رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد السعيدي 28 أبريل، 2025 0 تعليق

محاضرات منتدى  تراث الرمضاني الخامس .. أعلام وقدوات أثروا في تاريخ الأمة .. الإمام محمد ابن عبدالوهاب -رحمه الله- المحاضرة   5

  • محمد بن عبدالوهاب كان من عائلة علمية فوالده كان أحد علماء نجد وكذلك جده وكذلك والد جده وأخوه وعمه وتولى والده القضاء في بلدة العُييّنة
  • لما وصل محمد ابن عبدالوهاب إلى الدرعية تعرف على إمام الدرعية وكان بينهما ذلك العهد الذي عُرف عنهم وقامت بموجبه الدولة السعودية في ثوبها الجديد
 

إنَّ العَلَم الذي نتحدث عنه اليوم علمٌ غير الأعلام، بمعنى أنه لا يملك في تاريخه تراثًا علميًا فحسب بل يملك في تاريخه أمةً كاملة قام بتجديد دينها وإحياء التوحيد فيها من جديد، ذلك التوحيد الذي غاب عن الأمَّة نقول غاب عن الأمة أي لم يعد موجودا في حياة الأمة، ولم تعد الأمة تتكلم عنه، ولم تعد تعزو انتصاراتها له أو تعزو هزائمها إلى نقصه، بل كانت تمتدح بالشرك وتعزو كل شيء الى غير الله -سبحانه وتعالى-.

ولنبدأ بشيء من سيرته -رحمه الله- التي لا أعتقد أنها بعيدة عن الإخوة المستمعين؛ لذا فالإغراق فيها إغراقٌ في شيء معروف؛ لذا سأجعل الشبهات التي أحاطت بالإمام من حين أن ظهر وظهرت دعوته إلى اليوم هي المجال الأكبر للحديث.

اسمه ونسبه

         هو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي المشرفي، نسبة إلى جده مشرف الوهيبي، وقبيلته يسمون الوهبة، وتنتسب هذه القبيلة إلى بني تميم، ولا أعلم في كتابات الشيخ محمد بن الوهاب أنه انتسب الى تميم، وعدم انتسابه لا يعني عدم نسبته الصحيحة، ولكن يعني أن النسب لا يقع في حياته في منزلة فوق منزلته التي جعله الله عليها؛ فالنسبة عند محمد بن عبدالوهاب هي متممة لحكمة الله -تعالى- التي أشار اليها في قوله -تعالى- {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}؛ لذا فلم تكن النسبة عنده -رحمه الله- لتبلغ ذلك الفخر العظيم الذي يقوم بعض النسابة أو بعض طلاب العلم حين يترجمون للشيخ، مع أن الشيخ لم يطل فيه بل لم يذكره بتاتا.

عائلة علمية

         الأمر الآخر أن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- كان من عائلة علمية؛ فوالده كان من أحد علماء نجد، وكذلك جده وكذلك والد جده وأخوه وعمه، ووالده تولى القضاء في بلدة العُييّنة، والعُييّنة كانت بلدةً قويةً في محيطها؛ إذ كان يرأسها آل معمر، وكانوا أقوياء في محيطهم وكان لهم ولاءٌ للأحساء، بمعنى أن حاكم الأحساء كان يرسل معونات للبلاد القريبة منه والبعيدة منه قليلا كي يأمن تحالفها ضده، فكان ممن يعطيهم تلك المعونات إمارة العُييّنة التي كان يرأسها آل معمر. وقد وُلد ونشأ الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في مدينة العُييّنة وإن لم يكن أصل نسبته اليها، بل إن والد الشيخ قد سكن في العُييّنة قاضيا وأطال سكناه فيها حتى أصبحت بلاده وإلا فأصلهم من بلدة أخرى في نجد اسمها أُشيقر وهي أيضا للمعلومية بلدة مشهورةٌ بالعلماء، وجاء الشيخ عبدالوهاب من تلك البلدة الى بلدة العُييّنة التي وُلد ونشأ فيها الشيخ محمد ودرس على والده القرآن الكريم وبقية العلوم التي كانت معروفةٌ في عصره كعلم الفقه.

دراسته على أئمة الحرمين

          درس الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- على والده ونبغ فيه بسرعة وذهب إلى الحج، ثم عاد وبعد عودته بفترة يسيرة تزوج ثم بعد ذلك بدأ يخبر عن مكنونه وهو نقده لما عليه الناس ولكنه لم يفصح كثيرًا بل استأذن والده وذهب إلى الحج مرةً أخرى وكانت رحلته هذه هي الطويلة التي درس فيها على أئمة الحرمين من علماء الفقه، ودرس الحديث أيضًا على الشيخ محمد حياة السندي في المدينة، ووجد هناك الشيخ الشماري الذي كان بينه وبينه صداقة، وكان اسمه ابن جامع عبدالله، واتجه بعد إقامته في المدينة وذهب إلى العراق فأقام في البصرة زمنا ودرس على الشيخ المجموعي نسبة الى بلدةٍ يقال لها المجموعة قريبةً من البصرة، وكانت قراءته على الشيخ المجموعي في الحديث وفي غيره من العلوم، وألف هناك في البصرة كتاب التوحيد لكي يعالج به مشكلات أهل البصرة من أهل السنة.

عودته إلى الإحساء

          وكانت النقمة عليه حينما ألف كتاب التوحيد، وبدأت هذه النقمة شيئا فشيئا إلى أن طُرد من البصرة وذهب الى الزبير ثم إلى الإحساء وهناك التقى بابن عمته الشيخ ابن فيروز وهو الوالد، لأن هناك محمد بن فيروز وهناك الحفيد هؤلاء كان أبوهم متماشيا مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وكان عنده كتب ابن تيمية؛ فاطلع الشيخ محمد على كتب ابن تيمية اطلاعا واسعا من خلال ابن فيروز، وكان اطلاعه جيدا ومثبتا لما عنده، ولعل الشيخ محمد لم يكن هذا أول اطلاعه على كتب ابن تيمية في ذلك الوقت، بل اطلع أيضًا على كتب ابن تيمية في العراق وأيضًا في نجد، ولكنها لم تكن بتلك الكثرة التي وجدها عند ابن فيروز، وقد عاد من تلك الرحلة بعد ذلك إلى نجد، وقد ذكر عدد من الباحثين أن الشيخ محمد -رحمه الله- ذهب إلى بغداد والموصل والنجف وأيضا إلى الشام، وتناقلوا هذا الكلام عن بعض المستشرقين، وهذا الكلام ليس بصحيحٍ قطعًا؛ فمحمد بن عبدالوهاب لم تتجاوز رحلته تلك الأماكن التي ذكرت وهي البصرة والزبير والمدينتين الشريفتين مكة والمدينة، وفي النهاية رجع الشيخ ولكن ليس إلى عُييّنة التي كان قد ترك والده فيها، وإنما عاد الى حُريملاء وهي مدينةٍ أخرى ذهب اليها والده بعد خلافه مع أمير العُييّنة في هذا الوقت، وكان يسمى خِرفاش، واختلف معه بعدما كان قاضيا عنده.

الكتابات عن الشيخ -رحمه الله-

          وممن نقل هذا الخبر وهو خبر رحلته الطويلة، أناسٌ كتبوا بإيجابيةٍ شديدة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ليس كلهم ممن كتب كتابات سلبية عن الشيخ -رحمه الله-، فممن كتب كتابات إيجابية عن الشيخ محمد كان الشيخ عبدالمتعال الصعيدي كتب كتابات إيجابية عن الشيخ -رحمه الله-، ومع ذلك ذكر أنه ذهب إلى أصفهان وما إلى غير ذلك، وكذلك الكاتب أحمد أمين كتب كتابات إيجابية ومع ذلك ذكر هذه الأمور أو هذه السفرة وهذا خطأ أخذوه عن كتابٍ لمع الشهاب وهذا كتاب ليس بصحيحٍ كل ما فيه، بل فيه أشياءٌ خطأ جدًا ذكرت عن الامام محمد بن عبدالوهاب، بل ذكرت أيضًا عن الدولة السعودية وهو كتابٌ لم يُذكر فيه اسم مؤلفه وإن كان بعضهم قد خرص من هو ولكن لا تهمنا هذه الآن، لكن الواضح حينما ذكر سفراته تلك أتاح لكثير من العابثين أن يذكروا شبهاتٍ حول الامام محمد بن عبدالوهاب، منها: أنه تعلم الفلسفة ومنها أنه ناظر في الفلسفة وتلك العلوم وقالوا أشياء كثيرة من خلال قوله بسفرته تلك.

وفاة والده وإعلان دعوته

        وبعدما توفي والده عام 1152 هـ -١٧٤٠م بدأ بإعلان دعوته والجهر بها، وذلك أن والده كان يحضه على عدم الجهر وعدم منابذة الناس، وكان هناك فتيةٌ ممن يعبثون في البلدة لم تعجبهم دعوة الشيخ ولم يعجبهم كلامه؛ فقفزوا على بيته ليقتلوه ولكن الله -سبحانه وتعالى- نجاه بجيرانه وغيرهم فخرج هو من حريملاء؛ لأنه عرف ألا سبيل له فيها؛ لأن السبيل في رأيه يكون عن طريق علاقةٍ مع أمير القرية.

ذهابه إلى العُييّنة

         ذهب الشيخ إلى العُييّنة ووجد الحاكم وهو عثمان بن معمر وكان قابلا لدعوة الشيخ ورضي بما أخبره الشيخ محمد بن عبدالوهاب من خيرٍ سيحصله عند إقامة تلك الدعوة، وأقام الحدود في تلك البلدة وقام برجم زانيةٍ في تلك البلدة وكان هذا الرجم مدعاةً لكثير من المتصيدين على الشيخ وعلى دعوته، ولا زال حتى في هذه الأيام يُذكر ذلك الرجم ويقال عنه عبارات سيئة في النيل من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مع أنه كان رجمًا صحيحًا مبنيا على قيادة تلك المدينة واعتراف تلك المرأة، ولم يكن ذلك الرجم أمرا عبثيا كما حصل في الوقت الحاضر من بعض الجماعات التي لم تحكم بلادها ولم يكن لها إدارةٌ فيها، حصل منهم مثل هذا الرجم فكان خطأ عندهم، ولكن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- لم يكن ذلك خطأ عنده، فالأخذ بهذا الحادث كمثلبة من مثالب الشيخ هذا يدل على جهل هذا الآخذ. وكذلك هدم قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه  الذي وضعت له قبةٌ قرب العيينة، وهذا الهدم أيضًا يؤخذ على الشيخ محمد من القبوريين حتى اليوم، الذين يعتمدون على القبور في دعاواهم في جميع ما يأنسون به من الخير، حينما يأنسون خيرا يدعون صاحب قبرٍ أو يرجعون ذلك الخير الذي لمسوه الى ذلك القبر.

وصوله إلى الدرعية

        ولما وصل الشيخ -رحمه الله- إلى الدرعية نزل في دار أحد تلاميذه وهو: بن سويلم، ثم تعرف على إمام الدرعية وكان بينهما ذلك العهد الذي عُرف عنهم الذي قامت بموجب ذلك العهد الدولة السعودية في ثوبها الجديد؛ حيث كانت قائمة قبل ذلك بسبعة وعشرين عامًا بتلك البلدة؛ حيث قامت 1130 ه- ١٧١٨م ـ، ولم تكن دولة بمعناها الواضح اليوم وإنما كانت بلدة صغيرة.

نصيحته للأمير محمد بن سعود

        ثم بعد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب قال الشيخ -رحمه الله- للأمير محمد بن سعود -رحمه الله-: «أما الإتاوات التي تأخذها» لأن محمد بن سعود -رحمه الله- كان يأخذ أتاوة سنوية من شعبه كانوا يسمونها العادة ليقوم بأمر الدولة فقال له: «سيغنيك الله عنها بما سيهبه لك من القدرة والقوة التي ستؤول إليها بإذن الله»، وبالفعل قام محمد بن سعود -رحمه الله- بمناصرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في دعوته، وقامت دعوة الشيخ في ذلك التاريخ قياما جيدا حينما تآزرت بدولة لأنها كانت الدولة قائمة بهذا الأمر ومتحمسةً له، وكان محمد بن سعود -رحمه الله- مع هذا الأمر، فقامت بمراسلة البلدان ولحسن الحظ أن تلك البلدان وافقت بسرعة على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- نقص والبلدان.

جمع شتات الدولة

       فهذه الفتنة لم تصب محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله - أو الدولة السعودية ببأس، وإنما جمعتها بقوتها وبصلابة رأيها وعرفت الناس على قيامها على التوحيد وأنها لن تتراجع على ذلك، ثم قام الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بحرب القرى التي نقضت عهدها معه وقت الأزمة، وهذا أمر مُسَلَّم به فقام بدوره وواجبه بجمع شتات دولته وإعادتها.

الدرعية محط لطلاب العلم

        فظل محمد بن عبدالوهاب قائمًا في هذه الدولة ينشر العلم الذي أعطاه الله إياه، وكانت الدرعية في وقت محمد بن عبدالوهاب محطة لطلاب العلم، وقد جاءها من اليمن أكثر من ثمانين عالمًا يطلبون التزود بالعلم، وجاءها من الأماكن الأخرى أناس كثير يطلبون العلم، وكانوا يطلبون بالأخص علم العقيدة والتوحيد، وانتشر التوحيد في تلك المملكة انتشارا عظيمًا، وأصبح الأمن رائدًا.

وفاة الشيخ -رحمه الله-

       توفي محمد بن عبدالوهاب سنة 1206هـ- ١٧٩٢م أي قبل سقوط الدولة السعودية الأولى بما يزيد عن العشرين عامًا، وهذا السقوط ناتج عن امتداد الدولة بعد وفاة محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- إلى الحجاز، ولا يوجد مجال هنا لذكر الحجاز ودعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- بها، وكيف كانت الحجاز في بداية الأمر سببًا في سقوط الدولة لكننا نتكلم عن التكفير، فالدولة السعودية أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن تكفر الأعيان بمعنى أن فلانا من الأشخاص باسمه لم يكونوا يكفرون إلا في أحيان معينة.  

الدعوة الإسلامية الصحيحة

       دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- ليست جديدة؛ بل هي الدعوة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعون وأتباع الصحابة وتابعوهم إلى ما بعد سنه 300 من الهجرة، وكانت هي الدعوة الوحيدة ولكن دخلت البدع بعد ذلك وبدأت تنتشر وتكبر بسبب بعض القيادات إلى غير ذلك من الأمور.  

أولاد الشيخ -رحمه الله-

       توفي الشيخ محمد عبدالوهاب -رحمه الله- وله من الأبناء علماء كبار وهم عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، وحسن بن محمد بن عبدالوهاب، وحسين بن محمد بن عبدالوهاب، وهؤلاء كانوا علماء كبارا وأيضا عنده ابنته فاطمة وهي إحدى العالمات، وكذلك ابنته سارة فبعض الكتب وجدت باسمها، وللعلم أن محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- سمى أبناءه حسن وحسين وابنته فاطمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك