رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

مواسم الخيرات فيما بعد رمضان

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه....

 أما بعد:

فلئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى، فإنَّ عمل المسلم لا ينتهي، إلا بمفارقة روحه بدنه، قال عز وجل لنبيه  صلى الله عليه وسلم : {واعبدْ ربكَ حتى يأتيك اليقين} (الحجر: 99).

وقال عيسى عليه السلام عن ربه سبحانه: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (مريم: 31).

وقال صلى الله عليه وسلم : «أحبُ الأعمالِ إلى الله تعالى، أدْومها وإنْ قلْ» متفق عليه.

وذكر لبعض السلف أناساً يجتهدون في رمضان، ثم يتركون ذلك بعده، فقال: بئس القومُ لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان!!

     فلئن كان صيام الفرض في رمضان قد انقضى زمنه، فقد شرع الله تعالى للسابقين بالخيرات، أياماً تُصام طوال العام، أولها: صيام الست من شوال بعد رمضان، ففي صحيح مسلم: من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر».

وصيام الاثنين والخميس، كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تُعرضُ الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُ أن يُعرض عملي وأنا صائم» رواه الترمذي.

     وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والأولى والأحسن أن تكون أيام البيض وهي: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر الهجري، لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر، إذا صُمْتَ من الشهر ثلاثة أيام، فصُم ثلاثَ عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» رواه الترمذي والنسائي.

وإلا صام أي ثلاثة أيام من الشهر، لحديث أبي هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث... وأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر. رواه مسلم.

وكذا صيام شهر الله الحرام، ففي صحيح مسلم: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصيام أفضلُ بعد شهر رمضان؟ قال: «أفضلُ الصيام بعد شهر رمضان، صيامُ شهر الله المحرَّم».

وصيام التسع من ذي الحجة، وأفضلها صيام يوم عرفة، فإنه يُكفِّر سنتين: ماضية وباقية، كما في صحيح مسلم.

وصيام عاشوراء يكفر سنةً ماضية، وغيرها من صيام التطوع.

     ولئن كان قيام رمضان جماعة قد انتهى، فإنَّ قيام الليل هو دأب الصالحين وعادة الأخيار دائماً، كما قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله تعالى، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد». رواه أحمد والترمذي والحاكم عن بلال رضي الله عنه .

وقال تعالى في أهله: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (السجدة: 16).

وقال سبحانه: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًاوَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان: 63-64).

وكذا قوله تعالى: {كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الذاريات: 16-17). ليس خاصاً برمضان، بل هي سمةٌ من سماتهم، وصفة من صفاتهم.

ولما ذُكر عبد الله بن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم  قال: نِعمَ الرجل عبد الله، لو كان يقومُ من الليل، فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، رواه البخاري.

وعن عبد اللَّه بنِ عمرو بنِ الْعَاصِ , قال: قال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «يا عبدَ اللَّهِ , لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ، كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». رواه مسلم

وهذا يدل على أن ترك قيام شيء من الليل، نقصٌ في إيمان الرجل وعمله، وقيام الليل يتحقق ولو بركعتين بعد العشاء ثم يوتر بركعة، وأفضله بعد شطر الليل، أو في ثلثه الأخير.

ومن فضل القيام: ما رواه عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيها الناس، أفشوا السَّلام، وأطْعموا الطعامَ، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليلِ والناس نيام، تَدْخلوا الجنة بسلام» رواه الترمذي.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى ترم قدماه، وفي رواية: ساقاه، رواهما البخاري.

     ولئن كان رمضان هو شهر القرآن الذي أنزل فيه، ويكثر فيه المسلمون من قراءته وسماعه في أيامه ولياليه، فإن المؤمن لا يهجر كتاب الله تعالى في غير رمضان، بل هو كتابه الأول يتلوه ليلاً ونهارا ً، سراً وجهارا ً، سفراً وحضراً، لا يفارقه أبداً، قال عز وجل: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة: 121).

وقال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} (فاطر: 29).

وقد أثنى الله تعالى على طائفة من أهل الكتاب بقوله: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } (آل عمران: 113).

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على قراءته، ومعاهدة حفظه، فقال: «تَعاهدوا القُرآن، فوالذي نفسي بيده، لهو أشدُّ تفصّياً من الإبل في عُقلها» متفق عليه.

ولئن كان رمضان هو شهر الزكاة لأكثر المسلمين، فإن صدقات المتصدقين، وإنفاق المنفقين الخيرين لا ينقضي ولا ينتهي، بل هو مستمر دائم، كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 274).

وقال: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: 24- 25).

وهذا يدل على دوام إنفاقهم في كل وقت وحين، وليس خاصاً بزمن دون زمن.

لأن الفقراء والمساكين حاجاتهم مستمرة، فلا يغفل عنهم المسلم بقية العام.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس دوما، وكان أجود ما يكون في رمضان، فهو صلى الله عليه وسلم كان جوده وكرمه صفة لازمة له، بل كما وصفه أصحابه أنه ما سئل شيئاً قط، فقال: لا.

وجوده كان بكل أنواع الجود، بالمال وبالعلم وبالبدن وبالجاه.

ولئن كان شهر رمضان هو شهر إطعام الطعام للفقراء والأقرباء والجيران، فينبغي أن يدوم ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه : «يا أبا ذر، إذا طَبختَ فأكثر المرق، وتَعاهد جيرانك» رواه مسلم.

وأخيرا: فالمسلم الحق: من يخاف من عدم قبول الأعمال، كما قال تعالى: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: 27).

وكان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، وهؤلاء الذين قال الله فيهم {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} (المؤمنون:60). أي: خائفة من عدم القبول.

وهذا من حذرهم أن يكون العمل فيه دغل، كأن يكون لغير الله تعالى، أو يكون فيه خللٌ أو نقص يوجب فساده.

ولا بد من العلم أن تكفير السيئات في رمضان، مشروط بترك الكبائر من الذنوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: «الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ لما بينهن، إذا اجتُنبت الكبائر» رواه مسلم.

 فاللهم نسألك دوام فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، يا سميع الدعاء،،،

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك