رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد عبدالوهاب الحداد 11 مارس، 2017 0 تعليق

الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون الخليجي الحلقة (20)- العوامـل الاقتصـادية للإرهـاب

 لا شك أن الهاجس الأمني أخذ يحتل المرتبة الأولى على الأصعدة جميعها على مستوى العالم ولاسيما في منطقة الخليج الملتهبة، التي تتصارع على رمالها جميع الدول الكبرى، ويتنافس على ثرواتها كل طامع وحاقد، لقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نشوء العديد من الحركات الإرهابية والمتطرفة التي لم نسمع بها من قبل وممارستها لأبشع الجرائم بحق الإنسانية من تفجير المساجد والمجمعات التجارية، ونحر البشر وإشاعة الفاحشة وغيرها من الجرائم البشعة التي يشيب لها الولدان.  وإيمانا من مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بأهمية التركيز على موضوع الأمن وبيان انعكاساته على جميعها نواحي الحياة فقد أفرد المركز هذه الدراسة المهمة بعنوان: (الحفاظ على الأمن في منظومة مجلس التعاون ودور العلماء) التي تتناول الكثير من المواضيع المتعلقة بالأمن على مستوى الخليج العربي والدول العربية، وتربط الدراسة ما بين الإيمان بالله -تعالى- وتطبيق شريعته وما بين الإعداد المادي والمعنوي، والأخذ بجميع الأسباب الممكنة لتحقيق الأمن.

تعد العوامل الاقتصادية في عصرنا هذا ومنذ أكثر من ثلاثة قرون ماضية هي العامل الرئيس في قوة الدول وانتصارها في المعارك وفي هيمنتها على العالم؛ فمنذ الحرب العالمية الثانية وتفوق الولايات المتحدة الأمريكية وحسمها للحرب بسبب العامل الاقتصادي، وأيضا بعد ذلك حسمها للحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي من بوابة الاقتصاد وهي تهيمن على العالم اقتصاديا وسياسيا، وتأتي بقية الدول من ناحية الأهمية الاقتصادية، فألمانيا على سبيل المثال تهيمن على أوروبا؛ بسبب قوتها الاقتصادية.

     وهكذا الصين واليابان في آسيا، ومع الأسف الشديد يعيش العالم العربي والاقتصادي في تخلف اقتصادي غير مسبوق، أثر على دوره المعتاد منذ قرون في الهيمنة السياسية والقوة العالمية الذي عرف بها، وفي هذا المقال سوف نتناول كيف عزز الإسلام أهمية العوامل الاقتصادية في المجتمع المسلم، ثم نتعرض للوضع الاقتصادي حاليا في العالم العربي والإسلامي، وكيف استطاعت المنظمات الإرهابية الدخول من هذه البوابة الاقتصادية في الهيمنة علي شباب المسلمين، وما الحلول المقترحة لوقف الإرهاب في الدخول من البوابة الاقتصادية؟

أولاً: أهمية اهتمام الإسلام بالعوامل الاقتصادية:

ربط الرزق والرفاهية الاقتصادية بعبادة الله وحده لا شريك له

      يقول المولي عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٩٦﴾أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴿٩٧﴾أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴿٩٨﴾أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }(الأعراف96-99)، وقوله عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(النحل -112)، والاستخلاف الاقتصادي لعباد الرحمن: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ}(النور -55)، وقوله عز وجل: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا}.

تدمير أمة بسبب الغش التجاري

     يقول الله -سبحانه وتعالي- {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (}(هود-84)، كان أهل مدين أهل تجارة وزراعة إلا أنهم كانوا يتعاملون مع الناس بالغش والمكر والخداع، فهم إذا اكتالوا على الناس يستوفون، ويزيدون عما يستحقون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون وينقصون ولا يعطونهم ما يستحقون، فنهاهم شعيب -عليه السلام- وحذرهم من مغبة هذه الأفعال الشنيعة والمعاملات السيئة، فلم يأبهوا! وسلكوا طريق الضلال والبغي، فأهلكهم الله -عزوجل-، وجعلهم عبرة تاريخيه لمن يعتبر.

التخطيط الاقتصادي الاستراتيجي

     كما في قصة-يوسف عليه السلام عندما أنقذ أهل مصر وأهله بوضع خطة استراتيجية لحفظ الطعام في الرخاء، وتوزيعه في المجاعة والقحط، يقول المولي -عز وجل- {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ}(يوسف-46-48).

إبراز أهمية العمل

     قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10)، عن أبي عبد الله الزبير بن العوام -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:  «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ الْجَبَلَ، فَيَجِيءَ بِحِزْمَةٍ مِنْ حَطَبٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَسْتَغْنِيَ بِهَا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ «. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ»، متفق عليه، وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «كَانَ دَاوُدُ عليهِ السَّلامُ لا يَأْكُل إِلاَّ مِن عَملِ يَدِهِ» رواه البخاري، وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «كَانَ زَكَرِيَّا عليه السَّلامُ نجَّاراً» رواه مسلم، عوَنِ الْمِقْدَامِ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) رواه البخاري.

تحريم الربا ومقاصده

يقول المولى -عز وجل- {وأحل الله البيع وحرم الربا} – البقرة 275، فمقاصد الشارع من تحريم الربا كثيرة، ونذكر بعضها هنا:

- حماية المستهلك وأفراد المجتمع من الغش واستغلال الحاجة.

- منع تكدس الأموال لدي فئة قليلة من المجتمع.

- وقف البطالة لأفراد المجتمع؛ لأن الاقتصاد الربوي يمنع من إنتاجية الاقتصاد وتطوير الاعمال فيسبب البطالة.

- انقطاع المعروف وانتشار العداوة والبغضاء.

- إحداث الأزمات المالية للاقتصاد المحلي والعالمي كما حدث في الأزمة المالية العالمية.

- تقليل مشاعر الشفقة والتصدق ومساعدة الآخرين.

وفي واقع الحال إن الاهتمام الاقتصادي في الإسلام كبير جدا وبحاجة إلى مجلدات لشرحه وأكتفي بهذا الكم حتى لا أخرج البحث عن أهدافه.

ثانيًا: إهمال الجوانب الاقتصادية من قبل مفكري المسلمين وعلمائهم والدول الإسلامية بصفه عامة:

     بالرغم من نجاح البنوك الإسلامية الباهر وتسيدها علي عرش البنوك ولاسيما بعد الأزمة العالمية المالية؛ حيث لم تتأثر هذه البنوك بالأزمة مثل البنوك الربوية على مستوى العالم، وهذا بالطبع جعل وجهة الكثيرين من الاقتصاديين بالاهتمام بالفكر الاقتصادي الإسلامي ومدى حاجة الاقتصاد العالمي له، إلا أن العوامل الاقتصادية في الإسلام أكبر بكثير من البنوك، وهي اقتصاد متكامل الجوانب ورائع جدا، ويخفى على كثير من مؤرخي التاريخ أن الاقتصاد الإسلامي ونظام الحسبة من العوامل الرئيسة التي أعطت القوة للخلافة الإسلامية على مدى قرون، ولكن إهمال التاريخيين لتأريخ هذا الجانب أبعد كثيراً من المسلمين عنه وعن أهميته ومع الأسف لم يهمل هذا الجانب المهم في أدبيات المفكرين والباحثين وإنما أيضا من الدول الإسلامية التي تتصف بالغنى والموارد الطبيعية الوفيرة، ولكن سكانها يعانون الفقر وقلة الموارد المالية، وضعف التعليم، والعناية الصحية، وقلة توفر الوظائف كما سأذكر بعد ذلك.

ثالثا: الوضع الاقتصادي الحالي في العالم العربي:

     الوضع الاقتصادي في العالم العربي لا يسر؛ إذ تبلغ حجم اقتصاديات العالم العربي 700 مليار دولار أي بحجم 2% من الاقتصاد العالمي، وتمثل الاستثمارات في العالم العربي من حجم الاستثمارات العالمية 1،%، وأما الإنفاق على البحث والتطوير فيبلغ 0.4% من حجم الإنفاق العالمي، ونسبتنا من التجارة العالمية فقط 10% من حجم التجارة العالمية أغلبها من النفط ومشتقاته.(جريدة الشرق الأوسط 30-10-2002).

     وتشير الإحصائيات أن هناك 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وأن هناك 40 مليون عربي يعانون نقصاً في التغذية؛ ففي الصومال 3، 5 مليون صومالي يهددهم الموت جوعا، ويمثلون 45% من حجم السكان؛ حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الي 400%؛ بسبب الحرب الأهلية، وفي مصر 46% لا يحصلون على الطعام الكافي ويعانون سوء التغذية، وفي غزة  نسبة الفقر 90%، وفي العراق 60% ، وفي السودان ما بين 45-95% من السكان، وبلغت الفجوة الغذائية في العالم العربي عام 2008 بحدود 20 مليار دولار، كما أن الأراضي المستغلة للزراعة تبلغ 30% من الأراضي الصالحة للزراعة. (الجزيرة 16-11-2009)، وينص تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة عام 2009 على أن المغرب في المرتبة 140 من دول العالم في الإنفاق على التعليم على المستوى الفردي، وقبله اليمن بالمستوى 140 ومصر في المستوى 123 والأردن 83 وهكذا الدول العربية تحتل المستوى الأدنى لدول العامل في الانفاق على التعليم، أما الأميين في العالم العربي عام 2014 فعددهم 96 مليون أمي عربي، وتقدر الأمم المتحدة أن يستمر عدد الأميين في العالم العربي في الارتفاع في المستقبل؛ حيث تقدر أن يبلغ عدد الاميين في العالم العربي عام 2050 بين 70-100 مليون أمي أي ما نسبته 27% من عدد السكان في العالم العربي، وبلغ عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم 6 مليون طفل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك