعام:53). وقد عُلم من قوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} أنه أيضا أعلم بأضدادهم وضد الشكر: الكفر، والشكر يكون بالقلب، إقرارا بالنعم واعترافا، وباللسان، ذكرا وثناء، وبالجوارح، طاعة لله وانقيادا لأمره، واجتنابا لنهيه؛ فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة. قاطع صاحبي قراءتي من الهاتف لينبهني إلى الطريق الذي يجب أن نقطعه لنصل إلى منازلنا، سألني: - هل شكر النعمة يستوجب زيادتها؟ - نعم هذه سنة إلهية وقانون رباني، من أدى شكر النعمة كاملا، زاده الله منها وخير منها، هذه قاعدة لا تتخلف ولا تتبدل كما السنن الإلهية الأخرى. أظن أن مشكلة معظم الناس في عدم تقدير نعم الله عليهم، أنهم اعتادوا هذه النعم، وبعضهم يستقل نعم الله عليه بما يراه عند غيره ممن رزقهم الله أكثر منه. - صدقت (أبا جراح)، أما الأولى فعلاجها التزام الأذكار التي أرشدنا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث: «يا شداد بن أوس، إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب» (الصحيحة). وكذلك حديث معاذ، في الذكر بعد الصلوات الخمس: عن معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إني لأحبك يا معاذ فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، قال: فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: ربي أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي إلا أن أبا داود لم يذكر: «قال معاذ وأنا أحبك» (صحيح الألباني). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك» (السلسلة الصحيحة). هذه الأحاديث، تذكر العبد بواجب (الشكر) لنعم الله، وربما النظر والتفكر في أحوال من فقد النعمة، يبين عظمها، وزيارة المرضى والمقعدين، تذكر بنعمة العافية، ومعرفة أحوال الفقراء والمعوزين، تذكر بنعمة المال، وتدبر أحوال الغافلين والمشركين، تذكر بنعمة الهداية، وهي أعظم نعمة ينبغي على العبد أن يشكر الله عليها.
لاتوجد تعليقات