رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 29 يوليو، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في التّلبية بالعمرة والحج

  • في الحديث دلالةٌ على بقاء أنْواع الأنْسَاك إلى قيام السّاعة مِنْ عُمْرةٍ أو إفْراد بالحجّ أو قِران بين الحجّ والعُمرة إمّا بنُسُك قِران أو تمتُّع
  • أُمَّةُ الإسْلامِ آخِرُ أُمَمِ الأنْبياءِ في الدُّنيا ونبيُّها خاتَمُ الأنْبياءِ وقد أُرسِلَ إلى النَّاسِ كافَّةً بَشيرًا ونَذيرًا ودعوتُه ممتدَّةٌ إلى آخرِ الزَّمانِ
  • صفَةُ القِرَانِ: هُوَ أَنْ يُلَبِّيَ الرَّجُلُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ مَعاً مِنَ المِيقَاتِ فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ» وَيَبْدَأُ بالعُمْرَةٍ ويظلُّ على إحرامه حتى الحجّ
 

عن أَنَسٍ -رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا»، وفي الباب حديثان: الحديث الأول: رواه مسلم في الحج (2/905) باب: في الإفْراد والقِران بالحجّ والعُمرة.

        في هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ - رضي الله عنه -: «أنَّه سمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا» يعني: الحجّ والعمرة، أي: رَفَعَ صوْتَهُ بالتَّلبيةِ بهما فقال: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»، وفي لفظ: «يُلبِّي بالحَجِّ والعُمرَةِ جميعًا» وذلك في حَجَّةِ الوَداعِ، وهذا دليلٌ واضح على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ قارِنًا في حجّته، وجاء في رواية مسلم: فأخبَرَ بكرُ بنُ عبداللهِ - وهو راوي الحَديثِ عن أنسٍ - رضي الله عنه - عبداللهِ بنَ عُمرَ -رضي الله عنهما- بما قالَه أنسٌ - رضي الله عنه -، فقالَ عبداللهِ - رضي الله عنه - مُعقِّبًا على أنسٍ - رضي الله عنه -: «لبَّى بالحَجِّ وحْدَهُ» أي: كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُفرِداً، ولم يجعَلْ معَه عُمرةً.

ما تَعدُّونَنا إلَّا صِبْيانًا!

         فرجع بَكرٌ بقَولِ ابنِ عُمرَ هذا إلى أنَسٍ - رضي الله عنه -، فقالَ - صلى الله عليه وسلم -: «ما تَعدُّونَنا إلَّا صِبْيانًا!» أي: ما تَحسَبونَنا إلَّا صِغاراً، لا نَعلَمُ شيئًا مِن أَحْوالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسُننِه، يقصِدُ - صلى الله عليه وسلم - بذلك: صِغَرَ سِنِّه، وقصر مدَّةَ صُحبتِه وخِدمتِه للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حينَما حضَرَ إلى المَدينةِ مُهاجراً، كان عُمرُ أنَسٍ - رضي الله عنه - حينَئذٍ عَشْرَ سِنينَ، وعليه فإنَّ أنَسًا - رضي الله عنه - كان بعُمرِ العِشرينَ يومَ حجَّةِ الوَداعِ، فمِثلُه ممّا يُقبَلُ حَديثُه بلا شَكّ، لبُلوغِه ورُشدِه. فأنَسٌ - رضي الله عنه - بذلك؛ يُنكِرُ بمَقولتِه تلك على مَن يظُنُّ به شيئاً مِنْ ذلك، ولذلك قالَ: «سَمعْتُ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: لبَّيكَ عُمرةً وحَجًّا» ويؤكِّدُ - رضي الله عنه - ذلك بما رَواه عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّه رَآه وسَمِعَه يفعَلُ ذلك.

الرَّاجِحُ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان قارِنًا

       والرَّاجِحُ والأصَحُّ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان قارِنًا، كما قال أنَسٌ، ومَنْ قال بغيرِ ذلك؛ فإنَّه بَنى على ما شاهَدَه منَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسَمِعَه في إهْلالِه، فمَن سَمِعَه أهلَّ بالحجِّ، ظنَّه أنَّه أفرَدَ، ومَن سَمِعَه أهلَّ بالعُمرةِ ظنَّ أنَّه تمتَّعَ، ومَن سَمِعَه أهلَّ بالحجِّ والعُمرةِ معاً، علِمَ أنَّه قارِنٌ بينَهما بإحْرامٍ واحدٍ، ودخَلَتِ العُمرةُ في أعْمالِ الحجِّ

فوائد الحديث

  • حجُّ بيت الله وهو الرُّكنُ الخامسُ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، هوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتُؤخَذُ جميعُ أَعْمالِه مِن سُنَّةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قولاً وفعلاً، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصْحابه فقال لهم: «خُذُوا عنّي مَنَاسِككم».
  • وكان التَّابِعونَ يَذهَبونَ إلى أصْحابِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ليَسأَلوهم، ويَتعلَّموا منهم حَديثَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأفْعالَه وأقْوالَه في الحج، وغيره من العِباداتِ.
  • وفيه: أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - علَّمَنا أحْكامَ الحجِّ والعُمْرَةِ، وبيَّنَها قَوْلًا وفِعْلًا، وكان الصَّحابةُ الكِرامُ يتَّبِعونَهُ، ويَنْقُلونَ إلينا كُلَّ سُنَّتِهِ القَوْليَّةِ والعَمَليَّةِ والتَّقْريريَّةِ.
  • وفيه: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في حَجَّةِ الوَداعِ قارِنًا بين الحَجِّ والعُمْرةِ في نُسُكٍ واحِدٍ، وكان معه هدْيُهُ، وكان إهْلالُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهما جميعاً كما في هذا الحديث، وقيل: كان قرانه في نِهايَةِ الأمْرِ، وإلَّا فإنَّه بَدَأَ بالحَجِّ، ثمَّ أدْخَلَ عليه العُمْرةَ، فصار قارِنًا.
وصفَةُ القِرَانِ: هُوَ أَنْ يُلَبِّيَ الرَّجُلُ بالحَجِّ والعُمْرَةِ مَعاً مِنَ المِيقَاتِ، فَيَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ بِعُمْرَةٍ وحَجَّةٍ» وَيَبْدَأُ بالعُمْرَةٍ، ويظلُّ على إحرامه حتى الحجّ، فيذهب إلى عرفة، ويُتم حجّه، فَيَجْمَعُ بين عَمَلِ الحَجِّ والعُمْرَةِ في عَمَلٍ واحِدٍ، حَتَّى يَطوفَ طَوافَ الإفَاضَةِ، ثُمَّ يَجِبُ عليه ما يَجِبُ على المُتَمَتِّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ مِنَ الهَدْيِ إنْ تَيَسَّرَ ذلك عليه، أو الصِّيَامُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْياً.

الحديث الثاني في الباب

حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ، حَاجًاً أَوْ مُعْتَمِراً، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا» أخرجه مسلم في الحج (2/915) باب: إهلال النّبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه. في هذا الحَديثِ يُقسِمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - باللهِ تعالى، الَّذي يملِكُ رُوحَ ونفس عَبدِه ونبيِّه محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ويملِكُ أنْ يَقبِضَها، وكثيراً ما كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقسِمُ بهذا القسَمِ، فيُقسمُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ عيسَى ابنَ مَريمَ -عليهما السَّلامُ- سينزلُّ مِنَ السّماء إلى الأرْض، وذلك في آخِرِ الزَّمانِ، وهو مِنْ عَلاماتِ يومِ القِيامةِ الكُبْرى، ويهلّ والإهْلالُ: هو رفعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ، وهذا كنايةٌ عن خُروجِه للحجِّ إلى بَيتِ اللهِ عزَّ وجلَّ. ويقَعُ ذلك بفَجِّ الرَّوْحاءِ، والرَّوْحَاءِ: بفَتْح الفاء وتشديد الجِيم، بين مكّة والمَدينة، وكان طريق النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، وإلى مكة عام الفتح، وعام حَجّة الوَدَاع، ويكونُ إهْلالُه عليه السَّلامُ مُفرِدًا بالحجِّ، أو مُفرِدًا بالعُمرةِ، أو يَجمعُ بيْنَ الحجِّ والعُمرةِ. ونَبيُّ اللهِ عيسَى ابنُ مَريمَ -عليه السَّلامُ- حيٌّ في السَّماءِ، وثبَتَ في الصَّحيحَينِ: «أنَّه -عليه السَّلامُ- سينزِلُ قبلَ يومِ القِيامةِ إلى الأرْضِ، حكَماً عَدلًا، فيَكسِرُ الصَّليبَ، ويقتُلُ الخِنزيرَ، ويضَعُ الجِزيةَ»، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم .

فوائد الحديث

  • بيانُ أنَّ الأنْبياءَ يحُجُّونَ بيتَ الله الحَرَام ويَعتمِرونَ.
  • أنّ أُمَّةُ الإسْلامِ شأنُها عَظيمٌ؛ فإنَّها آخِرُ أُمَمِ الأنْبياءِ في الدُّنيا، ونبيُّها خاتَمُ الأنْبياءِ، وقد أُرسِلَ إلى النَّاسِ كافَّةً بَشيرًا ونَذيرًا، ودعوتُه ممتدَّةٌ إلى آخرِ الزَّمانِ.
  • وفي الحديث دلالةٌ على بقاء أنْواع الأنْسَاك إلى قيام السّاعة، مِنْ عُمْرةٍ، أو إفْراد بالحجّ فقط، أو قِران بين الحجّ والعُمرة، إمّا بنُسُك قِران أو تمتُّع.
  • وفيه إخبارٌ بما يكون في آخِر الزّمان، قبيل قيام السّاعة، وهو بعد نُزُول عيسى عليه السّلام؛ حيث سيهلّ عليه السلام ويلبّي إلى مكة حاجّاً أو مُعتمراً، أو آتياً بالحجّ والعُمرة جميعاً.
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك