رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 27 نوفمبر، 2023 0 تعليق

واجب المسلمين في المحن والأزمات

 

  • ينبغي للمسلم أن يتثبت مــن كل ما يقوله في أوقات الأزمات فلا يكون بوقًا ينشر كل ما يسمعه ويراه
  • في كل شأن متخصصون ينبغي رد الأمور إليهم فليس كل واحد يصلح أن يكون مرجعًا في الأمور النازلة
  • مما ينبغي أن يسود عند نزول الأزمات أن يتعاطف الناس ويتراحموا ويعين بعضهم بعضا ويتكاتف الكل يدًا بيد فيما يستطيعونه حتى تزول الغمة
  • ابن باز رحمه الله: إن المسلم لا يعيش لنفسه وحسب بل لابد أن يتعدى نفعه وخيره للآخرين وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات يكون الأمر أعظم
  • ابن عثيمين رحمه الله: نحث إخواننا المسلمين على مساعدة إخوانهم على قدر المستطاع بالمال والجاه لأن في ذلك تفريجاً لكرباتهم وإشعارًا بأن إخوانهم المسلمين معهم في أي مكان
  • الفوزان: لن يُخلص المسجد الأقصى إلا المسلمون الصادقون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان فالفرج قادم إن شاء الله والفرج قريب والله جل وعلا لن يضيع المسجد الأقصى أبدًا
  • أمر الله عز وجل بردِّ الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر الذين يحسنون استنباط الأحكام فهم الذين ينبغي أن تُردَّ إليهم الأمور وهم الذين ينبغي أن يفتوا في النازلات
 

لقد حرص الإسلام على بناء المجتمع المسلم البناء القوي والمنيع، الذي يستطيع به أن يواجه الكوارث والأزمات، والفتن والتحديات في هذه الحياة، ومن تتبع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحياة المجتمع المسلم في القرون الأولى، يجد الكثير من النصوص الشرعية، والتوجيهات النبوية، والصور الرائعة، والممارسة العملية، التي تبين أهمية ذلك، ففي القرآن والسنة دواء لكل داء ينزل بالأمة، لكن جهل المسلمين بدينهم هو الذي جعلهم يخبطون في هذه الحياة خبط عشواء لا يدرون ماذا يفعلون.

الأمر الأول: التثبت من الأقوال

       إنَّ أوَّل ما يطالعنا في كتاب الله -عز وجل- في التعامل مع الأزمات، هو أنَّه ينبغي للمسلم أن يتثبت في كل ما يقوله في أوقات الأزمات، فلا يكون بوقًا ينشر كل ما سمعه ويراه، ففي أوقات الأزمات تنتشر الشائعات التي تهوِّل من الأزمة النَّازلة بالأمَّة، ولو لم يتثبت المسلم من كل كلمة قبل أن ينطق بها، ربما كان سببًا في فساد عريض، فكلمة من هنا وكلمة من هناك، ربما تكون سببًا في ضياع الأمة ونزول العدوِّ بساحتها واحتلال أرضها، أو أن يَفُتَّ في عَضُدِ الأمة فلا تقوى على مواجهة البلاء النازل مهما كانت درجة ضَعفه؛ لهذا قال الحق -تبارك و-تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات: 6)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بئس مطيَّة الرجل زعموا.

حال من لم يتثبت في الأخبار

      وقد وصف الله -عز وجل- من لم يتثبت في نقل أخبار الفتن بأنه لا يُعمل عقله، ولا يتلقى الخبر بأذنه ليمر على قلبه، فيفهم المراد منه، وماذا تحته، وإلى ماذا يرمي مَن أشاعه، إنما يتلقى الخبر بلسانه، فينقله بمجرد سماعه؛ قال -تعالى-: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15)، فهذا حال من لم يتثبت في الأخبار، كمن يتلقى الخبر بلسانه لينشره بمجرد سماعه، فالواجب على المسلم أن يتثبت عند سماع كلام، وألا يسارع إلى نشره، وإنما عليه أن يتدبره، ليعلم ما يراد منه؛ حتى لا يكون سببًا في شر مستطير.

حينما اكتسح التتار العالم الإسلامي

        حينما اكتسح التتار العالم الإسلامي، لم يكن العالم الإسلامي ضعيفًا للدرجة التي تمنعه من أن يقف في وجه الغزو التتري، بدليل وقوف جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ضدهم، وتمكُّنه من تحقيق النصر عليهم، لكن هناك عوامل أدَّت إلى الهزيمة التي حاقت بكثير من جيوش الإسلام، من أهمها انتشار الشائعات عن قوَّة جيش التتار، وأنَّه لا يُهزم، وأنهم يأكلون لحوم البشر، فلهذا نقل الإمام ابن الأثير أن المرأة من التتار كانت تدخل على أهل البيت، فتقتلهم جميعًا لا يتحرك منهم إنسان، وأنَّ الرجل منهم كان يدخل الدرب، فيقتل مائة رجل لا يدافع منهم أحد عن نفسه، خوفًا من التتار مما أشيع عنهم، فالواجب على المسلم عند نزول الأزمات ألا يتحدث بكل ما يصل إلى سمعه، وإنما يعرضه على قلبه، ولا يكون سببًا في انتشار الكذب.

الأمر الثاني: رد الأمور إلى أهلها العالمين بها

        فهناك في كل شأن متخصصون ينبغي رد الأمور إليهم، فليس كل واحد يصلح أن يكون مرجعًا في الأمور النازلة، وإنما ينبغي أن يرد الأمر إلى عالمه المتخصص فيه؛ قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59). فعاب الحق -تبارك و-تعالى- على مَن ينشر كلَّ خبر يصل إلى سمعه، وأمر بردِّ الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر الذين يحسنون استنباط الأحكام، فهم الذين ينبغي أن تُردَّ إليهم الأمور، وهم الذين ينبغي أن يفتوا في النازلات، كلٌّ حسب تخصصه، ففي الأمور الطبية ينبغي أن يرد الأمر إلى الأطباء، فهم الذين عناهم الله بقوله: (يستنبطونه) إذا كان الأمر متعلقًا بالأمور الطبية، وكذلك أهل كل فنٍّ هم أهل الذكر فيه الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم وسؤالهم عما نزل بنا؛ قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء: 7).

الأمر الثالث: المصارحة والنصح للمسلمين

        فمما ينبغي على المسلمين عند نزول الأزمات أن يصارح المختصون العامة بحجم الأزمة النازلة، حتى يكونوا على وعي تام بحجم الأزمة التي نزلت بهم، والمصيبة التي حلَّت بساحتهم، فلا يجوز أن يكون المختصون في واد وبقيَّة الأمة في واد آخر، بل ينبغي أن يُشارك المختصون أمتهم في الأمور النازلة، ويُبينوا لهم خطورة الموقف؛ حتى لا يُفاجؤوا بأن العامة يتخذون مواقف سلبية تجاه الأزمات النازلة، أو أنهم لا يتخذون التدابير الوقائية التي نصحهم بها المتخصصون. إن معرفة الناس بحجم الأزمة النازلة يسهم في إيجاد وعي بها، ثم ينتج عنه انفعال واعي ومنضبط بحجم الأزمة النازلة، ثم تأتى بعد المصارحة التناصح، فينبغي أن ينصح كل مسلم أخاه بما وصل إليه من علم صحيح؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». رواه مسلم عن تميم الداري.

الأمر الرابع: التعاطف والتراحم بين المسلمين

        مما ينبغي أن يسود عند نزول الأزمات أن يتعاطف الناس وأن يتراحموا، وأن يعين بعضهم بعضا، وأن يتكاتف الكل يدًا بيد حتى تزول الغمة، وينجلي الكرب عن الأمة، فما أجمل أن نسمع عن شباب متطوع لإيصال الطعام إلى بيوت المرضى الذين حبسهم المرض في بيوتهم! وما أعظم هؤلاء الأطباء الذين يعالجون الناس عن طريق الهاتف أو صفحات التواصل في زمان نزول الأزمات، وامتناع الناس من الخروج من بيوتهم! هكذا ينبغي أن يكون المجتمع عند نزول الأزمات، تكاتف، وتراحم، وتعاطف، وتواد، وتحاب، وتناصر، بمثل هذا تزول الأزمات، وتنزل الرحمات. إن المسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل لابد أن يتعدى نفعه، وخيره للآخرين، وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات يكون الأمر أعظم، وفيه تظهر صورة المجتمع المسلم المتماسك والمتراحم والمتعاون، كما أمر الشرع بذلك، قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (الأنبياء:73). وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج:77).

الأمر الخامس: الثبات عند نزول الأزمات

      فالمسلم الحق لا تزلزله فتنة، ولا تعصف بقلبه مصيبة، فإيمانه في قلبه كالطود الأشم لا تعمل فيه الرياح، ولا تحرِّكه الأعاصير، لا تزيده قوة الابتلاء إلا قوة ثبات، كالمعدن الأصيل لا يزيده العرض على النار إلا لمعانًا وبريقًا، إن المؤمن الصادق في إيمانه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وأن ما يصيبه هو دائمًا خير له؛ فلهذا تراه مطمئنًّا في هذه الحياة، فلا تعمل فيه مصيبة، ولا تزلزله فتنة، حاله كحال أبي بكر - رضي اله عنه - حين نزلت به فتنة الردة، لم تزلزل قلبه العواصف، ولم تطش بلُبِّه الفتنة، وإنما وقف كالطود الشامخ، كالأسد يدافع عن أشباله، يكافح وينافح عن الإسلام، ويرفض أن ينقص شيء من الدين، ويقول في حزم: «أينقص الدين وأنا حي؟!»، حتى قالوا في وصفه: كانت الأخبار السيئة في هذه الأزمة تزيده قوةً، ذلك أنه يعلم صدق موعود الله، وأن الدين لن يضيع، وأن هذه الأمة لن تموت، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم عند نزول الأزمات، يعلم أن كل شيء بقدر، وأن ما أصابه خير له، فهو إن أصيب فصبر، فهو خير له، وإن عوفي فشكر، فهو خير له؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له» رواه مسلم. وهذا يثمر له الرضا بقضاء الله وقدره، ويجعله دائمًا في راحة نفسية، وطمأنينة قلبية.  

الأمر السادس الأخذ بالأسباب

       فمما ينبغي على المسلم في أوقات النوازل أن يأخذ بالأسباب التي ينصح بها المختصون في التعامل مع الأزمة النازلة، فلا يظُنَّنَّ عاقل أننا إذا قلنا أن ما يصيب المسلم هو دائمًا خير له، أن معنى ذلك ألا يحتاط لنفسه، وألا يأخذ بالأسباب التي يحفظه الله بها من الأمراض والابتلاءات، فليس من الدين التعرض للابتلاء، وليس من الدين أن يلقي المسلم بنفسه إلى التهلكة، ثم يقول: لن يصيبني إلا ما قُدِّر لي، فهذا فهم خاطئ، إن الذي قال لك واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، هو من قال لك: فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد، وهو الذي قال لك: لا يوردنَّ ممرض على مصح، فالفهم الصحيح يجمع بين النصوص، ويورث ردة الفعل الصحيحة، وأما الفهم الخطأ، فيؤدي بالمرء إلى الضياع، وبالأمة إلى الهلاك، فينبغي أن يشاع الفهم الصحيح، حتى لا يبقى مكان للفهم الخطأ الذي يضيع الجهد ويبدد الطاقات.  

الأمر السابع: اللجوء إلى الله -تعالى

        إن الواجب على المسلم في الأزمات أن يلجأ إلى الله -عز وجل-، فهو -سبحانه- بيده مقاليد كل شيء، ولا ينزل بلاء إلا بقدره، ولا يرفع إلا بإرادته، فعلى المسلم أن يتوجه إلى الله بضراعة أن يرفع البلاء عن الأمة، وأن يكشف الغمة عنا، فهو -سبحانه- القادر على كل شيء، وبيده مقادير كل شيء، وهو -سبحانه- حيي ستِّير يستحيي أن يرفع عبده إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين، وهو -سبحانه- أرحم بنا من أمهاتنا، فلو أخلصنا في الدعاء والتضرع، وصدقنا في عودتنا وأوبتنا إلى الله، لرفع الله البلاء ولكشف الضرَّ، والله عز وجل يبتلي عباده ليرجعوا إليه؛ قال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 42، 43). فالله -سبحانه- يبتلي عبادهم ليسمع بكاءهم وتضرُّعهم، فلو فعلوا لرفع عنهم البلاء، ولَمَنَّ عليهم بالعافية، فما بيننا وبين رفع البلاء إلا أن نرفع أكُفَّنا إلى الله عز وجل ونحن موقنون بأن رفع البلاء مقرون برفع الأيدي بالدعاء؛ قال -صلى الله عليه وسلم -: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً مِن قلب غافلٍ لاهٍ» أخرجه الترمذي.  

الأمر الثامن: عودة صادقة

         في مثل هذه الأوقات ينبغي علينا أن نسارع إلى التوبة من جميع الذنوب، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، هكذا قال العباس وعلي -رضي الله عنهما، ولَمَّا اضطربت المدينة في عهد عمر، وتزلزلت الأرض، قال عمر - رضي الله عنه - : ما هذا إلا بذنب أحدثتموه، ولو عادت فلن أساكنكم فيها، فعمر - رضي الله عنه - يوضح للأمة أن البلاء العام والفتن والأزمات العامة لا تقع إلا بذنب يُحدثه الناس، ونحن لا نسرح بطرفنا يمينًا ولا شمالًا إلا ونرى منكرًا قد ارتُكب أو معروفا قد تُرك، فعلينا أن نتواصى جميعًا بالتوبة، وأن نعلم أن ما أصابنا إنما هو بذنوبنا، وأن يتهم كل واحد منا نفسه بأنه السبب فيما أصاب الأمة من مصائب ومحن، وأن يجدد العهد مع الله على التوبة الصادقة، فلو فعلنا لغيَّر الله ما بنا، ولأذهب هَمَّنا، ولفرَّج كَربنا.

العمل الذي نراه تجاه هذه المصائب

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: العمل الذي نراه تجاه هذه المصائب التي حلَّت ببلاد المسلمين أن نلجأ إلى الله -عز وجل- في نصرة كل مخذول خذله أهل الباطل، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} (البقرة:186)، أما بالنسبة لهؤلاء الذين يؤذون، أو يقتلون، ويذبحون، فإن الله -سبحانه وتعالى- قال في حقهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142) ويقول -عز وجل-: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة:214) ونحث إخواننا المسلمين على مساعدة هؤلاء على قدر المستطاع بالمال،  بالجاه؛ لأن في ذلك تفريجاً لكرباتهم، وإشعارًا بأن إخوانهم المسلمين معهم في أي مكان.  

الإنابة إلى الله والرجوع إليه

       قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: لما كذّبت قريش رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأخبر الله نبيه أنه قد أهلك الأمم المكذبة للأنبياء والمرسلين السابقين عليه في قوله -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} (ق:36). وأنزل بعدها قوله -تعالى-: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق:37)؛ فعلى المؤمنين جميعًا أن يتقوا الله ويراقبوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وإذا ما حلّت بهم نازلةً من النوازل فعليهم أن يُنيبوا إلى الله ويرجعوا إليه ويفتشوا في أنفسهم عن أسباب ما حصل؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30)، وعليهم أن يتوبوا إلى الله مما حصل منهم من نقص في الطاعات أو اقتراف للسيئات، فإن التوبة من أسباب رفع المصائب، وعليهم أن يصبروا ويحتسبوا أجر ما حصل لهم من مصائب عند الله، قال -تعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157).  

الله -عز وجل- لن يضيع المسجد الأقصى

       سئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عن دور العلماء والدعاة تجاه ما يتعرض له المسجد الأقصى من محاولات التدنيس بل قد تصل إلى الهدم، فقال -حفظه الله-: الواجب عظيم في هذا المسجد الأقصى وجميع مساجد المسلمين، لكن المسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي يشد إليها الرحال، وهو من مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيجب على المسلمين أن يدافعوا عنه بكل ما أوتوا حتى يخلصوه من وطأة اليهود، الواجب على المسلمين عمومًا، لا على فرد من الأفراد فقط، كل بحسب استطاعته ومقدرته ولو بالبيان والتوضيح، ولو بالاتصال بالمسؤولين وولاة الأمور، وحثهم على العمل على تخليص المسجد الأقصى، فيجتهد المسلم بحسب ما يستطيع من إنكار هذا المنكر العظيم، والمطالبة بتخليص المسجد الأقصى من أيدي اليهود، ولن يخلَّص المسجد الأقصى إلا المسلمون الصادقون، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يكون في آخر الزمان، حتى إن أحد اليهود لو اختفى خلف الحجر والشجر فإن الحجر والشجر ينادي يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، فالفرج قادم إن شاء الله، والفرج قريب، والله -جل وعلا- لن يضيَّع المسجد الأقصى أبدًا.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك