رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 14 يوليو، 2015 0 تعليق

ثلاث مسائل فقهية في العيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد: فهذه ثلاث مسائل فقهية في حكم صلاة العيدين، واجتماع العيد والجمعة، وترك الجمعة والظهر إذا وافقهما العيد، وما ورد في هذه المسائل من أحاديث وآثار، وذكر اختلاف علماء السلف في هذه المسائل جميعا، ثم بيان ما ترجح لدى أئمة التحقيق من علماء القرون المتأخرة، لتيسير العمل بهذه الأحكام خروجا من دائرة الخلاف، وليكون العامل بهذه الأحكام على دراية بمستندها الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع.

- أولا: حكم صلاة العيد:

فقد اتفق أهل العلم على مشروعية صلاة العيدين  اختلف الأئمة قديماً في حكم صلاة العيدين، هل هي واجبة على الأعيان؟ أم على الكفاية؟ أم أنها سنة مؤكدة؟

- القول الأول: أنّ صلاة العيدين واجبة على الأعيان، وهو مذهب القاسم وأبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الإنصاف (2/420)، واستدلوا على ذلك بأدلة:

1- الحديث الأول: عن أبي عمير عن أنس بن مالك عن عمومة له من الأنصار -رضي الله عنهم- قالوا: «غُم علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركبٌ من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله [ أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمر الناس أنْ يفطروا من يومهم، وأنْ يخرجوا لعيدهم من الغد».

وفي لفظ أبي داود: «أنّ رَكباً جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أنْ يُفطروا فإذا أصبحوا أنْ يغدوا إلى مصلاهم».

رواه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان، وصححه ابن المنذر وابن السكن والخطابي وابن حزم وابن حجر في بلوغ المرام.

وقال الحافظ في التلخيص: وعلّق الشافعي القول به على صحة الحديث.

وفيه دليل: على وجوب صلاة العيد وأنها تُقضى، وعلى جواز صلاة العيد من الغد. وبه قال الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وهو قول للشافعي.

وروى الخطابي عن الشافعي: أنهم إنْ علموا بالعيد قبل الزوال صلوا، وإلا لم يصلوا يومهم ولا من الغد؛ لأنه عمل في وقتٍ فلا يعمل في غيره، قال: وكذا قال مالك وأبو ثور.

قال الخطابي: سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب. اهـ

2- الحديث الثاني: عن أم عطية الأنصاري -رضي الله عنهما- قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة».

وفي لفظ: «ويشهدن الخير ودعوة المسلمين». قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جِلباب؟ قال: لتلبسها أختُها من جلبابها». رواه الجماعة.

ولمسلم وأبي داود: «والحيض يكنَّ خلف الناس، يكبرن مع الناس».

وللبخاري قالت أم عطية: «كنا نؤمر أن نخرج الحيض، فيكبرن بتكبيرهم».

قالوا: ولو لم تكن صلاة العيدين واجبة، لما أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج، وأكّد على إخراج العواتق وذوات الخدور، بل والحيض أيضا، وحتى المرأة لا تجد جلباباً، تلبسها أختها من جلبابها، لتشهد الصلاة.

3- الحديث الثالث: عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بناته ونسائه أنْ يخرجن في العيدين» رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة والطبراني والبيهقي. قال الأرناؤوط في تخريج المسند: صحيح لغيره. اهـ

4- الحديث الرابع: عن عمرة بنت رواحة الأنصارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «وَجَبَ الخروج على كل امرأةٍ ذات نطاق زاد أبو يعلى: في العيدين». رواه احمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير.

قال الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة (ص 344) في تعليقه على قول سيد سابق: وهي سنةٌ مؤكدة، واظب النبي صلى الله عليه وسلم  عليها، وأمر الرجال والنساء أنْ يَخرجوا لها.

     قال الألباني: فالأمر المذكور يدل على الوجوب، فإذا وجب الخروج وجبت الصلاة من باب أولى، كما لا يخفى، فالحق وجوبها لا سنتها فحسب، ومن الأدلة على ذلك: أنها مُسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد، وما ليس بواجبٍ لا يسقط واجبا، كما قال صديق خان في الروضة الندية. اهـ

     وقال الشيخ الشوكاني: والظاهر ما قاله الأولون: أنها فرض عين؛ لأنه قد انضم إلى تلك الأدلة ملازمته صلى الله عليه وسلم لصلاة العيد على جهة الاستمرار، وعدم إخلاله بها، مع الأمر بالخروج إليها، بل ثبت كما تقدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخروج للعواتق والحيض وذوات الخدور، وبالغ في ذلك حتى أمر مَن لها جلباب، أنْ تلبس مَن لا جلبابَ لها، ولم يأمر بذلك في الجمعة ولا في غيرها من الفرائض، بل ثبت الأمر بصلاة العيد في القرآن، كما صرح بذلك أئمة التفسير في تفسير قول الله تعالى: {فصل لربك وانحر} (الكوثر:2). فقالوا: المراد صلاة العيد ونحر الأضحية. من مقويات القول بأن إسقاطها لصلاة الجمعة كما تقدم، والنوافل لا تسقط الفرائض في الغالب. هذه أدلة القائلين بوجوب صلاة العيدين.

- القول الثاني: أنها فرض كفاية، وبه قال أبو سعيد الاصطخاري من الشافعية، وحكاه المهدي في البحر عن الكرخي، وظاهر مذهب أحمد بن حنبل وأبي طالب، وأحد قولي الشافعي.

وحجتهم في ذلك أن المسلمين أُمروا بها في الجملة، وأنها شعار لهم، وهي كالغسل والدفن للميت، وبالقياس على صلاة الجنازة ونحوها، وأنها لم يشرع لها أذان. انظر المغني (3/253-255).

- القول الثالث: أنها سُنة مؤكدة، وهو مذهب مالك والشافعي.

واحتجوا بحديث الأعرابي: هل عليّ غيرهن؟ قال صلى الله عليه وسلم : «لا، إلا أن تطوع» متفق عليه.

ولا حُجة فيه، لأن الأعراب لا تلزمهم الجمعة لعدم الاستيطان، فالعيد أولى.

ثم هو من العام المخصوص؛ لأنها صلاة عارضة كصلاة الجنازة.

- ثانياً: ما جاء في اجتماع العيد والجمعة:

ورد في هذه المسألة أحاديث وآثار عدة:

1. الحديث الأول: عن إياس بن أبي رملة قال: شهدتُ معاوية بن أبي سفيان وهو يَسأل زيد بن أرقم رضي اللّه عنه: هل شهدت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  عيدين اجتمعا؟ قال: نعم، صلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم العيد أول النهار، ثم رخّص في الجمعة، فقال: «مَنْ شاء أن يصلي فليصلّ» وفي رواية: «مَنْ شاء أنْ يُجمع فليُجمع».

والحديث أخرجه أحمد وأبو داود و النسائي وابن ماجة وابن أبي شيبة في المصنف وابن خزيمة والطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في السنن والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وله شاهد:

2- الحديث الثاني: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد اجتمعَ في يومكم هذا عيدان، فمنْ شاءَ أجزأه من الجمعة، وإنا مُجمّعون». رواه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، ورواه البغوي في شرح السنة.

3- الحديث الثالث: عن أبي عبيد سعد بن عبيد قال: «شهدتُ العيد مع عثمان بن عفان، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب، وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحبّ من أهل العالية أْنْ ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومنْ أحبَّ أنْ يرجع، فقد أذنتُ له».

رواه مالك في العيدين (1/179) وأبو داود في الصلاة (210) وابن ماجة، وأصله في البخاري (1990) ومسلم في الصوم (138).

3- الحديث الرابع: عن عطاء بن أبي رواح قال: «صلى بنا الزبير في يوم جمعة أول النهار – يعني صلاة العيد – ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدنا، وكان ابن عباس بالطائف. فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السُنة». رواه أبو داود والنسائي من طرق وبألفاظ متقاربة، وقال الحافظ: رجاله رجال الصحيح.

     قال الشيخ الأمير الصنعاني في سبل السلام (2 / 112): والحديث – يعني حديث زيد بن أرقم – دليل على أن صلاة الجمعة بعد صلاة العيد تصير رخصة، يجوز فعلها وتركها، وهو خاصٌ بمن صلى العيد دون من لم يصلها، وإلى هذا ذهب الهادي وجماعة، إلا في حق الإمام وثلاثة معهم.

ومنع من ذلك الشافعي وجماعة، وأنها لا تصير رخصة؛ لأن دليل وجوبها عام لجميع الأيام، وما ذكر من الأحاديث والآثار لا يقوى على تخصيصها؛ لما في أساندها من مقال! ولا يخفى ضعف هذا!

- وقال الشوكاني في نيل الأوطار (2/273): ويدل على عدم الوجوب: أن الترخيص عام لكل أحد، ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذْ ذاك، وقول ابن عباس «أصاب السُنة» رجاله رجال الصحيح. وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة.

- المسألة الثالثة: إسقاط صلاة الظهر عند اجتماع الجمعة والعيد:

هل من صلى العيد وسقطت الجمعة، هل يصلي الظهر؟ فقيل بسقوط الظهر عمن صلى العيد.

قال عطاء: «لم يزد عليهما حتى صلى العصر» ظاهره أنه لم يصل الظهر.

     قال الشوكاني: وفيه أنّ الجمعة إذا سقطت بوجهٍ من الوجوه المسوغة، لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر، وإليه ذهب عطاء، حكى ذلك عنه في البحر والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل، وأنت خبير بأن الذي افترضه الله -تعالى- على عباده في يوم الجمعة، هو صلاة الجمعة، فإيجاب صلاة الظهر على من تركها أي الجمعة لعذر أو لغير عذر، محتاج إلى دليل، ولا دليل يصلح للتمسك على ذلك فيما أعلم. اهـ

فظاهر حديث ابن الزبير على أنه رخص لهم في الجمعة، ولم يأمرهم بصلاة الظهر؛ لأن الجمعة أصل والظهر بدل، فإذا سقط وجوب الأصل مع إمكان أدائه سقط البدل.

     وقال الشيخ الصنعاني في سبل السلام (2/113): قلت: لا يخفى أنَّ عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنصٍ قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله، فالجزم غير صحيح، لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله، بل في قول عطاء أنهم «صلوا وحدانا» أي: الظهر، ما يُشعر بأنه لا قائل بسقوطه؛ إذ لا حاجة أنْ يذكر عطاء أنهم صلوا النافلة وحدانا فلا يبقى إلا أنهم صلوا الظهر وحدانا.

ولا يقال: إنّ مراده صلوا الجمعة وحداناً، فإنها لا تصح إلا في جماعة إجماعا.

ثم القول: بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة، والظهر بدل، قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء، والجمعة متأخر فرضها، ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعا، فهي البدل عنه.

- وللشافعي مذهب آخر ثان في حكم صلاة العيدين؛ حيث ذهب لإسقاط الجمعة في حق أهل العوالي والبوادي خاصة دون غيرهم، وحجته في ذلك حديث عثمان الذي رواه مالك في الموطأ وفيه: أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه - أذن لأهل العالية بالانصراف، وعدم شهود الجمعة إن شاؤوا، فهذا في حقهم دون غيرهم.

والله تعالى أعلم

وصلى الله على محمد وآله وسلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك