رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 21 أبريل، 2014 0 تعليق

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(8) التـنــــاصـــح



من العوامل التي تقوي الصلة بين الآباء والأبناء التناصح، فمن واجب الأب ألا يصمت عن سلوك سلبي أو خطأ يراه في ولده

 

     (التناصح) خلق رباني، يفتت العيوب، ويزيل آثارها تماماً، عن تميم بن أوس الداري أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» (ثلاثًا)، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقيل في معناها: «نصحت العسل: أي خلّصته من الشمع، ونصحت له المحبة إذا أخلصت له المحبة».

فالنصيحة إذاً بين الزوجين: «هي إرادة الخير، بحب وإخلاص للمنصوح»، وإلا كانت نصيحة كاذبة، كقول إخوة يوسف لأبيهم، في قوله تعالى: {}قَالُواْ يَا أَبَانَامَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} (يوسف: 11).

     وفي قول الله على لسان إبليس، للزوجين آدم وحواء: {وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ } (الأعراف:21-22)، ولذلك فالحكمة في أن النبي  صلى الله عليه وسلم كان يكررها ثلاثًا، لينتبه كل منا إلى خطورة النصح، فلا يتهاون أحد الزوجين في النصح إذا رأى عيبًا في الطرف الآخر، حتى نسد مؤامرات الشيطان، ذلك العدو المتربص بكل زوجين.

- فهل أنت مستعد (مستعدة) للنصح عند رؤية عيب الطرف الآخر؟

- وهل أنت مستعد (مستعدة) لتقبل النصح من الطرف الآخر؟

- وهل أنت مستعد (مستعدة) ألا تظن ظنًّا سيئًا بحديث الطرف الآخر؟

فن التناصح بين الزوجين

اتفق علماء السلف على قولهم: «أنصح الناس لك من خاف الله فيك» والنصيحة بين الزوجين لها أدب ولون آخر؛ لأنها تقوم على المودة والرحمة، فإن كانت بين الناس لها فنون عامة فهي بين الزوجين لها فنون عامة وخاصة.

- أساسها هي التعامل مع الخطأ وليس الشخص، فلا لوم ولا عتاب، فاجعل تركيزك على سبب الخلاف دون التدخل في فرعيات أخرى.

- لا تستنتج مستقبلاً سيئاً نتيجة تكرار هذا الخطأ؛ مما يجعل منه عيباً قد التصق به مما يجبر المنصوح إلى القول: «هذا عيبي ولن أتخلص منه».

- اجعل مع التركيز المساعدة أي تهيئة المناخ المناسب لاحتواء هذا الخطأ من الطرف الآخر وتخفيفه أو اختفائه، و «لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم» فما بالكم بالزوجين وهما شركاء للحياة.

- أثناء النصيحة لا تصدر أحكاماً: «أنت مهمل - ثرثار - فوضوي» حتى لا تجعل من حكمك صفة تلتصق بالطرف الآخر.

- احرص على الحوار الهادئ؛ فالتناصح يكون بالرفق فهو خير علاج بعيداً عن الانفعال والغضب والتهديد والصراخ.

- ابدأ بالثناء وكلمات التحفيز المشجعة: «اثق بقدرتك على تجاوز هذا الخطأ – لكم طاقة هائلة على تخطي الصعاب»، ولننظر كيف تداركها  صلى الله عليه وسلم قائلا:ً «نعم الرجل عبد الله لو كان له حظ من الليل» فبدأ عليه السلام بالثناء فكانت النتيجة أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يترك القيام أبداً.

- لا تستخدم لغة الأمر أو النقد؛ فأصعب شيء عندما ترى الزوجة زوجها غافلاً بعيداً عن الدين، فتبدأ بإلقاء الأوامر؛ مما يحطم كبرياء الرجل ويشعره بأن زوجته لا تحترمه فينفر أكثر رغم طيب نيتها، قال الشيخ يعقوب: انصحي زوجك وأنتِ امرأة بأنوثتها لا تتحولي لرجل يأمر وينهى، تجملي له، أو ترى الزوجة نقد زوجها الجارح لها فتشعر أن قدرها في قلبه مهتز، وصورتها عنده مشوهه وهو أول شخص يُهمها في حياتها.

- تجنب إشراك غيرك؛ فالتناصح همس بالسر لا بالجهر، والحياة الزوجية حياة ثنائية لا جماعية فليس من العقل أن تفزعا في أدنى مشكلة بينكما إلى الأم أو الأخت أو الصديق، لكن إن عظُم الشقاق فلا حرج من دخول طرف عاقل وأكثر، كما قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء:35).

- يجب على كل من الزوجين عند النقاش في أي أمر من الأمور أن يكون هدفه الوصول إلى الحق والصواب، وليكن مستحضراً قول شعيب الذي حكاه عنه تبارك وتعالى: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ} (هود:88).

- الحرص الشديد ألا يكون التناصح أمام الأولاد؛ لأن ذلك يؤدي إلى جرح عميق في نفوسهم يبقى أثره أبد الدهر، وأقل ما يحصل من ذلك عقوق الأولاد لأحدهما واستهانتهم بالمهزوم منهما، حتى الملاحظات في شؤون التربية لا تكون أمام الأولاد؛ فالأسلوب السلبي غالباً ما يولد المشاعر السلبية، ويهدم الحب، ويزيد كل طرف تمسكا بخطئه.

التناصح وتربية الأبناء

من العوامل التي تقوي الصلة بين الآباء والأبناء التناصح، فمن واجب الأب ألا يصمت عن سلوك سلبي أو خطأ يراه في ولده، بل عليه أن يسرع لتقويمه ونصحه في السر، وإذا اقتضى الأمر علناً نصحه، كتدريب على أن يتناصح الأبناء فيما بينهم بحكمة ولطف.

ويجب على الأم ألا تألو جهداً واحتساباً من أجل استقرار أبنائها والتضحية من أجل ذلك فعليها:

- الصبر على الأولاد حتى يشعروا بالأمان وحسن التعامل والتفاهم لتقبل النصيحة.

- الحرص على استعمال كلمات التشجيع والثناء مثل: «بارك الله فيك – أحسنت -أفكارك رائعة - إنجاز جميل ورائع - أنت محل الثقة»، واستعمال أساليب التشجيع والثناء الحسية مثل: «الابتسامة – مسك الأيدي - المسح على الرأس».

<- استغلال المناسبات ومواسم الخير لتكون أكثر تأثيرًا: «رمضان - عيد - مرض – وفاة».. ويُستحب أن تجتمع الأسرة مرةً في الأسبوع مساء الخميس أو صباح الجمعة مثلاً لقراءة القرآن أو الذكر والتناصح والموعظة في جوٍّ من البهجة.

- وعلى الأب أو الأم التوضيح والشرح مع النصيحة حتى لا تبدو أمرًا سلطويًا مفروضًا منتهيا بعلامة تعجب، ناقص الإيضاح؛ فيلجأ لغيرك للتفسير وقد يكون غير مؤهل لذلك، مع الأخذ في الاعتبار الفروق الفردية بين الأبناء في النصيحة.

الآباء ونصيحة أبنائهم

     وعلى الوالدين أن يتقبلا نُصح أبنائهم أيضًا، فهما بشر يخطئان ويصيبان مثلهم، وإن كان المفروض أن يكونا أقل خطأً وأكثر صواباً، وعليهم أن ينصحوهما ولا يترددوا في نصحهما بأدب ولطف، والأفضل أن يكون نصح الابن لوالديه على سبيل الإشكال والاستفسار، وعلى الجميع أن يكون هدفهم من النصح محبة الخير للمنصوح عن إخلاص وتواضع لا عن رياء وتكبر وتشهير، فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستقيم أمر المسلمين، وبدونهما تضطرب الأمور وتنتشر الفوضى والظلم.

التناصح أساس السعادة

     وأخيرًا: فإن الحياة الزوجية مبناها على التآلف والتراحم والتعاون فيما بين الزوجين. وكل من الزوجين يسعى لإسعاد الآخر، سواءً كان ذلك بالقول الحسن أم بالفعل الحسن، فإذا رأى أحدهما من الآخر ما ظهر له أنه خطأ فإن المناصحة باب واسع إذا نجح الناصح في تجنب الألفاظ النابية وتجنب النصيحة في الملأ، فإذا وقع أحد الطرفين في خطأ فليكن الآخر عونًا له من حيث تهدئته والتفريج عنه والدعاء له بالتوفيق وإرشاده إلى السبيل التي يمكن من خلالها التخلص من نتائج هذا الخطأ أو تقليلها. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (الروم:21)، أما السب والتندر والمعاقبة بالألفاظ النابية فما تفسده هذه أكثر مما تصلحه، ثم إن على الزوجة أن تعلم أن مقامها مقام المستشار وليس مقام الآمر؛ فالشورى معلمة غير ملزمة، فإن أخذ الزوج برأيها فبها ونعمت، وإلا كفت عنه وساعدته فيما ترتب على قراره من أخطاء.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك