رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 مايو، 2025 0 تعليق

محاضرات منتدى  تراث الرمضاني الخامس .. أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة .. الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- المحاضرة   7

محاضرات منتدى تراث  الرمضاني الخامس .. أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة 7 .. الشيخ العلامة: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز

ألقاها: الشيخ جاسم المسباح

تحت شعار: (أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة)، أطلق «قطاع العلاقات الإعلام والتدريب» بجمعية إحياء التراث الإسلامي (منتدى تراث الرمضاني الخامس) الذي بدأت فعالياته يوم الاثنين 3 رمضان 1446هـ، الموافق 3 مارس 2025م، واشتمل المنتدى لهذا العام على العديد من المحاضرات التي، يلقيها مشايخ من داخل الكويت وخارجها، وذلك عبر البث المباشر (زووم), ويأتي منتدى هذا العام ليسلط الضوء على جهود العلماء والأئمة الأعلام في حفظ الدين ونشره، مع بيان أثرهم في توجيه الأمة نحو الصراط المستقيم، هؤلاء الأعلام الذين وقفوا سدًّا منيعًا في وجه التحريف والبدع، فبيّنوا للناس أصول الدين، ودعوا إلى التمسك بالكتاب والسنة، مجتهدين في تعليم الأحكام، وبيان الحلال والحرام، ونشر قيم الإسلام السمحة.

  •  حفظ الشيخ ابن باز القرآن الكريم في سن مبكرة ثم طلب العلم على يد العلماء في الرياض وكانت البيئة التعليمية في ذلك الوقت عامرة بالعلم الشرعي عن طريق التعليم في المساجد والكتاتيب
  •  كان أول عمل عُين فيه الشيخ ابن باز القضاء عام 1357هـ وذلك بناءً على اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة سابقًا
  •  صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1395هـ، وفي عام 1414هـ صدر أمر ملكي بتعيينه مفتياً عامًّا للمملكة العربية السعودية
  • بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ عام 1395 أصبح الشيخ ابن باز رئيس الجامعة الإسلامية ويعدّ الشيخ ابن باز هو المؤسس الفعلي للجامعة فهو من وضع أنظمتها والخطط في المجال الإداري والتنفيذي
  • حرص الشيخ ابن باز على أن يكون طلاب الجامعة دعاة داخل المملكة وفي العالم الإسلامي كله فكان الشيخ يكفل في حياته قرابة ألفي داعية من حسابه الشخصي
  • كان الشيخ رحمه الله حريصًا على استجلاب العلماء من العالم الإسلامي وكان من بين هؤلاء العلماء الشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان وغيرهم من أهل العلم
  •  من أبرز صفات الشيخ العطف على الفقراء والمحتاجين سواء كانوا طلاب علم أم غيرهم ومتابعة أحوالهم حيث تأتيه الكتب والشفاعات فكان يشفع لهم عند الملك أو عند ولي العهد أو الأمراء أو الوزراء
  •  كان من أهم صفات الشيخ ابن باز حرصه على وقته فكان له برنامج منظم جدًّا يبدأ من صلاة الفجر وكانت مجالسه رحمه الله عامرة بالعلم في المسجد وفي البيت
  • كان من صفات الشيخ ابن باز الوفاء والحرص على صلة الرحم والدعاء للمشايخ والطلاب وكان يبكي أحيانا عندما يتذكر الشيخ محمد بن صالح بن إبراهيم الشيخ المفتي الذي كان قبله

سوف أتحدث معكم -بإذن الله تعالى- عن سماحة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- وحقيقة معرفتي بالشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- كانت حينما تخرجت من المرحلة الثانوية وأخذت تزكية من فضيلة الشيخ عبدالله خلف السبت -رحمه الله- حتى يتم قبولي في جامعة الإمام محمد بن سعود بكلية أصول الدين، وكان من بين تلك التزكيات تزكية سماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- ، وكذلك تزكية الدكتور: محمد بن سعد الشويعر الذي لازم الشيخ ابن باز -رحمهما الله-، وكان في ذلك الوقت في الرئاسة العامة لتعليم البنات، وبحمد الله -تعالى- وتوفيقه حين ذهبت للدراسة في الرياض في جامعة الإمام محمد بن سعود سنة 1979، كان من فضل الله علي أن التقيت بسماحة الشيخ الوالد عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-.

        بداية فإن الحديث عن سماحة الشيخ العلامة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- أمر أجد فيه حرجا وصعوبة، فهذا العَلَم العظيم والشيخ الكبير أثّر في تاريخ الأمة؛ لذلك رجعت إلى كتابين، الكتاب الأول: (سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- كما عرفته)، بقلم الشيخ محمد بن ناصر العبودي، وقد لازم الشيخ 12 عامًا في الجامعة الإسلامية، والكتاب الثاني: (عبدالعزيز ابن باز عالم فقدته الأمة مقتطفات من سيرته ومكانته العلمية)تأليف الشيخ الدكتور محمد بن سعد الشويعر -رحمه الله- (مستشار المفتي العام ورئيس مجلس إدارة مجلة البحوث الإسلامية) وقد لازم الشيخ 18 عامًا في الجامعة الإسلامية، وكانت دراستي عليه طوال أربع سنوات من 1979 إلى 1983 بحمد الله -تعالى-.

التعريف بالشيخ -رحمه الله-

        هو الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله بن باز، ولد -رحمه الله- في الرياض سنة 1330هـ وكان بصيرًا في أول أيام الدراسة، ثم فقد بصره في مرض أصابه سنة 1346هـ، فضعف بصره شيئًا فشيئًا بسبب المرض ثم ذهب إلى الكلية في مستهل محرم سنة 1350هـ، فحمد الله -تعالى- ودعا الله -عز وجل- أن يلهمه البصيرة في الدنيا وحسن الجزاء في الآخرة، وكان هذا المرض يسمى الرغيد وهو مرض يصيب العينين.

نشأته -رحمه الله-

        نشأ الشيخ ابن باز -رحمه الله- في كنف والدته؛ لأن والده توفي وهو صغير، وكانت أسرته تريده أن يعمل بالتجارة لجلب المال لهم، لكنه فضّل الدراسة على ذلك، فحفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم التحق بطلب العلم على يد العلماء في الرياض، وكانت البيئة التعليمية في ذلك الوقت عامرة بالعلم الشرعي عن طريق التعليم في المساجد والكتاتيب؛ فبدأ الشيخ تعليمه بحفظ القرآن الكريم - كما هي عادة السلف الصالح رضوان الله عليهم-.

مشايخه وطلبه للعلم

       تلقى الشيخ ابن باز -رحمه الله- العلم الشرعي على أيدي كثير من العلماء، ومن أبرزهم الشيخ محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ (قاضي الرياض ومفتي نجد)، وقد لازم حلقاته عشر سنوات، وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية، وذلك ابتداء من سنة 1347هـ إلى سنة 1357هـ، والشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (مفتي الديار السعودية ورئيس مجلس القضاء الأعلى) وسعدون حمادي المطلق (قاضي رجال ألمع)، والشيخ صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حسين ابن الإمام محمد بن عبدالوهاب، والشيخ سعد بن حمد بن عتيق، وسعد بن وقاص البخاري عام 1350هـ؛ وهو المعروف لدى البخاريين في مكة وما جاورها بالسيد وقاص القارئ، وكان الشيخ سعد بن وقاص قد تلقى جزءاً من تعليمه الديني بالأزهر الشريف في القاهرة.

أعماله ومناصبة

تولي الشيخ -رحمه الله- العديد من المناصب والمسؤوليات فكان نعم المسؤول وأدى الأمانة كما ينبغي وخير مما ينبغي.

تولي الشيخ للقضاء

        كان أول عمل عُين فيه الشيخ -رحمه الله- القضاء عام 1357هـ، وذلك بناءً على اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (مفتي المملكة سابقًا)؛ حيث كان الشيخ ابن باز ملازمًا له نحو عشر سنين، ما جعل الشيخ محمد مطمئنًا عندما رشحه للقضاء؛ لأنه لاحظ في سماحته ملامح النجابة وعلو الهمة، وبناء عليه أصدر الملك عبدالعزيز قرارًا بتعين سماحته قاضيًا على الخرج، وكان قضاء الخرج متمركزًا في الدلم، وقد وافق الشيخ -رحمه الله- على هذا المنصب طاعًة لولاة الأمر، مع أنه لم يكن يحب القضاء ولا يرغب فيه، وعندما وصل إلى الدلم استقبله أمير الدلم ناصر بن سليمان بن ناصر الحقباني -رحمه الله- وجمع غفير من الأهالي استقبالًا يليق بمكانته، فدخل إلى المسجد الكبير وصلى ركعتين تأسيًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أسفاره، وبعد الفراغ من التعارف والسؤال عن الأحوال وقف سماحته في الناس خطيبًا، فقال: «أما بعد، فإنني والله، ثم والله، ثم والله، لا أرغب القضاء، ولا أحب عمل القضاء، وإنما حملني على الموافقة أمر الله -سبحانه-، وأمر رسوله بالسمع والطاعة لولاة الأمور»، ثم بدأ يتكلم كعادته في نصح الناس وحثهم على طاعة الله وتقواه، حتى فرغ من المجلس، وقام.

رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء

          صدر الأمر الملكي بتعيينه رئيسًا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة 1395هـ، وفي عام 1414هـ صدر أمر ملكي بتعيينه مفتياً عاما للمملكة العربية السعودية، ورئيسًا لهيئة كبار العلماء، وكان نائبه في رئاسة هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالرزاق عفيفي، وبعد وفاته أصبح المفتي العام الحالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ نائبًا له، وعمل أيضًا رئيسا للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التي أصدرت هذه الفتاوى، وكان نائبه المفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ أيضاً، وكان رئيساً وعضواً للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ورئيساً للمجلس الأعلى العالمي للفتاوى، ورئيساً للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكان عضواً للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية في بريدة، وعضوًا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

المؤسس الفعلي للجامعة

        ثم إن الشيخ ابن باز -رحمه الله- بعد أن كان نائبا لرئيس للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كُلف بعد وفاة المفتي العام الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ من 1390 إلى 1395 ليصبح هو الرئيس، وكانت خدمته مجملة بين نائب الرئيس وبين رئيس الجامعة الإسلامية خمسة عشر عامًا، وقد عُين رئيسا للجامعة بأمر من الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى-، ويعدّ الشيخ ابن باز المؤسس الفعلي للجامعة، وهو من وضع أنظمتها والخطط في المجال الإداري والتنفيذي.

دروس الشيخ في المسجد النبوي

        كان للشيخ دروس أيضًا في المسجد النبوي يلقيها بعد صلاة الفجر وبين المغرب والعشاء، كما حرص الشيخ -رحمه الله- على أن يكون طلاب الجامعة دعاة حقا، داخل المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي بل في العالم كله، فكان الشيخ -رحمه الله- يكفل -بحسب علمي في حياته حينما- كان مفتيا قرابة ألفي داعية من حسابه الشخصي، غير ما يكون على حساب العمل، وحينما جاء تكليف الشيخ ابن باز بعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ جاء وقت كلّف فيه بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والدراسات والدعوة والإرشاد، وعندما فارق المدينة المنورة اجتمع الناس في حفل كبير أقيم لتوديع الشيخ، وكان وداع الشيخ -رحمه الله- لهذه الجامعة التي عاش فيها في المدينة المنورة، التي قال عنها - صلى الله عليه وسلم -: «المدينة خير لهم» كان في وداعه -رحمه الله- أن اجتمع المشايخ والطلاب، وكان قد أجهش بالبكاء وكان بكّاءً -رحمه الله-، وببكائه أبكى الجميع؛ لأنهم كانوا يعاملونه معاملة الوالد لأبنائه وإخوانه؛ مودة وألفة ومحبة وقلباً كبيرا مسامحا ويعفو -رحمه الله-.. حقا لقد كان عالماً قدوة.

استقبال الوفود في موسم الحج

        كان من عادة سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- أنه يتوجه إلى مكة لأداء الحج في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة تقريبا، ويمكث في مكة شهرًا كاملاً لأداء الحج وإلقاء الكلمات، وإنجاز الأعمال الخاصة بالحج ونحو ذلك، وكان الشيخ -رحمه الله- حريصًا على استجلاب العلماء من العالم الإسلامي، وكان من بين هؤلاء العلماء عالم الحديث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وأيضًا انتُدب الشيخ محمد الشعراوي والشيخ الأمين الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) وغيرهم من أهل العلم، وكان يبعث أحد المشايخ يقول اذهب إلى مصر فمشايخ مصر متميزون في قراءة القرآن وتحفيظه والقراءات؛ فبعث أحد المشايخ وهو الشيخ عبدالعزيز القاري، ولما ذهب إلى هؤلاء المشايخ في مصر رجع وأخبر الشيخ ابن باز بأن منهم من يحمل الفكر الصوفي فكيف نستجلبهم؟! قال الشيخ: ائت بهم نعلمهم التوحيد ويعلموننا القرآن، فكانت نظرته ذات أفق بعيد.

          وعند استقباله للوفود -سبحان الله!- ما رأيت في السماحة وسعة البال كالشيخ ابن باز -رحمه الله-، كذلك حرصه على الأمانة والتوعية في الحج، وهذا ما لمسته شخصيًا عندما حججت سنة 1982م؛ حيث كان يرأس هيئة الأمانة العامة للدعوة وتهيئة الناس؛ فكل ما يحصل من قضايا الحج والمباني التي في الحرم المكي أو المسجد النبوي أو في المشاعر، والتوسعات التي تحصل إنما هي تقوم على أبحاث علمية.

متابعة طباعة الكتب العلمية والترجمة

        وقد حرص الشيخ ابن باز -رحمه الله- على متابعة طباعة الكتب العلمية والترجمة، وكذلك توزيع الكتب العلمية ومستودع الكتب، وأذكر أننا عندما كنا طلابا ومعي الشيخ الحبيب الشيخ عبدالجبار سالم، كنا نذهب إلى المستودع، ونحصل على الكتب أكثر من مرة في السنة؛ بسبب علاقته الطيبة مع مدير المستودع، حينما تكون هناك كتب جديدة علمية كانت توزع بالمجان؛ فكنا نحرص على أن نكوّن مكتبة لنا، حيث كنا طلبة في أصول الدين، وكنا نحرص على اقتناء كتاب فتح الباري في شرح أحاديث البخاري بتحقيق الشيخ ابن باز وهو كتاب في ثلاثة عشر مجلدًا، وهو سفر من أسفار العلم العظيمة.

حرصه على الوقت

         وكان من أهم صفات الشيخ ابن باز -رحمه الله- حرصه على وقته، وهذا ما رأيته بنفسي حينما كنت أدرس في الرياض، فكان الشيخ -رحمه الله- له برنامج منظم جدا، تعلمنا منه حسن استغلال الوقت بالدقائق والساعات بانتظام يبدأ من صلاة الفجر، فكانت مجالسه -رحمه الله- عامرة بالعلم في المسجد وفي البيت، وكان يجلس بعد صلاة الفجر في المسجد إلى طلوع الشمس يقرأ عليه في بلوغ المرام، وفي النحو وفي زاد المستقنع مختصر المقنع، وفي كتاب التوحيد في بعض الأحيان، ثم يقوم -رحمه الله-، ويجلس في بيته غالب الضحى فيقرأ عليه المختصرات والمطولات -رحمه الله تعالى- إلى أن يشتد الضحى، ثم يجلس بعد الظهر فيقرأ عليه بعد الظهر في وقت الصلاة في المطولات، فيقرأ ويشارك في استماع الدروس، وهكذا بعد العصر-رحمه الله- إلى قرب الغروب، وهكذا بعد المغرب، يجلس بعد المغرب لقراءة الطلبة في الرحبية في علم الفرائض، وكانت مجالسه عامرة بالعلم، والتوجيه إلى الخير، والنصح لله ولعباده والإجابة عن أسئلة الطلبة مع العناية بالدليل، والترجيح.

العناية بالقرآن والسُنَّة

        كما كان من أبرز صفات الشيخ -رحمه الله- عنايته بالقرآن والسُنَّة علما وعملاً ودعوة؛ فالتربية بالقدوة عنده كانت في كل شيء، في أقواله ولباسه وأذكاره وصلاته وسواكه ونظافته وملازمته للسُنَّة، والقيام بكل ما يلزم، على الرغم من الوقت الكبير الذي يقضيه في خدمة الإسلام وزيارة المرضى والجنائز.

حفظ المتون والأسانيد والتحقيق

        ومن صفات الشيخ -رحمه الله- كما ذكر الدكتور محمد سعد الشويعر - وهذا مما لمسته بنفسي - حفظ المتون والأسانيد والتحقيق، وأذكر ما ذكره لي أحد الأخوة في مرة من المرات يقول: بحثت في علم الرجال فيما وجد من كتاب تهذيب التهذيب وتهذيب الكمال وغيره من كتب الموسوعات لشخص أحد الأخوة يدرس في قسم السنة، يقول: فلم أجد الراوي، بحثت في المطبوعات فلم أجد؛ فشاء الله -عز وجل- أن ألتقي بالشيخ ابن باز في محاضرة، وبعد المحاضرة سألته عن هذا العالم الذي لم أجده في المطبوعات، يقول فسكت الشيخ -رحمه الله- وكانت هذه طريقة الشيخ إذا سئل خفض رأسه - قليلا- استذكارا كما لو كان كالذي يفتح الكمبيوتر يريد أن يستدعي المعلومات، ثم يقول هذا الأخ ظننت أني أحرجت الشيخ حينما سألته هذا السؤال، ثم ذكر له هذا العالم اسمه ومولده ومشايخه وتلاميذه ورحلته في طلب العلم، يقول وأنا أصبحت أدوّن عسى أن أدرك الشيخ بما يقوله من معلومات ودرجة حفظه، وهل هو من الثقات أو من الذين تكلم عنهم في علم الجرح والتعديل؟

الحلم والتواضع

         أيضاً كان من أهم سمات الشيخ -رحمه الله- الحلم والتواضع - وهذه رأيتها بنفسي-؛ حيث كان الشيخ لا يرد سائلاً وابتسامته وخدمته للناس وكأنه ليس مفتيًّا عامًّا! وكان عنده سعة بال وصدر وكما قال النبي -[- لأشج عبدالقيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة»؛ فهو رجل جلس في مجلس القضاء، وكان يأتيه من الناس أحيانا الإنسان الحليم والإنسان الغضوب، وورد أنه كان في مجلس قضاء ودخل عليه أحد الناس الحمقى؛ فأخطأ على الشيخ وسبّ الشيخ ابن باز، والشيخ لا يرد عليه، بل أخذه بسعة حلمه -رحمه الله-، وتركه، ثم ذهب الشيخ -رحمه الله- إلى الحج، فلما ذهب إلى الحج قدر الله هذا الذي سبّ الشيخ توفي، ولما جيء بجنازته ليصلى عليها أبى إمام المسجد أن يصلي عليه وقال: هذا الذي سبّ الشيخ ابن باز أنا لا أصلي عليه صلوا أنتم عليه، فالشيخ لما بلغه هذا حين رجع من الحج وأنكر على ذلك الإمام أنه لم يصلّ عليه، وذهب بنفسه -رحمه الله- وصلى على قبره ودعا له، وهذا يدلنا في الحقيقة على طهارة قلبه وحلمه وتسامحه، وكان الشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: غفر الله لي ولك ورحمك. وكان هذا يدلنا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان مخموم القلب، التقي النقي الذي ليس في قلبه غل ولا حسد.

الكرم والجود

        وكان الشيخ-رحمه الله- من المشهود لهم بالجود والكرم، وهذا مما شهدته بنفسي - فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذهبنا له إلا ألزمنا بالغداء أو العشاء، وكنت أفرح لما يأتي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالرحمن المغراوي -حفظه الله- وكان من المغرب ممن تتلمذ على الشيخ ابن باز في المدينة المنورة، وكان عندما يأتي للشيخ ابن باز يتصل علي، فكنت أفرح بلقاء هذا الشيخ! وأفرح لأني سأستطيع أن أجلس مع الشيخ جلساته الخاصة للأسئلة، ولا أنسى حقيقة هذا الكرم بعد ما يسّر الله -سبحانه وتعالى- أن حُررت بلدي الكويت وذهبت إلى أهلي حينما خرجوا إلى الدمام ثم ذهبت إلى مكة مع أنسبائي نسلم على الشيخ يوم 26 من رمضان بعد الغزو العراقي يعني سنة 1991 فإذا بالشيخ -رحمه الله- يلزمنا بالإفطار عنده ليلة 27 من رمضان، فذهبنا أنا وأنسبائي قبل الإفطار وكان موعدنا مع الشيخ بأن نقرأ عليه قرابة الثلاثين سؤالا، كتبتها أنا ونسيبي عبدالعزيز السلطان عما حدث قبل الغزو وفي أثناء الغزو وبعد الغزو نستفتي الشيخ في قضايا ومسائل كثيرة.

الوفاء

         وكان من صفات الشيخ ابن باز -رحمه الله- الوفاء، كما حرص الشيخ على صلة الرحم ويدعو لهم وللمشايخ والطلاب وشيوخه، وكان يبكي أحيانا عندما يتذكر الشيخ محمد بن صالح بن إبراهيم الشيخ المفتي الذي كان قبله، وذلك فضلاً عن بره بوالدته التي توفيت ووالده الذي لم يدركه فكان يحسن إليها ويتصدق عنهم جميعا -رحمه الله تعالى-.

العطف على الفقراء

          وأيضًا من أبرز صفات الشيخ العطف على الفقراء والمحتاجين سواء كانوا طلاب علم أم غيرهم ومتابعة أحوالهم سواء داخل المملكة؛ حيث تأتيه الكتب والشفاعات سواء داخل المملكة وخارجها، ولا سيما للوافدين الغرباء والفقراء فكان يشفع لهم عند الملك أو عند ولي العهد أو الأمراء أو الوزراء.

         وهناك قصة عجيبة للشيخ -رحمه الله- وكان الشيخ مشهودا له بالتهجد وذكر الله -سبحانه وتعالى-، مرة من المرات كما ذكر شخص باكستاني يقول -ويُحدث عن نفسه بعد أن هداه الله-، يقول: تسلقت سطح بيت الشيخ ابن باز، وكان الشيخ يقوم الليل، وفي وقت تشهد الشيخ لينتهي من صلاة السّحَر سمع صوتا، فاتصل الشيخ ابن باز بالتليفون؛ لأنه كان يوجد حراسة فهو بمرتبة وزير وهو المفتي العام. فقبضوا على هذا السارق، فلما قبضوا عليه أمر الشيخ ابن باز أن يوقظوا الطباخ ليطبخ للضيف، وعدّ السارق ضيفاً! يروي هذه الحكاية هذا الشيخ الباكستاني، وبعد أن أيقظ الطباخ ليطبخ ثم جلس مع الأمن أو الحماية وقال للسارق: ما الذي حملك على السرقة؟ قال: والله ما أتيت إلا لحاجة، فإن والدتي في باكستان مريضة وقد أرسلوا لها خمسة آلاف ومطلوب خمسة آلاف أخرى ولا أملك هذا فدفعتني الحاجة إلى ذلك حتى أنقذ حياة أمي! فما كان من الشيخ -رحمه الله- إلا أن أمر بالاتصال في باكستان بمشايخ هناك من المنطقة نفسها التي كان يسكنها، فلما تثبت -رحمه الله- من حاجة الأم ومصداقية هذا الشاب الباكستاني دفع له عشرة آلاف ريال سعودي معونة له من أجل علاج والدته. وهذا يدل على عطفه وسعة باله ومسامحته -رحمه الله-.

التسامح والصفح

        وكان أيضا من صفاته -رحمه الله- التسامح والصفح وهي سجية ثابتة فيه لمن أساء إليه ولمن خالفه، ويذكر أحد المشايخ نقلا عن أحد الإخوة أن الشيخ محمد الغزالي كان له آراء في بعض المسائل يخالف فيها الشيخ ابن باز ولم يجتمع معه، لكن حين زار المملكة العربية السعودية وشاء الله أن يجتمع مع الشيخ محمد، وكان الشيخ ابن باز ينصح المشايخ في السرّ وفي المجالس الخاصة احتراماً لهم، وكان يحترم مخالفيه، فبعد أن انتهى الاجتماع مع الشيخ، سئل الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- عن الشيخ ابن باز ما رأيك في الشيخ ابن باز؟ قال: رأيت أن هذا الشيخ كأنه يحدثنا من الجنة.

دور كبير في رابطة العالم الإسلامي

كان للشيخ دور كبير في رابطة العالم الإسلامي فيما يخص المجلس التأسيسي والمجمع الفقهي وإدارة المؤتمرات والجلسات والدعوة، وكان -رحمه الله- يدعو الحكام إلى التحاكم إلى شريعة الله -عز وجل- من خلال رسائل إلى الحكام والملوك، والدعاء لتمكين الأمة والنصرة لها، ولا سيما في قضايا حل مشكلات المسلمين بالشورى وشفاعة العلماء في بلادهم والدعوة في العالم الإسلامي بل والعالم كله، والإغاثات ووضع الحلول في الفتن ولا سيما في الغزو غزو الكويت على سبيل المثال، ومؤتمر في مكة .

آثار عظيمة

        الشيخ ابن باز -رحمه الله- كانت له آثار عظيمة في هذه الأمة وتاريخها، ولا سيما دوره في المجالس العلمية، وتوحيد البلاد في المملكة العربية السعود منذ عهد الملك عبدالعزيز وأبنائه، وحرصه الدائم على الأمن ودرء الفتن والمفاسد، وكان رحمه الله صمام الأمان في شؤون الحياة، وفي تطوير التعليم والاستقرار في الميادين العلمية والتنظيمية للدولة، والنظرة الشمولية والإعلام والدعوة.

صمام أمان

     كان الشيخ ابن باز -رحمه الله- صمام الأمان الشرعي ليس فقط للمملكة العربية السعودية، بل للعالم الإسلامي أجمع، فكان يرجع إليه العلماء من كل العالم الإسلامي، وكان يهتم بمتابعة أحوال المسلمين في كل حال، بل كان يحل كثيرا من المشكلات التي حصلت في أفغانستان وجمع أهل الأفغان داخل الكعبة لئلا يختلفوا ولا يتنازعوا، وأن يحرصوا على تطبيق شرع الله -عز وجل- بالتدرج ومراعاة أحوال الناس بعد أن خاضوا تلك المعارك مع الروس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك