تربية الأولاد.. قواعد وأصول (٢)
- الدعاء للأبناء عظيم الأهمية وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن دعوة الوالد لولده مستجابة والدعاء مفتاح كل خير لأن الخير كله بيد الله
- إن أثر العدل على الأولاد صلاحًا واستقامةً عظيم جدا والإخلال بالعدل بين الأولاد مفسدته عظيمة في بر الأولاد لوالدهم وفي علاقة الأولاد بينهم
- من الأسس والقواعد المهمة في التربية اختيار الأسماء الصالحة الطيبة لأن الاسم في الغالب له أثر على المسمى
ما زلنا نستعرض معًا محاضرة الشيخ عبدالرزاق عبد المحسن البدر، التي كانت بعنوان: (قواعد وأصول في تربية الأبناء)، وذكرنا في المقال السابق أن رعاية الأبناء والعناية بهم تأديبًا وتنشئةً على طاعة الله -سبحانه وتعالى- يُعد من الرعاية للأمانة والعناية بها، وأن الأب يُسأل عن أبنائه يوم القيامة، ثم بدأنا في ذكر القواعد التي ذكرها الشيخ، ومنها: اختيار الزوجة الصالحة، غرس الإيمان والعقيدة، واليوم نستكمل الحديث عن هذه القواعد.
الأمر الثالث من القواعد والأسس في التربية للأبناء: وهو عظيم الأهمية، كثرة الدعاء لهم، وقد أخبر نبينا -صلى الله عليه وسلم - أن دعوة الوالد لولده مستجابة، والدعاء مفتاح كل خير؛ لأن الخير كله بيد الله {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(الحديد:29)، وهذا الخير الذي بيده يُطلب بدعائه، ومن الخير الذي يرجوه المرء لنفسه صلاح ولده؛ فليطلب ذلك من الله.دعاء إبراهيم الخليل -عليه السلام
ولهذا ذكر -جل وعلا- في دعاء نبيه إبراهيم الخليل -عليه السلام- قال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} (الصافات:100)، وذكر في دعاء زكريا -عليه السلام-: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(آل عمران:38)، وذكر في دعاء عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }(الفرقان:74)؛ كل هذه الدعوات صُدرت بـ {هَبْ}؛ «هب لي»، «هب لنا»؛ لأن صلاح الولد هبة من الله وعطية منه -سبحانه وتعالى-؛ ولهذا ينبغي على الوالد أن يكون كثير الدعاء للولد.استمرارية الدعاء
والدعاء للولد بالصلاح يكون قبل وجود الولد وبعد وجوده؛ لما قال إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}، ولما قال زكريا {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} هذا قبل وجودهم، ولهذا مما يوصى به في التربية للأولاد الشاب الذي لم يتزوج بعد أن يدعو بهذا الدعاء ويكثر من هذا الدعاء، حتى فيما بعد إذا أكرمه الله -سبحانه وتعالى- بالولد يكرمه بولدٍ أجاب الله فيه دعوته وكثرة إلحاحه على الله. وهذا أمر يغفل عنه الشباب يظن أنه يبدأ بهذا الدعاء لما تلِد زوجه أو تحمل، في شبابه يكثر من الدعاء وكل شاب يرجو إن رزق ولدًا أن يكون ولده صالحًا، فما الذي يعوقه عن الدعاء في شبابه دعاء الله -عز وجل- أن يصلح ولده وأن يهبه ذرية طيبة وأن يجعل من جملة دعائه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}، أو {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، أو دعوة عباد الرحمن {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.الحذر من الدعاء على الولد!
ومما ينبه عليه في هذا المقام: أن يحذر الأب من الدعاء على ولده؛ لأن بعض الآباء سريع الدعاء على ولده عند أدنى غلط يقع فيه الولد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك قال: «لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ»؛ فيحذر الأب من أن يدعو على ولده بالشر، قد قال الله -تعالى-: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}(الإسراء:11) هذا من العجلة التي ينبغي أن يحذر المرء منها.القاعدة الرابعة: تحصين الولد بالذكر
أن يعتني الوالد بتحصين الولد بالأذكار المشروعة المأثورة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، والتحصين أيضا يبدأ من قبل وجود الولد، وهناك حديث عجيب جدا في تحصين الولد قبل وجوده، وهو ما جاء في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ»، هذا تحصين قبل وجود الولد، في المعاشرة التي تكون من المرء لأهله إن قال في تلك المعاشرة: «اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» وقدِّر له ولد أخبر نبينا أن هذا تحصين للولد، وأنه لا يقربه شيطان. ثم بعد مجيء الولد أيضا جاءت النصوص بالحث على تحصينهم، مثل ما في حديث ابن عباس أيضا -رضي الله عنهما- في تعويذ النبي -صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين بالمعوذات، ثم كان يقول -صلى الله عليه وسلم -: «كَانَ أَبُوكُمْ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» يقصد أباهم إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وهذا يستفاد منه أن تعويذ الأبناء وتحصينهم من سنن النبيين ونهج المرسلين -عليهم صلوات الله وسلامه. فدائما يعوذ الصغير، وأعظم ما يعوذ به المعوذتان، أو «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ»، فيعوذ منذ صغره يعتنى بتعويذه، ثم إذا بدأ يميز ويحسن يعلَّم الأذكار التي هي تحصين له، وذكر الدخول للمنزل، وذكر الخروج، وذكر الطعام، وأذكار النوم، وبعض الأذكار في الصباح والمساء، وذكر الركوب للدابة، وهكذا يعلَّم وينشأ على هذا التحصين الذي له أثره العظيم على الولد حفظا {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}(الإسراء:65) قال بعض المفسرين: «الذين يذكرون الله»؛ لأن ذكر الله حصن حصين {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(الزخرف:36) .القاعدة الخامسة: اختيار الأسماء الصالحة الطيبة
من الأسس والقواعد المهمة في التربية: اختيار الأسماء الصالحة الطيبة؛ لأن الاسم في الغالب له أثر على المسمى، وقد قيل قديما «لكل من اسمه نصيب» أي حظ، ولهذا جاء الترغيب بالأسماء الصالحة الطيبة، أخبر - صلى الله عليه وسلم - بأن «أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبد الرحمن»، وهكذا الأسماء التي فيها تعبيد لله أعظمها عبدالله وعبد الرحمن لكن أيضا الأسماء التي فيها تعبيد لله -عز وجل- هذه من أعظم الأسماء، فعندما يسمى الولد عبد الله أو عبد الرحمن أو عبد العزيز أو عبد الرحيم أو عبد الغفور أو غير ذلك من أسماء الله، أو يسمى مثلا صالحا أو يسمى مثلا محمدا أو يسمى الحسن أو الحسين أو عليا أو غير ذلك من الأسماء التي يُعمل على ربطه بمعانيها: من العبودية لله -عز وجل-، والصلاح الاستقامة على طاعة الله ، والحسن في الأدب والخلق والطاعة والعبادة، والعلو في مراتب الخير والرفعة في الأخلاق والآداب والطاعة لله -سبحانه وتعالى.التسمية بأسماء الصالحين
ومن هذا الباب أيضا التسمية بأسماء الصالحين من الأنبياء والصحابة، ويُربط هذا الولد بهؤلاء عندما يسمى على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، أو على الصديق عبدالله أبو بكر - رضي الله عنه -، وعثمان - رضي الله عنه - ذي النورين، حتى مما يحسن في هذا المقام أن يسمى الولد ويكنى بكنية من سمي عليه ويُربط به ويعرَّف بشيء من سيرته وسير الصالحين حتى ينشأ محبا؛ لأن محبة الصالحين هذه مهمة حتى لو لم يبلغ المرء عملهم، محبة الصالحين مهمة غاية الأهمية .القاعدة السادسة: العدل بين الأولاد
إن أثر العدل على الأولاد صلاحًا واستقامةً وتوادَّ ومحبةً وسلامةً من الشرور عظيم جدا، والإخلال بالعدل بين الأولاد مفسدته عظيمة في بر الأولاد لوالدهم، وفي علاقة الأولاد بينهم، فكم حصل من فساد في أسر بسبب عدم العدل! كأن يميل الأب إلى واحد من الأبناء، ويجعل له مكانة خاصة، ويعطيه من الأعطيات ما لا يعطي أولاده ويخصه بشيء من الهبات ما لا يقدِّم مثله لأولاده؛ فهذا يفسد الأسرة ويوجِد بينهم عداوةً وحسدًا وخروجًا عن البر. ولهذا من أراد أن يكون ولده كلهم في البر سواء، فليعدل بين أولاده، قد جاء في الصحيح من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -، وهو من صغار الصحابة، مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الثامنة من عمره لكنه - رضي الله عنه - روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث تزيد على المئة؛ منها حديث عدَّه أهل العلم في أحاديث يدور عليها الإسلام؛ حديث «إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ».
لاتوجد تعليقات