رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: منذر المشارقة 6 مايو، 2024 0 تعليق

الاستفادة من المهارات القيادية في الدعوة إلى الله (4) توظيف قانون التأثير في القيادة الدعوية

  • الدعوة إلى الله تعالى تتطلب أكثر من مجرد نقل الرسالة بل تحتاج إلى منهجية واضحة ومهارات قيادية متقنة لتحقيق أقصى فائدة وتأثير أكبر
  • الاعتقاد بأن الداعية إلى الله يحتاج إلى منصب ليكون قائدًا فهم خطأ لأن القيادة التي تعتمد على المنصب تستمد قوتها من السلطة المرتبطة بالمنصب وليس من شخصية الداعية وقدرته الفعلية على التأثير
  • أثر النبي صلى الله عليه وسلم  ما يزال قويا متجددًا في الأمة فرسالته الخاتمة مصدر قوة للمسلمين رغم المحن التاريخية العظيمة التي تتعرض لها الأمة عبر تاريخها
 

التأثير القيادي هو القدرة الاستثنائية والفريدة على إحداث تأثير في سلوك الأفراد، بهدف تحقيق أهداف مشتركة ومرغوبة للجماعة أو المنظمة، يتطلب من الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى- أن يسعى للتأثير على الآخرين من خلال التأثير على تفكيرهم واعتقاداتهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير قدرات المدعوين وتعديل سلوكهم وتصرفاتهم لتكون موافقة للقيم والأخلاق الإسلامية، كما يجب أن يكون للداعية تأثير على آرائهم؛ بحيث تكون متوافقة مع الشرع، ولتحقيق هذه الأمور، يحتاج الداعية إلى اكتساب مهارات قيادية كبيرة.

        خلال مسيرتي المتواضعة في الدعوة إلى الله -تعالى-، التقيت بالعديد من طلاب العلم والمشايخ الذين يمتلكون معرفة واسعة ومهارات علمية كبيرة، على الرغم من ذلك، وجدت أن تأثير بعضهم على الآخرين ضعيف جدا، هم مجتهدون في تحصيل العلم الشرعي وصالحون في ذاتهم، لكن تأثيرهم في المجال الدعوي محدود، من هذه التجربة، تعلمت أن هناك اعتقادا خاطئا لدى الكثيرين، يفيد بأن كل طالب علم أو عالم بالضرورة يصلح ليكون قائدًا وموجهًا للآخرين، الحقيقة هي أن القدرة على التأثير على الآخرين تتطلب مهارات خاصة، يجب على الداعية اكتسابها ليحقق تأثيرًا ملموسًا.

فهم خطأ

        والاعتقاد بأن الداعية إلى الله يحتاج إلى منصب ليكون قائدًا هو فهم خطأ؛ لأن بعض الدعاة يسعون للحصول على مناصب في المؤسسات الخيرية أو الدعوية أو التطوعية ظنًا منهم أن هذا سيعزز من تأثيرهم على الآخرين، هذا يمثل مفهومًا مغلوطًا للتأثير الدعويإ إذ إن القيادة التي تعتمد على المنصب هي الأضعف؛ حيث يستمد الداعية قوته من السلطة المرتبطة بالمنصب وليس من شخصيته وقدرته الفعلية على التأثير بمعزل عن السلطة.

تأثير النبي - صلى الله عليه وسلم - على البشرية

        قال -تعالى-: {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (المائدة:15)، قال الطبري: «يَعنِي بالنور: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك؛ فهو نور لمن استنار به يُبَيِّنُ الحق، ومن إنارته الحق، تَبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب». ومن آثار هذا النور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعد أكثر شخصية مؤثرة في التاريخ كما ذكر ذلك (مايكل هارت) في كتابه الخالدون المائة، وذلك لأسباب نذكرها لتكون منهج حياة للدعاة إلى الله: (1) حياته - صلى الله عليه وسلم - تجسيد لرسالته إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي؛ لأن حياته - صلى الله عليه وسلم - تجسيد لرسالته، ورسالته جامعة بين الأمرين معًا: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77). (2) تأثير النبي - صلى الله عليه وسلم - متجدد إن أثر النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- ما يزال قويًّا متجددًا؛ إذ تظل رسالته الخاتمة مصدر قوة للمسلمين رغم المحن التاريخية العظيمة كمحن التتار والصليبيين، وبحفظ القرآن، تستمر الأمة في التجدد والعطاء؛ حيث استطاع المسلمون تجاوز أشد الأزمات وحتى تحويل بعض أعدائهم إلى أتباع لدينهم. (3) البيئة التي نشأ فيها - صلى الله عليه وسلم  أنه - صلى الله عليه وسلم - نشأ في بيئة ليس لها سابقُ عهدٍ بالحضارة والمدنية. (4) استطاع - صلى الله عليه وسلم - أن يوحد العرب استطاع - صلى الله عليه وسلم - أن يوحِّد العرب: وكانوا من قبلُ قبائل متفرقة متناحرة، لم تجمعهم رابطة، ولم ينتظمهم مُلك، وما عرفوا الوحدة إلا في ظل الإسلام، وما نعموا بالأخوة إلا بفضله قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران: 103).

استراتيجيات تقوية التأثير القيادي

 ومن هنا يحتاج الداعية إلى استراتيجيات مهمة للعمل على تقوية التأثير القيادي عند الداعية إلى الله، منها: أولا: شخصية الداعية شخصية الداعية، ومدى تحلي الداعية بشخصية جذابة ومؤثرة، وما تتصف به من قدوة حسنة، ومثالا يقتدى به، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة حسنة كما قال -تعالى- {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21)، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قدوة في حياته كلها، قدوة في القيادة وزوجا ومربيا وأبا وفي رضاه وغضبه، وفي شأنه كله، وهذا يستحيل أن يوجد في داعية آخر ولكن سددوا وقاربوا. ثانيا: تطوير علاقات بناءة العلاقات تقوم بدور أساسي في الدعوة؛ إذ تسهم في بناء الثقة وتحسين التواصل الفعال بين الداعية والمدعوين. من خلال تنمية علاقات قوية، يمكن للداعية أن يفهم دوافع الأفراد واحتياجاتهم، مما يساعده على تقديم الدعم الملائم، وهذا يشجع الأفراد على تحقيق الإنجازات والابتكار ضمن النطاق الدعوي، علاوة على ذلك، يمكن للداعية الذي يعرض سلوكيات قدوة أن يؤثر إيجابيا على سلوك الآخرين، معززًا التعاون والعمل الجماعي الذي يسهم في تحقيق الأهداف بكفاءة أعلى، دون علاقات سليمة بين الداعية وفريقه. ثالثا: العلم الشرعي من أهم أدوات التأثير الدعوي، هو الجانب المعرفي، فكلما كان هذا الجانب قويا زاد التأثير، قال -تعالى-: {قُلْ هذه سَبيلي أُدْعو إلى الله على بَصيِرة، أنا ومَن اتبّعني} (يوسف:108)، من الشروط الأساسية للداعية إلى الله هو امتلاك العلم، الذي من خلاله يمكن تمييز الحق من الباطل والسنة من البدعة، وكذلك التفريق بين الصواب والخطأ، ومن الضرورات للعلم الشرعي أن يُطبقه الداعية في حياته؛ فالتأثير الحقيقي للداعية على الآخرين يبدأ عندما يعمل بما يعلم، مما يسهم في تزكية نفسه ويظهر ذلك جليا في سلوكه وتواضعه للناس. رابعا: الخبرة والتجربة الخبرة والتجربة تلعبان دورا مهما في الدعوة إلى الله لعدة أسباب: 1- تمكن الداعية من الفهم الدقيق لكثير من النوازل الدعوية والتي تحتاج إلى بعد نظر وفهما عميقا، لتجنب تكرارا الأخطاء، وهذا على المستوى الفردي أو المؤسسي. 2- تساعد الداعية على تطوير مهارات التواصل والقدرة على التعامل مع الناس بمختلف أنماطهم وخلفياتهم. 3- قدرة الداعية على اختيار الوسائل الأكثر تأثيرا والأكثر نفعا، وتقديم الأهم ثم المهم، بناء على خبرته وتجربته. 4- تقلل المخاطر والأخطاء في البرامج الدعوية، وتعطي للداعية القدرة على تجاوز التحديات والصعوبات التي تواجهه في العمل الدعوي. خامسا: تحقيق إنجازات متميزة الإنجازات التي حققت خلال مسيرتك الدعوية لها تأثير كبير في الآخرين؛ حيث يميل الناس إلى متابعة والاقتداء بمن يرونه ناجحًا. أيضاً، تنمو ثقة المدعوين فيما تقوم به نتيجة هذه النجاحات. سادسا: وضوح رؤيتك المستقبلية من المهم جدًا معرفة ما الذي تستطيع إنجازه في المستقبل، فالتحديات في المجال الدعوي ضخمة وتحتاج إلى فهم عميق والقدرة على مواجهتها، كذلك الناس مهتمون بمعرفة ما تنوي تحقيقه في هذا المجال قبل أن يقرروا متابعتك والثقة في قدرتك على النجاح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك