رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية 29 أكتوبر، 2019 0 تعليق

التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة (5) أهداف التغريب ومظاهره وحكمه


عقد مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية المسابقة البحثية الأولى، وكانت تحت عنوان: (التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة)، وقد فاز بالمركز الأول البحث المقدم من الباحث رامي عيد مكي بحبح من جمهورية مصر العربية، وتعميمًا للنفع تنشر مجلة (الفرقان) هذا البحث على حلقات، واليوم نتكلم عن أهداف التغريب ومظاهره وحكمه.

- تسعى حركة التغريب إلى تحقيق جملة من الأهداف والوصول إلى عدد من الغايات. يجمع هذه الغايات صَبْغُ المجتمعِ بالصِّبغةِ الغربية ومحو الهُوية الإسلامية؛ حتى يصبح المجتمع أنموذجاً من المجتمع الغربي, ويمكن بيان أهداف التغريب باختصار فيما يلي:

أولاً: الهدف الديني

- يتمثل الهدف الديني في العديد من النقاط, منها:

- هدم الإسلام عن طريق إثارة الشبهات وطرح الدعوات الهدامة في طريقه, والتشكيك فيه.

- إقصاء مفهوم الإسلام الحقيقي وإبقاء مفهوم الإسلام بوصفه دينا تَعَبُّديا, وتكوين أجيال جديدة لا ترى إلا هذا الرأي؛ وبذلك يقضى على أهم عناصر القوة في فكر المسلمين.

- إخراج المسلمين من مقومات فكرهم, وذلك بإخراج الإسلام من مقوماته عن طريق تفسيره تفسيراً يقضي على قيمته الأساسية، ويجعله ديناً تعبدياً خالصاً ليس له صلة بالمجتمع.

- حجب القانون الرباني المتمثل في الشريعة الإسلامية, وفرض القانون الوضعي الذي يهدم الأسرة والمجتمع الإسلامي.

- محاولة إسقاط النفوذ الإسلامي وتطويقه حتى لا ينتشر في أماكن أخرى من العالم الغربي.

ثانياً: الهدف التربوي

 حرصت حركة التغريب في المجتمعات العربية والإسلامية من خلال هذا الهدف المهم على اختراق وزارات التربية والتعليم والاستيلاء عليها, لعلمهم بما لها من أهمية في صياغة فِكْرِ الشعوب, ويسعون من خلال هذا الهدف إلى تحقيق أمرين مهمين هما:

- تجريد قطاع التربية والتعليم من محتواه الإسلامي, أو إضعاف هذا المحتوى إذا لم يستطيعوا تجريده من محتواه, أو تشويهه بوصفه حدًّا أدنى.

- تطعيم قطاع التعليم بالرؤى والمناهج الغربية, محاولين قطع صلة المسلمين بتراثهم العربي والإسلامي -لغتهم العربية- بقدر المستطاع؛ وذلك لإنشاء عقلية عامة تحتقر مقومات الحياة الإسلامية والشرقية كلها, وإبعاد العناصر التي تمثل الثقافة الإسلامية عن مراكز التوجيه.

ثالثاً: الهدف الاجتماعي

 يتمثل الهدف الاجتماعي في العديد من النقاط, منها:

- تفكيك المجتمعات المسلمة عن طريق تدمير الأخلاق والقضاء على الأسرة المسلمة التي بمجموعها تتكون المجتمعات؛ لذلك فهم حريصون كل الحرص على توفير السبل جميعها المفضية إلى ذلك.

- إخراج المسلمين من قيمهم وإغراقهم في قيم الغرب لينصهروا فيها؛ وذلك لخلق جو من الالتقاء مع العالم الغربي؛ لتقبله والانضواء تحت لوائه.

- ترسيخ الانشطارية التي تعني الفصل بين القيم العامة والأخلاق من ناحية, وبين السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع من ناحية أخرى.

- إشاعة مفهوم المادية في العلاقات الإنسانية والحياة الاجتماعية التي تصور الإنسان حيواناً تحكمه غريزته.

رابعاً: الهدف الثقافي والفكري

 يعد الهدف الثقافي والفكري من أهم أهداف حركة التغريب الذي يتمثل في العديد من النقاط, منها:

- فرض الثقافة الغربية على العالم الإسلامي مع العمل على تطويق الثقافة الإسلامية.

- عزل الأمة الإسلامية عن ذاكرتها التراثية, وتشويش رؤية المسلمين المعاصرين لتراثهم, وإشباعهم بالثقافة الغربية والفكر الغربي بقيمه ومبادئه وفلسفته ومناهجه, ويكون ذلك بتفريغ العقل والقلب الإسلامي من القيم الأساسية المستمدة من التوحيد والأخلاق والإيمان بالله, ودفع هذه القلوب أمام عاصفة الثقافة والفكر الغربي.

- احتواء الشخصية الإسلامية الفكرية, ومحو مقوماتها الذاتية وتدمير فكرها, وتسميم ينابيع الثقافة فيها.

- إنشاء أجيال إسلامية لا صلة لها بالماضي، وتحويل العقلية الإسلامية والنفس الإسلامية ناحية القيم الفكرية الغربية والأخلاق والعادات والأساليب المختلفة ذات الطابع الغربي, وتغليبها على الطابع الإسلامي.

خامسا: الهدف السياسي

     يستهدف التغريب تشجيع إيجاد فكر إسلامي يُسوِّغ الأنماط الغربية, ويمحو الطابع المميز للشخصية الإسلامية بغية إيجاد علائق مستقرة بين الغرب وبين العالم الإسلامي خدمة لمصالحه, أي تطويق العالم الإسلامي وتطويعه؛ ليكون أداة لينة بأيدي الغرب، وذلك عن طريق ترسيخ ثقافة التبعية للغرب, بما يوفر إمكانات سياسية واقتصادية لهم دون أي خسائر تذكر، ويُعَدُّ القضاء على وحدة الأمة الإسلامية بما يحول دون عودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى, وتعميق مفهوم الإقليميات والقوميات من أهم أهداف التغريب السياسية.

مما سبق يتبين أن الهدف الرئيس للتغريب هو تأخير يقظة المسلمين وإجهاضها أو تذويبها، أو تحويلها عن وجهتها بهذه المحاولات الماكرة التي تتوالى بعقد المؤتمرات من أجل الوقوف في وجه التيار الأصيل.

مظاهر التغريب في المجتمعات المسلمة

 إن الغزو الفكري الذي أصاب المسلمين في دينهم جعلهم يقلدون الغرب النصراني في عاداته وثقافته وفكره ونُظُمِه وقوانينه؛ ولقد تعددت مظاهر هذا التغريب على الفرد والأسرة والمجتمع بصورة كبيرة لا يمكن حصر جوانبها, ولكننا سنتطرق لجزء منها فيما يلي:

أولاً: مظاهر التغريب على الأفراد

تعددت مظاهر التغريب التي يمكن ملاحظتها على الأفراد و منها:

- اتباع الغرب في اللباس؛ مما أدى إلى غياب الزي الوطني عن كثير من البلاد الإسلامية, كمصر التي وصل تغريب اللباس فيها إلى القضاء تماماً على زيها الوطني الذي لم يعد له وجود، ومن مظاهر التغريب في لباس الشباب: لبس الملابس المكتوب عليها عبارات كفرية أو إلحادية أو شركية, والملابس الملصق عليها صور النساء, وارتداء البنطلونات الممزقة والمرقعة والضيقة التي تكشف العورة, والبنطلونات الساقطة التي تشبه المخنثين في الغرب.

- تقليد الغرب في قصات الشعر والتسريحات المختلفة, ولبس الشباب للسلاسل والأساور والإكسسوارات باليد والرقبة.

- استخدام اسلوب التحية الغربية كقول صباح الخير ومساء الخير, وفي الهاتف (آلو) و (هلا) بديلاً عن تحية الإسلام (السلام عليكم).

- تناول الطعام على الطريقة الغربية التي تنافي في بعضها التعاليم الإسلامية كالأكل والشرب بالشمال.

ثانياً: مظاهر التغريب على الأسر

تعددت مظاهر التغريب التي يمكن ملاحظتها على الأسر و منها:

- تسمية الأولاد بأسماء غربية, وهذا يدل على مدى التأثر بالثقافة الغربية الوافدة, والإعجاب بما عند الغرب وتقليدهم والتشبه بهم حتى في أسمائهم, مثل أسماء: (سيدرا, ديانا, لارا, ميرا,...) إلى غير ذلك من الأسماء التي تدل على فقدان الهُوِيَّة العربية والإسلامية.

- غياب الغيرة؛ حيث أصبحت بعض الأسر التي أثر التغريب فيها تأثيراً كبيراً ما هي إلا مسخ للغرب.

- إقامة الأفراح على الطريقة الغربية ذات الاختلاط الشديد والموسيقى الصاخبة والرقص والنساء بملابس فاضحة, هذا فضلاً عن الإسراف الشديد والتكاليف الباهظة التي قد تتجاوز مئات الآلاف.

ثالثاً: مظاهر التغريب على المجتمعات

تعددت مظاهر التغريب التي يمكن ملاحظتها على المجتمعات الإسلامية و منها:

- من أكبر مظاهر التغريب تراجع صدارة الإسلام على نحو لا يترك مجالاً للشك على الصعيد العام والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني والثقافي, لاسيما بعد الاستعمار الغربي, فلا تجد أحداً يتناول شأناً من الشؤون السابقة طبقاً للأسس الإسلامية, وإنما على أسس غربية.

- إحلال القوميات محل الدين؛ فبعد أن كان المسلمون يستمدون وجودهم وتشريعهم على أساس الإسلام حلت القوميات محل الدين, ووضعت قوانين ودساتير على أساس من المصلحة القومية والسياسية الضيقة دون ارتباط بشرع الله, حتى أصبحت كلمة قومية تعني اللادينية, تلك القومية التي جعلت المسلم يفكر في وطنه قبل عقيدته, وفي جنسه قبل دينه.

 - القعود عن الجهاد في سبيل الله؛ حيث إن التغريب أوصل الكثير من المسلمين إلى أن يصوروا الجهاد في الإسلام بغير حقيقته؛ فقالوا: إن الإسلام لا يرفع لواء الجهاد إلا عندما يُعتدى عليه, واستشهدوا على ذلك ببعض الآيات الأولى التي نزلت في شأن الجهاد دون أن يجمعوا بين الآيات التي جعلت من الجهاد في الإسلام منهجاً أساسياً لحماية العقيدة ونشر كلمة الحق على ربوع الدنيا.

- السفور والتبرج في ملابس النساء؛ حيث انتشرت الملابس الضيقة والعارية المصاحبة للألوان الصاخبة, مع كشف الفتيات لشعورهن واستعمال المكياج والعطور؛ ولقد مرت عملية التغريب في لباس النساء وفق سلم تدريجي وخطة تصاعدية خفية، أدت خلال خمسين سنة إلى الوضع الذي نحن فيه؛ فاللباس النسائي الغربي بدأ يُروَّج له على الصعيد الشعبي في الأربعينيات من القرن الماضي في بيروت, وبعد فترة من ترويجه بدأت النساء المتزوجات في ارتدائه, أما الفتيات فلا يسمح لهن العرف الاجتماعي بعد بارتدائه, وفي الستينيات بدأ ارتداء الملابس الغربية يشمل الجميع من متزوجات وغير متزوجات, وبَقِيَت الجدات فقط في زيهن القديم, وعمَّ ذلك أكثر المجتمعات الإسلامية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك