رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 27 مايو، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 16- «ما يخشى فواته أولى بالتقديم على ما لا يخشى فواته»

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .

فقه الأولويات في العمل الخيري والوقفي يحتاجه كل من جند نفسه لهذا الخير العظيم، فالأهم مقدم على المهم، والأكبر مصلحة والأعم نفعاً والأبعد أثراً أولى من غيره، وكما قيل أفضل الصدقة ما كانت أكثر نفعاً في زمنها . 

     فما يخشى فواته أولى بالتقديم على ما لا يخشى فواته، ولاشك أن فقه الأولويات ضابط أساس في الأعمال الخيرية والوقفية والتطوعية، وحتى تؤدي المؤسسات الخيرية دورها ورسالتها على الوجه الصحيح الذي يرقى بالمجتمع, وينهض بالأمة, لابد من أن تكون على بينة وبصيرة بفقه الأولويات الذي يجعلها تضع كلَّ شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم دون زيادة أو نقصان؛ فالمحتاجون متفاوتون في حاجتهم, فمنهم الفقير, ومنهم الأفقر, ومنهم المحتاج, ومنهم الأحوج, ومنهم من حالته ملحة, ومنهم من حالته أكثر إلحاحا, ومنهم المحتاج إلى الضروريات, ومنهم المحتاج إلى الكماليات(1).

     ومن القواعد المهمة في هذا المجال: أن (تُقدّم المصلحة الدائمة على المصحلة العارضة أو المتقطعة)، وأن: (درء المفسدة مُقدّم على جلب المصلحة)، وتكملّها قاعدة مهمة وهي أن :  (المفسدة الصغيرة تُغتفر من أجل المصلحة الكبيرة)، و(تغتفر المفسدة العارضة من أجل المصلحة الدائمة)، (ولا ُتترك مصلحة محققة من أجل مفسدة متوهمة).

    والعلم مقدم على العمل في المؤسسات الخيرية وغيرها، فلابد أن يخطط للأعمال الخيرية، وأن يبنى العمل وفق نظم ومنهجية تضمن رعاية الأصول الخيرية والوقفية، وتحقق الإدارة الرشيدة للأعمال والمشاريع المجتمعية، واستمرارية العطاء؛ فلا بعد لأي عمل خيري ووقفي التفكير قبل التنفيذ، ودراسة جدوى تلك المشاريع وتكاليفها ومخرجاتها، واستشارة أهل الإخلاص والاختصاص قبل المضي في صرف الأموال المؤتمنين عليها.

ومن التطبيقات الخيرية لهذه القاعدة:

تقديم إغاثة المنكوبين في النوازل، على الأمور التي يحتمل تأخيرها؛ فالإغاثة العاجلة أولى بالتقديم من إقامة الأوقاف والمشاريع، وكذلك حفظ الأنفس والأعراض من الضرورات، الأولى في الحفظ من الحاجيات كإقامة المشاريع التعليمية والتثقيفية.

التنبيه على الأمور الشركية أولى من التنبيه على الأمور المكروهة، فكل فعل يخشى فواته يقدم على غيره من الأفعال التي يتسع مداها الزمني ولا يخشى فواتها.

    تقديم العمل الأطول نفعاً والأبقى أثراً، ومن ذلك الوقف، والوقف من الصدقة الجارية التي قال في محاسنه (شاه ولي الدهلوي): «وفيه من المصالح التي لا توجد في سائر الصدقات، فإن الإنسان ربما يصرف في سبيل الله مالاً كثيراً ثم يفنى، فيحتاج أولئك الفقراء تارة أخرى، ويجيء أقوام آخرون من الفقراء فيبقون محرومين، فلا أحسن ولا أنفع للعامة من أن يكون شيء حبساً للفقراء وابن السبيل يصرف عليهم منافعه، ويبقى أصله(2).

تقديم العمل الأكثر نفعا من غيره؛ وعلى قدر نفعه للآخرين يكون فضله وأجره عند الله، والعمل الدائم مقدم على العمل المنقطع لحديث: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»(3).

قال عبد الرحمن السعدي : الوقف من أفضل القرب وأنفعها إذا كان على جهة بر، وسلم من الظلم، وأفضله: أنفعه للمسلمين(4).

الهوامش:

1- انظر مقال فقه الأولويات في العمل الخيري، موقع مداد www.medadcenter.com .

2 - حجة الله البالغة 2/116 .

3 - أخرجه البخاري في صحيحه برقم 6465.

4 - منهاج السالكين، وتوضيح الفقه في الدين، باب الوقف، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ص 62-63.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X