رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 2 سبتمبر، 2024 0 تعليق

ندوة الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما

  • الشثري: من شروط الفتوى معرفة المفتي بالحكم الشرعي والمسألة المسؤول عنها معرفة تامة وألا يستعجل في المسألة فيحكم فيها قبل تمام النظر وأن يكون المفتي من أهل الاجتهاد الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد
  • الغصن: من ضوابط الفتوى ربطها بالدليل من الكتاب والسنة بما يجعل المستفتي يدرك أن الفتوى في الحرمين الشريفين تأتي من خلال تحرى الدليل الشرعي
  • بليلة: مِمَّا ينفَعُ في بابِ التَّيسيرِ في الفَتوى على قَاصِدِي المسجِدِ الحرامِ والمسجِدِ النَّبَوِيِّ مَجمُوعَةٌ مِن القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ الَّتِي يَنبَغِي أن تَكُونَ عَلى ذِكْرٍ واِسْتِحضارٍ مِن المُفْتِي؛ كقاعِدَة «المَشَقَّةُ تجلِبُ التَّيْسيرَ»، وقاعِدَةِ: «لا تكلِيفَ إلا بمقْدُورٍ»
  • الشنقيطي: الفتوى لم تقتصر على النبي صلى الله عليه وسلم  فقط بل شارك فيها عدد من الصحابة الذين أخذوا الدين من منبعه الصافي وقدموا الفتاوى وفق ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • البعيجان: الإفتاء كان مقتصرًا على أهل العلم والفضل والكفاءة والخلفاء الراشدون كانوا يتابعون الفتاوى التي تصدر في زمنهم ويحرصون على ضبطها وفق منهج منضبط
  • السلمان: الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة لا تتغير بمرور الزمان ولا بتغير الأحوال وإنما الفتوى هي التي تتغير بناء على أصول شرعية وعلل ومصالح مرعية موافقة لما في الكتاب والسنة
  • الغفيلي: تأصيل الفتاوى مهم في تحقيق الاعتدال والوسطية والاستقرار الاجتماعي والثقافي والفتوى التي تتوافر فيها الضوابط والشروط الشرعية تعد فتوى شرعية يجب العمل بمقتضاها
  • البدير: على المفتي أن يجيل النظر في الأوصاف الفقهية المناسبة للنازلة وينظر في الملابسات والظروف المحيطة بها لأن قوله نافذ واجتهاده ماضٍ
  • الثبيتي: الفتوى إخبار عن حكم الشرع في قضية مسؤول عنها وربما وقعت ابتداء بغير سؤال توجيهاً للعامة في نازلة أو تصرف
 

رعى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، ندوة: (الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها في التيسير على قاصديهما) بنسختها الثانية، التي نظمتها رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي بالتعاون مع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك في رحاب المسجد النبوي الشريف، بدأت الندوة بكلمة سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، ألقاها نيابة عن سماحته، معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ د.فهد الماجد، ثم ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي فضيلة الشيخ د.محمد بن عبدالكريم العيسى، كلمة الجهات المشاركة في أعمال الندوة، ثم تحدث رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ د.عبدالرحمن السديس مبينًا أنَّ هذه الندوة تأتي امتداداً لجهود قادة المملكة في خدمة الحرمين الشريفين، وإيصال رسالتهما السامية إلى العالم أجمع، وفق منهجها الوسطي القويم، المستمد من كتاب الله -عزوجل- وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم .

الجلسة الأولى

الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها على قـاصـديهمـا المسجد النبوي أنموذجاً

انطلقت أولى جلسات الندوة يوم الأربعاء 28 أغسطس 2024، وترأس الجلسة معالي المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د.صالح بن عبدالله بن حميد، وجاءت الجلسة تحت عنوان: (الفتوى في الحرمين الشريفين وأثرها على قاصديها-المسجد النبوي أنموذجًا) ومقررها وكيل الرئيس العام لشؤون الدينية بالمسجد النبوي د.محمد بن أحمد الخضير.

منزلة الفتوى ومكانتها

      وتحدث خلالها معالي المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للفتوى الشيخ د.سعد بن ناصر الشثري، عن منزلة الفتوى ومكانتها في الحرمين الشريفين، وأوضح من خلالها أن المفتي هو الذي يخبر عن حكم الله -عزوجل-، لا على جهة الإلزام، فليس قاضيًا، وأن المستفتي هو السائل للمفتي عن الأحكام الشرعية.

شروط الفتوى

     ثم تطرق د.الشثري إلى شروط الفتوى، وهي معرفة المفتي بالحكم الشرعي، والمسألة المسؤول عنها معرفة تامة، وألا يستعجل في المسألة فيحكم فيها قبل تمام النظر، وأن يكون المفتي من أهل الاجتهاد الذين توفرت فيهم شروط الاجتهاد، وأضاف أنه يشترط لوجوب الفتوى من المفتي شروط، منها أن تكون المسألة سبق وقوعها، وأن تكون المسألة مما يتعلق بعمل السائل، وألا يترتب على الفتوى ضرر أكبر، وألا يوجد في ذلك البلد إلا ذلك المفتي، وأن يكون ذهن السائل مما يستوعب هذه المسألة.

التيسير في الفتوى في الحرمين الشريفين

     من جهته تناول عضو هيئة كبار العلماء، إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ بندر بليلة موضوع التيسير في الفتوى وأثره على الزائرين والقواعد الشرعية المتعلقة بالتَّيسير، والتي يستخدمُها الفقهاءُ فيما يتعلق بأمور المناسكِ، وزيارة الحرمين الشريفين، وتطبيقاتها المستجدة العديدة، وأوضح أنَّ الفَتوَى إذا قامَتْ على أُسُسٍ صَحِيحَةٍ، مِن جِهَةِ أهلِيَّةِ المُفتِي للنَّظَرِ والاِسْتِدْلالِ، معَ استحضارِهِ لحالِ المُستَفتِي، كانَتْ مِن أعظَمِ ما يُسَهِّلُ على العِبادِ أُمُورَ دِينِهِمْ ودُنياهُمْ، وبِخَاصَّةٍ عَلى قاصِدِي الحَرمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ؛ وذلكَ لِكثْرَةِ ما يَعْرِضُ لهُمْ مِن المسائِلِ والإِشكالاتِ. وأضاف الشيخ د.بندر بن عبدالعزيز بليلة أن مِمَّا ينفَعُ في بابِ التَّيسيرِ في الفَتوى على قَاصِدِي المسجِدِ الحرامِ والمسجِدِ النَّبَوِيِّ، مَجمُوعَةٌ مِن القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ، الَّتِي يَنبَغِي أن تَكُونَ عَلى ذِكْرٍ واِسْتِحضارٍ مِن المُفْتِي، كقاعِدَة (المَشَقَّةُ تجلِبُ التَّيْسيرَ)، وقاعِدَةِ: (لا تكلِيفَ إلا بمقْدُورٍ)، وقاعِدَةِ: (الضَّرُوراتُ تبيحُ المحظُوراتِ)، وقاعِدَةِ: (الحاجَةُ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرُورَةِ).

ضوابط الفتوى في الحرمين الشريفين

     بينما تطرق المدرس بالمسجد النبوي الشيخ د.سليمان بن صالح الغصن إلى ضوابط الفتوى في الحرمين الشريفين وقال إن من ضوابط الفتوى ربطها بالدليل من الكتاب والسنة، بما يجعل المستفتي يدرك أن الفتوى في الحرمين الشريفين تأتي من خلال تحرى الدليل الشرعي. وحول الشروط الأساسية الواجب توفرها في المفتي أوضح د.الغصن وجوب علم المفتي بالكتاب والسنة، والقدرة على التمييز بين صحيح المرويات من ضعيفها، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأنواع الدلالة، وقواعد فهم الخطاب، ومواطن الإجماع، وغير ذلك من الصفات التي سطرها العلماء في كتبهم، وبين أن من ضوابط الفتوى سلوك منهج الوسط والاعتدال، واليسر ورفع الحرج، والبعد عن التشدد والانحلال، والإفراط والتفريط، فهذا هو منهج الإسلام.

الجلسة الثانية

الفتوى فــــي عـهـــد النبي صلى الله عليه وسلم  وعهد الخلفاء الراشدين

 

جاءت الجلسة الثانية بعنوان (الفتوى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم  وعهد الخلفاء الراشدين)، وكانت برئاسة معالي المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالمحسن التركي، ومقرر الجلسة الشيخ سلمان بن صالح المقوشي.

الفتوى في العهد النبوي

         تحدث الشيخ د.عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي، المدرس بالمسجد النبوي، عن منهج الفتوى في العهد النبوي، وأوضح أن الفتوى لم تقتصر على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، بل شارك فيها عدد من الصحابة الذين أخذوا الدين من منبعه الصافي، وقدموا الفتاوى وفق ما سمعوه من رسول الله، مع مراعاة الفروق بين المستفتين، وأضاف أن فتاوى النبي تميزت بالوضوح والحكمة، وخاطبت الناس بما يناسبهم، مما جعلها تلقى قبولًا واسعًا وسهولة في الفهم.

منهج الفتوى في عهد الخلفاء الراشدين

         من جهته، تناول إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان (منهج الفتوى في عهد الخلفاء الراشدين)، مشيرًا إلى أن الإفتاء كان مقتصرًا على أهل العلم والفضل والكفاءة، وأوضح أن الخلفاء الراشدين كانوا يتابعون الفتاوى التي تصدر في زمنهم ويحرصون على ضبطها وفق منهج منضبط.

أهمية تأصيل الفتاوى

           ثم تحدث د.عبدالله بن سليمان الغفيلي، عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عن أهمية تأصيل الفتاوى على ضوء المنهج النبوي ودور ذلك في تحقيق الاعتدال والوسطية والاستقرار الاجتماعي والثقافي، وأكد أن الفتوى التي تتوافر فيها الضوابط والشروط الشرعية تعتبر فتوى شرعية يجب العمل بمقتضاها.

تطبيقات الفتاوى في الحرمين

وفي نهاية الجلسة، تحدث د.عبدالسلام بن محمد الشويعر عن تطبيقات الفتاوى على ضوء المنهج النبوي في الحرمين، وخصائص فتاوى النبي -صلى الله عليه وسلم - وأدب السلف في الفتوى.

الجلسة الثالثة

جهود الممـلكـة في تأصـيـل منهـج الفتوى وتعزيـز دورها فـي الحرمـين

عُقدت الجلسة الثالثة وكانت بعنوان: (جهود المملكة في تأصيل منهج الفتوى وتعزيز دورها في الحرمين)، وترأَسَها معالي المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ د.عبدالله بن سليمان المنيع.

جهود رئاسة الإفتاء في نشر الفتوى

           وفي بداية الجلسة، تحدث معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ د.فهد بن سعد الماجد عن «جهود رئاسة الإفتاء في نشر الفتوى»، وقال: إن الإفتاء له منزلة عظيمة في الشريعة الإسلامية، ويدل لذلك الإشارة إليها في كتاب الله؛ حيث أمر الله -تعالى- بسؤال أهل الذكر، وأنكر أشد النكير على من قال عليه بغير علم، مُشيرًا إلى أن عدم ضبط الفتوى قد يُوقع عموم الناس في الفوضى والاختلاف، ولهذا كان من مسؤوليات ولاة الأمر ضبط الفتوى، وشواهد التأريخ تؤيد ذل.

عناية الدولة بالإفتاء

         ونوَّه الشيخ الماجد بما أولته هذه الدولة المباركة من عناية عظيمة بالإفتاء، وقال « نص النظام الأساسي للحكم عليها، فجعل مصدرها كتاب الله -تعالى-، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن النظام ترتيب هيئة كبار العلماء، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، وجاءت الأوامر الكريمة والتعليمات السامية مؤكدة اختصاص هاتين الجهتين بشأن الإفتاء في البلاد، لافتاً النظر إلى أن اللجنة الدائمة تتفرع عن هيئة كبار العلماء، وأعضاؤها يُختارون بأمر ملكي كريم من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، وأن هيئة كبار العلماء تنظر في المسائل العامة التي تهم عموم الناس، في حين أن اللجنة الدائمة تنظر في المسائل الجزئية التي تهم أفرادهم».

أثر الفتوى في تعزيز مكانة الحرمين الشريفين

        كما تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د.عبدالباري بن عواض الثبيتي عن (أثر الفتوى في تعزيز مكانة الحرمين الشريفين)، وتناول في مقدمة البحث تعريف الأثر لغة واصطلاحاً، وأنه في اللغة ما بقي من رسم الشيء؛ أي ترك فيه أثراً حسياً كان أو معنوياً، وأنه في الاصطلاح يأتي بمعان عدة، منها: ما يترتب على الشيء، وهو المعنى المراد به عند الفقهاء بالحكم. ثم تابع الثبيتي بتعريف الفتوى قائلًا: إن الفتوى إخبار عن حكم الشرع في قضية مسؤول عنها، وربما وقعت ابتداء بغير سؤال؛ توجيهاً للعامة في نازلة أو تصرف، لافتاً النظر إلى أهم معالم أثر الفتوى في الحرمين، ومن ذلك: تعزيز مكانة الحرمين الشريفين، وأثر الدروس المقامة في الحرمين، وكذلك التيسير ورفع الحرج، ومكافحة التطرف وتعزيز الأمن الفكري، وحفظ الدين.

دور المنبر الخطابي في تعزيز مكانة الحرمين

         كما أشار الثبيتي إلى دور المنبر الخطابي في تعزيز مكانة الحرمين من خلال توعية الناس، وحثهم على سؤال الثقات من العلماء، وقدم جُملةً من الوصايا والمقترحات لرفع مستوى الخدمة في جانب الفتوى في الحرمين، من ذلك: توثيق الفتاوى، ومراعاة المفتي للمذهب السائد لدى المستفتي، وإقامة الدورات العلمية في مناهج الإفتاء، وإنشاء منصة إلكترونية أو قناة فضائية وأخرى إذاعية خاصة بالحرمين في مجال الفتوى، والعناية بمكتبات الحرمين فهي تعد من أكبر مكتبات العالم الإسلامي، وأنها رافد مهم للمفتي والمستفتي، وكذلك الإفادة من طلاب العلم الدارسين في الجامعة الإسلامية؛ وذلك لدعم الترجمة لأسئلة الزوار والإجابة عليها.

أثر الفتوى في تحقيق السمع والطاعة

         بدوره، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د.خالد بن سليمان المهنا عن (أثر الفتوى في تحقيق السمع والطاعة ولزوم الجماعة)، وقال: إن من أجلِّ ما يستعان به على تحقيق وحدة المسلمين، واجتماع كلمتهم على الحق: ضبط الفتوى في الحرمين الشريفين؛ لتجيء موافقةً لمراد الله ورسوله، محققةً لما تشوفت له الشريعة من لزوم جماعة المسلمين، مُشيراً إلى أن التيسير على قاصدي الحرمين الشريفين في الفتوى، هو منهج الشريعة الإسلامية الغراء، وتطبيقٌ للقواعد الكبرى لهذا الدين؛ كقاعدة: «المشقة تجلب التيسير»، وقاعدة «رفع الحرج عن المكلفين»، وقاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وأن قواعد الشريعة الإسلامية المحكمة مشيَّدةٌ على أدلة الوحيين (الكتاب والسنة)، وعلى رأسها تلك النصوص المتعلقة بأحكام العبادات المرتبطة بالحرمين الشريفين، ومن أشهرها وأكثرها استدلالًا واستعمالًا فتاوى إمام المفتين - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، لمن سأله يوم النحر، فإنه لم يسأل عن شيء قدم ولا أُخر في ذلك اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج».

مراعاة المصالح الراجحة

         وبيَّن د.المهنا: أن العالِم قد يترك فعل الأفضل أو الإرشاد إليه؛ لمصلحةٍ راجحةٍ عليه تتعلق بعموم جماعة المسلمين، مستدلًا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة -رضي الله عنها-: «لولا قومك حديثٌ عهدهم، لنقضتُ الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس وبابٌ يخرجون»، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصاً على جمع الكلمة، وإرشاده إلى الاجتماع بالأبدان؛ حذراً من أن يؤدي تفرُّق الأبدان إلى افتراق القلوب ومنافرة النفوس.

اجتماع كلمة المسلمين

          وذكر الشيخ المهنا أن من شواهد تشوُّف الشريعة لاجتماع كلمة المسلمين: ما سار عليه الخلفاء الراشدون من توحيد العمل والفتوى في العبادات العامة التي يجتمع لها الناس، مؤكِّدًا ذلك بجملة من الشواهد؛ منها: أن عمر - رضي الله عنه - جمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألهم عن التكبير على الجنازة، فأخبروه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبَّر خمساً وستاً وأربعاً، فجمعهم - صلى الله عليه وسلم - على أربع تكبيرات، مُشيراً إلى دور أئمة الدين في اجتماع كلمة المسلمين، فقد جمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على قراءة واحدة، وفي العصر الحديث إبطال الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تفرُّق الناس وصلاة كل واحدٍ خلف إمام مذهبه، وتعيينه إماماً واحداً يصلي الناس كلهم خلفه.

جهود رئاسة الشؤون الدينية في إرشاد السائلين في الحرمين

          كما تحدث وكيل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد النبوي الشيخ د.محمد بن أحمد الخضيري عن «جهود رئاسة الشؤون الدينية في إرشاد السائلين في الحرمين»، وقال: إن الإقبال المتزايد على الحرمين الشريفين، ولا سيما في ظل رؤية (2030) التي تستهدف زيادة أعداد القاصدين إلى (5) ملايين حاج، و(30) مليون معتمر سنويًّا؛ تُظهر أهمية وجود جهة قادرة على مواكبة أعدادهم، وتلبية احتياجاتهم من الخدمات الدينية المتنوعة، وهذا ما أُنشئت لأجله رئاسة الشؤون الدينية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، مُستعرضاً لمحةً عن برنامج إجابة السائلين في الحرمين الشريفين الذي يقدمه أصحاب الفضيلة المشايخ على مدار (24) ساعة، من خلال وسائل متنوعة يصل إليها القاصد بيسر، ومن هذه الوسائل؛ مكاتب وكبائن التوجيه، والهواتف الداخلية المنتشرة في أروقة الحرمين، وأرقام الاتصال المجاني، والروبوت التوجيهي، وأشار إلى أن عدد المشايخ المشاركين في البرنامج يبلغ (84) في الحرم المكي، و(20) في المسجد النبوي، مبينًا أن البرنامج يوفر الترجمة بين السائل والمجيب بأكثر من (10) لغات عالمية.

الجلسة الرابعة

أثر الفتوى في التيسير على المرأة الزائرة للمسجد النبوي وتطبيقاتها

 

جاء عنوان الجلسة الرابعة: (أثر الفتوى في التيسير على المرأة الزائرة للمسجد النبوي وتطبيقاتها)، ورأَسَها معالي الأمين العام لهيئة كبار العلماء الشيخ د.فهد بن سعد الماجد.

تطبيقات فقه التيسير على فتاوى الزائرات بالمسجد النبوي

        وخلال الجلسة، تحدث الأستاذ المُشارك بالمعهد العالي للقضاء الشيخ د.أحمد بن عبدالرحمن آل الشيخ، عن (تطبيقات فقه التيسير على فتاوى الزائرات بالمسجد النبوي)، وأشار إلى أن تعبير القرآن والسنة عن التيسير في 4 نقاط: التيسير، ورفع الحرج، ورفع الضرر، ورفع المشقة، وأنْ التيسير يشمل الدين كله، أصوله وفروعه، ظاهره وباطنه، وينتظم المكلفون كلهم، ذكورهم وإناثهم، إلا ما دل الدليل على التخصيص. وذكر أنَّ من التيسير مراعاة الأعراف والعادات في لباس الزائرة إذا كان موافقاً للضوابط العامة في لباس المرأة، وقال: إنَّ المرأة المسلمة مع أنها مُطالبة بالقرار في بيتها إلا أنها تحتاج من حين لآخر أن تشهد العبادات العظيمة، كالصلاة والتراويح والعيدين والجنائز، حتى تنشط في العبادة ولا يصيبها الملل، سارداً جملةً من التطبيقات في التيسير على الزائرات للمسجد النبوي مثل: الفتوى بجواز لبث الحائض في ساحات المسجد النبوي، ولو كان مسوراً، فإنه لم يُبن لجعل الساحات ضمن المسجد، وإنما أوجد للحماية الأمنية.

التدابير المتعلقة بالزائرة للحرمين

         وأبان أن من التيسير والتدابير المتعلقة بالزائرة للمسجد النبوي من الدولة -وفقها الله-، والمبنية على الشريعة الإسلامية، وتحافظ على خصوصية المرأة، وتحقق المحافظة عليها: تحديد أبواب خاصة بالمرأة في دخولها للمسجد وخروجها منه، والفاصل الكبير بين النساء والرجال في الصلاة، مؤكداً أن الدولة -سددها الله- يسرت سبل حصول الزائرات على الفتوى من أصحابها المؤهلين لها، فقامت بتوفير المرشدات والمعلمات في كل أرجاء المسجد النبوي، ويسرت ذلك أيضاً عن طريق الاتصال الهاتفي وعبر سبل التواصل الاجتماعي؛ ليسألن أهل الذكر، ويكونن على بصيرة من أمر عقائدهن وعباداتهن، وهذا من أحسن التيسير وأفضله.

تفعيل مقاصد الشريعة في إفتاء زائرات المسجد النبوي

         كما تحدث أستاذ الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية الشيخ د.سليمان بن سليم الله الرحيلي عن (تفعيل مقاصد الشريعة في إفتاء زائرات المسجد النبوي)، مُبيناً أهمية الفتوى عموماً وفي الحرمين خصوصاً، العلاقة بين الفتوى ومقاصد الشريعة، وأهم المقاصد المؤثرة في إفتاء زائرات المسجد النبوي، مؤكداً أن الإفتاء منصب كبير، وعمل عظيم، يتولى صاحبه تعليم الناس أحكام دينهم، وتوضيح طريق الشرع لهم، وبيان الحلال والحرام، والجائز والممنوع، ويقوم مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في وراثته لعلم الشريعة، وتبليغها للناس.

أهم المقاصد التي ينبغي تفعيلها

          وتابع: أن الناظر إلى الواقع والوقائع يدرك أن أهم المقاصد التي ينبغي تفعيلها في إفتاء زائرات المسجد النبوي مقصد التيسير الشرعي، وهو غير التساهل الذي تقدم ذمه والدين كله يسر، فقد أخبر الله تعالى أنه يريد إرادة شرعية بنا اليسر فقال -سبحانه-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ}، مُفيداً: والأصل أن الدين كله يسر إلا أنه قد يطرأ على المكلف عوارض تجعل الأمر شاقاً عليه مشقة خارجة عن المعتاد، فيخفف عنه تخفيفاً يُزيل عنه المشقة، فالمشقة تجلب التيسير وإذا ضاق الأمر اتسع وإذا اتسع ضاق.

دور المرأة في توجيه الزائرات وإرشادهن

        بدورها، تحدثت عضو هيئة التدريس بجامعة طيبة د.أسماء بنت علي الحطاب، عن «دور المرأة في توجيه الزوار وإرشادهم (الفتوى نموذجاً)، منوهةً بأهمية مشاركة المرأة في توجيه وإرشاد الزائرات، وأن وجود المرأة الموجهة والمفتية بين مجتمع الزائرات أمر ضروري؛ فللنساء أسئلتهن الخاصة التي يتحرجن من ذكرها للرجال، والموجهة تفهم من حال السائلة ومشاعرها وما في طيات كلامها ما لا يخطر على ذهن الرجل، مُشيرةً إلى أن وجود المرأة الموجِّهة والمفتية بين الزائرات، يجعلها تلاحظ النقص فتكمله، والخطأ فتصلحه، والمنكر فتنهى عنه، والجهل فترفعه -بإذن الله-. موضحةً أن العلماء لم يختلفوا في جواز أن تفتي المرأة غيرها، وأن تاريخ الإسلام حافل بسِير من تصدَّين للفتوى من النساء. وأشادت بمشاركة المرأة في توجيه وإرشاد النساء من خلال إدارة شؤون السائلين، التي خصصت عدة مواقع بالمسجد النبوي لاستقبال أسئلة الزائرات طوال العام، مع الإفادة من كراسي الدروس الموسمية، التي تتولى التدريس والإرشاد بها كفاءات علمية من معلمات كلية الحرم ومعهده، وعضوات هيئة التدريس بجامعة طيبة.

حصر الأسئلة المتكررة من الزائرات

         وذكرت د.أسماء أن العاملات في حقل التوجيه والإرشاد بالمسجد النبوي قمن بحصر الأسئلة المتكررة من الزائرات في استبانة، استُخرجت أجوبتها من فتاوى هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء؛ وذلك لضبط الفتوى وتوحيدها، ولإيجاد مرجع قريب يكون زاداً للمفتيات والموجهات، مُثمنةً حرص رئاسة الشؤون الدينية على تطوير برنامج إرشاد السائلين، بالدورات التدريبية الموجهة للعاملات فيه، ومشيدةً بمبادرة (كرسي الأئمة للإفتاء وإجابة السائلين بالمسجد النبوي)، التي يشارك فيها أئمة المسجد وخطباؤه الفتيا والتوجيه، داعية إلى توسيع نطاقها لتشمل الكفاءات العلمية بالمؤسسات التعليمية في المدينة المنورة.

الجلسة الخامسة

الفتوى فـي العصر الرقمي وأثـــر التقنية فــي تعزيزها

كانت الجلسة الخامسة بعنوان: (الفتوى في العصر الرقمي وأثر التقنية في تعزيزها) برئاسة معالي المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للفتوى الشيخ د.سعد بن ناصر الشثري ومقررها المشرف على الشؤون الدينيّة والتدريبية والتوعية الفكرية د.وليد بن صالح باصمد.

أخلاقيات الفتوى الرقمية

        واستهل الجلسة عضو هيئة كبار العلماء معالي الشيخ د.يوسف بن محمد بن سعيد بالحديث عن أخلاقيات الفتوى الرقمية، موضحًا أن على المفتي الرقمي الحرص على تقديم الأسبق في الاتصال والتواصل، وألا يتأخر في الإجابة، فهذا مقتضى العدل والإحسان وأن يكون كلامه واضحًا مُزيحًا للإشكال، بعيدًا عن المحتملات من الألفاظ وأن يبين دليل الحكم ومأخذه وأن يترك التسرع في الفتوى، مع مراعاة المذاهب الفقهيَّة للمناطق التي يرد منها السُّؤال، ومراعاة ما يمكن نشره من الفتاوى، مما لا يصلح للنشر.

أثر التقنية في تغير الفتوى

        من جانبه تحدث أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء سابقًا د.هشام بن عبدالملك آل الشيخ عن أثر التقنية في تغير الفتوى وبين أن تغيير الحكم، أو رفع الخلاف، هي مهمة المجامع الفقهية والهيئات الشرعية المتخصصة، وهي المخولة ببحث تلك المسائل، والنظر فيما يستجد من تقنيات حديثة تفيد الناس، وأضاف أن التطور والتجديد ومسايرة العصر لا يعني التبديل، والتحريم، وتحكيم الهوى والشهوة، لكنه يعني العودة إلى أصول الشريعة، وقواعدها الثابتة التي ترمي إلى إحقاق الحق، وإرساء العدل والإنصاف في كل الأزمنة والأمكنة والأحوال والعصور، وذكر فضيلة الشيخ د.هشام بن عبدالملك آل الشيخ، أن المراد بأثر التقنية ما يترتب من نتائج وأحكام على الأخذ بالتقنية في مجال الأحكام الشرعية التي اختلفت فيها أنظار الفقهاء، والتي يمكن معرفتها، أو علاجها، أو تغييرها بواسطة التقنية الحديثة.

الجلسة السادسة

ضوابط تغير الفتوى وتطبيقـاتها فـي الحرميـن

كان عنوان الجلسة السادسة التي حضرها العديد من أصحاب الفضيلة العلماء (ضوابط تغير الفتوى وتطبيقاتها في الحرمين) وترأَسَها وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ومقرر الجلسة المشرف العام على شؤون الأئمة والمؤذنين والتوجيه والإرشاد بالمسجد الحرام الشيخ عبدالله بن حمد الصولي.

ضوابط تغير الفتوى

         تحدث في الجلسة عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للفتوى معالي الشيخ د.عبدالسلام بن عبدالله السليمان عن ضوابط تغير الفتوى وبين أن الفتوى التي تتغير يوازن فيها المصالح والمفاسد، فيقدم المصلحة الغالبة، أو المفسدة الغالبة، وعند تساويهما يكون درء المفاسد أولى من جلب المصالح، وإذا تعارضت مصلحتان قدم أعلاهما، وإن تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما، بارتكاب أدناهما. وأضاف د.السلمان أن الأحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة لا تتغير بمرور الزمان ولا بتغير الأحوال، وإنما الفتوى هي التي تتغير بناء على أصول شرعية، وعلل ومصالح مرعية موافقة لما في الكتاب والسنة، فلا تغير في الفتوى إذا كان التغيير يعارض نصًا من القرآن الكريم أو يعارض حديثًا نبويًا من الأحاديث الصحيحة الصريحة أو المتواترة، أو القطعية الدلالة، وأكَّد في نهاية حديثه أن العمل بالمقاصد في تغير الفتوى أساس مهم لتنزيل الأحكام الشرعية لمقاصدها، ولا يصلح أن يؤدي تغير الفتوى إلى مصادمة لمقاصد الشريعة، ومقاصد الشريعة هي المعتمد عند المفتين في النوازل والمستجدات في كل زمان ومكان، فلا بد لكل مُفْتٍ ومجتهد أن يكون على دراية بها.

النوازل في الحرمين وأثرها في تغير الفتوى

      من جانبه تحدث عضو هيئة كبار العلماء الشيخ د.سامي بن محمد الصقير عن النوازل في الحرمين وأثرها في تغير الفتوى وبيَّن أن الأدلة الشرعية والقواعد المرعية التي جاء بها الدين الحنيف تضمنت معاني تعمُّ جميع الحوادث إلى يوم القيامة و أن العلماء أطلقوا اسم (النوازل) على كل مسألة تقع أول مرة، أو سبق وقوعها لكن طرأ ما يستدعي إعادة النظر فيها للوصول إلى حكمها على ضوء أدلة الشرع وقواعده، مشيرًا إلى أن الاجتهاد في بيان حكمها واجب؛ إذ هو من فروض الكفايات على أهمية دراسة النوازل وبيان حكمها تظهر في إبراز صلاحية الشريعة الإسلامية لكل مكان وحين، وإظهار محاسنها للعالمين، وبيان سماحتها ويسرها ورفقها بأحوال المكلفين. وأضاف أن الضوابط التي ينبغي للمجتهد مراعاتها قبل إصدار حكمه في النازلة، أن تكون الحادثة قد وقعت أو يُتوقع حدوثها، وأن تكون النازلة من المسائل التي يسوغ النظر والاجتهاد فيها، وأن يفهم النازلة فهمًا دقيقًا، مراعيًا التثبت والتحري باستشارة أهل الاختصاص، معتمدًا في كل ذلك على الله -تعالى-، مستمدًا منه التوفيق والعون، ولَفَت فضيلته النظرَ إلى أن الزيادة المضاعفة لقاصدي الحرمين، وتوظيف التقنيات الحديثة في تيسير أداء مناسكهم وعبادتهم؛ أظهر العديد من المسائل النازلة التي تتطلب بيان حكمها الشرعي للقاصدين والزائرين.

أثر الجوائح في تغير الفتوى في الحرمين الشريفين

         فيما اختتم الجلسة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د.صلاح بن محمد البدير بتناول موضوع أثر الجوائح في تغير الفتوى في الحرمين الشريفين وبيّن أن على المفتي أن يجيل النظر في الأوصاف الفقهية المناسبة للنازلة، وينظر في الملابسات والظروف المحيطة بها؛ لأن قوله نافذ واجتهاده ماضٍ، وأوضح فضيلته أن الأصل في الشريعة ثبات أحكامها، وأن تغيير الأحكام القطعية اللازمة يدخل في تحريف الدين والاعتداء على الشريعة، مؤكدًا على ضرورة مراعاة المقاصد في الفتوى، والمقاصد والمصالح والحِكم التي راعاها الشارع عند تشريع الأحكام.

مجموعة من التطبيقاتٍ

        وذكر البدير في نهاية كلمته مجموعة من التطبيقاتٍ على تغير الفتوى في الحرمين الشريفين بسبب الجوائح والأوبئة والكوارث الطبيعية؛ منها جواز التباعد بين الصفوف في الصلاة في الحرمين وعموم المساجد؛ خشية تفشي الوباء القاتل، وإلزام المحرم بلبس الكِمامات. وفرض بعض القيود على صلاة الجمعة والجماعة في الحرمين زمن الأوبئة. وفرض بعض القيود على فريضة الحج ودخول المشاعر المقدسة في زمن الأوبئة القاتلة والمعدية.

إنشاء كرسي الإفتاء

         رعى سمو أمير منطقة المدينة المنورة، مراسم توقيع 3 اتفاقيات ثنائية بين رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي مع الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وجامعة المعرفة، بهدف إنشاء كرسي الإفتاء في المسجد النبوي الشريف وإنشاء كرسي للبحوث ودراسات الإفتاء في المسجد النبوي، بالإضافة إلى تطوير وسائل التقنية في الفتوى وتفعيل الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب.  

الجلسة الختامية

مراعاة الخلاف فـي الفتـوى فـي الحرمـيـن الشريفين وتطبيقــاتـها

عُقدت الجلسة الختامية وحملت الجلسةُ عنوانَ (مراعاة الخلاف في الفتوى في الحرمين الشريفين وتطبيقاتها)، ورأسها الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند. وتحدّث خلالها المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق، عن (مراعاة الخلاف في الفتوى ضوابط وأحكام)، منوِّهًا إلى حرص ولاة الأمر، حفظهم الله، على عقد هذه النَّدوة المباركة، وأشار إلى قاعدتين مهمتين من القواعد الفقهية التي تبيّن محاسن هذا الدِّين، وأمارات سعة الشريعة ومراعاتها لجلب مصالح العباد، ودرءِ المفاسد عنهم، ورحمتها وتيسيرها على المكلَّفين؛ القاعدة الأولى (مراعاة الخلاف)، والقاعدة الثانية (الخروج من الخلاف)، مُبينًا معنى القاعدتين وضوابط العمل بهما، وما يندرج تحتهما من مسائل مهمة تتعلّق بأمور الحرمين الشريفين ومناسك الحج والعمرة، كما بيَّن أن في تطبيق قاعدة (مراعاة الخلاف في الفتوى) أثرًا إيجابيًّا، يتمثَّل في التقريب بين المذاهب الفقهيَّة، ومنع التعصُّب المذهبي، والتوسعة على المسلمين.

مراعاة الخلاف ليست ذريعة إلى تتبع الرخص

        وأكد الشيخ المطلق: «أن مراعاة الخلاف ليست ذريعة إلى تتبُّع الرُّخص المحرَّم وتمييع الدِّين، فما من مسألة إلا وتجد فيها اختلافًا في الغالب، بل إنَّ من المسائل المجمع عليها ما لا يخلو من مخالف أو معارض بقول شاذٍّ لا يعتدُّ به، وعليه فليس مجرد الاختلاف دليلًا كافيًا للقول بمراعاته، وإلا لما استقرَّ مذهب من المذاهب الفقهية، موضحًا أنه لا بدَّ من شروط وضوابط للعمل بمراعاة الخلاف؛ ومن أهمِّ هذه الشروط والضوابط: أن يكون الذي يراعي الخلاف مجتهدًا، وألا توقع مراعاته في خلاف آخر، وألا يخالف سنَّة ثابتة صحيحة، أو حسنة، أو الإجماع، وأن يقوى مدركه، أي دليله الذي استند إليه المجتهد.

مراعاة الخلاف وأثره في النوازل المعاصرة

         من جهته تحدّث عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور جبريل بن محمد البصيلي، عن (مراعاة الخلاف وأثره في النوازل المعاصرة في الحرمين)، وقال: «إن آثار مراعاة الخلاف حسن، ونفعها كبير، لاسيما في حالٍ كحال الحرمين الشريفين؛ إذ يقصدهما على طول العام وتكرر الأعوام مع اختلاف الأحوال ملايين المسلمين، مُشيرًا إلى أن ثمرة قاعدة (مراعاة الخلاف) عظيمة، ومعرفتها وتطبيقها ومراعاتها يراعي مصالح القاصدين للحرمين الشريفين. وبيَّن أن من أهم المسائل التي تجب العناية بها، ويلزم المتصدّي للإفتاء في الحرمين الشريفين معرفتها: مسائل العبادات، من أبواب الطهارة والصلاة، وكذا الصوم والحج والعمرة والزيارة، وما يعمّ شيوعه ويكثر وقوعه والخلاف فيه مشهور ومنتشر؛ فمراعاته فيها تُيسِّر على المكلفين بتصحيح عباداتهم؛ مما يحقّق مقصود الشارع والمكلف، مُوصيًا بالعناية بقاعدة «مراعاة الخلاف» تأصيلًا وتطبيقًا، وكذا العناية بدراسة المذاهب الفقهية المتبوعة عند المسلمين، والتعمق في فقه الخلاف ومراعاته بضوابطه عند الإفتاء والتدريس والبحث والتأليف.

نماذج تطبيقية لمراعاة الخلاف في الفتوى

         بدوره تحدّث المدرس بالمسجد النبوي الشيخ الدكتور سلمان بن صالح الدخيل، عن (نماذج تطبيقية لمراعاة الخلاف في الفتوى). وقال: إن حقيقة مراعاة الخلاف في الفتوى: هي إفتاء المجتهد بقول مغاير لما استقرّ عليه اجتهاده لوجود مقتضٍ معتبر، مبيِّنًا أن للعمل بمراعاة الخلاف ضوابط مهمة، تحفظ المجتهد من الخطأ والزلل، وهذه الضوابط غير منصوص عليها، إلا أنه يمكن استنباطها من كلام أهل العلم والتأمل في طريقتهم بالنظر والاستنباط، وأن للفتوى بمراعاة الخلاف شروطًا.

البيان الختامي

  • أولاً: إبراز رسالة الحرمين الشريفين في بيان المنهج الصحيح في الفتوى، وتعزيز دورها ومكانتها ومنزلتها في نفوس المسلمين، وبيان حرص المملكة العربية السعودية على تيسير الفتوى لقاصدي الحرمين الشريفين.
  • ثانياً: المحافظة على سلامة أفكار المجتمع ولا سيما قاصدي الحرمين الشريفين بالفتاوى الصحيحة، وإظهار معالم المنهج الوسطي المعتدل الذي تلتزمه المملكة العربية السعودية في جميع المجالات.
  • ثالثاً: الإسهام في بيان الأحكام الشرعية لقاصدي الحرمين الشريفين في كثير من المسائل التي تواجههم، وسد حاجتهم للإفتاء، والعمل على نشر المعرفة الدينية بين المسلمين، وإرشادهم إلى الاقتداء بالهدي النبوي في شتى المجالات.
  • رابعاً: تعزيز دور المسجد النبوي ومعالمه الدعوية والتثقيفية لإظهار أثر السماحة النبوية في الفتوى، وجمع الكلمة، وتوجيه زائري الحرمين الشريفين بالتي هي أحسن، مع مراعاة الحكمة في ضبط اختلاف مذاهبهم، وصدق عاطفتهم، والصدور في كل ذلك عن علم ونصيحة.
  • خامساً: الحرص على ربط الفتاوى بأدلة الكتاب والسنة، وما صدر عن المجامع الفقهية، وقرارات هيئة كبار العلماء، وما جرت عليه الفتوى والبعد عن الآراء الشاذة، والأقوال المهجورة.
  • سادساً: العمل على توحيد الفتوى في المسائل الاجتهادية التي يكثر السؤال عنها في الحرمين الشريفين.
  • سابعاً: إبراز تميز الفتوى في الحرمين الشريفين بما تتضمنه من الوسطية والاعتدال، واعتبار المالات، واستحضار الحال في فتاوى المسائل التي تتغير فيها الفتوى لمقتضيات شرعية متصلة بتغير الزمان والمكان مع مراعاة مقاصد الشرع الكبرى ومنها حفظ الضرورات الخمس.
  • ثامناً: الاهتمام بتحقيق غايات الفقهين الأكبر والأصغر، وهما توحيد الله -تعالى-، وإخلاص العبادة له، مع الفقه بالفروع الشرعية، والحرص على جمع الكلمة ولزوم الجماعة والسمع والطاعة، والحذر من الشذوذ والفرقة والتعصب والنزاع.
  • تاسعاً: توجيه المفتين للاعتناء بمسائل فقه المناسك والعبادات المتصلة بالحرمين الشريفين، وإحالة ما يتصل بغيرها من الأمور للجهات المعنية.
  • عاشراً: تخصيص كرسي للتدريس والإفتاء في الحرمين الشريفين يتناوب عليه أعضاء هيئة كبار العلماء، واستثمار ما حباهم الله من مكانة علمية علية، لتحقيق رسالة الحرمين الشريفين في نشر الهدايات للعالمين
  • حادي عشر: تطوير منظومة إجابة السائلين في الحرمين الشريفين، وضبط مساراتها باختيار المواقع المناسبة لإجابة السائلين، وزيادة أعدادها بما يتناسب مع الزيادة المطردة لأعداد الحجاج والمعتمرين، وتطوير هواتف الاتصال في الحرمين الشريفين، وإطلاق خدمة الاتصال الموحد.
  • ثاني عشر: إعداد موسوعة علمية ورقية ورقمية، تكون معلمة جامعة لفتوى قاصدي الحرمين الشريفين باللغات المختلفة، تراعي ما سبق بيانه في التوصيات، مع إفادتها من التقنيات المعاصرة، وتسخير الذكاء الاصطناعي في التعرف على حال المستفتي لإيصاله بالفتوى المناسبة لسؤاله وحاله.
  • ثالث عشر: تطوير مهارات المشاركين في برنامج إجابة السائلين بإقامة دورات تدريبية متخصصة، وعقد لقاءات علمية وإثرائية دورية، بما يواكب متطلبات العصر، ويعزز من المهارات الاتصالية للارتقاء بخدمة زوار الحرمين الشريفين وقاصديهما.
  • رابع عشر: مواكبة التطور التقني، والإفادة من التقنيات الحديثة لإيصال الفتوى للمستفيدين بأسرع الطرائق وأسهلها.
  • خامس عشر: الاعتناء بوجود موجهات في الحرمين الشريفين - بالتعاون مع الجهات الشرعية والجامعات في المملكة العربية السعودية، يقمن بمهمة إرشاد القاصدات، ولا سيما في الفتاوى التي تخص المرأة.
  • سادس عشر: الاستعانة بمترجمين لهم أهلية شرعية كافية لسد الحاجة الماسة لإجابة السائلين بغير اللغة العربية وضبط الفتوى باللغات من خلال إعداد قاموس خاص بالمصطلحات الشرعية الخاصة بالحرمين الشريفين والمناسك.
  • سابع عشر: تهيئة جميع الإمكانات وتسخيرها لدعم برامج إجابة السائلين في الحرمين بما يضمن استدامتها وجودة أدائها.
  • ثامن عشر: المحافظة على المخرج النهائي للفتوى ومتابعة تفاصيله حتى يكون مؤدياً إلى تحقيق الهدف الشرعي المراد.
وضمان أن تكون الفتوى موافقة للشريعة، وتحقق المصلحة المرجوة.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك