
رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا لـ(الفرقان): ضرورة التعاون الفعال بين المؤسسات الدعوية لمواجهة الانحرافات الفكرية
انطلاقا من قول الله -تعالى-: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}، وقوله: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}، ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»، وقوله: «ليبلغ الشاهد الغائب»، وقوله: «إن العلماء ورثة الأنبياء»، ومواصلة لجهد السلف الصالح في نشر العلم، وإعانة للطلاب على تحصيله، ووصلاً لحاضر بلاد شنقيط بماضيها المشرق الذي كانت المحضرة رمزه وجوهره، ونظرًا لكون العلماء الربانيين هم أمناء الله على الوحي، وهم الموقعون عن رب العالمين، ونظرا لتهديدهم بالانقراض، ولحاجة الأمة الماسة إليهم، ونظرا لكون المؤسسات العلمية النظامية لا تعطي من الوقت ولا من المادة العلمية ما يفي بذلك، لمجاراتها للنظائر، ونظرا لما تجدد من الوسائل والتطورات؛ بحيث أصبحت المؤسسات الأهلية بأساليبها القديمة غير مواكبة لذلك، تم إقامة مركز تكوين العلماء بالعاصمة الموريتانية نواكشوط. بهذه المقدمة بدأ الحوار مع مدير المركز د. محمد المختار ولد الباركي.
- في البداية سألته عن رؤية المركز والهدف منه ووسائله في تحقيق تلك الرؤية؟ فقال:
- المركز يسعى إلى تكوين علماء ربانيين مخلصين، لينتشروا في مناكب الأرض ومختلف بلدان الأمة، حاملين جذوة النور والهداية -بإذن الله-، وفق منهج علمي وتربوي، يركز على حفظ المتون المقررة، حفظا متقنا مع الرواية؛ فهم جميع المقررات واستيعابها، وإتقان تدريسها، الفقه بالواقع واستيعاب إشكالياته، الالتزام التام بسلوك العلماء الربانيين، وأخلاقهم وعباداتهم، إتقان المهارات الدعوية وتطبيقها، إتقان استغلال الوسائل الحديثة المقررة، تنمية روح الإبداع والاستقلال الشخصي، تنمية روح الإخاء والتعاون والمحبة.
أما عن وسائل المركز في تحقيق تلك الرؤية فالمركز يستخدم الوسائل المشروعة كلها، ويعتمد على وجه الخصوص ما يأتي: الدراسة المنهجية، الدورات العلمية، الدورات التكوينية، النقاشات العلمية والفكرية، الندوات العلمية، المحاضرات، التدريب على التدريس والدعوة، تحقيق الكتب، إعداد الرسائل والبحوث، الزيارات والرحلات العلمية، البرامج التكميلية.
- ما تجربة المركز في تعليم القرآن الكريم وتحفيظه؟
- المركز في طبيعته يجمع بين التجربة القديمة في تدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية، والتجربة الحديثة أيضًا في تدريس العلوم الشرعية؛ فالقرآن هو أصل الأصول، وهو أهم أصول الشريعة، ثم بعد ذلك تأتي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الإجماع، ثم بعد ذلك مصادر التشريع الأخرى؛ فمن أراد أن يكون عالما لابد أن ينطلق من القرآن الكريم؛ ولذلك نحن لا نقبل عندنا في المركز إلا الطلاب النابهين؛ فكل طلابنا من حفظة كتاب الله، لا يوجد عندنا طالب إلا وهو حافظ لكتاب الله، ثم بعد ذلك نتوسع في تدريس العلوم الشرعية بمختلف المراحل، من إعدادية إلى ثانوية، إلى جامعة إلى دراسات عليا.
- متى أُنشئ المركز؟
- المركز تأسس تقريبًا منذ عشر سنوات والحمد لله، الآن في سنته العاشرة، ن فيه -ولله الحمد- مجموعات من الطلاب، والحمد لله، الآن يسير في خطى حديثة في تحقيق هدفه ومهمته.
- ما نظام الدراسة في المركز، وما المناهج التي تدرس فيه؟
- بالنسبة للمركز، في أربع مراحل: مرحلة إعدادي ومدتها سنتان، مرحلة ثانوي أربع سنوات، المرحلة الجامعية خمس سنوات، ثم مرحلة الدراسات العليا ثمان سنوات. فالطالب الذي يدرس في المركز من بدايته إلى نهايته، يحتاج حوالي سبعة عشر سنة، لكن كل مرحلة يمكن للطالب أن يأخذ فيها إسنادًا علميًا، ثم بعد ذلك يسير في اتجاهٍ آخر، إما في الدعوة، أو في التعليم، أو في أي مجال من مجالات الحياة.
- ما أهم إنجازات المركز التي حققها خلال الفترة الماضية؟
- طبعًا الهدف الأكبر عند المركز هو: تخريج العلماء، الآن -الحمد لله- قطعت شوطًا كبيرًا في هذا، طبعًا نحن عندنا كما ذكرت مراحل المركز لإعدادي، ثانوية جامعة دراسات عليا، الآن خرجنا -والحمد لله- أعدادا طيبة في المرحلة الإعدادية، وفي المرحلة الثانوية، وفي المرحلة الجامعية، أما الدراسات العليا؛ فنحن الآن في نهاية المدرج الثاني؛ حيث تقوم على أربعة مدارج:
المدرج الأول: لعلوم الآلة: أصول الفقه واللغة العربية باعتبارها أدوات أساسية؛ لفهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمدرج الثاني: هو في القرآن والسنة مدته سنتان.
والمدرج الثالث: في الفقه وقواعده.
والمدرج الرابع: في علوم الواقع؛ لأن الطالب أو المجتهد الذي نخرجه لابد أن يجمع بين أمرين: فهم الشريعة بفهم أصولها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفق فهم السلف الصالح وبأدوات السلف، اللي هي اللغة العربية وأصول الفقه، وأن يكون كذلك عنده علم بالواقع، حتى يستطيع أن ينزل قضايا الشرع على الواقع؛ فالحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره؛ فلذلك نحن الآن في نهاية المدرج الثاني وهو مدرج الكتاب والسنة، وإن شاء الله السنة القادمة سنبدأ بمدرج الفقه وقواعده لمدة سنتين، ثم بعد ذلك أيضًا نبدأ بمدرج علم الواقع؛ فبقيت لنا تقريبًا الآن على تخريج الدفعة الأخيرة أربع سنوات، التي ستخرج -إن شاء الله- علماء قد أكملوا المشوار كاملًا، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفق وأن ييسر.
- هل هناك تعاون بينكم وبين مؤسسات تعليمية إسلامية أخرى؟
- نعم، عندنا تعاون مع مؤسسات التعليم والجامعات، وكذلك أيضًا مؤسسات تعليم القرآن جمعيات، وغيرها في البلد وفي خارجه، في المملكة العربية السعودية، في مصر الأزهر، في المغرب أيضًا بعض الجامعات، وأيضًا هنا في الكويت بينا تعاون مع بعض المؤسسات ومنها: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
- ما أهم التحديات التي واجهتكم خلال عملكم في المركز؟
- طبعًا التحديات الكبيرة هي: الصبر؛ لأن هذا العمل صعب يحتاج إلى تفرغ وإلى صبرٍ وإلى مجاهدة؛ فهذا أهم تحد نجده؛ فصبر الطالب معنا يحتاج فعلًا إلى الكثير من الآليات من أجل تصبير الطالب، حتى يثبت على هذا الطريق الذي نريد أن نصل إليه، هذا أحد أهم التحديات.
التحدي الثاني طبعًا هو: التحدي المادي، فنحن طبعًا نحاول أن نوفر الخدمات كافة للطالب، لعلنا نستطيع أن نعينه على الوصول إلى هذا الهدف الذي يريد أن يصل إليه؛ فنوفر له سكنا وإعاشة ورعاية صحية، وكتب ووسائل الترفيه وغيرها، وهذا طبعًا كله مجاني؛ فهذا مُكلف، ولكن الحمد لله -بفضل الله تعالى- مع الخيرين وأهل الفضل -الحمد لله- تتيسر الأمور.
- ما مصير الطالب الذي يتخرج في المركز؟
-الطالب الذي يتخرج من عندنا أمامه أبواب كثيرة جدًا مفتوحة، باب: الإفتاء، وباب: القضاء، وباب: المحاماة، وباب: الاستشارات. وباب: التدريس، وباب: البحث العلمي؛ فنحن نركز في تدريسنا بالنسبة للطلاب الذين يتخرجون في المراحل النهائية على تعطيرهم، لاستيعاب قضايا الواقع؛ ولذلك عندنا الآن أغلب الطلاب الذين معنا حصلوا على دورات مهمة جدًا أخذوا فيها الأوائل فيما يتعلق بالمعاملات الإسلامية؛ فالآن أتوقع ستكون أمامه فرصا في استشارات مثل: البنوك الإسلامية، ولاسيمًا الآن الحمد لله في إقبال كبير على الصيرفة الإسلامية، ولاسيما في بلدنا الحمد لله خلال السنوات القليلة الماضية فُتح كثير من المؤسسات التي فتحت شبابيك للمعاملات الإسلامية، وهذا يفتح بابا كبيرا أمام طلابنا للاستشارات. الحمد لله طلابنا نشترط فيهم أصلًا الذكاء والتميز؛ فالحمد لله المسابقات التي يدخلونها يكونون فيها دائمًا الأوائل؛ فالفضل لله -تعالى- وطبعًا إذا خرجت عالمًا؛ فاعلم أنه لن يكون بطالًا؛ فستزدحم الناس عليه حتى لن يجد وقتًا من كثرة المقبلين؛ فلذلك -الحمد لله- الفرص أمام هؤلاء كثيرة.
- ما تقييمك لدور المؤسسات التعليمية في توعية الشباب والاهتمام بهم ببيان خطر الظواهر الفكرية المنحرفة، مثل الإلحاد على سبيل المثال؟
- في الآونة الأخيرة بدأت هذه الظاهرة تظهر، وقد لمسناها في موريتانيا، ومن أسبابها طبعًا انتشار الوسائط ووسائل الاتصال التي ربطت العالم كله؛ وأيضًا الحريات الموجودة في كثير من البلدان فتحت الباب لهؤلاء؛ فلاشك أن هذا الأمر الآن هو تحد كبير.
وللأسف الشديد أيضًا المؤسسات الإسلامية في نظري إلى حد الآن لم تقم بدورها المطلوب في مواجهة هذه الظاهرة، ومع ذلك -الحمد لله- هناك محاولات من بعض المشايخ وبعض المؤسسات، ومركزنا أحد هذه المؤسسات التي تهتم بهذا من خلال الحوارات التي تقيمها مع الشباب، الطلاب الذين يدرسون عندنا وأيضًا الدورات التي تقيمها من حين لآخر في التعريف بالإسلام والتعريف بقيم الإسلام، التعريف بثوابت الإسلام، والتفريق بين الثابت في الإسلام والمتغير؛ فهذه الأمور عانت كثيرًا في الوقوف في وجه هذه الظاهرة، ولكنها لا تكفي؛ فالأمر ما زال حقيقة بحاجة إلى الكثير من العمل، وأظنه في هذا العمل فيما يظهر أنه منسق تنسيق خارجي من جهات تقصد هذا الأمر، فلا يمكن أن يواجه مثل هذا الأمر، إلا أيضًا بتعاون بين المؤسسات الإسلامية في مختلف أفرعها وفي مختلف أماكنها، حتى تستطيع أن تقدم الإسلام ناصعًا، وتزيل هذه الشبه والشكوك التي يزرعها هؤلاء في عقول المسلمين وأبنائهم، ويشككون فيها، وكذلك الراغبون في الإسلام فيصدونهم عن سبيل الله.
فلذلك حقيقة هذه الظاهرة بدأت تزيد -مع الأسف- الشديد في السنوات الأخيرة؛ فتحتاج إلى تعاون بين الجهات القائمة على العمل الدعوي في مختلف بلدان المسلمين، نسأل الله -سبحانه وتعالى- التوفيق.
لاتوجد تعليقات