
مقاصد تكوين الأسرة في ضوء الشريعة
- الوقوف على مقاصد تكوين الأسرة مهم في بابه فكلما عظُم المقصود عظُمت الوسائل الموصلة إليه فالأسرة هي الحاضنة الشرعية لوجود الإنسان وهي أساس وجود المجتمع المتماسك والمترابط
- من أهم مقاصد الزواج وتكوين الأسرة حصول السكن والاستقرار النفسي وقد جاء هذا المقصد تنصيصًا في القرآن
- ذكر الله تعالى العلاقة الزوجية في سياق الامتنان على الناس فهي آية باهرة تستحق التفكر والتأمل وفيها أسرار عظيمة ومقاصد جليلة يقوم عليها صلاح المعاش والحياة
- حفظ وجود الإنسان وحفظ نوعه يعد من الضرورات الشرعية الخمس التي جاءت بها الشريعة من خلال التناسل المشروع عن طريقة العلاقة الزوجية التي نظمت قواعدها وأحكامها الشريعة الإسلامية على وجه التفصيل
- السكن الحقيقي هو السكن القلبي الذي يبعث على العمل للأصلح والأنفع لدوام هذه الرابطة فيكون داخل السكن اطمئنان وأُنس ومجانسة ومعاونة
- ليس المقصود الشرعي الأول من النكاح وتكوين الأسرة هو حفظ النسل وبقاؤه وإنما صلاحه واستقامته على المقصود الديني الشرعي وهو توحيد العبادة والألوهية
لما كان الإنسانُ مدنيًّا بطبعه، كانت حاجته إلى الأسرة التي يعيش في ظلها وينتظم في نظامها حاجةً ضروريةً فطريةً لا غنى له عنها، وكانت الأسرة الحاضنة الأولى والوعاء الطاهر له، واللبنة الأولى والنواة في تكوين المجتمع، فدور الأسرة في الحماية والوقاية والرعاية كبير، وأثرها في حفظ الوجود والنسب والدين عظيم، وهي الضمانة في حفظ النسل والأعراض والأنساب، وبها تدوم القرابات، ومنها تظهر الفضائل والكمالات، وعلى أبوابها تكتب الألقاب لذوي المكانات، وفي مجالها الرحب تتحقق الحاجات والضرورات؛ لهذا بيّنت الشريعة الإسلامية أحكام الأسرة بيانًا دقيقًا، ونظمت الحقوق والواجبات بين أفرادها كما نظمت شؤون الدولة؛ إذ حماية الأمن يتحقق بالدولة، وحماية المجتمع تبدأ من الأسرة.
وهاهنا ثلاث كلمات تشترك بالمبنى وتتلازم بالمعنى، وهي: (الملةُ، والدولةُ، والأسرةُ)، وهي عناصر ثلاثة ضروريةٌ في تحقيق مصالح الدنيا والآخرة، فجاءت الملة لإصلاح شؤون الأسرة، وقامت الدولة لرعاية أحوال الفرد والأسرة، لهذا كان أصل الاستقرار الحسي والمعنوي في الحياة في ظهور الدين، وقوة الدولة، وتماسك الأسرة، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:١٣)، فالرابطة الأولى هي رابطة النسب والأسرة، والرابطة الثانية هي رابطة الوطن والقبيلة، والرابطة الثالثة هي رابطة الدين والتقوى، والرابطة الأولى موضوعة للتناسل، والرابطة الثانية موضوعة للتعارف والتواصل، والرابطة الثالثة موضوعة للتفاضل، لهذا سعى أعداء الدين والفطرة، وقام خصوم القيم والأسرة بالتشكيك في ثوابت الدين والملة، والخروج على أولياء الأمور في مجال الحكم والدولة، والعمل على تغييب مقاصد وجود الأسرة.مقاصد تكوين الأسرة
لا يخفى على كل باحث في مجال الشريعة أن المراد بمبحث المقاصد هو البحث في مجال العلل والغايات والحِكم والمصالح التي أرادها الشارع عند تشريع الأحكام، لهذا احتجنا إلى البحث في هذا المجال، لما له من أثر عظيم في فهم الأحكام الشرعية تأصيلًا وتفصيلًا من جهة، ولأن النظر في المقاصد يعين على الانقياد والامتثال لهذه الأحكام من جهة ثانية، ولأمر ثالث وهو ضبط تلك الأحكام عند تنزيلها على الواقع حكما عاما أو فتوى خاصة. والوقوف على مقاصد تكوين الأسرة مهم في بابه، فكلما عظُم المقصود عظُمت الوسائل الموصلة إليه، وشرف الكلام فيه شرف عظيم؛ فالأسرة هي الحاضنة الشرعية لوجود الإنسان وهي أساس وجود المجتمع المتماسك والمترابط، لهذا قال -تعالى مخاطبًا الناس على وجه العموم-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: ١٣)، وقال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (الفرقان: ٥٤)، فالانتقال من الفردية إلى المجتمعية لا يكون إلا عن طريق تكوين الأسرة؛ إذ لا يثبت النسب والمصاهرة ولا يتحقق التعارف والتواصل بين الناس إلا من خلال تكوين الأسرة؛ لهذا كان وجود الأسرة بهذا المعنى حاجةً شرعية وضروريةً وفطريةً وجبليةً لا غنى عنها في جميع الأزمنة والأمكنة؛ لهذا افتراض إنسان بلا أسرة يعني وجود إنسان بلا نسب ولا سبب ولا مصاهرة ولا تواصل ولا تراحم ولا تعارف، فهو بلا نظام ولا استقرار ولا انسجام؛ لهذا تعيّن المقام إلى بيان مقاصد تكوين الأسرة، وهي:المقصد الأول: حفظ النّسل (حفظ وجود الإنسان ونوعه)
يعد هذا المقصد من الضرورات الشرعية الخمس التي جاءت بها الشريعة لحفظ النوع الإنساني من خلال التناسل المشروع عن طريقة العلاقة الزوجية التي نظمت قواعدها وأحكامها الشريعة الإسلامية على وجه التفصيل، وقد أخذ هذا الحفظ صورتين:- الأولى: حفظه حفظ وجود.
- الصورة الثانية: حفظه من العدم أو الاختلال.
حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على النكاح
وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على النكاح وجعله من خصائص الإسلام وشعائره، فقد روى أنس - رضي الله عنه - قال: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأْمُرُنَا بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: «تَـزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ. فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، ومعنى الحديث كما قال المناوي في فيض القدير (3/242): «أي: أغلب بكم الأمم السابقة في الكثرة، وهو تعليل للأمر بتزويج الولود الودود، وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودًا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود».المقاصد الشرعية من النكاح
وفي بيان المقاصد الشرعية من النكاح يقول الشاطبي رحمه -تعالى-: «للشارع في شرع الأحكام العادية والعبادية مقاصد أصلية ومقاصد تابعة، مثال ذلك النكاح، فإنه مشروع للتناسل على المقصد الأول، ويليه طلب السكن والازدواج، والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية، من الاستمتاع بالحلال، والنظر إلى ما خلق الله من المحاسن في النساء، والتجمل بمال المرأة، أو قيامها عليه وعلى أولاده منها أو من غيرها أو إخوته، والتحفظ من الوقوع في المحظور من شهوة الفرج ونظر العين، والازدياد من الشكر بمزيد النعم من الله على العبد، وما أشبه ذلك فجميع هذا مقصود للشارع من شرع النكاح، فمنه منصوص عليه أو مشار إليه، ومنه ما علم بدليل آخر ومسلك استقرئ من ذلك المنصوص، وذلك أن ما نص عليه من هذه المقاصد التوابع هو مثبت للمقصد الأصلي، ومقو لحكمته، ومستدع لطبه وإدامته، ومستجلب لتوالي التراحم والتواصل والتعاطف، الذي يحصل به مقصد الشارع الأصلي من التناسل، فاستدللنا بذلك على أن كل ما لم ينص عليه مما شأنه ذلك مقصود للشارع أيضًا، كما روي من فعل عمر بن الخطاب في نكاح أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب طلبًا لشرف النسب، ومواصلة أرفع البيوتات، وما أشبه ذلك، فلا شك أن النكاح لمثل هذه المقاصد سائغ، وأن قصد التسبب له حسن» (الموافقات 3/ 139).صلاح النسل واستقامته
وليس المقصود الشرعي الأول من النكاح وتكوين الأسرة هو حفظ النسل وبقاؤه وإنما صلاحه واستقامته على المقصود الديني الشرعي، وهو توحيد العبادة والألوهية، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- -تعالى-: «والله -تعالى- خلق في النفوس حب الغذاء وحب النساء لما في ذلك من حفظ الأبدان، وبقاء الإنسان، فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل. والمقصود بوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره».دلالة القرآن على هذا المعنى
وهذا المعنى الدقيق قد دلّل عليه القرآن في مواضع كثيرة، كما قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف:١٨٩)، يقول العلامة ابن سعدي -رحمه الله- في تفسيره: «وهذا انتقال من النوع إلى الجنس، فإن أول الكلام في آدم وحواء، ثم انتقل إلى الكلام في الجنس، ولا شك أن هذا موجود في الذرية كثيرًا، فلذلك قررهم الله على بطلان الشرك، وأنهم في ذلك ظالمون أشد الظلم، سواء كان الشرك في الأقوال، أم في الأفعال، فإن الخالق لهم من نفس واحدة، الذي خلق منها زوجها وجعل لهم من أنفسهم أزواجًا، ثم جعل بينهم من المودة والرحمة ما يسكن بعضهم إلى بعض، ويألفه ويلتذ به، ثم هداهم إلى ما به تحصل الشهوة، واللذة، والأولاد، والنسل، ثم أوجد الذرية في بطون الأمهات، وقتًا موقوتًا، تتشوف إليه نفوسهم، ويدعون الله أن يخرجه سويًا صحيحًا، فأتم الله عليهم النعمة وأنالهم مطلوبهم، أفلا يستحق أن يعبدوه، ولا يشركوا به في عبادته أحدًا، ويخلصوا له الدين». (تيسير الكريم الرحمن 1/ 313)، فالآية قد بينت جملة من العلل والمقاصد والغايات على الترتيب: ليسكن إليها، دعوا الله ربهما، لئن آتيتنا صالحًا، لنكونن من الشاكرين، وكلها مقاصد شرعية أصلية وتبعية جامعة لمصالح الدين والدنيا، وكلها كما قال بعض علماء المقاصد: «مظاهر اهتداء إلى ما في تلك الحالة من الفضائل والعواقب الصالحة»، (انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور، ص432).المقصد الثاني: تحقيق السكن والاستقرار النفسي
من أهم مقاصد الزواج وتكوين الأسرة حصول السكن والاستقرار النفسي، وقد جاء هذا المقصد تنصيصًا في القرآن، فقال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف:١٨٩)، فذكر السكن في سياق الجملة التعليلية، فجعله غاية وحكمة للزواج، يقول ابن عاشور في تفسيره: «وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} تعليل لما أفادته (من) التبعيضية. والسكون مجاز في الاطمئنان والتأنس أي: جعل من نوع الرجل زوجه ليألفها ولا يجفو قربها، ففي ذلك منة الإيناس بها، وكثرة ممارستها لينساق إلى غشيانها، فلو جعل الله التناسل حاصلًا بغير داعي الشهوة لكانت نفس الرجل غير حريصة على الاستكثار من نسله، ولو جعله حاصلًا بحالة ألم لكانت نفس الرجل مقلة منه، بحيث لا تنصرف إليه إلا للاضطرار بعد التأمل والتردد، كما ينصرف إلى شرب الدواء ونحوه المعقبة منافع» (التحرير والتنوير 9/211).مراحل حصول السكن
وقد بين القرآن مراحل حصول هذا السكن وجعله آيةً من آياته وسنةً من سنن الشرعية والكونية، وبينها في آية محكمة من سورة الروم وهي مكية، قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُو} (الروم: ٢١)، فالآية أصل في باب السكن والاطمئنان النفسي بين الزوجين، قال أبو السعود العمادي في تفسيرها: «أي: لتألفُوها وتميلُوا إليها وتطمئنُّوا بها فإنَّ المُجانسةَ من دَوَاعي التَّضامِّ والتَعارفِ كما أنَّ المخالفةَ من أسبابِ التفرُّقِ والتَّنافرِ» (إرشاد العقل السليم 7/56).فوائد من الآية
ولأهمية الآية ودلالتها على هذا المقصد الشرعي، نقف معها في الفوائد التالية:الفائدة الأولى:
الزواج نعمة ومنة من الله
ذكر الله -تعالى- العلاقة الزوجية في سياق الامتنان على الناس، فهي آية باهرة تستحق التفكر والتأمل، فيها أسرار عظيمة ومقاصد جليلة، يقوم عليها صلاح المعاش والحياة؛ لهذا خلق الله الزوجة من جنس الزوج، حتى يحصل الائتلاف وتتحقق المجانسة والمناسبة والملائمة بينهما، فالاختلاف في أصل الخلقة يوجب التنافر ويبعث على التقاطع وتعذر التعايش.الفائدة الثانية:
خصائص النكاح الشرعي
بيّنت الآية (خصائص النكاح الشرعي) الذي اشتمل على المقاصد والغايات من النكاح، وعلى المنافع والمصالح المتحصلة من العلاقة بين الزوجين، وعلى أسباب حفظ هذه العلاقة على الدوام لا على الانقطاع؛ إذ مقصود الشرع من العلاقة الزوجية الدوام وليس الانقطاع، والتكامل وليس التقاطع، والائتلاف وليس التنافر والاختلاف.الفائدة الثالثة: العلة
والحكمة الدينية من الزواج
بينت الآية العلة والحكمة الدينية والقدرية من هذه العلاقة، وهي حصول السكن بين الزوجين؛ إذ الغاية من خلق الزوجة من جنس الزوج واجتماعهما بهذه الرابطة هي حصول السكن والاستقرار وليس القلق والاضطراب.الفائدة الرابعة: حقيقة السكن
ذكر النص القرآني (حقيقة السكن)، فقال: لتسكنوا إليها، ولم يقل لتسكنوا عندها، أو لتسكنوا معها؛ لأن معنى لتسكنوا عندها، يراد به السكن الجسماني (المادي) فقط، كما يقول أهل اللغة والتفسير. ومعنى لتسكنوا معها: أي مجرد المساكنة والمشاركة في المكان، أما معنى لتسكنوا إليها، فيحمل معنيين اثنين معًا:- المعنى الأول: يراد به السكن الجسماني والقلبي معًا، أو السكن المادي والمعنوي، أي: سكن الرجل إلى المرأة بقلبه وبدنه جميعًا، كما يقول شيخ الإسلام وغيره.
- المعنى الثاني: تضمين السكن معنى الميل، أي مع السكن يكون الميل والحب والرغبة؛ ولهذا يكون المعنى شاملًا لمعنى الطمأنينة والوقار، والراحة والهدوء والاستقرار النفسي والحسي، فهو سكون إلى شيء تميل إليه النفس وتطمئن إليه، فتكون حركة كل من الزوجين في معاشهما وسلوكهما متجهة إلى غاية، وهي السكن الحقيقي القلبي الذي يبعث على العمل للأصلح والأنفع لدوام هذه الرابطة، فيكون داخل السكن اطمئنان وأُنس ومجانسة ومعاونة، فتستقر القلوب في هذا السكن ويزول عنها الاضطراب والوحشة؛ لهذا من أسباب الاستقرار بين الزوجين هو شعور الزوجة بالأمان النفسي فتسكن إلى زوجها بطمأنينة وراحة، كذلك بالنسبة للزوج.
الشيخ: فتحي بن عبدالله الموصلي
(رئيس قسم البحوث والمساجد في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين)
لاتوجد تعليقات