رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 ديسمبر، 2023 0 تعليق

موقف  النبي – صلى الله عليه وسلم  – منهم .. الأسرى في السيرة النبوية

  • أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد معركة بدر  بمعاملة أسرى المشركين معاملة حسنة وقال لهم: «استوصوا بالأسارى خيرا»
  • لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أعدائه نظرة لا تفرق بين معاهد ومحارب ولم يكن ينقض العهود أو يغدر بأعدائه بل كان يعامل كل فريق بمقتضى ما يربط بينهما من علاقات السلم والحرب
  • شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته آدابا سامية وأخلاقًا عالية يتحلون بها قبل الحرب وأثناءها وبعدها
 

لم تعرف البشرية أرحم بمن يقع في يديه من الأسرى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ففي الوقت الذي كانت فيه الجاهلية لا تعرف أخلاقيات للحروب ولا حقوقاً للأسرى، وتستباح الحرمات والأعراض، جاء النبي - صلى الله عليه وسلم- ليضع للعالمين دستورا سامياً لحقوق الأسرى، ورغم أنَّ هؤلاء الأسرى ما هم إلا محاربون للإسلام، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالإحسان إليهم، وقرَّر لهم واجبات وحقوقاً على المسلمين، منها: الحرية الدينية، والحق في الطعام، والكسوة، والمعاملة الحسنة، وكلُّ ذلك له شواهد في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم.

وقبل أن نذكر بعضا من مواقفه - صلى الله عليه وسلم- مع الأسرى نذكر طرفا من هديه ووصاياه المتعلقة بما قبل الحرب وأثناءها، لنرى أروع القيم الحضارية من سيرة خير البشرية  صلى الله عليه وسلم .

هديه - صلى الله عليه وسلم- قبل القتال

      لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى أعدائه نظرة لا تفرق بين معاهد ومحارب، ولم يكن ينقض العهود أو يغدر بأعدائه، بل كان يعامل كل فريق بمقتضى ما يربط بينهما من علاقات السلم والحرب، وقد لخص ابن القيم مُجْمل هديه - صلى الله عليه وسلم- في ذلك في كتابه زاد المعاد فقال: «ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام: أهل صلح وهدنة، وأهل حرب، وأهل ذِّمة، فأمر أن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأن يوَّفَّي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إلى عهدهم، ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد، وأُمِرَ أن يقاتل من نقض عهده، ولما نزلت سورة (براءة) نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان».

هديه - صلى الله عليه وسلم- في أثناء القتال

      شرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته آدابا سامية وأخلاقًا عالية، يتحلون بها قبل الحرب وأثناءها وبعدها، فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا» رواه مسلم. فإذا وضعت الحرب أوزارها، ووقع المقاتلون من الكفار أسرى في أيدي المسلمين، راعى النبي - صلى الله عليه وسلم- معاني الرحمة والكرامة الإنسانية التي تراعي مصلحة الدولة المسلمة وحقوق الأسرى، التي لم يبلغها القانون الدولي الإنساني المعاصر، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «استوصوا بالأُسَارَى خيرا».

مواقفه - صلى الله عليه وسلم- مع الأسرى

وهذه بعض مواقفه - صلى الله عليه وسلم- مع الأسرى من خلال سيرته المشرفة:
  • موقفه - صلى الله عليه وسلم- من أسرى بدر
أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه بعد معركة بدر بمعاملة أسرى المشركين معاملة حسنة، وقال لهم: «استوصوا بالأسارى خيرا»، وبهذه الوصية النبوية الكريمة ظهر تحقيق قول الله -تعالى-: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}(الإنسان:8)، فقد امتثل الصحابة -رضوان الله عليهم - وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- وضربوا أروع الأمثلة في معاملة الأسرى. يقول أخٌ لمصعب بن عمير - رضي الله عنه -: «وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البر، لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم» رواه الطبراني، ويقول أبو العاص بن الربيع: «كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد قوله: «وكانوا يحملوننا ويمشون»، وعاد أولئك الأسرى إلى مكة وكل حديثهم عن كرم أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته وما فيها من البر والتقوى، والإصلاح والخير، وقد تركت هذه المعاملة الحسنة أثرها في قلوب هؤلاء الأسرى، فأسلم كثير منهم في أوقاتٍ لاحقة، فأسلم أبو عزيز عقيب بدر بعد وصول الأسرى إلى المدينة، وأسلم معه السائب بن عبيد.
  • موقفه - صلى الله عليه وسلم- من أسرى غزوة بني المصطلق
كان من بين الأسرى الذين أسرهم المسلمون في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث بن ضرار سيد قومه، وكانت بركة على قومها، فقد ذكرت أم المؤمنين عائشة: «أن جويرية أتت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وقالت له: قد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس، فكاتبته على نفسي، فجئت أستعينك على كتابي.. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- ـ: فهل لك في خير من ذلك؟!، قالت: وما هو يا رسول الله؟، قال: أقض عنك كتابك وأتزوجك، قالت: نعم يا رسول الله قد فعلت.. قالت عائشة: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق.. فلقد أعتق تزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها» رواه أحمد، ومن ثم تعد غزوة بني المصطلق (المريسيع) من الغزوات الفريدة المباركة التي أسلمت عقبها قبيلة بأسرها، وكان زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بجويرية -رضي الله عنها- السبب في ذلك؛ إذ استكثر الصحابة على أنفسهم، أن يكون أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تحت أيديهم أسرى، فأعتقوهم جميعا بغير فداء.
  • موقفه - صلى الله عليه وسلم- في فتح مكة
من أهم الدلالات التي أفصح عنها فتح مكة موقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من أهلها الذين ناصبوه العداء منذ أن بدأ بتبليغ دعوته، فبعد أن أكرمه الله ونصره عليهم، وتمكن منهم، وهم الذين آذوه، وأهالوا التراب على رأسه، وحاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، بل وتآمروا عليه بالقتل، وعذبوا أصحابه أشد العذاب، وسلبوا أموالهم وديارهم، وأجلوهم عن بلادهم، لكنه - صلى الله عليه وسلم- قابل كل تلك الإساءات بموقف كريم في العفو يليق بمن أرسله الله رحمة للعالمين.
  • موقفه - صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين
كان انتصار المسلمين على هوازن في حنين انتصارا كبيرا، وكانت الغنائم كثيرة، كما أسروا عدداً ضخماً من المشركين، معظمهم من نساء هوازن وأطفالها، وعندما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم-، جاء وفد هوازن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا: يا رسول الله إنا أصل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء مالم يخف عليك، فامنن علينا منَّ الله عليك. وسرعان ما لبَّى النبي - صلى الله عليه وسلم- الطلب بما عُرِف عنه من تسامح وعفو وكرم، وأطلق سراح كل الأسرى، فلقد كان - صلى الله عليه وسلم- ينشد في ذروة انتصاره أن يدخل الناس في دين الله، أكثر من رغبته في عقابهم أو الانتقام منهم، وبهذه الرحمة والسياسة الحكيمة استطاع النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يكسب هوازن وحلفاءها إلى صف الإسلام، واتخذ من هذه القبيلة القوية رأس حربة يضرب بها قوى الوثنية في المنطقة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك