رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 20 مايو، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في الحَائض والنُّفَساء إذا أرَادَتَا الإحْرَام

  • من أحكام الحديث مَشروعية الإهْلال بالتَّلْبيةِ عندَ الإحْرامِ في الحجِّ أوِ العُمرةِ ولو على غير طهارة وأنَّ المَرأةَ فيه كالرَّجلِ
  • الحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا وفي الحجِّ مَشقَّةٌ تَقتَضي التَّيسيرَ
 

عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا بَكْرٍ يَأْمُرُهَا: أَنْ تَغْتَسِلَ وتُهِلَّ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/869) باب: إحْرام النُّفَساء، واسْتِحباب اغْتِسالها للإحْرام، وكذا الحائض.

     تَرْوي عائشةُ أمُّ المؤمِنينَ -رضي الله عنها- أنَّ أَسْماءَ بنتَ عُمَيسٍ «نُفِسَتْ» بكسر الفاء، وأمّا النُّون ففيها الوجهان: الضّم والفتح، ونُفِسَتْ أي: وَلَدتْ، وسُمِّيَ نِفاساً لخُرُوجِ النَّفَسِ، وهوَ المَولودُ، أوِ خُروج الدَّمُ مِنَ الرّحم. والمعنى: أنّها ولدت، ويقال لمن حاضت: نُفِست أيضاً، إلا أنّ المَشهور قول لمَن ولدت: «نفست»، وأَسْماءُ بنتُ عُمَيسٍ هيَ الخَثْعمية صحابيّة، كانت زوجةً لجَعفر بن أبي طالب، ثمّ زوجةً لأبي بكر الصديق، ثمّ لعليّ بن أبي طالب. هاجرت أسماءُ للحبشة، ثمّ إلى المدينة، لذا فتُكنّى «صاحبة الهجرتين». لمَّا وَلَدتِ ابنَها مُحمَّدَ بنَ أَبي بكرٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- في طَريقِ الذَّهابِ لحَجَّةِ الوَداعِ، في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهِجرةِ، أمَرَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - زَوجَها أَبا بكرٍ أنْ يَأمُرَها أنْ تَغتسِلَ مِن نِفاسِها ودَمِها، وأنْ تُهِلَّ بالحجِّ، وهذا الاغتِسالُ للنَّظافةِ، لا للطَّهارةِ ورفع الحَدث، لأنَّ النُّفَساءَ كالحائضِ لا تَطهُرُ إلَّا بانْقِطاعِ الدَّمِ عنها. وَتُهِل: أي: تُلبي، وتقدَّم أن الإهلال أصْله: رَفْعُ الصّوت بالتّلْبية، إلا أنّ المرأة تَخْفضُ صوتها بحضرة الأجانب.

الحائض والنفساء وأعمال الحج

     وفيه: أنّ الحائضُ والنُّفَساءُ يصِحُّ مِنْهما جَميعُ أَفْعالِ الحجِّ، إلَّا الطَّوافَ بالبيت. ولمَا رَواه أيضاً النَّسائيُّ وابنُ ماجة: عن أبي بكرٍ - رضي الله عنه -: عن رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «وتَصنَعَ ما يَصنَعُ النَّاسُ» أي: منَ الذِّكرِ والتَّلْبيةِ، وتقِفُ بمِنًى وعَرفاتٍ والمُزدَلِفةِ، «إلَّا أنَّها لا تَطوفُ بالبيتِ» أي: لا تَطوفُ بالكَعبةِ المُشرَّفةِ، طوافَ الرُكنِ وهو الإفاضة، إلَّا بعدَ أنْ تطهُرَ منَ النِّفاسِ، ثمَّ تطوفَ. وقَولُه: «بالشَّجرةِ» هي الشَّجرةُ الَّتي كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنزِلُ تحتَها عندَ خُروجِه منَ المدينةِ إلى مكَّةَ للعُمرةِ أوِ الحجِّ، فكان يَنزِلُ تحتَ ظِلِّ هذه الشَّجرةِ ويُصلِّي، ثُمَّ يُهِلُّ مُحْرِماً يُريدُ العُمرةَ أوِ الحجَّ. وفي رِوايةِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ عندَ مُسلمٍ أنَّها نُفِسَتْ بِذي الحُلَيفةِ، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «بالبَيداءِ» هَذه المَواضعُ الثَّلاثةُ مُتقاربةٌ، فالشَّجرةُ بِذي الحُلَيفةِ، وأمَّا البَيداءُ فهيَ بطَرفِ ذي الحُلَيفةِ. يُؤخذ من الحَديث الأحْكام التالية:

الحُكمُ الأول

     مَشْروعية الاغْتسال عند الإحْرَام، بل هو سُنّة مؤكّدة، ووجه ذلك: أنّ أسْماء بنتَ عُميس -رضي الله عنها- نُفَسَاء، وهي وإنْ اغْتَسلت لنْ تستحلَّ بغُسْلها صلاةً ولا غيرها، ومع ذلك أمَرها النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ تَغْتسل، والاغْتسال للإحْرام مُسْتحبٌ بالإجْماع، ونقل ابن المنذر -رحمه الله- الإجْماع على أنّ الإحْرام بغير اغتسالٍ جائز. انظر الإجماع (ص: 55). فجمهور العُلَماء أنّ الاغتسال عند الإحْرام مُسْتحب، حتى للحائضِ والنّفساء لحديث الباب، انظر المغني (5/75)، وخالف ابنُ حزم -رحمه الله-، فقال بوجُوبه على النُّفَساء دون الحائض، أخذاً بظاهر حديث الباب، انظر المحلى (7/82)، وأيضا: فإنّ الاغتسالَ للإحْرام لا يجبُ، وأنّ الإجْماع على جَواز الإحْرام بدُونه.

الحكم الثاني

      صحّة التعبد بالاغْتِسال عند الإحْرَام مِنَ الحَائض والنُّفَساء، وكذا في جميع أفعال الحج يصحُّ منْهما، إلا الطّواف بالبيتِ وركعتيه، لقول النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «افْعَلي ما يفعلُ الحاج، غيرَ ألا تَطُوفي بالبيتِ حتّى تَطْهُري».

الحكم الثالث

      صِحَّةُ إحْرامِ النُّفَساءِ والحَائضِ، معَ اغتِسالِهما للإِحْرامِ، فالحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وفي الحجِّ مَشقَّةٌ تَقتَضي التَّيسيرَ، ومِن ذلكَ: أنَّ المَرأةَ المُحرِمةَ إذا وَلَدتْ في أَثناءِ إحْرامِها، وقَبلَ البَدءِ في أَعْمالِ الحجِّ، فلَها أنْ تَغتَسلَ وتَتطهَّرَ، وتُهِلَّ بالحجِّ، غيرَ أنَّها لا تَطوفُ إلَّا بعدَ طَهارتِها الكاملةِ. وَفي هذا تَيسيرٌ عَليها حتَّى لا يَفوتَها الحجُّ في أيَّامِه المَعلومةِ.

الحُكم الرابع

     ما في الإسْلامِ مِنْ يُسرٍ ورفع حرَجٍ عن المُكلفين وتخفيف على أصحاب الأعذار، ومن ذلك: رِعايتُه للمَرأةِ النُّفَساءِ والحَائض عند الإحرام، حتَّى لا يَفوتَها الحجُّ، وتُضْطرَّ للعَودةِ إليه في سَنةٍ قادمةٍ، وربّما أصابها ما أصابها في العام الأول.

الحكم الخامس

مَشروعية الإهْلال بالتَّلْبيةِ عندَ الإحْرامِ في الحجِّ أوِ العُمرةِ، ولو على غير طهارة، وأنَّ المَرأةَ فيه كالرَّجلِ.  

من شروط الدعوة إلى الله -تعالى

الدعوة إلى الله -تعالى- وتربية النفوس وتزكيتها وتعريف الخلق بخالقهم من أعظم الطاعات وأجلِّ القربات، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينََ} (فصلت:٣٣)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» متفق عليه. ويشترط في الدعوة إلى الله -تعالى- أن تكون لله وحده لا شريك له؛ فيجب أن يكون الداعية متعبدا لله بالدعوة إليه مخلصًا له، ولا يجوز أن يكون قصده أغراضًا دنيويةً كحب الشهرة أو استمالة الناس إلى أهدافٍ دنيويةٍ كالجماعات والأحزاب، بل الواجب على الداعية أن يكون قصده من الدعوة إلى الله هداية الناس وتعريفهم بربهم وبما يقربهم إليه، وتحذيرهم مما يبعدهم عن الله ويسخطه عليهم، وأساس الدعوة العلم؛ فيشترط على الداعية أن يكون عالمًا بما يدعو إليه مما يأمر به أو ينهى عنه، فلا يأمر إلاّ بالمعروف ولا ينهى إلاّ عن المنكر،  ويبدأ بالمتفق عليه ولا يشدد في المختلف فيه. ومما يشترط في صحة الدعوة وسلامتها عن الأغراض الدنيوية، أن يكون الباعث عليها الشفقة على المدعوين ورحمتهم، وهذا مدخل أساسي في دعوة العامة والأبرياء، ولاسيما وأنّ الأكثرية من الدعاة اليوم يمارسون الدعوة في أوساط المجتمع المسلم؛ فدعوتهم تعليم وتذكير وتزكيةٌ وتصويب وتصحيح لما يختل من مفاهيم الإسلام في أذهان أو سلوكيات المسلمين، سواء في القضايا العقدية أم العملية؛ ولهذا لابد أن يصدر الخطاب الدعوي من قلب رحيم مشفق ولسانٍ مسدد عفيف. قال -تعالى في وصف صاحب الدعوة وإمام الدعاة صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة ١٢٨) فيجب أن يكون قدوة الدعاة هو صاحب الدعوة وحامل لوائها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك