رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 16 ديسمبر، 2024 0 تعليق

الأسرة المسلمة – 1247

مسؤولية الوالدين في تربية أبنائهم

         إن على الوالدين مسؤولية كبيرة في تربية أولادهم، وتنمية الوازع الديني في نفوسهم، وتعريفهم بالحلال والحرام، وتعويدهم على الحياء والعِفَّة التي هي أقصر طريق إلى المجد والعزِّ، وتقوية الرقابة الذاتية لديهم تجاه المغريات والملهيات التي تدعو إلى زعزعة الثقة في الثوابت والأخلاق، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».  

حال الفتاة المؤمنة

          الفتاة المؤمنة حريصة دائمًا على تقوية إيمانها وصلتها بخالقها وبارئها، وحريصة على مراقبة ربِّها في كل لحظة ولمحة، فلا تجدها أبدًا في موطن شبهة، وإن غابت عن أعين الناس؛ لأنها تعلم أن ربها يعلم خائنة الأعين وما تُخفِي الصدور، ولا يعزُبُ عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. الفتاة المؤمنة، حريصة على صلواتها في أوقاتها، بخشوعها، وأركانها، وسننها، وواجباتها، ولا تُؤخِّرها عن وقتِها من غير عذر شرعي؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103)، وقال -سبحانه-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1 - 2).
  • الفتاة المؤمنة حريصةٌ على التفوق في دراستها، والتسلح بسلاح العلم والمعرفة، وحريصة على استثمار وقتها فيما يعود عليها بالخير والمنفعة، ويُحقِّق لها ما تفيد به نفسها ومجتمعها وبنات جنسها.
  • الفتاة المؤمنة، حريصة على حضور مجالس العلم والقرآن، وحفظ ما تيسر من كتاب ربها -جل وعلا- وسنة نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وتعلُّم ما يخص أمور دينِها مما تُصحِّح به عبادتها وعقيدتها، ويهذب سلوكها وأخلاقها.
  • الفتاة المؤمنة حريصةٌ على البر بوالدَيها، وخدمتهما قبل زواجها وبعده، فلا ترفع صوتها فوق صوتهما، ولا تنهرهما أو ترد لهما طلبًا ما دام في حدود المعروف، وتبادِر دائمًا إلى السؤال عنهما، وتفقُّد أحوالهما باستمرار، ولا تمر عليها سجدة أو موضع استجابة إلا ودعت الله لهما بالرحمة والمغفرة أحياء وأمواتا،، واضعة نصب عينَيْها دائمًا قوله -تبارك وتعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء: 23).
  • الفتاة المؤمنة، حريصة على حسن التبعُّل لزوجها وطاعته في غير معصية الخالق -تبارك وتعالى-، قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة».
 

لين الكلام عبادة

        لين الكلام وطيبه عبادةٌ وقُربة نؤجَر عليها؛ فعن أبي هريرة -  رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل سلامَى مِنَ الناس عليه صدقة، كل يوم تطلُع فيه الشمسُ يعدل بين الاثْنَيْن صدقة، ويُعين الرَّجل على دابته فيحمل عليها أو يرْفع عليها متاعَه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خُطوة يَخْطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عنِ الطريق صدقة»؛ فإذا كانت الكلمةُ الطيبةُ مع الأباعد صدقة، فكَوْنها صدقة مع الأقارب أَحْرى وأَوْلَى.  

الفتاة المسلمة مؤثرة وليست متأثرة

            الفتاة المؤمنة حريصة على أن تؤثر فيمن حولها وألا تكون هي المتأثرةَ بما حولها من تجاوزات وتصرفات خارجة عن حدود الشرع والدين، سواء من الأهل أو الصديقات والزميلات في العمل والدراسة... إلخ، بل هي حريصةٌ دائمًا على أن تكون هي المؤثِّرةَ؛ أي الداعية إلى ما يصلحهم، وفيه الخير لهم في دينهم ودنياهم، وذلك بالكلمة الطيبة، والخلق الراقي، والموعظة الحسنة، والصبر الجميل، والدعاء لهم بالهداية؛ لقوله -سبحانه وتعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).  

أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-

نموذج للفتاة المسلمة الصالحة

         في بيت أبيها أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بمكة، نشأت وتشبعت أسماء -رضي الله عنها- بمبادئ الإسلام، ورباها أبوها على أخلاقه، فخرجت من بيته الكريم نموذجًا إسلاميًّا رائعًا للمرأة المسلمة، وقد حفظت السيرة لها مواقف بطولية مشرقة، فلقد كانت تحمل الطعام والماء وأخبار مكة إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أثناء إقامته في الغار، عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: صنعتُ سُفْرةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر، حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسفرته ولا لِسِقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أَرْبُطُ به إلا نِطَاقي، قال: فشُقِّيه باثنين فارْبُطِيه، بواحد السقاء، وبالآخر السفرة، ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين.  

زوجة صابرة

تزوجت (أسماء) -رضي الله عنها- بالزبير بن العوام - رضي الله عنه -، وكان حينذاك فقيرًا، لا يملك إلا فرسه، وعاشت معه صابرة مجاهدة، تعمل - في البيت - عملا يدرّ عليهما رزقا يستعينان به على الحياة، وقد هاجرت معه إلى المدينة على هذه الحال.

أديبة عالمة

كان أبو بكر الصديق -رضى الله عنه-، ملازمًا للقرآن الكريم وللنبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ظل هذا الوالد المؤمن نشأت (أسماء) -رضي الله عنها-، وتغذى عقلها ولسانها وضميرها، فلا عجب أن تكون أديبة بليغة تقول الشعر، وتجرى الحكمة على لسانها قوية صادقة، وكانت - إلى جانب ذلك - عالمة بأمور دينها محدثة، تروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تسمع من كلامه الطيب، وقد روى لها الشيخان (البخاري، ومسلم) ستة وخمسين حديثًا.  

من أسباب الألْفة بين الزوجَيْن

          مما يزيد الألْفة بين الزوجَيْن، الاحترام المتبادل بينهما، ومن ذلك مناداة المرأة وتكْنيتها بما تُحِب من الكنى، وتلقيبها بالألْقاب الحسنة التي فيها ميزة على غَيْرِها منَ النساء، مِن: صلاح دين، أو حُسْن خُلُق، أو زيادة جَمال، أو حُسن تدْبير في بيتها، أو غير ذلك مما تمْتاز به عنْ غيرِها من النساء، وترخيم اسمها عند ندائِها، وذلك بحذْف أواخِر الاسْم؛ تمْليحًا لها، وإظْهارًا لقَدْرِها عند زَوْجِها؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالتْ: «قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائش، هذا جبريل يُقرئك السلام»، قلت: «وعليه السلام ورحمة الله»، قالت: وهو يرى ما لا نرى».  

إحياء البيوت بذكر الله

        أمر الإسلام بإحياء البيوت بذكر الله -تعالى- قراءةً لكتاب الله، وصلاةً، وعبادةً، وذكرًا؛ ولذلك كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - صلاةُ النافلة في بيته؛ فعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا»، وفي هذا دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن يجعل في بيته نصيبًا من العبادة، ولا سيما الصلاة؛ لتعليم أبنائه وأهله الصلاةَ، وتعويدهم عليها، ونتذكر في هذا المقام أيضًا محرابَ مريمَ، وهو مكان عبادتها، الذي قال الله فيه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} (آل عمران: 37).  

أهم ملامح البيت المسلم

        البيت المسلم لابد أن يكون عامرًا بالذكر والصلاة، وهذه العبادة هي أولى الملامح التي تميزه عن غيره من البيوت، وإننا لنعجب من بعض النساء المتفرغات لبيوتهن من الشكوى بالملل والفراغ! وقد وهبها الله فرصة عظيمة لعمارة بيتها وقلبها بالعبادة، التي هي الأولوية المطلقة للإنسان المسلم، والعبادة بمعناها العام، تشمل جميع مهام المرأة، بشرط إصلاح النية، واحتساب هذه الأعمال {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك