رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 أبريل، 2012 0 تعليق

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (9) باب: الأمر بتعاهد القرآن بكثرة التلاوة

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2110. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ».

 الشرح: قال المنذري: باب الأمر بتعاهد القرآن بكثرة التلاوة، والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (789) وبوب عليه النووي: باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول: نسيت آية كذا، وجواز قول: أنسيتها.

وقد رواه البخاري في فضائل القرآن (5031).

       قوله «إنما مثل صاحب القرآن» المثل هو الصورة والحال المشابهة، وضرب الأمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية كثير جدا، وذلك لأجل تقريب المعنى المراد، فالأمثال المحسوسة تقرب المعاني إلى الأذهان، ويتضح بها المقال، ويتضح المراد، وتحصل بها الذكرى والموعظة، والترغيب والترهيب المقصود من الكلام، وقد عقد الإمام ابن القيم رحمه الله فصلا طويلا في كتابه الممتع « أعلام الموقعين » لشرح أمثال القرآن الكريم، وألف أهل الحديث كتبا في أمثال الحديث النبوي، ككتاب «أمثال الحديث» للرامهرمزي، و«أمثال الحديث» لأبي عبيد القاسم بن سلام، و«أمثال الحديث» لأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهم من أهل العلم، وقد شرحوا فيها أمثلة الحديث النبوي ومعانيها.

        وقوله «الأمر بتعاهد القرآن» التعاهد من المعاهدة، ويعني المراجعة والتأكد والمراقبة والحفظ، وذلك يكون بكثرة التلاوة والقراءة، والمراجعة والحفظ للقرآن، كما فسّره هنا الإمام المنذري، واستدل بالحديث الذي ساقه بالباب.

        والحديث عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة» مثل ضربه النبي  صلى الله عليه وسلم   لحافظ القرآن.

       وقوله  صلى الله عليه وسلم   «مثل صاحب القرآن» وصاحب القرآن يعني الذي ألفه وصار القرآن صاحبا له، كما يقول القاضي عياض: صاحب القرآن أي: الذي ألفه، والمصاحبة: المؤالفة، ومنه: فلانا صاحب فلاناً، وأصحاب الجنة وأصحاب النار، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، وأصحاب الصفة، وأصحاب إبل وغنم، وصاحب كنز وصاحب عبادة. انتهى (شرح النووي: 6/109).

- أي: كل هؤلاء بمعنى الذين قربوا من هذه الأشياء وألفوها، وصارت عشرتهم لها عادة، فصاحب القرآن يعني الذي تعود قراءة القرآن وحفظه والقيام به، وألف ذلك نظرا أو عن ظهر قلب.

       فصاحب القرآن شبهه النبي  صلى الله عليه وسلم  بصاحب الإبل المعقلة، والمعقلة يعني التي تربط بالعقال، وهو الحبل الذي يشد فيركبه البعير لئلا يتفلت ويشرد على أهله، فالعقال يحفظ الإبل من الضياع، كما جاء في الحديث: أن رجلا جاء إلى النبي [ فقال: يا رسول الله، أعقل بعيري وأتوكل، أم أطلقها وأتوكل ؟ قال له  صلى الله عليه وسلم  : «اعقلها وتوكل».

       فلا بد أن تعقل الإبل إن لم تكن بحظيرة وتربط؛ لئلا تفلت وتسير وتضيع على صاحبها، وهكذا صاحب القرآن إذا تعاهد القرآن فقد عقل هذه الآيات وربطها، وأحكم رباطها، وإذا ترك المعاهدة والمراجعة والحفظ وكثرة القراءة والتلاوة، فقد عرضه للنسيان والضياع، فهذا معنى هذا مَثَل النبي  صلى الله عليه وسلم  .

- وأيضا: فإن الإبل إن تركت طويلا في العقال، فإنه يتخلخل بكثرة الحركة إلى أن ينحل، وهكذا الإنسان إذا ترك قراءة القرآن طويلا، فإنّ القرآن يتفلت منه.

- وأيضا: خص الإبل بالذكر؛ لأنها من أشد الحيوانات نفورا، كما هو معروف عنها.

 بابٌ منه

 2111. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  : «بِئْسَمَا لِأَحَدِهِمْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ، اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، مِنْ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا».

الشرح: هذا الحديث في الباب نفسه الذي بوب عليه الإمام النووي: باب الأمر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت آية كذا.

وقد رواه البخاري في فضائل القرآن (5033).

        يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - وهو من حفاظ القران من الصحابة - قال  صلى الله عليه وسلم  : «بئسما لأحدكم «بئس» أخت «نعم» فالأولى للذم، والثانية للمدح، تقول: نعم الرجل وبئس الرجل.

فالحديث يبين أن هذه الكلمة فيها كراهة، فلا يقولها الإنسان لأنه قال: بئست هذه الكلمة. أي: لا يقولها أحدكم.

قوله: «يقول نسيت آية كيت وكيت» كيت وكيت بمعنى كذا وكذا، ويعبر بها عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل، ومثلها: ذيت وذيت.

وقال ثعلب: كيت للأفعال، وذيت للأسماء.

       فقوله «بئس» يدل هذا القول على أن فيه كراهة؛ لأن قوله: نسيت كذا وكذا أو كيت وكيت، فيه شهادة على نفسه بالتقصير في حفظ القرآن وتعاهده، ويتضمن التساهل في الواجب، والغفلة عن آيات القرآن، وأيضا في قوله «نسيت» إشعار بعدم المبالاة والاعتناء والاهتمام بالقرآن، وقد قال الله سبحانه وتعالى عن الذي يحشره يوم القيامة أعمى {قال ربي لما حَشرتني أعمى وقدْ كنتُ بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتَها وكذلك اليوم تُنسى وكذلك نجزي منْ أسرفَ ولم يؤمنْ بآياتِ ربه ولعذابُ الآخرة أشد وأبقى} (طه: 125-127).

       فالنبي  صلى الله عليه وسلم  كره أن يطابق قوله قول هذا الأعمى الضال - والعياذ بالله - الذي تغافل عن القرآن العظيم، وأعرض عن الهداية به والاقتداء بنوره واستذكاره على الدوام.

وقال عياض: أولى ما يُتأول به الحديث أن معناه: ذم الحال لا ذم القول، أي بئست الحالة، حالة من حفظ القرآن فغفل عنه حتى نسيه. انتهى.

       قوله  صلى الله عليه وسلم  : «بل هو نُسي» يعني الذي أنساه هو الله تعالى؛ لأنه أعرض عنها وتغافل عنها وتشاغل، فعوقب بنسيان الآيات، كما قال الله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} (التوبة: 67) أي: تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة.

وقيل: الكراهة في نسبة الإنسان النسيان إلى نفسه، وهو لا صنع له فيه، فكأنه يوهم أنه انفرد بفعله!

        وفيه نظر! فليس هو متعلق الذم؛ لأنه يصح نسبة النسيان للنفس، فهو من أفعال الناس التي تقع منهم، كما قال موسى عليه السلام: {فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} (الكهف: 63). وإن كان الله تعالى خالق أفعال العباد، فالعبد مخلوق، وما يصدر عنه من قول أو فعل مخلوق، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، وتفصيله في موضعه في كتب العقيدة كالطحاوية وشرحها.

         ثم قال: «استذكروا القرآن» الألف والسين والتاء في قوله «استذكروا» بمعنى الطلب، يعني تذكروا القرآن، واطلبوا تذكر القرآن، وواظبوا على تلاوته ولا تقصروا.

        قوله «فلهو» هذه اللام لام القسم، فيقسم النبي  صلى الله عليه وسلم  على أنه: «أشد تفصيّا» تفصيا أي تفلتا، «من صدور الرجال، من النعم بعقلها» يعني: أن آيات القرآن أشد تفلتا من الصدور من تفلت الإبل من عقلها.

فمحل حفظ القرآن القلوب التي في الصدور، كما قال الله تعالى: {بل هو آياتٌ بيناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت: 49).

قال الحافظ: لأن من شأن الإبل أن تطلب التفلت ما أمكنها، فمتى لم يتعاهدها برباطها تفلتت، فكذلك حافظ القرآن إنْ لم يتعاهده تفلت، بل هو أشد. (الفتح).

        وقال ابن بطال: هذا الحديث يوافق الآيتين: قوله تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} (المزمل: 5). وقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} (القمر: 17). فمن أقبل عليه بالمحافظة والتعاهد، يسّر له، ومنْ أعرض عنه تفلت منه.

         والنَّعم المقصود بها هنا الإبل، والنعم عموما قد تطلق على البقر والغنم والإبل، لكن المقصود هنا الإبل، لأنها هي التي تعقل، وأما البقر والغنم فلا تعقل، والعقل جمع ومفرده عقال، ككتاب وكتب، والنعم تذكر وتؤنث، أي يصح فيها التذكير والتأنيث، وقوله  صلى الله عليه وسلم  هنا: «من النعم بعقلها» أي: من عقلها، فالباء هنا بمعنى من، وقال أهل العلم: هي كقوله تعالى: {عيناً يشربُ بها عبادُ الله} (الإنسان: 6). أي: يشربون منها.

وقد ورد في الرواية الأخرى: «من عقلها».

 والله أعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك