
الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى القدومي للفرقان: مشروع تقسيم الأقصى يستهدف نزع السيادة الإسلامية
قادة الاحتلال قدموا مشروع التقسيم على المشاريع والسيناريوهات الأخرى، والهادفة إلى التهويد الشامل للمسجد الأقصى
نثمن ونعتز بالتحدي والإصرار من قبل المقدسيين على عدم المساس بالمسجد الأقصى، والتمسك بهوية القدس الدينية الإسلامية
انتهز اليهود فرصة الانشغال فيما سمي بالربيع العربي والفوضى والدماء في العديد من الدول العربية، ليسارعوا الخطى في التهويد
لم يعد أمر التقسيم الزمني للمسجد الأقصى بالقدس مخططا، بل بات أمرًا واقعا تعمل السلطات الإسرائيلية على تطبيقه بالقوة، فهاهي ذي قواتها تقتحم المسجد الأقصى في القدس، لتعيث فيه فسادًا، وهو ما يعده الفلسطينيون تطورًا غير مسبوق نحو تقسيم المسجد زمنيًا ومكانيًا، واندلعت المواجهات، عندما تصدى المصلون لزيارة «استفزازية» قام بها مستوطنون للمسجد، عشية احتفال رأس السنة العبرية، وعن هذه الأحداث المؤسفة كان لقاء الفرقان مع الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، د.عيسى القدومي وسألناه بداية عن تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، وماذا يعنى هذا التقسيم وما الهدف منه؟
فقال القدومي موضحاً أن: مشروع تقسيم المسجد الأقصى كان طموحات وتصريحات، وأضحى الآن ممارسات فعلية، يستهدف التعجيل في نزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية، والتقسيم الزماني يقصد به تحديد أوقات معينة لدخول اليهود فقط، وأوقات أخرى لدخول المسلمين، أما التقسيم المكاني فيعني اقتطاع أجزاء من المسجد الأقصى من أجل إقامة كنيس يهودي ليكون بدليلاً مؤقتاً لمشروع بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
- ما الأجزاء المكانية التي سيحددونها للمسلمين حسب مخططهم الخبيث؟
- حسب مخططهم أن الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى وفيه فقط تؤدي صلوات المسلمين، أما كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه هو مقدس يهودي خالص، وهذا يعطي الحق الرسمي – المزعوم - لليهود بدخول المسجد الأقصى من جميع الأبواب وفي كل الأوقات وفي أماكن واسعة من المسجد الأقصى الذي هو كل ما دار عليه السور، وليس فقط قبة الصخرة والمسجد القبلي (المصلى الجامع) – كما يشيع اليهود.
- قبل أكثر من سنتين أعلنت سلطات بلدية الاحتلال عن تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، ماذا وراء ذلك الإعلان؟
- هذا الإعلان ضمن مخطط لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى وساحاته، وتهويده وتغيير معالمه، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرضاً مشاعاً وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها، وحسب هذا الإعلان فلا مانع لبلدية القدس أن تستثمر ساحاته باعتباره مكاناً عاماً ومتنزهاً تاريخياً، ومزاراً لطلبة المدارس اليهودية، والمجندين والمجندات، والسائحين والسائحات، بل لإقامة المطاعم والمقاهي والمعارض وغيرها، وتقديم المسكرات، وأن يمارس مرتادو تلك الساحات الموبقات والفواحش من شرب للخمور ومقابلات للعشاق، وارتداء للملابس الفاضحة، وغيرها من الأعمال والممارسات التي يجيدها اليهود.
- ما سبق يدفعنا للسؤال عن حدود المسجد الأقصى التي يضاعف فيها أجر الصلاة؟
- المسجد الأقصى في عقيدينا هو اسم لجميع المسجد، وهو كل ما دار عليه السور وفيه الأبواب والساحات الواسعة، والمصلى الجامع وقبة الصخرة والمصلى المرواني والأروقة والقباب والمصاطب وأسبلة الماء وغيرها من المعالم، وعلى أسواره المآذن، والمسجد كله غير مسقوف سوى بناء قبة الصخرة والمصلى الجامع الذي يُعرف عند العامة بالمسجد الأقصى، وما تبقى فهو في منزلة ساحة المسجد، وهذا ما اتفق عليه العلماء والمؤرخون، وعليه قال علماؤنا: بأن مضاعفة ثواب الصلاة تكون في أي جزء مما دار عليه السور.
وعد اليهود المسجد الأقصى هو فقط مسجد قبة الصخرة والمصلَّى الجامع، وأن كل الساحات داخل أسوار المسجد الأقصى التي تبلغ مساحتها 144 ألف متر مربع هي ساحات مشاعة عامة، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، يُعد تمهيداً لإقامة بناء يجسّم الهيكل المزعوم - حسب تصوراتهم – ما بين مسجد قبة الصخرة والمصلى الجامع في قبلة المسجد. فمكرهم – بتعريفهم الجديد- هو تحويل ساحات المسجد الأقصى إلى ساحات عامة، ومن ثم إطلاق مسمى (منطقة جبل الهيكل) على تلك المساحات!
- قادة الاحتلال وحاخامات اليهود والجماعات العاملة لهدم الأقصى لماذا اختارت التقسيم وفضلته على السيناريوهات الأخرى؟
- نعم، قادة الاحتلال قدموا مشروع التقسيم على المشاريع والسيناريوهات الأخرى، والهادفة إلى التهويد الشامل للمسجد الأقصى لمقاصد أهمها:
- التقسيم أقل ضرراً على الكيان المحتل من السيناريوهات الأخرى، والمرحلة تستلزم التدرج خشية من ردود أفعال فلسطينية داخلية قد تعطل مشاريع اليهود المستقبلية.
- مشروع التقسيم تناغم مع مخططات الجماعات اليهودية الرامية لهدم المسجد الأقصى، وتأكيد بأن الحكومة المحتلة تعمل على التهويد لكن بسياسات قد تخالف الاندفاع عند الكثير من الجماعات والحركات المتطرفة التي لا تحسب حساب العواقب.
- والتقسيم يحقق هدف التعجيل بنزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى وشرقي القدس، بل ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال، ليصبح المسجد الأقصى بموجبها تابعا لوزارة الأديان الصهيونية.
- وتقسيم المسجد الأقصى استقطاب للداعمين الخارجيين للجماعات اليهودية العاملة من أجل إقامة الهيكل المزعوم، والمدعومة من أحزاب سياسية تحت قبة البرلمان اليهودي التي تؤمن بضرورة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
وهذا لم يأت من فراغ، فهو نتاج جهد لسنوات عديدة نسج خلاله حاخامات وباحثو وسياسيو اليهود وأعوانهم من المستشرقين الكثير من الأساطير حول الهيكل المزعوم؛ الذي سطروا حوله الكثير من الأكاذيب، واتخذوا منها المسوغات للكثير من الإجراءات والممارسات الممهدة لهدم المسجد الأقصى؛ ليعيدوا أمجادهم المزعومة في بناء ما أسموه: «هيكل سليمان».
- يهودية الدولة مصطلح ظهر بقوة في الثلاث سنوات الأخيرة، فهل لهذا المصطلح ارتباط فيما يجري الآن في المسجد الأقصى؟
- مصطلح (يهودية الدولة) الذي يفترض وحدة اليهود في العالم، وأن هذه الدولة دولتهم التي تعبر عن إرادتهم وتطلعاتهم، طرح بقوة قبل مشروع تقسيم المسجد الأقصى؛ حيث يطمح قادة اليهود واليمين الديني وأتباعهم من يهودية الدولة إلى إسقاط الحق الديني والتاريخي للمسلمين بفلسطين والمسجد الأقصى، وزعم أن هذا الحق لهم وبمقتضاه أقيمت دولة يهودية دينيه مفتوحة لكل يهود العالم!!
فتعميم مصطلح يهودية الدولة هو الشعار الأنجع لإنهاء السيادة الإسلامية على المساجد والمقابر، بل وإنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وتصفية الأساس القانوني لهذا الحق وشطب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، والداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري.
- نسمع كثيراً عن معاناة أهل القدس في ظل التضييق اليهودي، ما مظاهر ذلك التضييق؟
- لسلطات الاحتلال إجراءات عدة ضمن مشروع تهويد القدس، فكان التضييق على المقدسيين وإبعادهم وسحب هوياتهم وسلب حقهم في الوجود في داخل القدس ليتحقق لليهود ما أرادوا من تغيير ديمغرافي يضمن لهم الأغلبية السكانية، وتسارع مع ذلك السيطرة على الأرض من خلال الجدار العازل والاستيطان وحفر الأنفاق وإقامة الكنس وتغيير المعالم وتزييف التاريخ بادعاء أن لهم أماكن مقدسة في القدس.
فقد أضحى المقدسيون غرباء في وطنهم، يهددون دائماً من شرطة الاحتلال بسحب هوياتهم التي من خلالها سمح لهم الاحتلال بالإقامة في القدس، فهم بأرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم إلا أن الاحتلال بممارسته التهويدية نفى عنهم صفة المواطنة، وجعلهم كالغرباء في وطنهم!!
- ما رأيكم بالدور الذي يقوم به الإخوة والأخوات المرابطون في المسجد الأقصى للدفاع عنه؟
- لا شك أننا نثمن ونعتز بالتحدي والإصرار من قبل المقدسيين على عدم المساس بالمسجد الأقصى، والتمسك بهوية القدس الدينية الإسلامية؛ حيث يواجهون ممارسات اليهود واعتداءاتهم بصدورهم العارية..
- هل ما يفعله قادة الاحتلال في القدس مخالف للقرارات الدولية؟
- طبعاً مخالف، فالقرارات حبر على ورق، حينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 قرار رقم 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، أبقى القدس منطقة دولية لفترة مؤقتة من الوقت، تعود بعدها القدس العربية لتخضع للسيادة الفلسطينية، فتحقق القسم الأول من القرار، أما القسم المتعلق بالقدس فإنه مازال معلقا وتحت ممارسات وإجراءات اليهود.
وبعد حرب 1948م احتل اليهود غربي القدس - وهي تساوي حوالي 85 % من المساحة الكلية للقدس – وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للعرب وبناء أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها.
وبعد هزيمة حرب يونيو 1967 احتل الكيان الصهيوني باقي فلسطين، فسقطت الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس، وقطاع غزة، وأعلن عن توحيد شطري القدس تحت الإدارة اليهودية في 27/6/1967 م.
ثم أعلن رسمياً في 30 يوليو 1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان اليهودي. وقام الكيان اليهودي بتوسيع نطاق بلدية القدس تدريجياًُ، ليتمكن من ضم مناطق أخرى من الضفة الغربية نهائياً إلى كيانه، وليقوم بعملية تهويد القدس على نطاق مبرمج واسع. وعمل على تنفيذ خطة ما يسمى بالقدس الكبرى لتشمل 840 كم2 أي نحو 15 % من مساحة الضفة الغربية.
وفي نطاق بلدية شرقي القدس أنشأ الصهاينة طوقاً من 11 حياً سكنياً يهودياً حول المدينة القديمة؛ حيث المسجد الأقصى يسكنها حوالي 190 ألف يهودي. كما أنشأ طوقاً آخر – أكثر اتساعاً – حول القدس من 17 مستعمرة يهودية محاولاً قطع القدس عن محيطها العربي والإسلامي. وبالتالي قطع الطريق عن أي تسوية سلمية يمكن أن تعيد القدس أو شرقي القدس للفلسطينيين.
ولم تنفع التسوية السلمية واتفاقات أوسلو في وقف الاعتداءات، وقد صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عشرات القرارات الدولية برفض ضم الكيان اليهودي لشرقي القدس، ورفض أية إجراءات مادية أو إدارية أو قانونية تغير من واقع القدس واعتبار ذلك لاغيا، واستمرت القرارات في الصدور إلى الآن، غير أنها وإن كانت تعترف بحقوق الفلسطينيين، إلا أنها تفتقر الجدية والآلية اللازمة لإرغام الكيان الصهيوني على احترام القرارات الدولية.
- وهل ما يجري في القدس الآن يخالف ماجاء من اتفاقيات سلام مع بعض الدول العربية ومنها الأردن على سبيل المثال؟
- الأردن وحسب اتفاق السلام الذي وقعه مع الكيان الصهيوني في وادي عربة في العام 1994م يقر بإشراف الأردن الكامل على المقدسات، فضلاً عن الاتفاق الموقع بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة محمود عباس حول الوصاية الهاشمية لتلك الأماكن، ومع ذلك تتعرض المقدسات الفلسطينية، والمسجد الأقصى على وجه الخصوص من حملة تهويد وتحريف واعتداءات متكررة ومتنامية، بلا أي رادع قانوني أو دبلوماسي أو أخلاقي.
- لماذا التصعيد اليهودي تعاظم في هذه الفترة؟
- لا شك أن اليهود انتهزوا فرصة الانشغال فيما سمي بالربيع العربي والفوضى والدماء في العديد من الدول العربية، ليسارعوا الخطى في التهويد وتغيير ما أرادوا أن يغيروا، بعد أن أضحت القدس وفلسطين ليستا في سلم القضايا الأمة الثكلى.
والهدف العاجل الذي أراده اليهود هو إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط!! فهي - بتزييفهم وتزويرهم - مدينة داود وسليمان؛ والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم ومقابرهم ومنازلهم!!
ولا شك أننا نعيش واقعاً مريراً منذ (هيرتزل)... إلى (نتنياهو) إجماع على تهويد القدس، فمنذ تأسيس الحركة الصهيونية عام 1897 م وقادتها يجمعون على تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك مؤكدين صراحة إمكانية هدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهاهو ذا نتنياهو مستمراً في ذلك المخطط.
- ما الدور المطلوب عربياً لصد ورد الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى؟
- لا شك أن القدس والمسجد الأقصى بأمس الحاجة إلى دعم وتأييد ومناصرة الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بما يحقق الضغط باتجاه إنصاف القدس والمحافظة على المسجد الأقصى وهويته الإسلامية.
والحكومات العربية والإسلامية مدعوّة اليوم أكثر من أي وقت مضى للعمل ضمن استراتيجية واضحة ومحددة لحماية المسجد الأقصى، ومدينة القدس بأكملها من العبث اليهودي؛ ولا بد من تنسيق جهود المؤسسات الدولية والإسلامية لتكثيف نشاطاتها ودعمها للمدينة وسكانها، وتطوير برامج الدعم.
كما لوسائل الإعلام دورهم الخاص بتغطية أخبار القدس والمسجد الأقصى ورد الشبهات التي تحاك ضده وإيجاد الآليات اللازمة لتفعيل القضية وتعبئة الرأي العام وتذكيره بالحق الإسلامي والواجب العربي فيها.
ونحث العلماء وطلبة العلم على المساهمة في معركة الدفاع عن المسجد الأقصى بالجهد العلمي والعملي؛ والرد على شبهات اليهود وأكاذيبهم وخداع أعوانهم من المستشرقين والفرق الباطنية في التشكيك والتهوين من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين؛ والعمل على إعمار المسجد الأقصى بالصلاة فيه ودعم حلقات العلم وحفظ القرآن لإعادة الحركة العلمية إليه من خلال المسلمين المقيمين بجوار المسجد الأقصى.
لاتوجد تعليقات