- مِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا وَتَرْكُ اللَّغَطِ وَكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْظِيمِهَ
- لَقَدْ شَرَعَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى لِلْمَسَاجِدِ أَحْكَامًا لَمْ يَشْـرَعْهَا لِغَيْرِهَا وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَكَانَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ
- إنَّ الصَلاةَ صِلةٌ بينَ العبدِ ورَبِهِ يَقِفُ بينَ يديِهِ ينَاجِيِهِ فيلزَمُ أنْ يَكُونَ عَلى أحسَنِ هيئةٍ وأتَمِّ حَالٍ
كانت خطبة الجمعة لهذا الأسبوع 18 من ربيع الآخر 1447هـ الموافق 10/10/2025م بعنوان: (فَضْلُ وَأَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ)، حيث بينت الخطبة أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَدْ خَصَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِعِدَّةِ خَصَائِصَ، وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ الْخَصَائِصِ وَالْمَعَالِمِ: الْمَسَاجِدَ بُيُوتَ اللَّهِ -تَعَالَى- الَّتِي شَرَعَ بِنَاءَهَا، وَحَثَّ عَلَى السَّعْيِ فِي عِمَارَتِهَا، وَجَعَلَهَا عَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (التوبة:18)، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: سَمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللهِ، بَنَى اللهُ لَهُ بيتًا فِي الْجَنَّةِ»، فَطُوبَى لِمَنْ بَنَى لِلَّهِ تَعَالَى مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِ وَيُذْكَرُ فِيهِ اسْمُهُ.
قَالَ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور)، قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ سَعْدِيٍّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تَفْسِيرِهِ: «الْمُرَادُ أَنْ يُتَعَبَّدَ لِلَّهِ {فِي بُيُوتٍ} عَظِيمَةٍ فَاضِلَةٍ، هِيَ أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، وَهِيَ الْمَسَاجِدُ، أَمَرَ رَبُّنَا وَوَصَّى بِأَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ جَلَّ وَعَلَا، هَذَانِ الْأَمْرَانِ فِيهِمَا مَجْمُوعُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ، فَيَدْخُلُ فِي رَفْعِهَا: بِنَاؤُهَا وَتَنْظِيفُهَا مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْأَذَى، وَأَنْ تُصَانَ عَنِ اللَّغْوِ وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }الصَّلَاةُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْمَسَاجِدِ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ عِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: عِمَارَةٍ حِسِّيَّةٍ بِبِنَائِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَعِمَارَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَهَذَا أَشْرَفُ الْقِسْمَيْنِ، ثُمَّ مَدَحَ اللَّهُ -تَعَالَى- عُمَّارَهَا بِالْعِبَادَةِ فَقَال: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} إِخْلَاصاً له تَعَالَى {بِالْغُدُوِّ} فِي أَوَّلِ النَّهَارِ {وَالْآصَالِ} فِي آخِرِهِ، {رِجَالٌ} جَعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَعِبَادَتَهُ غَايَةَ مُرَادِهِمْ، وَنِهَايَةَ مَقْصِدِهِمْ.أَحْكَام الْمَسَاجِدِ
لَقَدْ شَرَعَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وتَعَالَى- لِلْمَسَاجِدِ أَحْكَامًا لَمْ يَشْـرَعْهَا لِغَيْرِهَا؛ وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَكَانَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ ما يلي:دُخُولَ الْمَسْجِدِ
أَنَّ دُخُولَ الْمَسْجِدِ يَكُونُ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، بِتَقْدِيمِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ أُعِدَّتْ لِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ، فَعَن أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى»، وَلَمَّا كَانَتِ الْمَسَاجِدُ أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ -تَعَالَى-، أَرْشَدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَى أَدْعِيَةٍ جَامِعَةٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْحَالِ؛ فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ - رضي الله عنه - أنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوابَ رَحْمَتِكَ»، وَإِذَا هَمَّ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ سُنَّ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَهُ اليُسْـرَى وَيَقُولَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»، وَمِنْ أَحْكَامِ حُضُورِ بُيُوتِ اللَّهِ -تَعَالَى- لِعِبَادَتِهِ، أَنْ يُصَلِّيَ الدَّاخِلُ رَكْعَتَيْنِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَإِكْرَامًا لِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَشْـرُوعِيَّةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ».دخول الْمُصَلِّي وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ
إذَا دَخَلَ الْمُصَلِّي وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ، دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: «اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ فِي أَيِّ حَالٍ وُجِدَ عَلَيْهَا».عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا
وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ أَيْضًا: عَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهَا، وَتَرْكُ اللَّغَطِ وَكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَعْظِيمِهَا، لِقَولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيها شيءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ»، وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّهْيُ عَنِ الكَلَامِ فَكَيْفَ بِمَنْ يَضَعُونَ النَّغَمَاتِ الْمُوسِيقِيَّةَ فِي هَوَاتِفِهِمْ، يُؤْذُونَ بِأَصْوَاتِهَا الْمُصَلِّينَ، فَلْنَتَّقِ اللَّهَ يَا عِبَادَ اللَّهِ، وَلْنَعْمَلْ بِأَحْكَامِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، اللَّهُمّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَزِدْنَا عِلْمًا يَا عَلِيمُ.الْأَذِيَّةَ فِي الْمَسَاجِدِ
لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذِيَّةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالتَّشْوِيشَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ، يُنْبِئُ عَنْ تَسَاهُلٍ فِي احْتِرَامِ الْمَسَاجِدِ، وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ الْمُتَعَبِّدِينَ فِيهَا، وَالْمَطْلُوبُ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي قَصَدَ بَيْتَ اللَّهِ -تَعَالَى- أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّيًا بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنَ السَّمَاحَةِ وَالهُدُوءِ، فَلَا يُشَوِّشُ عَلَى إِخْوَانِهِ، وَمِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَأَذِيَّتِهِمْ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ: تَخَطِّي رِقَابِهِمْ وَرَفْعُ الْأَرْجُلِ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ، لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ تَخَطِّي الرِّقَابِ، فَقَالَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ».رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
وَمِنَ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ الْقَارِئُ وَالْمُصَلِّي؛ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَلِكَ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ».الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي
وَإِنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِيهِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، وَالْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ -تَعَالَى- بُنِيَتْ لِذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِِ، لَا لِلتَّكَسُّبِ وَجَمْعِ حُطَامِ الدُّنْيَا؛ وَلِذَا مُنِعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَنَشْدُ الضَّالَّةِ فِيهَا؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِيذَاءِ الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ.رسالة إلى روّاد المَسْجِدِ
إنَّ الصَلاةَ صِلةٌ بينَ العبدِ ورَبِهِ، يَقِفُ بينَ يديِهِ ينَاجِيِهِ، ويَقرأُ كلامَهُ، فيلزَمُ أنْ يَكُونَ فِي هَذا الموقِفِ العَظيمِ عَلى أحسَنِ هيئةٍ وأتَمِّ حَالٍ؛ ومَنْ هُنَا وجبتْ لهَا طهَارةُ البَدنِ والثوبِ والبُقْعَةِ، وكانتْ الطَهَارَةِ مِنَ الأحداثِ والأنجاسِ شرطاً فِي صحَةِ الصلاةِ. وإنَّ مِنْ آدابِ المَسَاجِدِ المُحَافظة عَلى المظهَرِ الحَسَنِ؛ عَمَلاً بقولِهِ -تَعَالى-: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف: 31)، قالَ ابنُ كثيرٍ: «ولهذهِ الآيةِ، ومَا وَرَدَ في معنَاهَا مِنَ السُنَّةِ: يُستَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِندَ الصَلاةِ، ولا سيَّمَا الجُمَعةِ، ويَومَ العِيدِ، والطِّيبُ لأنهُ مِنَ الزِّينَةِ، والسِّواكُ لأنهُ مِنْ تَمَامِ ذلكَ» تفسير ابن كثير (3/402)، وقالَ ابنُ عبدالبَرِ: «إنَّ أهلَ العِلمِ يستَحبّونَ للواحِدِ المطيقِ عَلى الثيابِ أنْ يتجملَ في صلاتِهِ مَا استطاعَ من ثيابِهِ وطيبِهِ وسواكِهِ»، وسُئلَ النبيُّ -[- عَنِ الرجُلِ يُحبُ أنْ يكونَ ثوبُهُ حَسَناً ونَعْلُهُ حسَنَةً؛ فقالَ: «إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُ الجَمَالَ، الكِبرُ بَطرُ الحَقِ وغَمْطُ النَّاسِ». ومِنَ النَّاس مَنْ لا يَهتمُ باللباسِ عِندَ خُروجِهِ للصلاةِ، فيُصلِي بثيابِهِ التي عليهِ، ولو كَانتْ رَثَةً أو لهَا رَائِحَةٌ كَريهَةٌ، كقَميصِ المِهنَةِ، ورداءِ العَملِ، أو ثيابِ النَّومِ، ولا يُكلفُ نفسَهُ بتبديلهَا، فيؤذِي المُصلينَ بِدَرَنِهَا، ويُزْكِمٌ أنُوفَهم بنَتَنِ رِيحِهَا، ويلوثُ فرشَ المَسْجِدِ بوسخِهَا، مَعَ أنَّ الواحدَ منهُم لو أرادَ مقابلةَ شخصٍ لَه جَاهٌ أو منصِبٌ، أو الذهَابَ لمناسبةٍ؛ مَا ذَهَبَ بهذِهِ الثيابِ، بلْ يرتدي أجملَ ما يملكُ، ويتطيبُ بأحْسِنِ مَا يَجدُ، فكيفَ يَهتمُ للوقوفِ أمَامَ المخلوقِ ولا يهتمُ للوقوفِ أمامَ الخالقِ؟ وهذا تساهلٌ في تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَلاةِ، واللهُ أحقُّ أنْ يُتَجملَ لَهُ. فَحَريٌ بالمُسلمِ أنْ يستشعرَ عَظمةَ مَنْ يقفُ بينَ يديِهِ، وأنَّهُ فِي بيتٍ مِنْ بيوتِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ الوقوفَ أمَامَ ربِ العَالمينَ يَستدْعِي حُسْنَ المنظرِ، وبهاءَ الطلعَةِ، وإنَّ إظهارَ المسَاجِدِ بالمظهرِ اللائِقِ والرائحَةِ الطيبةِ، وحُسنَ الهندَامِ، ممَا يُعينُ عَلى العِبَادَةِ، وإنَّ بعضَ المُصلينَ -هدَاهُم اللهُ- يَخرجُ الى المسجِدِ بمظهرٍ مُزْرٍ؛ فهذَا يرتادهَا بلباسٍ شفافٍ يَصفُ العورةَ، وآخرُ تأثرَ بثيابٍ غريبةٍ على المسلمين يقلدُ غيرَهم، و»منْ تشبهَ بقومٍ فهوَ مِنهُم»، وإنَّ مِنْ تمامِ حسنِ الهيئةِ أنْ يكونَ المُصلي طيبَ الرائحَةِ، بعيداً عَنْ كُلِ مَا لَهُ رائحةٌ كريهةٌ، كالثومِ والبصلِ والكُراثِ؛ قَالَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أكلَ مِنْ هذِهِ الشجرةِ -يريدُ الثومَ- فلا يغشانَا في مساجِدِنَا».
لاتوجد تعليقات