
خمسون عاماً في الدعوة إلى الله تعالى – مال الله: تجديـد وسائل الدعـوة يضمـن استمرارية تأثيرها وفاعليتها
- التقيت الشيخ عبدالله السبت رحمه الله في بداية التزامي وكان للشيخ نشاط مميز في الدعوة فلازمته أغلب وقتي وهذا كان له أثر كبير على شخصيتي ومنهجي
- تعودنا زيارة الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله مرتين في العام حيث كنت أذهب أنا ومجموعة من الشباب إليهما والشيخ ابن باز كان يستقبلنا في بيته ولو جلسنا نعدد مآثره العلمية والتربوية لعجز اللسان
- الشيخ أبو معاوية عبدالله السبت كان له تأثير كبير على أغلب الشباب في بدايات الدعوة فقد كان رجلاَ دعويا وعلميا وتربويا وقد استفدت منه استفادة كبيرة
- إعداد الصف الثاني له أهمية كبيرة في إنجاح العمل الدعوي وهذا أفضل استثمار في تطوير قيادات دعوية متميزة نحن في أمسّ الحاجة إليها
- أسرتي لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في الدعوة.. لا أقول في البدايات بل إلى الآن فالوالد رحمه الله كان له أثر كبير في ارتباطي بالدعوة ونشأتي فيها
- منطقة الخالدية كانت من أوائل المناطق الدعوية في الكويت وكان بها عدد من الشباب المتميزين والحريصين على نشر الدعوة ومنهج أهل السنة والجماعة
- الشيخ ابن باز رحمه الله كان باذلاً نفسه وحياته للناس وما في يده ليس له.. وأهم ما استفدناه من تلك الزيارات أن القراءة عن المشايخ تختلف تمامًا عن تعايشك المباشر معهم
- علينا أن نحسن الظن بالله تعالى وأن نتعامل مع الله تعالى وأحكامه على سبيل اليقين وليس على سبيل التجربة فالله عزوجل ليس محلا للتجربة
- الشيخ الألباني رحمه الله كان واسع الصدر لهذا بارك الله في الحوارات التي كان يتعرض لها مع المخالفين وكان دائمًا يؤثر فيهم ويقنعهم برأيه في المسائل التي يخالفونه فيها
- من المشكلات والفتن التي تواجهها الدعوة وقوع التنافر بين شباب الدعوة أصحاب المنهج الواحد وهذه إشكالية كبيرة يجب مواجهتها بقوة
- مجلة الفرقان لها تاريخ طويل في خدمة الدعوة الإسلامية داخل الكويت وخارجها وتؤصل لدعوة الكتاب والسُنَّة على منهج سلف الأمة أسأل الله أن يبارك في جهود القائمين عليها وأن ينفع بها
- على الشباب أن يأخذوا المنهج بقوة ويقين واثقين في صحته فهو منهج معصوم لأنه منهج النبي صلى لله عليه وسلم ومنهج الصحابة رضوان الله عليهم
- الهدف الأساس الذي اجتمعنا عليه في بداية الدعوة هو طلب العلم وكان هناك حرص شديد من الشباب على ذلك
أكثر من خمسين عامًا قضاها في الدعوة إلى الله، بذل خلالها جهده ووقته وماله؛ فالشيخ عرف بجهده ونشاطه، واهتمامه بالشباب، وخلال تلك المسيرة ارتبط الشيخ بكبار العلماء في الكويت وخارجها، أمثال الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- وسماحة الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ الألباني، -رحمهم الله- وغيرهم الكثير، مما كان له عظيم الأثر على شخصيته ومنهجه، إنه الشيخ: عيسى مال الله فرج -حفظه الله-، ضيف الفرقان في هذا اللقاء الذي نسعى من خلاله للتعرف أكثر على جوانب من شخصيته وحياته في تلك المسيرة المباركة.
- بداية نرجو تسليط الضوء على طبيعة عملك في جمعية إحياء التراث الإسلامي؟
- الحمد لله رب العالمين فأنا أرتبط بجمعية إحياء التراث منذ نشأتها، وفي الفترة الأخيرة بعد تقدمي في العمر فإن أغلب ما أقوم به القراءة والتعليم، وكذلك أقوم بالرد على أسئلة المتبرعين أو غيرهم، وإذا وجدت إشكاليات فأساعد في الإجابة عليها، وأساعدهم في أي شيء يرغبون فيه، وهذا تقريبًا أبرز ما أقوم به في الأمور الإدارية، وبفضل الله -سبحانه وتعالى- الصف الثاني أخذوا فرصتهم، وهذا الأمر (إعداد الصف الثاني) له أهمية كبيرة في نجاح العمل في الجمعية، وهذا أفضل استثمار في تطوير القيادات المستقبلية التي نحن في أمس الحاجة إليها.
الشيخ عيسى مال الله مع بعض الأخوة من لبنان وفلسطين
الشيخ عيسى مال الله دائماً حاضراً مع الشباب يحفزهم ويشجعهم
- هل يمكن أن تعطينا فكرة عن أسرتكم الكريمة ودورها في مسيرتك الدعوية؟
- أسرتي لها الفضل بعد الله -سبحانه وتعالى- في الدعوة، لا أقول في البدايات، بل حتى الآن، فالوالد -رحمه الله- كان له أثر كبير في ارتباطي بالدعوة السلفية ونشأتي فيها، بل أول هدية تلقيتها منه كانت كتاب: (مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري)، وكذلك كانت له توجيهات لي في بداية الدعوة، ومن ذلك على سبيل المثال: أنَّ بعض أئمة المساجد كان عندهم بعض الإشكاليات، فكان يقول: لا تتدخل فيها، ولا تكن كالشباب المندفعين، فإذا تكلم الإمام بحديث ضعيف أو رأيتهم يتكلمون عن الأشاعرة أو الصوفية فلا تتدخل وتريث، وكذلك لما كان -رحمه الله- في الخارجية شرفت بالاتحاد الإسلامي للطلبة، وكانت ديوانياتهم عندنا في البيت، واستوعبت كثيرًا من الدعاة، وحتى عندما تحركوا في الدعوة فالوالد لم يكن يمنعني من مرافقتهم، كما أن الوالد -رحمه الله- كانت أول حجة لي هو من أهداها لي وكانت بالباصات، وكنت بمفردي بحملة النمش تقريبا عام 1974 وكان لابد أن نمر على المدينة ومكثنا فيها ثمانية أيام، وكان وقتها عمري حوالي تسعة عشر عامًا.

- بالنسبة لأخيك عنبر كان كاتبًا ومثقفًا، فهل أثر ذلك عليك في جانب الثقافة والقراءة؟
- لا شك أن ذلك أثر عليّ في الجانب الثقافي، في قضية الاعتدال وعدم الإفراط والتفريط، واستيعاب الناس، ومن شدة حبي له ما زلت أتواصل مع أصدقائه ومع أهله وأحفاده، وما يمر أسبوع إلا ويكون بيني وبينهم اتصالات.
- نرجو تسليط الضوء على بداياتكم في الالتزام والارتباط بالدعوة؟
- بفضل الله أنا التزمت تقريبا سنة 1972 في أواخر المرحلة الثانوية، وكنت أسكن وقتها في منطقة الخالدية، وهذه المنطقة من أوائل المناطق الدعوية في الكويت، وكان بها عدد من الشباب المتميزين والحريصين، أذكر منهم أخانا عادل البرجس -جزاه الله خيرًا-، فكنا نحضر الدروس معًا، وفي هذه الفترة التقيت الشيخ أبا معاوية عبدالله السبت -رحمه الله-، وكان له نشاط مميز في الدعوة وإعطاء الدروس، وكنت في هذه الفترة متفرغاً؛ حيث كنت قد دخلت الكلية العسكرية الدورة السادسة عام 1972 - 1973، وكنت وقتها أريد الالتحاق بسلاح الطيران، ولكن لم أكن لائقًا طبيا لذلك، فخرجت من الكلية بعد ثمانية أشهر، وكنت متفرغاً في هذه الفترة؛ فقلت للشيخ أبي معاوية: أنا الآن ليس لدي عمل فاعتبرني تحت أمرك بسيارتي، فكنت أذهب مع الشيخ إلى مكتبة الدار السلفية، وكانت فرصة لي للقاء العديد من المشايخ الذين كانوا يزورون الشيخ، فأغلب وقتي كنت أقضيه مع الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله-، وهذا كان له أثر كبير على فهمي وارتباطي بالدعوة.
- ماذا عن دور الأهل في هذه الفترة ومدى تقبلهم الالتزام بالعمل الدعوي؟
- كما ذكرت لك سابقًا، بفضل الله أنا نشأت في بيئة دينية، والوالد -رحمه الله- شجعني وأعطاني المجال لأن أفتح ديواننا الخاص لإقامة دروس العلم واستضافة المشايخ، واستمر الأمر فترة في منطقة الخالدية إلى سنة 1982 تقريبا، ثم انطلقت إلى بعض المناطق الأخرى في حولّي والنقرة والسالمية والفروانية وخيطان، وكانت هذه المناطق بها عدد كبير من المقيمين من الشباب الفلسطينيين والمصريين، فركزنا نشاطنا معهم خلال تلك الفترة، واستمر هذا النشاط إلى فترة الغزو؛ حيث انتقلنا إلى منطقة القرين فأصبح تركيز نشاط الدعوة في تلك المنطقة، لكن لم أترك العمل في تلك المناطق: حولي والسالمية والفروانية وخيطان، وظللت في القرين إلى الوقت الحالي.

جانب من حوار رئيس التحرير مع الشيخ عيسى مال الله
- مَن مِن المشايخ كان له تأثير عليك في بداية الدعوة في فترة السبعينيات؟
- حقيقةً الشيخ أبو معاوية عبدالله السبت -رحمه الله- كان له تأثير كبير على أغلب الشباب في بدايات الدعوة؛ فالشيخ - رحمه الله - كان رجلا دعويا وعلميا وتربويا، وقد استفدت منه استفادة كبيرة من ملازمتي له كما أشرت سابقًا، سواء في الجانب الشرعي أم الدعوي، أم في الجانب السلوكي وكيفية التعامل مع الناس، وهذا بفضل الله -سبحانه وتعالى-.

الشيخ عيسى مال الله بالقاهرة عام 1969 مع بعض الزملاء
- من خلال علاقتك بالشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- ما أكثر الأشياء التي كانت تضايقه؟
- كان من أكثر ما يضايق الشيخ -رحمه الله- عدم فهم بعض الناس للدعوة فهما صحيحا، ولا سيما قضية الجماعات الإسلامية، وكان الشيخ -رحمه الله- يحسن الردود وعنده حجة قوية في مثل هذه الأمور.
- مالذي كان يميز الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله-؟
- الشيخ -رحمه الله- كان يتعامل بعفوية وليس عنده تكلف، وكان كريمًا بما في يده، وهذا ما أعجبني في شخصيته، وعندما تدخل مكتبته الخاصة تجد فيها كل شيء من الكتب المتنوعة والكثيرة في مجالات عدة ثقافية وسياسية واجتماعية وغيرها من فنون الثقافة والأدب.

- هل هناك مشايخ آخرون استفدت منهم في بداياتك الدعوية؟
- بفضل الله في هذه الفترة كان هناك العديد من المشايخ المؤثرين في الدعوة، ومنهم الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق -رحمه الله-، وقد استفدت منه استفادة كبيرة سواء فى التفسير أم في العقائد، وما يتعلق بالرد على قضايا الصوفية، وكذلك الشيخ: د. عمر الأشقر- رحمه الله- فقد كنت أحضر له دروسه وخطب الجمعة، ومما وجدته فيه أنه كان رجلا مستقيما جدا، وليس عنده مجاملات، وعنده علم تأصيلى، وكذلك الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد -رحمه الله- وكان لديه تواضع جمّ، ومن تواضعه أنهم أعطوه مسجدا في العمرية، وصار هو إمام المسجد ومؤذنه وحارسه، وقد استفدنا منه استفادة كبيرة، حتى لما ذهب إلى منطقة الوفرة التي تبعد قرابة الـ 100كم عن الكويت جنوبًا، كان ذلك فتحًا للدعوة ولا سيما في المنطقة العاشرة (الأحمدي، والفحاحيل، والصباحية، والرقة)، فقد ارتبط به الشباب هناك، وحضروا له الدروس وتعلموا منه، كما استفدت من الشيخ د. محمد الأشقر- رحمه الله- وحضرت له دروسا واستفدت منه في قضايا علمية ودعوية، وكذلك الشيخ عبدالملك الشافعي - رحمه الله- كان في منطقة الخالدية، وكان في مسجد صلاح الدين ثم مسجد التركيت، وكان صاحب حياء وهادئا وباذلا نفسه لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم التجويد.
- وماذا عن المشايخ خارج الكويت؟
- خارج الكويت، طبعا مشايخ المملكة العربية السعودية على رأسهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، وكنا قد تعودنا على زيارة المشايخ مرتين في العام من خلال رحلة العمرة حيث كنت أذهب أنا ومجموعة من الشباب، والشيخ ابن باز -رحمه الله- كان يستقبلنا في بيته، ولو جلسنا نعدّد مآثر الشيخ العلمية والتربوية فإن اللسان يعجز عن ذلك، وأذكر في إحدى المرات التي ذهبنا فيها لزيارة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وكنا قد ذهبنا بالحافلة وكان معنا حوالي 25 شاباً وكنا في رمضان، ثم صلينا صلاة العيد بالحرم ثم ذهبنا للشيخ -رحمه الله- بمنطقة الطائف، وكان لديه ديوانية كبيرة يستقبل فيها الشخصيات المهمة يسلمون عليه ويهنئونه بالعيد، فلما ذهبنا عنده جلست بجانبه، ثم استأذنت الشيخ في الانصراف فقال لي: بل ابقَ وتناول الغداء معنا، فاقتربت منه وقلت: يا شيخ نحن 25 شخصاً! فقال: ولو ولو.. غداؤكم عندنا، فأخبرت الشباب وكان منهم المريض والمتعب من السفر فجلسنا واسترحنا، وكانت أعمار الشباب ما بين الثانوية وأصغر، ثم لما وضعوا الغداء جلس وأكل معنا -رحمه الله-.

- هل تذكر لنا موقفاً مؤثراً مع الشيخ -رحمه الله-؟
- الشيخ ابن باز -رحمه الله- كان باذلاً نفسه وحياته للناس، وما في يده ليس له، وأهم ما استفدناه من تلك الزيارات أن القراءة عن المشايخ تختلف تمامًا عن اللقاء المباشر معهم! عندما تتعايش معهم ترى من حسن أخلاقهم وسمتهم ما لا تجده في الكتب، ومما رأيته عند الشيخ ابن باز - رحمه الله- في يوم العيد الذي كنا عنده فيه، أنَّ هاتف الشيخ لا يتوقف عن الرنين من كثرة المتصلين، فلاحظت أن إجاباته فيها نصح وتلطف مع السائلين، فمثلا تقول سائلة: زوجي لا يصلي، فيأمرها الشيخ بالصبر على زوجها ويطلب منها التحدث إلى والده أو أخيه، فكان يتناقش مع السائل برحابة صدر فيما يسأل عنه.
- هل التقيتم بالشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-؟
- نعم الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- كنا نذهب إليه مرتين في العام، وأذكر أنه في إحدى المرات التي ذهبنا فيها للشيخ كنا نجعل علينا أميرًا للسفر عملاً بحديث النبي -[-: «إذا خرجَ ثلاثةٌ في سفَرٍ فليؤمِّروا أحدَهُم»، فلما ذهبنا واستمعنا لدرس الشيخ ابن عثيمين في المسجد قلت للشيخ طلال فاخر -وكان هو أمير السفر- وكان وقتها طالبًا في الثانوية، استفتح وتكلم، فقال لي بل تكلم أنت يا شيخ عيسى، فلما هممت بالتكلم قال الشيخ ابن عثيمين: أين أميركم؟ قلت: ها هو ذا، وأشرت إلى الشيخ طلال فصار يتعجب! فقال له: أنت الأمير إذًا أنت الذي تستفتح، فتعلمنا من الشيخ -رحمه الله- أن الأمير هو الذي يتكلم حتى لو كان هناك من هو أكبر منه.
- وماذا عن الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني -رحمه الله- هل كان لكم لقاء به؟
- نعم بفضل الله، فالشيخ عندما زار الكويت كنت أرافقه إذا ذهب إلى أي مكان، وأنا من المتابعين الجيدين والمستمعين لأشرطة الشيخ ، ومما استفدته من الشيخ - رحمه الله - صراحته ووضوحه، وما زلت حتى الآن أستفيد من أشرطة وكتب الشيخ -رحمة الله عليه-.
- الشيخ الألباني -رحمه الله- كان طويل البال على المعارضين، وكان يأخذ وقتا في الردود لكي يشرح لهم ويعيد، هذا مما لاحظته من نقاشه.
- نعم صدقت، الشيخ الألباني -رحمه الله- كان صدره واسعا، لهذا بارك الله في الحوارات التي كان يتعرض لها الشيخ مع المخالفين، وكان دائمًا يؤثر فيهم ويقنعهم برأيه في المسائل التي يخالفونه فيها، وهذا مما تعلمناه من الشيخ -رحمه الله- أنك إذا جاءك أحدهم حتى لو كان يخالفك ونهرته وقلت له اسكت فبالتأكيد سينفر منك ويذهب إلى غيرك، لكن الشيخ الألباني -رحمه الله- كان طويل البال واسع الصدر، ويعطي ويأخذ في الكلام، وذات مرة ظل شخص جالس معه إلى قبيل الفجر وهو يناقشه، وبعد الصلاة هداه الله -تعالى- إلى الصواب.
- وماذا عن العلماء المعاصرين، على سبيل المثال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-؟
- لقد استفدت ولا شك من الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- فقد ذهبت إليه مرة من المرات، وكانت الزيارة بهدف أن يكتب لي الشيخ مقدمة لكتاب: (المختصر الحثيث في بيان أصول منهج السلف أصحاب الحديث)، فجلسنا وتحدثنا مع الشيخ، والذي عرّفني عليه الشيخ عبدالعزيز الوهيبي -رحمه الله-، (1384-1418)، (1964 - 1997)، وقد توفي وهو شاب في حادث مروري (عام 1997) وقد شعرت أن الأمر قد يكون فيه حرج للشيخ؛ حيث إن مشايخ السعودية يتحرجون من مثل هذه الأمور فقال الشيخ -حفظه الله-: الكتاب جيد وليس عليه شيء، وذهبنا له ذات مرة وكان مريضًا، وذهبنا له مرة أخرى بعد شفائه، وكانت جلسة مباركة استفدت منها استفادة كبيرة جدا.
- ماذا عن الدعاة الذين رافقوك في الدعوة منذ بدايتها؟
- طبعا، بالنسبة للمشايخ كان أكثر شيخ بالنسبة لي رافقته الشيخ -أبو معاوية- عبدالله السبت، وكذلك الشيخ عبدالله الخضري -رحمه الله- وكان الشيخ زميل دراسة لي في الصف الأول ثانوي واستفدنا منه استفادة كبيرة، والشيخ بدر الصفران وكنا في الصف الثاني الثانوي وفي الاستراحة يوجد مسجد -مصلى- فكنت أراهم يذهبون ويدخلون المسجد، فكنت أسأل ماذا تفعلون؟ يقولون كنا نصلي الضحى! حتى بعد الثانوي الشيخ عبدالله الخضري استفدنا منه استفادة كبيرة، ومن الإخوة أيضًا عادل البرجس (كابتن طيار) كان يعقد الدروس، ومحمد بن ناجي القناعي استفدنا منه استفادة كبيرة، وكذلك د. وائل الحساوي - حفظه الله- استفدنا منه ومن هدوئه وثقافته، فالدعوة تحتاج إلى الهدوء، ومن الذين استفدت منهم أخونا يوسف الجريوي -رحمه الله-، وكذلك الشيخ محمد الشيباني - حفظه الله- استفدنا منه كثيرًا، والشيخ عبدالملك الكليب- رحمه الله-، والشيخ عبدالوهاب السنين والشيخ محمد السنين الذي يتميز بأنه تربوي وصدره واسع، وكذلك الشيخ ناظم المسباح والشيخ محمد الحمود النجدي ، وكذلك الشيخ عثمان الخميس أسأل الله أن يبارك في الأحياء منهم، ويغفر لمن مات ، وغيرهم كثير إلا أن الذاكرة لا تسعفني الآن.
- بالنسبة لمؤلفاتك، كيف تأتيك الفكرة حتى تؤلف كتاباً؟
- تأتي الفكرة بحسب الظروف، يعني على سبيل المثال أول كتاب لي وهو كتاب: (الحلية بشرح القضايا الكلية للاعتقاد) هو شرح لكتاب عقائد السلف، وبعدما كتبت فيه عددا من الصفحات، قالوا لي: هناك من شرحه فتركته، وأخذت كتاب (عقيدة السلف) فيه الأمور العقائدية والفقهية، وبدأت فيه قبل الغزو تقريبا 1987 ولم يكن حينئذ كمبيوتر، إذا أخطأت خطأ تضيع الصفحة، ونشرنا فيه كل الأمور العقائدية والأمور الفقهية، فبدأت فيه تقريبا من 1987 وانتهيت منه تقريبا في 1995 أخذ فترة لظروف الغزو، فكل كتاب يكون له ظروفه الخاصة به.
- ماذا عن أهم الأحداث التي أثرت في تاريخ الدعوة وكان لك تعليق عليها؟
- بالنسبة لأهم الحوادث التي مرت في تاريخ الدعوة الإسلامية، لا شك أن أهمها حادثة (جهيمان) التي وقعت عام 1979، وقد كانت في بداية الدعوة في المنطقة العاشرة (الأحمدي والفحاحيل والصباحية والرقة)، وكان الشباب مقبلين فيها على الدعوة لكن بعد تلك الحادثة تراجع كثير منهم بسبب خوف آبائهم عليهم، وهذا خلاف الواقع؛ فمن يقوم بمثل هذه الأفعال لا يمتّ للسلفية بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد، لكن بعد أن اتضحت الأمور -بفضل الله وفهم الناس حقيقة الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي-، رجعت الدعوة كما كانت، ونحن عذرنا الناس في ذلك؛ حيث ظل الحرم أربعة عشر يوما لم تقم فيه صلاة، فهذه أثرت على المستوى العام، وأثرت على العمل الدعوي في الكويت؛ لأن الناس كانوا حديثي التزام.
- حدثنا عن فترة الغزو تلك المحنة الكبيرة التي مرت بها الكويت.
- فترة الغزو كانت محنة كبيرة، إلا أننا خرجنا منها بعدد من المنح، فقد ازدادت العلاقة بين الشعب والقيادة، القيادة جزاهم الله خيرا ما قصروا، سواء مع الذين بقوا داخل الكويت، أم الذين خرجوا، وكذلك دول الخليج ما قصرت معنا وهذه زادت من لحمة العلاقة بين الأشقاء الخليجيين.
- الأمر الآخر، أننا استوعبنا حقيقة الوضع، وبعض الشباب كان عنده ردة فعل حماسية؛ فقلنا لهم لا يوجد مجال للدخول في هذا المعترك أصلا لا عقلا ولا شرعا، والحمد لله هدؤوا بعدها، وقام الشباب بجهود جبارة، وكونوا لجانا شعبية وفتحوا الجمعيات وعملوا فيها، وكان الشباب يقومون بعمل الخبازين في الأفران، الكويتيون كانوا يبيعون في الجمعيات، ويقودون التناكر، وينظفون الشوارع، وضربوا أروع الأمثلة في التكيف مع الأوضاع القائمة بكل تضحية.
- ماذا كان شعوركم عندما كانت تأتيكم أخبار عن مقتل بعض الشباب مثل الشيخ محمود خليفة الجاسم -رحمه الله- أو اعتقال بعض الشباب وتعذيبهم؟
- كما قلت لك: إننا نهينا الشباب من البداية عن الدخول في هذا المعترك، وكان أخونا محمود خليفة -رحمه الله - جاري، وفي فترة الغزو كان يتأخر في عودته؛ فقلت له لا تتأخر أهلك أولى بك وبرعايتك لهم، وكان هو أول من أصدر جريدة بخط اليد، فكان يقول: إن شاء الله إن شاء الله، لكن شجاعته غلبته على ذلك، وطبعًا كما تعلم قُتل أمام منزله، الشاهد أن الكويت قيادةً وشعبًا كانوا على قلب رجل واحد، وهذا الذي أنهى الغزو بعد فضل الله بسرعة، فلا توجد حرب انتهت بهذه السرعة خلال ثمانية أشهر، وكما دخلوا خرجوا مدحورين.
- كيف ترى وضع الشباب مع طلب العلم في هذا العصر في ظل الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي، ونصيحة خاصة تقدمها للشباب في هذا المجال؟
- هذه مما عمت بها البلوى؛ فمواقع التواصل الاجتماعي مشكلة من المشكلات، فأنت تجد الآن الشاب يجلس قرابة العشرين ساعة على الهاتف يقلب في صفحات تلك المواقع، لكن ليس عنده استعداد أن يسمع درسا قصيرا لمدة خمس دقائق، وعلى الجانب الآخر في مسائل طلب العلم -مع الأسف- الشديد هذه المواقع برغم ما فيها من فوائد يتم نشرها من قبل المشايخ، إلا أنها لا تصنع طالب علم مؤصل، فالأصل فيها عدم التأصيل؛ لأن الناس الآن أصبحوا يأخذون من المجاهيل، ومن ثم خلقت عبئا أكبر على الدعاة، لذلك لابد من استيعاب الشباب، وعلى طلبة العلم النزول للشباب، وأن يجددوا في وسائل الدعوة حتى يستطيعوا التأثير في الشباب في ظل الانبهار الشديد بتلك الوسائل المستحدثة.
- تميزت الدعوة السلفية بمفهوم التصفية والتربية، كيف ترى هذا المفهوم؟
- بعض طلبة العلم يفهم هذه القاعدة فهًما خطأً، الأصل أنَّ التصفية هي تصفية المنهج من الأحاديث الضعيفة، وتفسير الآيات، والأحكام، هذا كله تصفيه، فنحن لا نربي الناس على المنهج الصحيح إلا بعد تصفية هذا المنهج مما شابه من البدع والمخالفات، نحن الآن ينقصنا الناحية العملية، ولهذا فإن من المشكلات والفتن التي تواجهها الدعوة السلفية هي التنافر بين شباب الدعوة أصحاب المنهج الواحد، فكأن من الأولويات أن أظهر خطأ شيخك وأنت تقف ضد شيخي،
- ما الأمنية التي ترجوها لشباب الدعوة وترى أنها تنقصهم وتريد أن تتحقق على أرض الواقع بينهم؟
- لابد أن نتفاءل، فالتفاؤل ضروري، علينا أن نحسن الظن بالله -تعالى-، علينا أن نتعامل مع الله -تعالى- وأحكامه على سبيل اليقين وليس على سبيل التجربة، الله -عزوجل- ليس محلا للتجربة، افعل الشيء وأنت متيقن كالشخص الذي إذا خرج من بيته قال: «بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله» شياطين الجن والإنس لا يضرونه بشيء إذا كان على يقين بهذا الدعاء، وعلى الشباب أن يأخذوا بقوة ويقين وثقة في صحته وأنه منهج معصوم لأنه منهج النبي -[- ومنهج الصحابة -رضوان الله عليهم-، وعليهم التمسك والالتزام بمنهج السلف؛ لأن الالتزام بمنهج السلف الصالح حتمٌ لا خيار فيه؛ لأنه التزام بدين الله الحق، وأداء للواجب الذي أمر الله به، قال -تعالى-: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، وقال -سبحانه-: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}، وهذه غاية سامية تتقاصر أمامها أي غاية، وعلينا أن نوقن بموعود الله -تعالى- فهذا دين الله، ودعوة الله سينصرها، قال -تعالى-: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
نبذة تعريفية عن الشيخ عيسى مال الله
- من مواليد الكويت عام 1953.
- تخرج في الثانوية عام 1973.
- حصل على العديد من الدورات في المختبرات والكيماويات.
- عمل في شركة البتروكيماويات لمدة أربع سنوات.
- عمل محضر مختبر في المعهد الديني.
- عمل محضر مختبر في كلية العلوم - جامعة الكويت قرابة 15 عاماً.
- عمل في عدد من لجان جمعية إحياء التراث الإسلامي منذ تأسيسها، وحاليًا يعمل عضواً في لجنة حطين بجنوب السرة.
- كان عضواً في لجنة التضامن مع الشعب الفلسطيني في فترة ما قبل الغزو.
- له عدد من المؤلفات منها: (الإيضاح بشرح قواعد الإصباح في بيان منهج السلف في التربية والإصلاح - الحلية شرح القضايا الكلية للاعتقاد- الدعوة إلى الله تعالى أحكام وآداب- البراءة والتحذير من خطر التكفير - الأسواق أحكام وأداب - نساء من ذاكرة التاريخ).
انطباعات الشيخ عن الفرقان
- نود أن نعرف انطباعك عن مجلة الفرقان وأنت من المهتمين والمتابعين لها منذ زمن؟
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، مجلة الفرقان لها تاريخ طويل في خدمة الدعوة الإسلامية داخل الكويت وخارجها، وتؤصل لدعوة الكتاب والسُنَّة على منهج سلف الأمة، أسأل الله أن يبارك في جهود القائمين عليها وأن ينفع بها، فالقارئ يجد في مجلة الفرقان كل ما يريد من ثقافة إسلامية وعلوم شرعية، فنحن في أمسّ الحاجة لمثل هذه المنابر الإعلامية التي تلتزم المنهج السلفي وتدعو له، وترفع لواءه وتذبّ عنه، فلا شك أن للمجلة أثرا كبيرا في نشر الوعي، وتصحيح المفاهيم، ونشر الفضيلة، ولا سيما أنها تصل لكل أنحاء العالم، فنشكر لكم هذه الجهود، وجزاكم الله خيرا.
لاتوجد تعليقات