رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 27 أكتوبر، 2017 0 تعليق

ضوابط الرد على المخالف- التحذير من التقليد وأخذ القول من غير دليله

 

وقد حذّر الأئمة الأربعة وغيرهم من التقليد، وأخذ القول من غير معرفة دليله، ونقلت عنهم نقول كثيرة في هذا، ومن المفيد أنْ نسوق هاهنا بعضاً منها، لعل فيها عظة وذكرى، لمن يقلدهم تقليدا أعمى من أتباعهم، بل يقلد من دونهم بدرجات، ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم، كما لو كانت نزلت من السماء، والله -عز وجل- يقول: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} الإعراف: 3.

الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله

     فأول الأئمة الأربعة: هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روي عنه أصحابه أقوالاً شتى وعبارات متنوعة، كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو: وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها، قال -رحمه الله-: إذا صحّ الحديث فهو مذهبي. ابن عابدين في (الحاشية) (1/ 63).

      وقال: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا، ما لم يعلم من أين أخذناه. ابن عابدين في (حاشيته على البحر الرائق) (6/293)، وفي رواية: حرامٌ على مَن لم يعرف دليلي أنْ يفتي بكلامي، وزاد في رواية: فإننا بشرٌ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدا، وفي أخرى: ويحك يا يعقوب (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً وأتركه بعد غد.

وقال: إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي. (الفلاني في الإيقاظ ص 50).

الإمام مالك بن أنس رحمه الله

     وثاني الأئمة: الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-، وعنه أقوال، قال -رحمه الله-: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. (ابن عبد البر في الجامع 2/32). وقال: ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عبد البر في الجامع(2 /91).

      وقال ابن وهب: سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: وما هي؟ قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة، ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع. (مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص31- 32).

الإمام الشافعي رحمه الله

     وثالث الأئمة: الإمام الشافعي رحمه الله، والنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب، فمنها، قوله -رحمه الله-: ما من أحد إلا وتذهب عليه سُنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتَعزب عنه، فمهما قلت من قولٍ، أو أصّلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي. (تاريخ دمشق لابن عساكر). وقال: أجمع المسلمون على أنّ من استبان له سنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يحل له أنْ يدعها لقولِ أحد. (الفلاني ص 68). وقال: «إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ودعوا ما قلت»، وفي رواية: فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد، النووي في المجموع (1/63). وقال: إذا صح الحديث فهو مذهبي. (النووي 1/63)، وهذه الكلمة صحّت عن الأئمة الأربعة كلهم.

      وقال: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به، أي شيء يكون: كوفياً أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا. الخطيب في الاحتجاج بالشافعي (8 /1).

     وقال: كل مسألة صحّ فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل، بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي. أبو نعيم في الحلية (9/107)

وقال: كلُّ ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم  خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني. (ابن عساكر بسند صحيح).

الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله

     ورابع الأئمة: الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: وهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة النبوية، وتمسكا بها حتى إنه كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي؛ ولذلك قال: لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخُذ من حيث أخذوا. (ابن القيم في إعلام الموقعين 2/302).

وفي رواية: لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير.

     وقال مرة: الاتباع أنْ يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم  وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخير. (أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276 - 277).

     وقال: رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار. (ابن عبد البر في الجامع 2/149). وقال: من ردَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهو على شفا هلكة. (ابن الجوزي في المناقب (ص 182).

الألباني رحمه الله

     قال الإمام الألباني رحمه الله بعد أن ساق ما تقدم: تلك هي أقوال الأئمة رضي الله -تعالى- عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا، وعليه: فإنَّ من تمسك بكل ما ثبت في السنة، ولو خالف بعض أقوال الأئمة، لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجا عن طريقتهم، بل هو متبعٌ لهم جميعاً، ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم، بل هو بذلك عاصٍ لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة، والله -تعالى- يقول: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} النساء: 65. وقال: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} النور: 63.

      وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم  وعَرَفه؛ أنْ يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم باتباع أمره، وإنْ خالف ذلك رأي عظيمٍ من الأمة؛ فإنْ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  أحقّ أنْ يعظم ويقتدى به؛ ومن هنا ردّ الصحابة ومن بعدهم على كلّ مخالفٍ سنةً صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضاً له، بل هو محبوب عندهم، معظم في نفوسهم، لكنْ رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كلّ مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره، فأمر الرسول أولى أنْ يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإنْ كان مغفورا له، بل ذلك المخالف المغفور له؛ لا يكره أن يخالف أمره إذا ظهر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم  بخلافه. انتهى

     قلت – أي الألباني -: كيف يكرهون ذلك وقد أمروا به أتباعهم كما مرّ، وأوجبوا عليهم أنْ يتركوا أقوالهم المخالفة للسُّنة، بل إنّ الشافعي -رحمه الله- أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه، ولو لم يأخذ بها أو أخذ بخلافها؛ ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد -رحمه الله- المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث فيها انفرادا واجتماعا في مجلد ضخم قال في أوله: «إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها لئلا يعزوها إليهم فيكذبوا عليهم».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك