
الأسرة المسلمة – 1254
عوامل صلاح الأسرة المسلمة
إنَّ من أهم مُهمَّات الشيطان إفسادَ الصلات الأُسْرية، ونقض العَلاقات الزوجيَّة، فالتَّفريقُ بينَ الزَّوجينِ من أهم مهمات الشيطان؛ لِمَا يترتَّب عليه مِن مفاسدَ عظيمةٍ، كسوء تربية الأطفال، وتشتُّت الأولاد وضياعهم، وقطيعة الرحم، وما في ذلك مِن التباغض والتشاحن وإثارة العداوات بين الناس.
فالواجب على الزوجين أن أَنْ يتعاوَنَا على الخير، ويكونَ كلُّ واحد منهما ناصحًا للآخَر، حريصًا على القيام بحقِّه في مودَّةٍ ووئامٍ، وبُعدٍ عن النزاع والخصام، والتنابز والشتام، وجَرْح المشاعر وكَسْر الخواطر، ويكون ديدنهما التصافي وحفظ الجميل، والثناء على الفعل النبيل، والاعتراف بالخطأ والاعتذار، والتماس الأعذار. والمتأمل لواقع كثير من الأسر المسلمة يجد كثيرا من البيوت كادت أن تنهدم؛ بسببِ خلافٍ يسيرٍ نشأ بينَ الزوجينِ، وأوشَكَ الزوجُ أن يُوقِعَ الطلاقَ، فإذا بأحد المصلحين من مفاتيح الخير بكلمة طيبة، ونصيحة غالية، يُصلِح بينَهما بفضلِ اللهِ وتوفيقِه، فهؤلاء المصلحون يُؤرِّقُهم ويُقلِقُهم ما يَرَوْنَهُ من تشتُّت الأُسَر وضياع الذَّريَّة، فيعملون على الإصلاح بين المتقاطعينَ من أفراد الأسرة، وإزالة الخلاف بينَهم، وشعارهم: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}(هُودٍ: 88).التدين خير ما في المرأة والرجل
خير ما في المرأة تدينها الذي يوجد معه عفافها وصيانتها، فإذا زكت نفسها بعبادة ربها، وأداء حقوق بعلها وأحسنت تدبير منزلها، وتربية أطفالها أفلحت، وفي تكوين خير الأسر نجحت، والبيت الذي تكون فيه هذه الزوجة الصالحة المتدينة، هو الذي يكون العماد الرفيع للأمم الناهضة الصالحة، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحض المؤمنين الراغبين في الزواج على التزوج بذات الدين؛ حيث قال: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، كما يحض من جهة أخرى أولياء المرأة على تزويجها من الرجل المتدين الكفء، لتحيا الأسرة حياة سعيدة؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا جاءَكُم من تَرضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ فإلَّا تفعَلوا تَكُن فتنةٌ في الأرضِ وفَسادٌ عريضٌ».{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ}
خاطَبَنا ربُّنا -عزوجل- بقوله: {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}(الْأَنْفَالِ: 1)، أي: أصلِحوا ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوالَ أُلفة ومحبَّة واتفاق، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألَا أُخبِركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة»، فعلى المرء أن يعمل على إصلاح نفسه، ومَنْ لهم ولاية عليهم، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}(التَّحْرِيمِ: 6).زوجة صالحة صابرة تقية وفيَّة
امرأةُ نبيِّ الله أيوبَ -عليه السلام- كانت زوجةً صالحةً صابرةً تقيةً وفيَّةً، وقفَتْ بجانبه في محنته حينَ مسَّه الضرُّ، وابتُلي في ماله وولده وجسده، وبقي في المحنة ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فلازَمَتْه تخدُمه وتواسيه، ولم تهجرْه وتزهدْ فيه، فكانت مثالًا للنُّبْل، والوفاء، والتضحية، والعطاء.من المخاطر التي تهدِّد بنيانَ الأسرة
من المخاطر التي تهدِّد بنيانَ الأسرة المسلمة التأثر بمقاطعِ بعضِ مشاهيرِ التواصُل الاجتماعيّ، التي تَحمِل في ثناياها رسائلَ هدمٍ للبيوت، ودمارٍ للقِيَم والمبادئ فالحذرَ الحذرَ من ذلك، كما أنَّ مِنْ أخطرِ ما يُفسِد العلاقةَ الزوجيةَ التخبيبَ، وهو من كبائر الذنوب، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ منَّا مَنْ خبَّبَ امرأةً علَى زوجِها»، ألَا فليتقِ اللهَ أولئك الَّذِينَ يسعَون بالفتنة بينَ الأصفياء، ويَلتَمِسون العنتَ للبُرآء، فكم من بيوت آمنة تفرَّق جمعُها، وتصدَّع بنيانُها! وكم من أُسَر متماسكة تشتَّت شملُها وتقاطَع أفرادُها، مِنْ جرَّاء هذا الجرم العظيم، والفعل الأثيم! وَليَحْذَر الزوجان ما يُفسِد العشرةَ بينَهما! وألَّا يكونَا سمّاعَيْنِ لمن يريد الوقيعةَ بينَهما من القرابة أو من غيرهم، فإنَّ المخبِّبِينَ جندٌ لإبليس في مُهمته، المتمثِّلة في إلقاء العداوة بينَ الزوجين، بتزهيدِ الزوجِ في امرأته بغيرِ حقٍّ، بذِكْرِ مساوئها عندَه، وتحقيرِها في عينه، حتى يَنقَلِبَ عليها بغضًا وذمًّا، وتزهيدِ المرأةِ في زوجها بغير حقٍّ، بذِكْر مساوئه عندَها والقَدْح فيه وإيغار صدرِها عليه، حتى تنفرَ منه وتؤذيَه.الغضب .. عاصفة تزلزل الحياة الزوجية
التعامل الحكيم مع ثورات غضب أحد الزوجين هو الواقع المثالي الذي ننشده، والقوة النفسية الهائلة التي نرجوها لكل زوج وزوجة، كي تمر العاصفة بسلام ويخرج الطرفان منها بأقل خدوش، يجمعهما سياج متين من الود والعشرة، لا تفت في متانته العواصف، ولا توهن من تماسكه الخطوب، ومن أهم الأمور التي يجب فعلها لتجاوز ثورة الغضب ما يلي:- إذا أخطأ أحد الزوجين لابد أن يتبع ذلك بالاعتراف بالخطأ ولين جانبه للطرف الآخر، فما أقسى الخطأ مع التعنت والتبجح والإصرار! ولين الجانب قد يكون في كلمة دعابة أو سرعة استجابة للطلبات، مع تحمل كلمات العتاب وربما التوبيخ من الطرف الآخر.
- لنحرص على التحكم في انفعالاتنا وألا تفارق وجهنا الابتسامة والبشاشة فهي بريد الوئام والتفاهم، وهي رسالة غير مباشرة لإعلان وقف المشاحنات في البيت وإنهاء الخصام.
- الابتسامة المشرقة المضيئة والفكاهة والبشاشة كفيلة بأن تبدد غيوم الكآبة وشبح البغضاء وتضفي على البيت أجواء من السعادة.
- اللامبالاة بغضب الشريك أسوأ درجات الاستفزاز، وأسوأ منه التعبير بعبارات تبين له مدى استهانتك بشخصيته، فهذا من شأنه أن يسير بكما في نفق مظلم لا خروج منه، ويعقد المشكلة البسيطة.
- من الخطأ أن نقابل الانفعال بانفعال واتهام، فغضب الزوج -مثلا- لا يقابل بشكوى الزوجة من مشكلات الأطفال وهموم المنزل؛ لأن هذا من شأنه أن يؤجج نار العداوة ويوغر الصدور أكثر فأكثر، وما أجمل أن نحتسب عند الله الصبر على الضراء؛ لأن هذا يهون على النفس مرارة الموقف، فكل عمل لله -تعالى- هين ويسير على النفس.
من الأخطاء المدمرة لكيان الأسرة
من الأخطاء المدمرة لكيان الأسرة التعجل في اتخاذ قرار الفراق من خلال الطلاق قبل استنفاذ الوسائل العلاجية اﻷخرى، فكثير من المشكلات يمكن حلها من خلال ما يتمتع به الزوجان من حنكة وحكمة، أو من خلال الاستفادة من الخبرات الاجتماعية واﻷسرية، ولا سيما مع وجود مراكز تعنى بالشؤون اﻷسريّة يقوم عليها نخبة من المختصين المؤهلين، وهذا الأمر يحتاج إلى نظرة حكيمة ومتزنة من صاحب القرار، وتأمل المفاسد المترتبة على انحلال العلاقة الزوجية ومقارنتها بما يترتب على الاستمرار فيها.الحوار ونجاح العلاقة بين الزوجين
يعد الحوار مطلبًا أساسيا في العلاقة الزوجية فهو بمثابة اللبنة الأساس لبناء حياة زوجية مستقرة، فضلا عن أنه يعد من أكثر الطرائق فعالية للتواصل مع الطرف الآخر، وبذلك تزيد الألفة والمحبة فيما بينهما وهذا بحد ذاته يجعل كلا منهما متفهما لطبيعة الآخر وفكره وأحاسيسه وميوله، والحوار بين الزوجين ليس مجرد كلام أو محادثة أو دردشة عابرة، بل هو فن راق يسمو ويرتقي بالزوجين إلى حياة ملؤها الحب والتفاهم والتناغم.
لاتوجد تعليقات