رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 7 أكتوبر، 2025 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: التّعْريسُ والصّلاة بذِي الحُلَيفة إذا صَدَر مِنَ الحَجّ والعُمْرة

  • كان عَبْدِاللهِ بنُ عمَرَ رضي الله عنهما شَديدَ التَّحرِّي لفِعلِ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم ليَقتدِيَ به في حَضَرِه وسَفَرِه
  • يستحب الصلاة بذي الحُلَيْفةِ لفعل النبيَّ  صلى الله عليه وسلم حيث كان يُصلِّي فيه
  • حَرِصَ الصَّحابة رَضيَ اللهُ عنهم على اتّباع سُنَّةِ رَسولِ اللهِ  صلى الله عليه وسلم واقتِفاء أثَره في أفْعالِه
 

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا. وكَانَ عَبْدِاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وعَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدِاللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: كَانَ إِذَا صَدَرَ مِنْ الحَجِّ أَوْ العُمْرَةِ، أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيْفَةِ، الَّتِي كَانَ يُنِيخُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ وهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فِي بَطْنِ الْوَادِي، فَقِيلَ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. قَالَ مُوسَى: وقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ مِنْ الْمَسْجِدِ، الَّذِي كَانَ عَبْدِاللَّهِ يُنِيخُ بِهِ، يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ، الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَسَطًا مِنْ ذَلِكَ. الأحاديث رواها مسلم في الحج (2/981) وبوّب عليها النووي بمثل تبويب المصنف.

       فيَرْوي عَبْدِاللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أناخَ، أي: جَعَلَ راحِلَتَه تَبرُكُ على الأرضِ، فنزَلَ بالبَطْحاءِ التي بِذي الحُلَيْفةِ، وهي الَّتي يَعرِفُها أهلُ المدينةِ: بِالمُعَرَّسِ، وهي مَنطقةُ مَسيلِ الماءِ، وذاتُ حَصًى صِغارٍ. وذو الحُليفةِ: قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سَبعَةٌ (10 كم)، وتقَع أسفَلَ مَسجِدِ ذي الحُلَيفةِ، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ، ومَن يمُرُّ بها مِن غيرِ أهْلِها.

أصل المُعَرّس

  • وأصل المُعَرّس: موضعُ النُّزول مطلقاً، أو في آخر الليل، قال أبو زيد: عَرّس القوم في المنزل، إذا نزلوا به أيّ وقتٍ كان، منْ ليلٍ أو نهار.
  • وقال الخليل والأصمعي: التّعْريس النُّزُول آخر الليل، وصار هذا اللفظ عَلَماً بالغلبة على موضع معين، وهو على ستة أميال مِنَ المدينة، كما حكاه أبو داود في سننه عن محمد بن إسحاق المديني، وجزم به في المشارق.
وكان ذلك في رُجوعِه - صلى الله عليه وسلم - مِن مَكَّةَ إلى المَدينةِ، وكانَ يَبيتُ بها، وقَد نَزَل بها -[- وصلَّى فيها. وكان ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَفعَلُ مِثلَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كلَّما سافَرَ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، تَأسِّيًا به وحُبًّا لفِعلِه - صلى الله عليه وسلم -، وقد رَوَى البُخاريُّ عدَّةَ أحاديثَ في الصَّحيحِ؛ عن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- تُوضِّحُ تَحرِّيَه كُلَّ المواضعِ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الطَّريقِ، فيُصلِّي فيها.

نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - في بطحاء ذي الحُليفة

وقد اخْتُلف في نُزُوله - صلى الله عليه وسلم - ببطحاء ذي الحُليفة، على أقوال:
  • أحدها: أنّ ذلك جَرَى اتفاقاً لا عن قَصد، فهو كبقية منازل الحَجّ، وهو ظاهر ما حكاه ابن عبدالبر عن محمد بن الحسن، أنه قال: إنّما هو مثل المنازل التي نَزَلَ بها رسُولُ الله -[- من منازل طريق مكة. وكان ابنُ عمر يتتبّع آثاره تلك، فينزل بها، فكذلك قيل مثل ذلك بالمُعرّس.
  • ثانيها: أنّه قَصَد النُّزُول به، لكن لا لمعنى فيه، وحكى القاضي عياض عن بعضهم: أنّه - صلى الله عليه وسلم - إنّما نَزَلَ به في رجُوعه حتّى يُصبح؛ لئلا يَفْجأ الناسُ أهاليهم ليلاً، كما نهى عنه صَريحاً في الأحاديث المشهورة.
  • ثالثها: أنّه نَزَلَ به قصداً لمعنى فيه، وهو التّبرّك به، ويَدلّ له أنّه - صلى الله عليه وسلم - أتى به، فقيلَ له: إنّك بَبطحاء مُباركة، وهو في الصحيحين.

صلاته - صلى الله عليه وسلم - في المعرس

       ويدلّ له أيضًا: صلاته - صلى الله عليه وسلم - به، وما فهم من لفظ الحديث مِنْ مُواظبته على النُّزُول به، لكنّه ليسَ منْ مناسك الحج، بل هو سُنّةٌ مُسْتقلة، وبهذا قال الجُمهور، قال مالك في الموطأ: لا ينبغي لأحدٍ أنْ يُجاوز المُعرّس إذا قفلَ حتّى يُصلّي فيه، وأنّه مَنْ مَرّ به في غير وقتِ صلاةٍ؛ فليُقمْ حتّى تحلّ الصّلاة ثمّ يُصلّي ما بَدَا له، لأنّه بلغني أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَرّسَ به، وأنّ عبدالله بن عمر أناخ به. قال ابن عبدالبر: واستحبّه الشافعي ولم يأمر به. وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي: ليس نزوله-  صلى الله عليه وسلم - بالمعرّس؛ كسائر منازل طريق مكة، لأنّه كان يُصلّي الفريضة حيثُ أمْكنه، والمُعرّس إنّما كان يصلي فيه نافلة.
  • رابعها: أنّه مِنْ مناسك الحج. وهذا شيء اقتضاه فعل ابن عمر -رضي الله عنهما-، فزاد على غيره من أهل العلم في استحبابه زيادة؛ لم يقولوا بها، فيُعدّ حينئذ مذهباً له.
 

فوائد الحديث

  • أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي بذي الحُلَيْفةِ، ففيه استحباب الصلاة في الموضع المذكور، وتقدّم قول مالك: لا ينبغي لأحدٍ مجاوزته حتى يصلي فيه، واستحباب الشافعي له، وقول أبي حنيفة: إنْ أحَبّ أنْ يُعرّس به حتّى يُصلّي، فعل، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع: زيادة المبيت بها إلى الصباح، إنْ كان المعنى ألا يطرق أهله ليلاً، فاقتضى ذلك الاستمرار إلى الصباح، لئلا يقع في هذا المحذور، ولو مرّ به في وقتِ كراهة الصّلاة؛ فإنه يستمر استحباب الصلاة فيه، لأنّها صلاة ذاتُ سبب.
  • وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ -رَضيَ اللهُ عنهم- على اتّباع سُنَّةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واقتِفاؤُهم أثَرَه في أفْعالِه.
  • وأن عَبْدِاللهِ بنُ عمَرَ -رضي الله عنهما- كان شَديدَ التَّحرِّي لفِعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليَقتدِيَ به في حَضَرِه وسَفَرِه، وفي كلِّ أحْوالِه، وقوله في رواية مُوسى بن عقبة: إذا صَدَر عن الحَجّ أو العُمرة التقييد بذلك، وقيل بعدم التقييد، واسْتحباب الصّلاة بها والمبيت؛ لكلّ مارٍّ بها، وإنْ لمْ يكنْ صَادرًا من حَجٍّ ولا عُمرة، قال زين الدين العراقي: وعَدم التقييد هو الصّواب، وبه جزم النووي في «شرح مسلم» في تبويبه، ويدلّ له ما صحّ مِنْ شَرف البُقعة، وأنّها مُباركة، وأمّا التقييد في تلك الرواية، فإنما هو لفعل ابن عمر، ولمْ يكنْ ابن عمر يَمرّ عليها إلا في حجٍّ أو عُمرة، ولمْ يَبق بعد الفتح غزوٌ مِنْ تلك الجهة؛ لأنّها صارت كلّها دار سلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك