رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 أغسطس، 2015 0 تعليق

التأديب (التعزير) في الشريعة المطهرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه،،، وبعد:

فالتعزير من العقوبات المشروعة في الإسلام، متى احتيج له. والعقوبات في الشريعة الإسلامية على ثلاثة أنواع:

1- القصاص: وهو في جرائم القتل، والتعدي على الأطراف والجنايات.

2- الحدود: وهي العقوبات المقدرة شرعا: كحد الزنى، وحد السرقة، ونحوهما.

3- التعزير: وهو التأديب على ذنوب ومعاصي لم تشرع فيها حدود أو عقوبات مقدّرة.

     فإذا ارتكب مسلم مخالفة شرعية لم يَرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها، ورأى الأب أو المدرس، أو القاضي أو إمام المسلمين أنَّ فيها شراً، أو خطرا تستحق العقوبة عليها، فإنَّ له أن يعاقب هذا المتعدي بما يراه مناسباً لجرمه وذنبه، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ(التعزير)، وله أحكام وتفصيلات كثيرة مذكورة في كتب الفقه.

والتعزير لغة: مصدر عزّر يعزر من (العزر) وهو الرد والمنع.

     ويقال أيضا: عزّر فلانٌ أخاه بمعنى: نصره وقواه، لأنه منع عدوّه أن يؤذيه، كما في قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } (الفتح: 9).

ويقال: عزرته بمعنى (وقّرته) وأيضا (أدبته) وهي من أسماء الأضداد.

     وقد سُمِّيت العقوبة تعزيراً لأنَّ من شأنها أنْ تدفع الجاني وتردَّه عن ارتكاب الجرائم، وتمنعه من العودة إلى اقترافها.

     ويعرفه الفقهاء بأنه: عقوبة غير مقدرة تجب حقا لله أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، وهو كالحدود في أنه تأديب استصلاح وزجر.

والتعزير يكون في حقّ لله تعالى، وكذا في حق للعباد.

     المراد بحقّ الله هو ما تعلّق به سبحانه من الواجبات، وترك المحرمات. وجاء في (الموسوعة الفقهية الكويتية) (12/263):

     الأصل: أنه لا يبلغ بالتعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام: 151).

     وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يَحل دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيّبُ الزاني، والنَّفس بالنفس، والتاركُ لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.

وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيراً في جرائم معينة، بشروط مخصوصة، فمن ذلك:

1- قتل الجاسوس المسلم، إذا تجسّس على المسلمين لصالح الأعداء.

     وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل الإمام مالك، وبعض أصحاب أحمد، ومنعه أبو حنيفة، والشافعي، وأبو يعلى من الحنابلة، وتوقف فيه الأمام أحمد.

2- ومنه أيضا: قتل الداعية إلى البدع الشنيعة، والمكفِّرة المارقة، والمخالفة للكتاب والسنة ونهج سلف الأمة، كالجهمية والخوارج والباطنية والملاحدة ونحوهم، وقد ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك، وطائفة من أصحاب أحمد، ومثلها اليوم المذاهب الإلحادية المعاصرة، كالشيوعية والعلمانية والليبرالية والماسونية والإباحية ونحوها.

3- وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم، إذا كان جنسه يوجب القتل.

     وقد أجمع الفقهاء على أنّ ترك الواجب، أو فعل المحرّم، معصية تستلزم التعزير، فإذا ترك الإنسان ما يجب عليه أنْ يفعله، أو ارتكب محرّما فإنه يكون بذلك قد اقترف معصية تستوجب التعزير، إذا لم تكن هنالك عقوبة مقدرة، وإذا كانت المعصية تتعلق بغير المكلّف من الصبيان، فهذا لا ينفي جواز التعزير المناسب حسب السنّ، من أجل الإصلاح والتهذيب، والزجر عن الشر، ولأنّ كفّ الأذى عن الغير حق لله تعالى واجب على عباده.

     كما جاء ذلك في حديث عَمرِو بنِ شُعيبٍ عن أَبيه عن جدِّه قَال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». أَخرجه أَبُو داود وغيره.

وأما ترك الصبيّ للمندوب، أو فعله للمكروه، فيجوز في ذلك التعزير الخفيف بالعتاب واللوم.

     وإذا ارتكب شخصٌ ما فعلاً منكراً ليس فيه حدّ من الشارع، من غير أنْ يجني بذلك على أحد، يمكن أنْ يعزر بذلك على هذا الفعل، ويكون التعزير هنا حقا لله تعالى، لأن محاربة الشرور والجرائم، وإخلاء البلاد من الشر والفساد، واجبٌ على ولاة أمور المسلمين، وفيه دفعٌ للضرر العام عن الأمة، وتحقيق نفع عام لها.

- أغْرَاض العُقوبات التعزيرية:

     التعزير في الشريعة الإسلامية، لا بدّ أنْ يكون لغرض التأديب والردْع والزجر، والإصلاح والتهذيب، وكفّ الأذى عن الخَلق.

     والزجر معناه: منع الجاني من معاودة ما ارتكبه، أو التمادي فيه، ومنع غيره أيضا من ارتكاب مثل ما ارتكب، لعلمه أنَّ التعزير سيطاله أيضا إنْ هو ارتكب مثله، وبالتالي فإنّ منفعة الزجر مزدوجة للجاني، ولغيره من الناس ممن تسوّل له نفسه بذلك.

- تنبيه: لا يجوز بأيّ حالٍ من الأحوال أنْ يكون التعزير، تشفّيا أو انتقاما؟! أو تفريغا لحقد على الشخص؟! حيث إنَّ الغرض من التعزير، إنما هو الردع والزجر، مع الإصلاح والتهذيب كما ذكرنا.

- أنواع التعازير:

 التعازير أنواع، لكن نقول:

- أولاً: يَحرم التعزير والتأديب الذي قد يُؤدّي إلى إتلاف عضو من أعضاء البدن، أو إلحاق ضرر به، لأنه خلاف مقصود التعزير.

ولأنه في الأصل - أي التعزير - أقل من الحدود المقدَّرة شرعاً.

     ولكن ينبغي أيضا أنْ تكون العقوبة على قَدْر الحاجة، فلا تكون أقلّ مما يفي بها، ولا أكثر مما ينبغي لها، بل تكون بقدر ما يتحقق به الغرض دون زيادةٍ أو نقصان.

- ثانياً: ما دام الهدف من التعزير هو الزجر والمنع، فلا ينبغي التعامل مع مختلف الناس، أو الأبناء، أو التلاميذ، بنفس النوع من التعزير، بل بحسب حال كل منهم.

     فمنهم من ينزجر بالنظرة الحادَّة، ومنهم من تنفعه الكلمة والنصيحة، وآخر بالحرمان مما يُحب، وآخر بتقييد الحرية، وآخر بالضرب أو الطرد، وهكذا.

- التعزير وحده لا يكفي:

     ويمكن أنْ يكون التعزير سبباً للإصلاح والتهذيب، إلا أنّ التهذيب الحقيقيّ ينبغي أنْ يكون بتنمية الوازع الديني بالخوف من الله تعالى، والمراقبة الداخليّة للشرع، والانضباط بالعلم الشرعي بما قال الله سبحانه في كتابه، وما قاله رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وتوجيهاته الكريمة، فيتعلّم الإنسان الحسن والقبيح، والحلال والحرام، ويعلم ما له وما عليه، ليتضح أمامه طريق الشر فيجتنبه، وطريق الخير فيأتيه، ويحذر من رفقاء السوء ومجالسهم ومنتدياتهم.

     إلا أنّه في حال ارتكاب المحظور، ينبغي التأديب لغرض الإصلاح والزجر، وحتى لا يعود إلى مثله، ولا يستمرّ فعله.

- ترك التعزير ضار بالأمة:

     إذا ما انتفى التعزير من الأمة، وأهمل في التربية، فستكون النتيجة جيلاً متجرءا على المعاصي والآثام والجرائم، لا يبالي بحرمات الناس، ولا يمنعه شيءٌ عن أموالهم أو أعراضهم أو دمائهم، وشباباً متميّعا ضائعاً، لا يحرّكه إلا رغبات النفس وشهواتها، ولا يردّه شيء عنها، ولا يكون عنده معنى للقيمِ والأخلاق؟! ولا للمبادىء ولا للواجبات الشرعية؟!

     فينخزم بذلك النظام العام للمجتمع ويضطرب، وتسوده الفوضى، وتبرد العزائم عن معالي الأمور، وتنطفئ الهمم عنها.

      وبالتعزير يتعلّم الناس حدود التصرّفات والحرّيّة الشخصية، ويعرفون مسؤوليتهم عن تصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم، فيجتنبون طريق الشر، ويأتون طريق الخير.

     وبالتعزير نحقق المجتمع المسلم الصالح، الذي يسوده الأمن والأمان، وتحفظ فيه حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وتشيع فيه المحبة والود والاحترام، وترفع عنه أسباب الكراهية والبغضاء، والشحناء والعداوات.

وفق الله ولاة أمورنا للعمل بكتابه الكريم، وسُنة نبينا الأمين.

     اللهم أصْلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك