رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 9 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الجرأة على المعاصي

 

 

كم نرى من الناس من يجهر بالمعصية  ويدعو لها ويصورها ويزينها، بل وصل الأمر إلى تقنينها بنسب معينة مثل المخدرات والمسكرات والربا وإخراج تراخيص للشذوذ والزنى عياذا بالله...

فما من شر وداء في الدنيا والأخرة إلا وسببه الذنوب والمعاصي، وما حل بالأمم السابقة من أنواع العقوبات إلا جزاء معصية الله ومخالفة أمره.

فانظر ما حل بقوم نوح من الغرق: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ}.

     وانظر ما حل بعاد قوم هود؛ حيث سلط الله عليهم الريح العقيم: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}، وانظر ما حل بقوم صالح -عليه السلام-؛ حيث أرسل عليهم الصيحة: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، وانظر ما حل بقوم لوط؛ حيث قلبت عليهم قراهم وأمطروا حجارة من السماء: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.

     وانظر ما حل بفرعون وقومه حين كذبوا وكذا ما حل ببني إسرائيل، وهكذا تتوالي نذر الله على عباده الذين خالفوا أمره بأنواع العقوبات: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

ما أهون الخلق على الله إذا هم خالفوا أمره!، فكم أهلك من القرون بسبب عصيانهم وتكذيبهم!.

- أيها المؤمنون: المعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، فما حلت بديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، {ظهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

لقد استبيحت المحرمات لغياب الرقيب وضعف الإيمان في النفوس وقلة الخوف من الله والجهل به سبحانه، فهانوا بذلك على الله، ولو عزوا عليه لعصمهم.

إن ضرر المعاصي وشؤمها عظيم وخطير على الفرد والجماعات.

لقد ذكر ابن القيم آثار المعاصي على الفرد والمجتمع –أذكر منها-:

• حرمان العلم؛ فهو نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئه، قال مالك -رحمه الله- للشافعي لما رأى فطنته وذكاءه: «إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية».

• حرمان الرزق كما في الأثر: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه» أحمد قال الألباني: حسن.

• وحشة يجدها العاصي في قلبه، بينه وبين الله، وبينه وبين الناس، وكلما قويت هذه الوحشة بعد عن مجالسة أهل الخير، وقرب من حزب الشيطان وأهله.

• تعسير الأمور فكما أن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }؛ فكذلك من عصى الله جعل معيشته ضنكى قال تعالى{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(طه 124).

• ظلمة يجدها العاصي في قلبه تقوى هذه الظلمة حتى تظهر على الوجه يراها كل أحد. قال ابن عباس: «إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب».

• ومنها حرمان الطاعة.

• ومنها أن المعصية تورث الذل، فأبى الله إلا أن يذل من عصاه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}.

• ومنها سوء الخاتمة، فإن العبد قد تخونه جوارحه التي هي  أحوج ما يكون إليها، وأعظم من ذلك أن يخونه قلبه ولسانه عند احتضاره وقرب وفاته.

     فلا يجوز السفر إلى المعاصي ولا مجالسة العصاة ومشاركتهم بالسكوت عنهم، وهذا من أسباب عموم العذاب واللعنة قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}.

     إن إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب لحفظ المجتمع وصلاحه وفلاحه، وترك ذلك سبب في هلاكه وفساده كما شبه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم  بالسفينة؛ حيث يتهاون أهلها في ردع من يريد خرقها؛ لأنهم سيغرقون جميعاً، وإن أخذوا على يده ومنعوه نجوا جميعاً؛ فأصحاب المنكرات اليوم يدقون بمعاولهم في مجتمع المسلمين؛ فالزاني، وتارك الصلاة، ومانع الزكاة، والمستهزئ بالدين، ودعاة السفور، والفجور، وشياطين القنوات، وآكل الربا، وآكل أموال الناس بالباطل ،وأصحاب الرشاوي وغيرهم كثير، كل هؤلاء ينخرون في سفينة المجتمع، فإن لم يُمنعوا ويُنكر عليهم صار العذاب عاماً والعقوبة مطبقة.

قالت أم المؤمنين -رضي الله عنها-: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك