
إيران وسعت دائرة تجسسها على دول الخليج لتمتد لأهداف استراتيجية في مصر-شبكات التجسس الإسرائيلية – الإيرانية تحاصر العالم العربي
لم تألُ الدولة العبرية منذ تأسيسها عام 1948جهدًا في محاولات زرع شبكات تجسس لها في عدد كبير من الدول العربية ومن بينها مصر؛ إدراكا منها أن الإطلاع على كم كبير من المعلومات حول طبيعة الأوضاع السياسية والاستراتيجية في هذه البلدان هو السبيل المهم للحفاظ على أمنها وضمان بقاء كيانه داخل محيط عربي يضمر لها العداء ويتحين لإلقائها في البحر إذا أتيحت له الفرصة.
وعملت إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة لنشر شبكات التجسس في مصر وكانت أولها وأكثرها إثارة للجدل شبكة «لافون» التي اعتمدت على تجنيد عشرات من الجواسيس من أبناء الطائفة اليهودية عملوا على إشاعة اضطرابات وتفجير مقر مكتب الاستعلامات الأمريكية في الإسكندرية في عام 1954، وهي الشبكة التي استطاعت مصر تفكيكها وكانت من أول الأسباب التي دفعت القاهرة لتفعيل جهاز المخابرات العامة المصرية وتنشيطه، ولم ينته الأمر بالطبع باكتشاف السلطات المصرية، لشبكة تجسس قادها «إيلان تشايم جرابيل»، بتهمة التجسس على مصر ونقل معلومات عن أجواء البلاد بعد الثورة، وإحداث الفتنة الطائفية وتمت إحالة القضية لنيابة أمن الدولة العليا.
ويؤكد الدسوقي أن مرحلة التسعينيات قد شهدت أكثر حقب التجسس الإسرائيلي على مصر ولا سيما بعد توقيع اتفاق أوسلو 1993 حتى وصول نتنياهو لسدة السلطة في إسرائيل والدول العربية خصوصًا في ظل تراجع المحاذير المفروضة على سفر الرعايا المصريين إلى إسرائيل، مشيرًا إلى أن قضية إلقاء الأجهزة المصرية القبض على الرقيب السابق بسلاح البحرية عبد المنعم عبد الملك الذي حكم عليه بالمؤبد كانت حلقة في مسلسل التجسس تلاه بعد فترة تفكيك الأجهزة الأمنية لشبكة تجسس إسرائيلية جديدة كان بطلها هذه المرة الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام الذي كان يعمل مديرًا لمصنع إسرائيلي مصري مشترك للنسيج في القاهرة، وهي المرة التي استخدم فيها التطبيع الاقتصادي كقناة للتجسس على مصر واستمرت هذه الأزمة لسنوات عدة حتى أصدر الرئيس المخلوع حسني مبارك قرارًا بالإفراج عنه.
وأشار إلى أن قضايا التجسس الإسرائيلية استمرت ضد مصر وامتدت لمنشآت حيوية مصرية ومنها هيئة الطاقة الذرية؛ حيث سعت إسرائيل للاطلاع على جميع أسرار البرنامج النووي عبر تجنيد أحد الباحثين في المركز ويدعى شريف الفيلالي الذي حوكم بالإشغال الشاقة المؤبدة، وبعد أشهر عدة ألقت السلطات المصرية القبض على شبكة تجسس إسرائيلية، وتم اعتقال أربعة أعضاء بهذه الشبكة وكان من بين المعتقلين طارق عبد الرازق المسؤول بإحدى شركات الهاتف النقال.
بل إن إسرائيل لم تعتمد في تجسسها على وسائل غير تقليدية؛ حيث إنها وبحسب اللواء زكريا حسين الخبير الاستراتيجي والمدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية أطلقت منذ سنوات القمر الصناعي «أفق 5» بتكلفة 60 مليون دولار قادر على رصد تحركات الجيوش العربية، وأتاح لإسرائيل إمكانية الحصول على صور استخباراتية للمواقع العسكرية العربية، كما سيتيح لها متابعة برامج تطوير الصواريخ الباليستية في دول إسلامية كبرى كإيران وباكستان.
فيما يرى اللواء حسام سويلم الخبير الاستراتيجي أن محاولات إسرائيل لم تتوقف للتجسس على مصر والدول العربية، لافتا أن كل ما فعلته اتفاقية «السلام» هذه بين مصر وإسرائيل، هو نقل الحرب من ساخنة إلى باردة، فاتفاقية كامب ديفيد وما جرته في ذيولها من تطبيع بين مصر والأردن والدولة الصهيونية لم يمنعا الصهاينة من استهداف الدولتين وغيرهما وجعلها على رأس سلم أولويات المخابرات الصهيونية.
بل إن إسرائيل سعت للاستفادة من الثورة الإعلامية التي يشهدها العالم العربي، فعملت على توثيق صلاتها بعدد من الفضائيات ومحاولة تجنيبها لفترات؛ خشية أن تقع ضحية لتحريض هذه الفضائيات عبر تقديم منح وإن كان بشكل غير مباشر لعدد من العاملين ومقدمي البرامج بهذه الفضائيات للتدريب في مؤسسات إعلامية غربية تتولى تكريس نوع من ثقافة السلام لدى هؤلاء، وتبني الدعوات للتعايش السلمي بين دول المنطقة ، بل إن العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وهذه الفضائيات ترجمت في الظهور المكثف لمسؤولين إسرائيليين في اختراق واضح لقرار وزراء الإعلام العرب بعدم التطبيع الإعلامي مع الكيان الصهيوني؛ مما عزز من اتهامات بأن عديدًا من الفضائيات العربية والمصرية تتلقى تمويلاً إسرائيليًا ما تتبناه من مواقف راغبة في نشر فوضى خلاقة والدفاع عن التطبيع مع الدولة العبرية.
وإذا كان قيام إسرائيل بالتجسس على الدول العربية يبدو طبيعيًا فإن الأمر الغريب جدًا حاليًا يتمثل في إعلان السلطات المصرية عن إلقاء القبض على الدبلوماسي الإيراني قاسم الحسني الذي وجهت له تهمة جمع معلومات عن المؤسسات الاقتصادية والعسكرية من خلال زرع خلايا تعمل على تنفيذ مخططات الحرس الثوري الإيراني بالقاهرة، وذلك عقب ثورة 25 يناير، رغم أن هذه الفترة شهدت علاقات البلدين تطورًا كبيرًا، بل تحدث بعضهم عن إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، ولكن يبدو أن هذه القضية ستعيد علاقات البلدين للمربع الأول وستحبط محاولات تطبيع العلاقات بين البلدين.
ويزيد من حجم التوتر ما أثبتته جهات التحقيق من مساعي إيران لتجنيد عملاء لها في أغلب المؤسسات المصرية، والتأكيد أن مهمة الشبكة لم تقتصر على جمع معلومات عن مصر فقط بل السعي لتكرار السيناريو نفسه في المملكة العربية السعودية، وهو ما يجعل هناك حاجة للإجابة عن تساؤل حول أسباب قيام إيران بالتجسس على مصر والسعودية، والإجابة ببساطة كما يؤكد د. وحيد عبد المجيد الخبير والمحلل السياسي: أن إيران تسعى منذ سنوات لتعزيز نفوذها في عدد من الدول العربية من ثم فإن سعيها للحصول على معلومات استراتيجية عن مصر يبدو طبيعيًا لافتًا إلى أن إيران تسعى لفرض نفسها كقوة إقليمية مهمة في المنطقة وهي تدرك أن وجود مصر قوية بعد الثورة قد يحول دون تحقيق هذا الأمر.
لاتوجد تعليقات